مقالاتمقالات مختارة

د. وصفي أبو زيد يكتب: الرئيس الشهيد محمد مرسي … حقائق وواجبات

د. وصفي أبو زيد يكتب الرئيس الشهيد محمد مرسي … حقائق وواجبات

الحياة بلا شهداء لا قيمة لها، والأرض بلا دماء لا تنبت إلا الخور والضعف والهزيمة، ومن ظن أن المعركة بين الحق والباطل ستمر بسلام وبلا تضحيات وبلا مواجهة فهو واهم، وقد أمرنا الله تعالى بالاتحاد ومولاة المؤمنين بعضهم بعضًا، فقال: “وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)” سورة الأنفال.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ باللَّهِ وَلا تَعْجَزْ” [رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة].

وقال الشاعر أبو القاسم الشابي في قصيدة: “فلسفة الثعبان المقدس”:

لاشيءِ، إلا أنني متغزلٌ ** بالكائنات، مغرِّدٌ في غابي
«أَلْقَى من الدّنيا حناناً طاهراً ** وأَبُثُّها نَجْوَى المحبِّ الصّابي»
«أَيُعَدُّ هذا في الوجود جريمةً؟! ** أينَ العدالة ُ يا رفاقَ شبابي؟»
«لا أين؟، فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا ** رأيُ القويِّ، وفكرة ُ الغَلاّبِ!»
«وَسَعَادة ُ الضَّعفاءِ جُرْمُ ما لَهُ ** عند القويِّ سوى أشدِّ عِقَاب!»
ولتشهد- الدنيا التي غَنَّيْتَها ** حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعةَ الإعجابِ
«أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقةٌ مَكْذُوبة ٌ والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي»
«لا عَدْلَ، إلا إنْ تعَادَلَتِ القُوَى ** وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب»

إن في ارتقاء الرئيس الدكتور محمد مرسي عددًا من الحقائق، وعددًا آخر من الواجبات يجب أن نتوقف عندها:

الحقيقة الأولى: خلقنا الله في هذه الحياة للابتلاء والاختبار والتمحيص والتمييز، قال تعالى: “مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ”. [آل عمران: 197]. وقال: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)”. [العنكبوت]. وقال عز شأنه: ” وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا”. [الفرقان: 20]. وقال سبحانه: “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ”. [الملك: 2].

ومن لم يدرك هذه الحقيقة فيجب أن يدركها حقًّا، ويحياها صدقًا؛ لأن من لن يدركها فسوف يتعب كثيرًا ويشقى كثيرًا.

الحقيقة الثانية: أن من سنن الله تعالى التي أقام عليها الحياة والأحياء سنة التدافع بين الحق والباطل، وأناط بهذه السنة صلاح الأرض وعدم فسادها، وأقام عليها الأمن واستبقاء العمارة والحضارات، قال تعالى: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ”. [البقرة: 251]. وقال عز شأنه: ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ”. [الحج: 40].

الحقيقة الثالثة: أن العبرة في هذه الحياة ليس بتحقيق النصر والفتح، وإن كان ذلك غاية محببة إلى النفس: “وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ”. [الصف: 13]. ولكن العبرة بالثبات على الحق، والاستمساك بطريق الاستقامة، دون انحراف أو ميل أو زيغ أو هوى، وهذا يحتاج إلى قوة إيمانية عظيمة، وصلابة نفسية كبيرة، وإعداد شامل وتضحية عزيزة، كما قال الإمام حسن البنا: “إنَّ تربية الأمم وتكوين الشعوب ومناصرة المبادئ، تحتاج من الفئة التي تريد ذلك إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء لا يعدو عليه تلون أو غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع أو بخل، وإيمان بالمبدأ ومعرفة به، يعصم من الخطأ فيه أو الانحراف عنه أو المساومة عليه أو الخديعة بغيره”.أ.هـ.

الحقيقة الرابعة: أن الشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، وهم مع النبيين والصديقين والصالحين، وأرواحهم في حوال طير خضر كما ثبت في السنة، وقال تعالى: “وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ تَۢا ۚ بَلۡ أَحۡیَاۤءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ یُرۡزَقُونَ”. [آل عمران: 169]، وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ أرواحَ شُّهداءِ المسلمينَ في حواصِلِ طيرٍ خضرٍ تغدو إلى رياضِ الجنَّةِ ثمَّ يكونُ مأواها إلى قناديلَ معلَّقةٍ بالعرشِ فيقولُ لهم الرَّبُّ تبارك وتعالى أتعلمونَ كرامةً أفضل من كرامةٍ أُكرِمتُموها فيقولونَ لا إله إلّا أنت إنّا ودِدنا أنَّكَ أعدتَ أرواحَنا في أجسادِنا حتّى نقاتِلَ مرَّةً أخرى فنُقتَلَ في سبيلِكَ”. [أخرجه ابن حجر العسقلاني في تسديد القوس ١/٢٩٠، وأصله في مسلم]

ومن ثم فلا حزن ولا قلق على هؤلاء الشهداء، وإنما الحزن يجب أن يكون على أنفسنا: حرصًا على الثبات، واستمساكًا بالحق، وجهادًا في سبيله، ومعانقة ذلك كله إلى أن نلقى الله تعالى صابرين محتسبين ثابتين صامدين.

الحقيقة الخامسة: أن ما رآه العالم الإسلامي والبشرية كلها من تجاوب كبير وواسع مع هذا الحدث الجلل، وصلاة الغائب التي أقيمت عليه من أقصى الأرض إلى أقصاها ومن أدناها إلى أدناها، لهو دليل قاطع على وجود هذه الأمة، وأنها أمة واحدة، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وأن الحق أبلج والباطل لجلج، وأن نبض جماهير أمتنا المسلمة لا يخطئ أبدًا، ولا يموت أبدًا.. قد يضعف أو يوهن أو يمرض لكنه يصح ويتعافى ويقوى مع الأحداث وتقليب الأمور وإجراء الأحداث وإدالة الدول، وتلك والله عاجل بشرى الرئيس الشهيد بإذن الله تعالى.
***

وأمام هذه الحقائق التي تتجلى لنا في هذا الحدث الكبير فإن علينا واجبات يجب أن نقوم بها ليس من أجل رئيس مصر الشرعي الوحيد فقط، وإنما من أجل القضية التي مات عليها، والحق الذي حمله، والأخلاق التي جسدها:

الواجب الأول: هو الصلاة عليه والدعاء له، والقنوت على الظالمين القتلة الفجرة، الذين دبروا هذا بليل بتواطء وضوء أخضر من المجتمع الدولي المتآمر، والحمد لله، لقد قامت الأمة من هذا بالشيء الكثير حتى كان أول مكان صلي عليه فيه المسجد الأقصى، وأن نحكي قصة مرسي لأبنائنا وأحفادنا ومن حولنا، وكيف أن قافلة الحق تسير عبر التاريخ تشق طريقها، وتمخر في عباب البحر سفينتها؛ ثابتة صامدة سامقة باذخة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وعلينا أن نكون ضمن هذه القافلة.

الواجب الثاني: هو التعويل على أنفسنا بعد الله تعالى، وليس على الغرب ومؤسساته وأنظمته المتآمرة التي ليس أعجبها ما صدر عن الإدارة الأمريكية من أنهم “بلغهم موت مرسي وليس لديهم تعليق”!! ولو ماتت قطة في أي مكان في الأرض لأبدت الإدارة الأمريكية القلق وكذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية!

ثم ليس من العقل أن نتحاكم إلى من أوقعوا بنا هذا المكر، وكادوا لنا هذا الكيد، ولن ينفعنا إلا ما نعده من “قوة” كما ذكرت الآية الكريمة من سورة الأنفال، وما نملكه من أدوات، وما نؤسسه من مؤسسات.

الواجب الثالث: هو واجب الوحدة والتقارب بين كل فصيل على مستوى دائرته الخاصة، وبين كل الفصائل والجهات عامة، وتنحية القيادات من كل فصيل التي هي سبب من أسباب هذا الفشل الرئيسة والعجز والانقسام، وأن تقام في هذه الدوائر الشورى الحقيقية والشفافية الكاملة، والمراجعات الجذرية، والدفع بالشباب العقلاء الذين يقدرون الماضي ويتطلعون للمستقبل.

الواجب الرابع: إحياء جذوة الثورة في مصر على وجه الخصوص واستعادة قوتها، واستكمال أدواتها، والسعي بكل قوة وثبات نحو هذا الانقلاب وخلعه من جذورة، ومحاكمة أكابر مجرميه في محاكم ثورية، وتطهير مؤسسات من مجرميها وفاسديها ومفسديها وبناؤها من جديد، وهذا هو عمل الثورات، عمل تغييري جذري لا يعرف الترقيع ولا الرقاعة!

الواجب الخامس: بذل كل الوسع في استنقاذ المعتقلين الذين هم وجهاء مصر الأخيار، وعظماؤها الأبرار، ولا أظن أن قتل الرئيس مرسي سيتوقف عنده الإجرام، وإنما سيمتد ليشمل من دونه من القيادات الثورية والتنظيمية؛ ليسلم الأمر للسيسي وزبانيته في ظنهم وتدبيرهم، وعدم الاكتفاء برفع راية الصبر والصمود والثبات؛ فإن الاكتفاء بذلك من أسباب الاضطراب النفسي، والإلحاد العقدي، وربما ارتكاب جرائم بحق قيادات الفشل والعار المقيمين بالخارج الذين كانوا – ولا يزالون – جزءًا رئيسًا من المشهد الذي وصلنا إليه.

الواجب السادس: لابد من عمل تنسيقية حقيقية للثورات العربية؛ لأن الثورة العربية المضادة لا تعمل عملًا محدودًا في قُطر من الأقطار، وإنما يعملون عملًا جماعيًا إقليميًا ودوليًا، وما لم يقم المسلمون والأحرار معهم بهذا الواجب تكن فتنة في الأرض وفساد كبير كما قرر القرآن الكريم، ويجب أن يكون هناك وعي بتاريخ الثورات، ومعطيات الواقع، والتنبه لما يحاك بالثوارت من أعدائها، فإن المعركة التي يخوضها الربيع العربي شرسة وقوية، ولن ترسى الشعوب معها على شواطئ الحرية والاستقلال إلا بأنهار من الدماء، وأخذ بكل الأسباب الممكنة، وطرق كل الأبواب، والعمل المخلص المتجرد المتواصل حتى تندحر الثورة الاستعمارية، وتنتزع الشعوب بقياداتها الواعية حريتها واستقلالها وعزتها وكرامتها، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبًا.

(المصدر: مجلة “كلمة حق”)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى