مقالاتمقالات مختارة

د. محمود حجازي يكتب: دراسة أمريكية تشهد ببراءة الدين الإسلامي

د. محمود حجازي يكتب: دراسة أمريكية تشهد ببراءة الدين الإسلامي

لا شيء أقسى على المسلم المحب لدينه من أن يرى الكثير ممن يلصقون بالدين ما ليس فيه إما لمنافع اقتصادية ومكاسب سياسية أو عمالة أو حتى جهل بحت بحقيقة هذا الدين الذي أرسله الله رحمة للعالمين, ومن حكمة الله البالغة أن يشهد غير المسلمين لهذا الدين بالبراءة من العنف والإرهاب حيث تم نشر الكثير من المقالات التي توضح أن الإسلام يحث على المحبة والعدالة والسلام وأن العمليات الانتحارية الإرهابية بصفة خاصة لا علاقة لها بالإسلام بل تتم لتحقيق مكاسب ومصالح سياسية بحتة…

وسنذكر مثال لهذه الدراسات الموضوعية والتى أنصفت الإسلام والتى قام بها مجموعات بحثية وعلماء من غير المسلمين. ولنذكر ما حاولت القيام به جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية في دراسة علمية أكاديمية، حيث تم تكليف البروفيسور دكتور روبرت بيب Dr. Robert Pape – أستاذ العلوم السياسية بالجامعة أن يقود فريق بحث من المتخصصين ضمن “مشروع العمليات الانتحارية” لتقديم إجابة علمية ومحايدة وموضوعية عن السؤال المثير للجدل : هل العمليات الانتحارية تعد إرهابا أم هى مقاومة شرعية؟!!

وقد استغرقت الدراسة الأكاديمية نحو عامين وخرجت نتائجها في كتاب صدر في عام 2005 في الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان: ” يموت لينتصر: منطق العمليات الانتحارية الإرهابية “، من تأليف دكتور روبرت بيب – عن دار نشر راندوم هاوس ويتألف الكتاب من 352 صفحة ….

وفي هذه الدراسة أو البحث العلمى قام بروفيسور روبرت بيب وفريق البحث الذى أشرف عليه بإعداد أول قاعدة بيانات إشتملت على جميع العمليات الانتحارية الإرهابية التى وقعت في العالم خلال ما يقرب من ربع قرن من الزمان، وعلى وجه التحديد إبتداء من عام 1980 وحتى أوائل عام  2004

ولقد كانت هذه الدراسة الفريدة محل اهتمام بالغ من جانب قطاعات متنوعة من الباحثين والكتاب والمراقبين السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا لدرجة أن الحكومة الأمريكية طلبت من المؤلف الحصول على قاعدة البيانات القوية التى تم جمعها للاستعانة بها ، ومن الضرورى في البداية أن نشير إلى أن بروفيسور روبرت بيب كما أوضح بنفسه في كل اللقاءات التليفزيونية لا ينتمى سياسيا أو عقائديا إلى أى حزب سياسى معين في الولايات المتحدة سواء كان الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي، فهو أحيانا يصوت لصالح مرشح ديمقراطي وأحيانا أخرى يعطى صوته لمرشح جمهوري، وهذه نقطة في غاية الأهمية إذ أن الكثير من الباحثين وأساتذة العلوم السياسية في الولايات المتحدة ينتمون إلى أحد الحزبين الرئيسيين إنتماءا عقائديا وفلسفيا فتعترى معظم آرائهم شبهة الإنحياز أو التعصب الحزبى، وبالتالى تفتقد إلى بديهيات وصفات الحياد والموضوعية الواجب توافرها في كل من يشتغل بالبحث العلمى الأكاديمى…..

ويقول دكتور بيب أن الدراسة الميدانية التى أجريت في مناطق مختلفة من العالم لم تستخدم اللغة الإنجليزية في إجراء البحث، بل تم استخدام اللغات الأصلية للبلدان المختلفة التى شملها البحث مثل العربية والعبرية والروسية والتاميل وغيرها من اللغات لجمع أكبر قدر من المعلومات ليس فقط من الصحف اليومية والمجلات بل أيضا من مطبوعات ونشرات خاصة بالمنظمات والجماعات الإرهابية، وقد لاحظ بروفيسور بيب أن “الإرهابيين غالبا ما يتباهون بعملياتهم الانتحارية في محيط مجتمعاتهم المحلية، وهم يصدرون ألبومات صور وكتالوجات ومصادر معلومات أخرى كثيرة من شأنها أن تساعدنا كثيرا على فهم الهجمات الإرهابية الانتحارية”…

يقول بروفيسور روبرت بيب ” إن ثروة المعلومات التى أثمرتها الدراسة تخلق صورة جديدة عن أسباب ودوافع العمليات الانتحارية الإرهابية، وأن الأصولية الإسلامية ، وعلى عكس ما يظن كثير من الناس ليست مرتبطة عن قرب بالعمليات الانتحارية الإرهابية، فالذين لهم الريادة على مستوى العالم في هذه العمليات هم جماعة ” نمور التاميل ” في سيريلانكا والتى ربما لم يسمع بها الكثيرون, وهذه الجماعة كما يقول بروفيسور بيب هى جماعة ماركسية وعلمانية تماما، وتنحدر من أصول عائلات هندية في مناطق التاميل في سيريلانكا، وقد ابتكرت هذه الجماعة أسلوب الإغتيال عن طريق إرتداء الإرهابيين سترات مبطنة بالمتفجرات كما حدث في العملية الانتحارية الشهيرة التى اغتالوا فيها راجيف غاندى رئيس وزراء الهند في مايو عام 1991

ويضيف بروفيسور بيب قائلا: ” إن الفلسطينيين قد جاءتهم فكرة السترات المتفجرة (الأحزمة الناسفة ) عن طريق جماعة ” النمور التاميل” , واذا كانت الأصولية الإسلامية ليست هى العامل الرئيسى الدافع لهذه الجماعات فما هو هذا العامل اذن؟

يجيب بروفيسور بيب بأن: ” الحقيقة الأساسية هى أن الغالبية العظمى من الهجمات الانتحارية الإرهابية ليس مبعثها الدين بقدر ما هو تحقيق هدف استراتيجى واضح ألا وهو إجبار الديمقراطيات الحديثة على سحب قواتها العسكرية من الأراضي التى يعتبرها الإرهابيون وطنهم، فمن لبنان إلى سيريلانكا إلى الشيشان إلى كشمير إلى الضفة الغربية فإن 95 في المائة من كل الحوادث الانتحارية التى وقعت كان لها هدف أساسى ألا وهو إرغام ” دولة ديمقراطية ” على الانسحاب… ”

كتاب ” يموت لينتصر: منطق العمليات الانتحارية الإرهابية ” يعتمد في أساسه على دراسة 315 عملية إنتحارية تمت في العالم بين عامى 1980 و 2003 على يد جماعات مختلفة من نمور التاميل الماركسية الهندوسية والسيخ والأكراد وبصفة عامة فأن جماعات نمور التاميل الهندوسية والتى لا يسمع عنها أحد قد نفذت عمليات أكثر من جهاد وحماس, وثلث الجماعات المنتسبة للدين الإسلامي هى أصلا جماعات علمانية مثل جماعة حزب العمال الكردى في تركيا فهى في الأصل جماعة معادية للدين وتنفذ عمليات إرهابية، ومن كل البيانات التى حصل عليها في دراسته توصل دكتور بيب الى نتيجة تتلخص في انعدام الصلة بين العمليات الانتحارية الإرهابية والأصولية الإسلامية أو بين أي دين آخر في العالم , وتشير الدراسة إلى أن الدين نادرا ما يكون السبب الرئيسى للعمليات الانتحارية الإرهابية إلا أنه غالبا ما يستخدم من قبل الإرهابيين كأداة لتجنيد انتحاريين جدد

في الواقع أن هذا الكتاب أو الدراسة تدحض كل مزاعم وإدعاءات رجال السياسة سواء في إسرائيل أو المنتمين لفريق المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية وتنسفها من أساسها، فلطالما إدعت إسرائيل وجماعة ” المحافظون الجدد “بأن الأصولية الإسلامية هى الخطر الذى يهدد الغرب وهى المسئولة عن العمليات الانتحارية والإرهاب الدولى، وهذا ربما ما دفع الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش على بناء حملته الانتخابية على ما يسمى بحربه ضد الإرهاب، وفي تبريره لغزو العراق أعلن بوش مرارا وتكرارا أنه يفضل محاربة ما يسميهم ” بالإرهابيين ” على أرضهم وحتى لا يضطر إلى محاربتهم داخل الولايات المتحدة الأمريكية…

وبطبيعة الحال كان من السهل على إسرائيل وجماعة المحافظين الجدد حماية مثل هذه الأكاذيب والمزاعم الباطلة، فكل من يحاول تفنيد ودحض أكاذيبهم يشهرون في وجهه على الفور تهمة معاداة السامية حتى ولو كان يهوديا معتدلا , ويقول دكتور روبرت بيب إن سياسة استخدام القوة العسكرية الأمريكية الكاسحة لتغيير أنظمة حكم في بلدان إسلامية لإحلال الديمقراطية ومفاهيم أمريكية أخرى هى سياسة غبية وحمقاء من شأنها أن تزيد من خطر العمليات الانتحارية الإرهابية وتشجع على مجيء الانتحاريين إلى الولايات المتحدة لا العكس…

لقد قام مؤلف الكتاب بروفيسور بيب بتوضيح المنطق الكامن وراء العمليات الإنتحارية التى وصفها بأنها سلاح فعال تلجأ إليه قوى لديها شعور بالنقص وهى تحارب قوة أخرى هائلة أو قوة عظمى, ويضيف بروفيسور بيب قائلا: ” إن الجماعات التى تستخدم أسلوب العمليات الانتحارية تلعب على مراهنات إستراتيجية، وأن الهدف منها هو إحراز النصر وليس مجرد التدمير أو الموت”, إن العمليات الانتحارية الإرهابية وكما يقول بروفيسور بيب هى رد على احتلال أجنبي بدلا من اعتبارها نتاجا للأصولية الإسلامية. باختصار يريد أن يقول المؤلف أن الولايات المتحدة تواجه عدوا صبورا له منطقه ويعرف هدفه الإستراتيجى بوضوح، فهو يهاجم لأنه يشعر بأن وجوده وثقافته وهويته تتعرض للخطر، وهذا يفسر كما يقول بروفيسور بيب لماذا يحظى الإرهابيون بشعبية وتأييد واحترام في بلدانهم الأصلية لأنهم ينظر إليهم على أنهم يدافعون عن أوطانهم ضد خطر أجنبى, كذلك توضح الدراسة أنه لا يوجد سبب يشير إلى إمكانية تجفيف منابع العمليات الانتحارية وتجنيد انتحاريين جدد طالما أن المجتمعات التى ينتمون إليها تعتقد بوجود خطر وتهديد خارجى يهدد وجودها ذاته….

والأجمل على الإطلاق هو الحل الذى يقدمه  دكتور روبرت بيب في كتابه وهو حلا يصعب على معظم السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية هضمه أو تنفيذه لوقف العمليات الانتحارية الإرهابية أو وضع حد لها يتلخص في الآتى:-

– أن تقوم الولايات المتحدة بقتل أكبر عدد ممكن من الانتحاريين الإرهابيين، وفي نفس الوقت تعمل على إنهاء كل أشكال الوجود العسكرى الأمريكى أو الإسرائيلى في البلدان الإسلامية.

– وأن تتبنى الولايات المتحدة سياسة جديدة للطاقة تعمل على إيجاد مصادر أخرى وجديدة للطاقة تقلل من الاعتماد الأمريكى على البترول العربى…

ما يعرفه بروفيسور بيب ولم يذكره في كتابه هو أنه خلال العقود الثلاثة الماضية، ومنذ الحظر البترولى العربى في أثناء حرب أكتوبر 1973 ورجال السياسة والاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية يتحدثون في كل حملات انتخابات الرئاسة الأمريكية عن ضرورة تبنى سياسة جديدة للطاقة تهدف إلى البحث عن مصادر جديدة وإلى التقليل من الاعتماد على بترول الشرق الأوسط،، وبالرغم من ذلك لم يستطع أى رئيس أمريكى منتخب سواء كان من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري أن يتخذ خطوات عملية لتنفيذ سياسة طاقة جديدة وذلك لأسباب كثيرة لعل أهمها هو النفوذ القوى الذى تتمتع به كبريات شركات البترول وشركات تصنيع السيارات الأمريكية العملاقة فهى التى تقاوم بضراوة وشراسة للحيلولة دون تنفيذ سياسة طاقة جديدة، كما أن هذه الشركات العملاقة هى الممول الرئيسى للحملات الانتخابية في الولايات المتحدة والتى بدونها يكاد يكون من المستحيل على أى مرشح للرئاسة الأمريكية أن يصل الى البيت الأبيض , ومن الواضح جدا أنه قد وضع أصحاب شركات البترول والسيارات في الولايات المتحدة الأمريكية رجال السياسة في جيوبهم وليس العكس.

المصادر:

1-     Rober A, Pape, Dying to Win: The Strategic Logic of Suicide Terrorism Paperback – July 25, 2006

2-     Global Terrorism Database: www.start.umd.edu/

3-     Professor Robert Pape’s videos on Youtube

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى