مقالاتمقالات مختارة

ذكريات من زمن الصحوة ملتقيات الفكر الإسلامي

ذكريات من زمن الصحوة ملتقيات الفكر الإسلامي

بقلم عبد العزيز كحيل

بدأت – فيما يبدو – ندواتٍ مصغرةً في بيت مالك بن نبي رحمه الله ثم تلقفها نظام الحزب الواحد ابتداء من 1970 وجعلها لقاء سنويا تشرف عليه وزارة الشؤون الدينية، وكان ذلك لامتصاص غضب الإسلاميين وعامة الشعب بعد التوجّه الماركسي الواضح في سياسة بومدين بحيث اتجه تسيير المؤسسات والفلاحة إلى تقليد حرفي للنظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي والصين، وكان النظام يرفع الإسلام كشعار مع شعارات مناقضة له تماما، وكطمأنة رمزية للشعب المتمسك بدينه.

ويستطيع المطلع على أشغال الملتقيات في كل فترة السبعينيات – وهي مسجلة بالكامل في مجلة الأصالة – أن يلاحظ غلبة الاتجاه اليساري عند أكثر المحاضرين إلى جانب الحضور القوي للمستشرقين.

شاركتُ بفضل الله في أربعة ملتقيات:

  1. 1.ملتقى باتنة: انعقد سنة 1978 وكان آخر ملتقى في عهد بومدين في قاعة المحاضرات الكبرى بالمدينة، وحضر من العلماء البارزين الشيخ البوطي، والحقيقة أنه ردّ بقوة على افتراءات بعد المحاضرين اليساريين، وما سجلته آنذاك سهولة الاحتكاك بالوزير مولود قاسم، فقد كان في غاية التواضع (والحدة أيضا عند الاقتضاء)، كما أذكر أن موفد الإتحاد السوفييتي للملتقى (يسمي نفسه عبد الله عبد الغني، وهو اسم مستعار بطبيعة الحال) حاضر عن الأسرة وسألتُه عن حال الأسرة المسلمة في الاتحاد السوفييتي فصوّرها وكأنها من بيوت المهاجرين والأنصار من حيث الحرية والعزة !!!وهكذا حال علماء السلطان دائما.
  2. 2.ملتقى العاصمة: كان ذلك سنة 1981 تحت إشراف الوزير عبد الرحمن شيبان وبحضور مكثف للعلماء والدعاة العاملين من مختلف البلاد العربية والإسلامية على رأسهم الشيخ محمد الغزالي، انعقد في نادي الصنوبر وكان موضوعه “القرآن الكريم” وشعاره قول الشيخ البشير الإبراهيمي “يا أهل القرآن لستم على شيء حتى تقيموا القرآن”، تميّز بحضور شيعي كبير في قاعة المحاضرات والأحياء الجامعية، حيث يقيم المشاركون من الطلبة (مع العلم أن كثيرا من المعمّمين كانوا يحاضرون وهم يدخنون السجائر والغليون !!la pipe
  3. ملتقى قسنطينة: انعقد سنة 1983بقاعة المحاضرات الكبرى بالجامعة المركزية وحضره أقطاب العلم والدعوة على رأسهم القرضاوي والغزالي والبوطي وطه جابر العلواني ومعروف الدواليبي وروجي جارودي ووهبة الزحيلي، وكان موضوعه ” الاجتهاد”، وخطب الشيخ القرضاوي الجمعة في الجامع الأخضر (المسجد الذي قضى الإمام ابن باديس حياته في التدريس فيه)، وقد صلينا بالفعل فوق بعضنا لاكتظاظه بالمصلين.

التقيت الشيخ القرضاوي مع جمع من الشباب وكلّمته بالعربية الفصيحة التي يحبها وركزت على انتهاجنا نحن الشباب لمنهج الاعتدال والوسطية ونبذ التطرف فأعجب بكلامي وتهلّل وجهه وأوصانا بالثبات على ذلك.

  1. ملتقى تبسة: هو آخر هذه الملتقيات، ومن تلك السنة – 1989 – لم ينعقد أبدا.

حضرته الوجوه البارزة في العالم الإسلامي ومعهم الشيخ راشد الغنوشي، ألقى الشيخ القرضاوي درس الجمعة في مسجد “العهد الجديد”، ولتفادي ما حدث في قسنطينة بكّرت إلى المسجد واستمتعت بالدرس غير أن خطيب الجمعة – وهو شخصية معروفة، عليه رحمة الله – لم يحسن اختيار موضوعه ولم يتناغم مع الدرس.

في نهاية المطاف حقّق التغريبيون مبتغاهم وأوقفوا تلك الملتقيات التي طبقت شهرتها الآفاق وكانت شامة في جبين الجزائر، وما زلت الأقلية العلمانية ناقمة عليها إلى الآن لأنها كانت محطات علمية وإيمانية ربطت الأمة بالإسلام والعربية ربطا قويا، ومكّنت الشباب من النهل من فحول العلماء والاختلاط بهم ومحاورتهم والتعلم منهم.

ممّا لاحظتُه أن حضور علمائنا كان محتشما دائما ومداخلاتهم لا ترقى مستوى نظرائهم المشرقيين وحتى المغاربة مع الأسف.

للأمانة أسجل أن أحمد مراني سعى طيلة تواجده على رأس وزارة الشؤون الدينية إلى إعادة بعث الملتقيات لكن الاستئصاليين المتنفذين أفشلوا مساعيه.

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى