د. مُثنى الضاري: “الحشد الشعبي” يمارَسَ الإجرامَ والإرهابَ ضدّ العراقيين بمختلف انتماءاتهم
أجرى الحوار عبد الحميد قطب
قال الدكتور مُثنى حارث الضاري، مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق: إنّ النظام السياسي القائم في العراق أدخلَ البلادَ في نفقٍ طويل مظلم زاخرًا بالمآسي والكوارث، وأنّه وُلد ليُبقي البلاد في حالة اضطراب، وليبعد المكون السنيّ من المعادلة السياسيّة.
وأشار “الضاري” في حواره مع “الحقيقة بوست” إلى أنّ “الحشد الشعبي” مارسَ الإجرام والإرهاب ضدّ العراقيين بمختلف انتماءاتهم، لافتاً إلى أنّ المكونات الطائفيّة تفتعل المشاكلَ والفتنَ لإيجاد حالة انقسام مجتمعيّ واسعة.
وأكّد “الضاري” أنّ القوى العراقيّة المدعومة إيرانياً حصلتْ على ما تريد في الانتخابات، لافتاً إلى أنّ أهالي “ديالى” يتعرضون لفصل جديد من الانتهاكات، وجرائم التطهير الطائفي.
وإلى نص الحوار..
ـ: بعد إعلان نتائج الانتخابات العراقيّة .. إلى أين يتّجهُ العراق؟
ـ مازال العراق سائراً في نفق طويل مظلم، كثير العوائق وزاخرًا بالمآسي والكوارث، أدخله فيه النظامُ السياسي القائم، وعمليته السياسيّة وانتخاباتها، وآثارها وتداعياتها، وآخرها انتخابات يوم (١٠/١٠/٢٠٢١م).
الدعوة للانقلاب
ـ: هل تُحقق هذه الانتخابات الاستقرارَ والأمن المفقودين في البلاد؟
ـ النظام السياسي في العراق وُلد ليُبقي البلاد في حالة اضطراب؛ لذلك فغير متوقع منه أن يجلب استقرًارا أو أمنًا، وهو أمر لم يَعد اكتشافه صعباً، وقد أعطتنا الانتخابات الأخيرة دليلاً على ذلك؛ فقد شهِدتْ هذه الانتخابات تطورًا خطيرًا، وهو الدعوة للانقلاب على الانتخابات والتشكيك بها وعدم الاعتراف بنتائجها، والمطالبة بإعادتها من بعض القوى المتنفذة في النظام السياسي، وتحديدًا من الجهات المجتمعة في تحالف الميليشيات وما يسمى (الحشد الشعبي). التي تُهدد جهارًا نهارًا بتأزيم الأوضاع إن لم يستجب لها، ولعل الأحداث الطائفيّة الأخيرة في محافظة “ديالى” هي المؤشِر الأبرز لهذه التهديدات.
ـ: لماذا أحجمَ المواطنُ العراقيُّ عن التصويت في هذه الانتخابات؟
ـ إنّ الإحجام الكبير للمواطنين العراقيين عن المشاركة في الإدلاء بأصواتهم على الرغم من الدعم الدولي والإقليمي والعربي لهذه الانتخابات، التي سُخرت لها كل الإمكانات، ودُعمت بأنواع مختلفة من الممارسات التعسفيّة والترهيبيّة لإجبار النّاس على المشاركة فيها؛ قد كشف عن فشل الأحزاب السياسيّة المتنفّذة وميليشياتها العسكريّة في إقناع العراقيين بدعاوى الإصلاح التي ملّوا سماعها، وعدم اقتناع الناخبين بها، وسعيهم للتغير الشامل وليس الترقيع المسمى – زُورًا وبُهتانًا- إصلاحًا.
إجرام الحشد الشعبي
ـ: ما أسباب خسارة القوى المحسوبة على تيار الحشد الشعبي؟
ـ هناك أسباب عدّة؛ لعل من أبرزها: كمّ الإجرام الكبير والإرهاب الواقع من هذا التيار وميليشياته على العراقيين بمختلف انتماءاتهم، وكذلك تصاعد حالة الرفض للسياسيات الإرهابيّة التي مارستها ميليشياتُ هذا التيار والقوى الداعمة له ضدّ خيار الشعب العراقي بالتغيير، وتصدّي فصائل هذا التيار وقمعها لتظاهرات واحتجاجات شبابِ تشرين على مَدى العامَين الماضيين.
ـ: ما رؤيتكم للوضع العراقي، وهل هناك أفقٌ للمصالحة الوطنيّة الشاملة وعلى أيّ أساس تقوم؟
ـ لقد غادرَ الشعبُ العراقي محطةَ المصالحة الوطنيّة المدّعاة منذ زمن، وهو يؤمن اليوم بضرورة الحلّ الشامل الكامل لمشاكل العراق، وإخراجه من الهاوية التي يهوي فيها منذ غزوه واحتلاله. وهذا الحلّ كفيل بتحقيق الأمن المجتمعي الذي يقطع الطريق على محاولات التفرقة والتشتيت والتمزيق، فالمشكلة ليست بين مكونات الشعب حتى تتصالح؛ وإنّما هو بين المكونات السياسيّة الطائفيّة والعنصريّة التي تفتعلُ المشاكلَ وتتصارعُ على مصالحها، وتحاولُ افتعال الفتنِ هنا وهناك سَعيًا منها لإيجاد حالة انقسام مجتمعي واسعة.
ـ: هل تُسفرُ الانتخاباتُ عن تحسنِ أوضاع المكون السنّي في العراق؟
ـ للأسف هذا غير متوقع، وهو لم يكن مُتصورًا أو مُتوقعًا، وليس واردًا بالمرّة في ظلّ النظام السياسي القائم على استبعاد المكون (السنيّ) من المعادلة السياسيّة وغيرها، فالمعادلة صفريّة في هذا المجال، والحل ليس في الانتخابات، لأنّ النِسب مقررة ومحسومة، وأهل (السنّة والجماعة) لو شاركوا جميعًا في الانتخابات، وكان بعضهم لبعض ظهيرًا؛ فلن يتجاوزوا نسبة (٢٠٪) المقررة لهم منذ الاتفاق على مُحاصصات مجلس الحكم، وتوافقات النظام السياسي سنة (٢٠٠٣م)، وهي نسبة لن تؤثر على واقع النظام السياسي القائم، ولن تستطيع تغيير شيءٍ من مضارّه أو مفاسده.
العملية السياسيّة
ـ: هل عَملتْ حكومةُ الكاظمي بالفعل على إضعاف النفوذ الإيراني؟
ـ وهل هناك من يصدق هذه (الطُرفة السمجة)؟ وكيف يمكن له – إن أراد ذلك- أن يفعله؟ فالأمور ليست بيده حقيقة، وإنّما هو (خيال) لصورة تستغلّها القوى المتنفّذة والميليشيات المهيمنة، وتستخدمها عند موافقته على ما تريده، وتجبره عند عدم موافقته، وتلوّح له بالقوة عندما ترى أنّه قد خرج عن خط مصالحها أو تجاوز – حتى عن غير قصد- على مكتسباتها.
ـ: كيف تَرون مؤتمر التطبيع في كردستان.. وما رأيكم فيه؟
ـ إنّ التطبيع مع (الكيان الصهيوني) الغاصب مرفوض تمامًا، وهو لم ولن يجدَ قَبولًا لدى العراقيين، ومرفوض بشدّة منهم: دينيًا وسياسيًا وأخلاقيًا، وعلى الصعيد الشعبي والقوى الوطنيّة المناهضة للاحتلال. أمّا على صعيد العمليّة السياسيّة وأحزابها وحكومتها؛ فالتطبيع غير مستبعد، وهناك مؤشرات ودلائل عدّة على ذلك منذ الاحتلال سنة (2003م) وحتى الآن؛ بل إنّ بعض السياسيين يُروجون للتطبيع مع هذا الكيان؛ ولكن بسب الرفض الشعبي الرافض للتطبيع لا يستطيعون إعلان ذلك.
وأغلب المواقف التي ظهرت في الإعلام من الكتل السياسيّة للتنديد بالتطبيع وتعترض على مؤتمر المطبعين الأخير في (أربيل)؛ هي مواقف سياسيّة مصلحيّة كانت تقتضيها طبيعة الحملات الانتخابيّة قبيل الانتخابات؛ فكثير من الشخصيات التي شاركت في المؤتمر مرتبطة بأحزاب السلطة القائمة بطريقة أو أخرى، وقسم منهم من دعاة (الإقليم)، وهو أمر موافق لسياسات التقسيم الصهيونيّة في المنطقة. وهذا كان واضحًا من خلال التصريحات التي أدلوا بها، وبما يشير إلى وجود صِلات بين دعاة الأقلمة ودعاة التطبيع، فضلاً عن استخدام موضوع (الإقليم) بين حين وأخر كورقة لتخفيف الضغط عن بعض المشاركين في العمليّة السياسيّة عندما يصلون إلى طريق مسدود.
ـ: هل بدأ المكونُ الشيعي يدرك أن إيران باتتْ سببًا رئيسيّاً في دمار العراق؟
ـ نعم، هناك قطاعات كبيرة في هذا المكون بدأت تدرك ذلك وتعبر عنه بصراحة، ولعل الاحتجاجات الشعبيّة المتواصلة منذ سنتين في سياق (انتفاضة تشرين) دليل على ذلك، فمعظم جمهور هذه الاحتجاجات هم من الشباب العراقي من أبناء محافظات الفرات الأوسط والجنوب في العراق؛ ولكن هناك صعوبات كثيرة تحولُ دون الاستفادة من هذا الإدراك لعل من أبرزها العامل الأمني، فضلًا عن عدم وجود حاضنة عربيّة رسميّة داعمة لهكذا توجهات شعبيّة.
الجناح الإيراني
ـ: كيف ترى التقارب العربي الإيراني، وهل ينعكس إيجابياً على الوضع العراقي؟
ـ إذا كان التباعد بينهما ينعكس سَلبًا علينا فما بالك بالتقارب؟ فالمعيار ليس في البعد والقرب وإنّما هو في الموقف مما يجري في العراق والنظام السياسي القائم والتجارب الانتخابيّة المتكررة، واعتمادها كخيار أوحد حتى وإن كان مُدمرًا. ولعلكم رصدتم محاولات إيهام النّاس من بعض الجهات الداخليّة والخارجيّة بأن الجناح الإيراني قد خسر الانتخابات! وهذا مما لا صحة له، فكلّ القوى التي تحظى بالدعم الإيراني، وتتمتع بفوائد النفوذ والهيمنة الإيرانية في العراق؛ قد حصلت على ما تريد؛ بل وزادت من نفوذها وقبضتها على مقاليد الحكم، وأغلبها لديها ميليشيات ومجموعات مسلحة. والفارق الرئيس هو تغيّر النِسب والحصص فيما بينها، وتراجع تيار الحشد الشعبي بسبب جرائمه. وهو تراجع ليس لصالح القوى الوطنيّة المناهضة للمشروع الإيراني؛ بل لحساب قوى وفصائل ميليشياويّة أخرى – حليفة لإيران- لا تقل إجرامًا عن الحشد الشعبي.
وهذا – للأسف- هو موقف النظام العربي الرسمي في غالبه، فعلى الرغم من التناقضات بين أطراف هذا النظام والاختلافات بين بعض دُوله؛ إلا أنّها تكاد تكون مُجمعة في العراق على رؤية دعم النظام السياسي القائم، والدفع باتجاه المشاركة في العمليّة السياسيّة بمحدداتها الحاليّة كخيار وحيد؟!.
جرائم التطهير الطائفي
ـ: فيما يخصّ الشأن العراقي الداخلي.. ماذا يجري في محافظة “ديالى” الآن؟
ـ ما يجري في قضاء (المقداديّة) بمحافظة “ديالى” هو فصلٌ جديد من فصول الانتهاكات وجرائم التطهير الطائفي التي ترتكبها الميليشيات بين حين وآخر، وهي هذه المرّة متصلة بنتائج الانتخابات التي حاول فيها الطرف الخاسر (تحالف الفتح) الميليشياوي تصعيد الأوضاع وخلط الأوراق، وتحقيق مطالبه السياسية عن طريق إراقة الدماء. وهو ما تسبب بوقوع جرائم ضدّ الإنسانيّة تضمنت: حالات قتل وإعدام جماعي وحرق للمنازل والبساتين وانتهاك للمساجد وحرق أحدها، وانتهاكات أخرى خطيرة لحقوق الإنسان في قرية (نهر الإمام) وقرى مجاورة لها، بذريعة التصدي للإرهاب بعد حادثة الاعتداء الإرهابي المُدان على منطقة (الرشاد) المجاورة لها. وقد قامتْ هذه الميليشيات بجرائمها – في ظلّ تواطئ مفضوح من القوات الحكوميّة والأجهزة الأمنيّة- ولم تكتف بذلك؛ بل شرعتْ في عمليّة تهجير قسري شملت مئات العائلات من عدة قرى في محيط مدينة (المقداديّة)، في سياق استكمال مخططات التغيير الديموغرافي الممنهج، والإزاحة السكانيّة لساكني هذه المناطق عنها بسبب خلفيتهم المذهبيّة لا غير.
ـ: أخيراً، هل سيؤدي الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والمنطقة بشكل عام لتحسن الأوضاع في العراق؟
ـ بالطبع، سيصبّ هذا في مصلحة المنطقة عمومًا والعراق خصوصًا، ولا عبرة بما يدعيه بعضهم أو يَخشونه من ذلك، وتخوفهم من هيمنة إيرانيّة على المنطقة، فالهيمنة الإيرانيّة حاصلة بوجود الأمريكان وبرعايتهم بطريقة أو أخرى، وهي لن تزيد سوءًا بخروجهم؛ بل – من وجهة نظري- ستُفقِد النفوذ الإيراني بعض مُبررات هيمنته وذرائع تدخله في شؤون بلدان المنطقة، وستجعل المواجهة بين النظام الإيراني وبين القوى الوطنيّة وفصائل المقاومة واضحة ومكشوفة، وبدون أيّ أغطية جويّة أو غيرها من قوات الاحتلال والتحالف الدولي الداعم له. وهذا بُعدٌ مهم في تغيير طبيعة المعركة التي استفادت منها سابقاً الميليشيات المدعومة إيرانياً من خلال تحالفها مع القوات الأمريكيّة، واستفادتها من دعمها العسكري المباشر، وجهدها اللوجستي، ومعلوماتها الاستخباريّة، ووسائل إعلامها التعبوي.
المصدر: الحقيقة بوست