د. محمد علي المصري يكتب: الشافعي وفوضى الاجتهاد!
إن الشافعي رحمه الله وضع (رسالته) للحد من فوضى الاجتهاد، والكشف عن أسسه وأصوله، وضبط قواعد التعامل مع النص، وكل ذلك من خلال الكشف عن حدود هذا العلم وآلياته، التي كانت مبثوثة في الصدور، معلومة في الأذهان، يُصَرَّحُ ببعضها في مواضع، وتظهر آثارها في مواضع أخرى دون تصريح، فكان لزاما أن يتم جمع شعث هذا العلم الجليل، في صورة تأسيسية توضح آليات التعامل مع النص الشرعي.
هذا الفهم لمقصد وغاية (الرسالة) يتناقض تماما مع ما حاول نصر حامد أبو زيد في مقدمته التي يحاول فيها إسباغ البطولة على نفسه وعلى كتابه، وأنه يحاول التحرر مما أسماه «سلطة النص»، وفي الحقيقة فإن هذا الاصطلاح من خلال تتبع نصوص كتابه يقصد به النص الشرعي بلا شك، من كتاب وسُّنة، أي (اتباع الكتاب والسُّنَّة)، وكتاب الشافعي رحمه الله غايته (ضبط وتأصيل وتقعيد هذا الاتباع) وبيان آلياته، إذًا فالاتباع أو متابعة النص، أو ما أسماه نصر أبو زيد (سلطة النص) هو غاية (الرسالة)، وغاية أيضا ما تقوم الرسالة بالرد عليه، أي أن مخالفي الشافعي في هذه المرحلة من مدرسة الكوفة أو أهل الرأي كانت تروم نفس مطلب الشافعي رحمه الله، فالفريقين لهما غاية واحدة، تناقض الغاية التي وَضَعَ من أجلها رسالته، وتُناقِض من يَرُدُّ عليهم الشافعي في رسالته! وهو ما يؤكد أن نصرًا لم يفهم هدف (الرسالة) وهدف الشافعي، ولم يفهم كذلك هدف مناوئيه، وكل ما قام به أنه تصور هدفا للرسالة بنى عليها فرضياته جميعها، وحيث ظهر أن التصور في مبدأه تصورا منحرفا عن الصواب؛ فقد ثبت أن جميع النتائج التي وصل إليها تفتقر إلى أي أساس صحيح في فهم الأصل، وإذا سقط الأصل سقطت فروعه، حتى وإن حاول (الباني) تلميع تلك الفروع والنتائج، واستعمال التهويل والتشويش، فإنها مبنية في النهاية على شفا جُرفٍ هارٍ! ومصيرها الحتمي السقوط!
(مستفاد من مقدمة كتابنا: وسطية الشافعي لا وسطية نصر حامد أبو زيد)
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)