مقالاتمقالات المنتدى

د. علي محمد الصلابي يكتب تعزية للأمة الإسلامية قاطبة بوفاة الشيخ الداعية والإمام المجدّد العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله تعالى) وشيء من سيرته

د. علي محمد الصلابي يكتب تعزية للأمة الإسلامية قاطبة بوفاة الشيخ الداعية والإمام المجدّد العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله تعالى) وشيء من سيرته

 

‏‏30‏ صفر‏ 1444/ 26 أيلول ــ سبتمبر 2022

 

قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب: 23)

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وبعد:

أعزي أهل شيخنا وأسرته وأبناءه وتلامذته  وأهل العلم والدّعوة والعاملين في خدمة الإسلام جميعاً وأمتنا الإسلاميّة جمعاء بهذا المصاب الجلل، وأتضرع إلى الله تعالى أن يتقبّل شيخنا بقبول حسن، وأن يرزقه الفردوس الأعلى برفقة النبيين والصديقين والشهداء والصّالحين، وأن يربط على قلوب أهله وأحبابه، وأن يعوّض المسلمين وأهله بفقده خيراً، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

رحل الإمام المتفرد وعلامة الأمة وفقيه العصر ورائد الفكر الوسطي وأحد أبرز أعلام الحركة الإسلامية في عصرنا صاحب مذهب التيسير في الفتوى بعلمٍ، والتبشير في الدعوة بحلم، بعد قرنٍ حافل بخدمة الدين الإسلامي ونشر العلم الصحيح وجمع كلمة المسلمين، ملبياً نداء الله جل في علاه في الدّوحة عاصمة دولة قطر ظهر اليوم الإثنين الموافق لـــ 30 صفر 1444ه/ 26 أيلول/ سبتمبر 2022م، وذلك بعد 96 عامًا أوقفها على نشر العلم والدّعوة إلى الله تعالى وتربية الأجيال، والعمل الإسلاميّ الدّؤوب، ونصرة قضايا الأمة من مشرقها إلى مغربها. رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس الأعلى وغفر لنا وله.

 

أولاً: مشاعر وخواطر في ساعة الحدث

فاضت العين بالدمع وحزن القلب على خبر وفاة شيخي وإمامي العلامة الفقيه المجتهد والداعية الغيور الشجاع والأستاذ المجدد الشيخ الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)، والآن أخط بهذا القلم واصفاً جانباً من مشاعري وموقفي تجاه هذا الحدث، حيث تعجز الكلمات وتضيق الصفحات عن تعداد مآثره وبصماته ومشروعاته الفكرية والدعوية والإنسانية والتربوية التي ساهم بها في طريق العلم والدعوة وخدمة الإسلام في كل مكان في هذا العالم.

تُوفي من شغل الناس بعلمه وفقهه واجتهاده، إذ حاز علماً وفكراً وعملاً وسلوكاً على أساس منطقي ووسطي سليم ومتوازن، حتى عَدّه أهل العلم والتفكر أستاذاً للوسطية ونموذجاً للاعتدال، بعد أن نهلت وتربت على كتبه وأقواله أجيال وأجيال، وترك إرثاً فكرياً وفقهياً سيظل مرجعاً على مرّ الأزمان، وملأت سيرته العطرة في العلم والأخلاق الآفاق. فكانت شمولية علمه امتدت لتشمل الفقه والأصول والقرآن والسنة النبوية والدعوة والتربية والفكر والسياسة الشرعية والاقتصاد والحركات الإسلامية واللغة والأدب. وقال فيه أحد أهل العلم في مركز تكوين العلماء:

أتيت في أمة في سجن غفلتها …. فصرت يوسف مضاء بلا لين

ولم يَعِشْ الشيخ يوسف القرضاوي مخادعاً لأمته ولا من أعوان السلاطين بل عاش حراً شجاعاً مهاباً ولا يخاف في الله لومة لائم ينصح لدينه وأمته، وكان على الدوام يردد:

 سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي.. وأموت مبتسماً ليحيا ديني.

وكتب فيه الشاعر السوري أنس الدغيم أبياتاً في لحظة الحدث قائلاً:

في ذمّة الله هذا الواقفُ الجبَلُ … العالِمُ الفَذُّ والعلّامةُ الرَّجُلُ

شيخُ المواقف ما لانَتْ عريكتُهُ … في الحقِّ أو ردَّه عن رأيه وَجَلُ

ستٌّ وتسعونَ والهمّاتُ عاليةٌ … كأنّها في سماءِ الأمّةِ الشُّعَلُ

إنْ كان وافاكَ مِن بعدِ المدى أجلٌ … فما لذِكرِكَ فيما بَينَنا أجَلُ.

ثانياً: شهادتي وعلاقتي مع شيخي وإمامي العلامة الدكتور يوسف القرضاوي

دوَّنت في مقالٍ منذ شهور شهادتي بأستاذنا وشيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي (رحمه الله) تحت عنوان: “القرضاوي ترجم الإسلام فكراً وسلوكاً وانحاز للإنسان”

وقلت فيه:

إن الشيخ القرضاوي العنوان الأبرز والأنصع للوسطية والاعتدال في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر. حيث جمع بين الفكر العلمي الدقيق، المتمثل في شرح وتيسير الفكر الإسلامي للأجيال الجديدة، وبين الترجمة العملية للإسلام في حياتنا المعاصرة.

ولقد عرفت الشيخ القرضاوي عن قرب لعدة أعوام، واطلعت على أغلب كتبه التي انشغلت بهموم الفكر الإسلامي ومشاغل المسلمين، وقضايا التجديد التي تفرضها مستجدات الحياة، وأدركت حجم الفائدة التي قدمها ليس فقط للإسلام والمسلمين، وإنما أيضا لقضايا التعايش والحوار بين مختلف الثقافات والحضارات”.

وأفضاله على الصحوة الإسلامية لا تعد ولا تحصى، فله أفضال كثيرة بعد الله سبحانه وتعالى، على أبناء الصحوة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم العربي، وعلى ليبيا تحديدا، وأنه أسهم في إنقاذ مئات الشباب الليبي المسلم من آفة الاستبداد يوم توسط بينهم وبين السلطات أيام القذافي، كما أنقذهم أيضا من آفة التطرف من خلال فهم مستنير للإسلام، وطرق الدفاع عنه مع الخصوم”.

وما زلت أذكر للشيخ القرضاوي نصائحه وتشجيعه لي للحوار مع المعتقلين الإسلاميين في السجون الليبية أيام النظام البائد، وهي حوارات أثمرت مراجعات دينية تستحق أن تتحول إلى مراجع فكرية ودينية حقيقية، لأنها تعبير عن واقع عاشته الصحوة الإسلامية المعاصرة”.

وكان له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى من خلال وساطته مع النظام الليبي البائد في إخراج شباب الإخوان من السجون الليبية، والإسهام في إدارة حوار فكري وسياسي مهم في ليبيا. ولقد أوضح الشيخ القرضاوي رحمه الله من خلال كتبه التي كُتبت بلغة عربية ميسرة، أن الإسلام هو دين الفطرة، وأنه جاء لسعادة الإنسان وتهذيب سلوكه وتيسير أمور حياته، فضلا عن أنه قدم له الجواب الشافي عن عالم الغيب، الذي احتارت البرية في كنه أسراره بلغة عربية قربته من عامة الناس، وساهم إلى جانب علماء آخرين في تحرير المسلم المعاصر من هيمنة فتوى السلطان التي احتكرت الدين على مدى عمر الدولة الوطنية الحديثة”.

إن الشيخ القرضاوي هو داعية إلى الله عن علم ودراية، وبسلاح الكلمة الطيبة، التي استطاع من خلالها أن يصل إلى قلوب ملايين البشر في مختلف أصقاع العالم. ورغم ما لاقاه الشيخ القرضاوي من النظام المصري الأمرين، سواء في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أو حتى في شيخوخته، حيث استهدف أرحامه بالسجن والملاحقة، إلا أنه مع ذلك ظل متمسكاً بسماحة الدعوة إلى الله، واحتسب ذلك عند الله تعالى، لا بل إنه لاقى ذلك بالصبر الجميل والدعوة إلى التمسك بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا”. وكذلك “لم يعرف على الشيخ القرضاوي في أي من كتبه، ولا حتى في البرامج الدينية التي أقامها على مدى أعوام لإشاعة الفكر الديني الوسطي المعتدل، أنه دعا إلى العنف، بل كان داعية حوار وتسامح وتعايش بين المختلفين.

إن الوسطية والاعتدال سمتان بارزتان للشيخ الجليل، فضلاً عن امتلاكه مصادر القوة، التي تمثلت في الإعلام، حيث كان الشيخ القرضاوي يُربي شباب الإسلام على التمسك بالدين وبقيمه وضوابطه، واعتماد الحوار بالكلمة الحسنة سبيلا للتعامل مع المخالفين، كانت من أهم عوامل القوة التي امتلكها الشيخ القرضاوي والتي أسهم من خلالها في نحت ما أصبح يعرف بمدرسة الوسطية والاعتدال التي أقضت مضاجع الطغاة في مختلف أصقاع عالمنا المعاصر.

لقد حوَّل الشيخ القرضاوي محنة الاستبداد والظلم الذي تعرض له في مصر، والذي دفعه إلى مغادرة بلاده، إلى منحة، حيث انشغل بالعلم والتصنيف، والترويج للفكر الديني المستنير، بعيدا عن المصالح الحزبية والسياسية الضيقة لأي تنظيم سياسي”.
“الشيخ القرضاوي مع أنه كتب ونَظَّر لفكر الإخوان المسلمين، وأرخ لهم، واعتبر أنهم يمثلون التعبير الأكثر نضجاً للترجمة الفعلية لمعاني الإسلام، إلا أنه كان بفكره تعبيرا عن صورة الإسلام السمحاء التي تتجاوز الأحزاب والتنظيمات لتصل إلى الإنسان حيثما كان.

وكتبت بأن الفكر النير الذي امتاز به الشيخ القرضاوي رحمه الله، ما كان له أن ينتشر ويُحدث هذه النقلة النوعية في الخطاب الإسلامي في العالم، لولا الله سبحانه وتعالى أولاً ثم أنه وجد دعماً وسنداً من دولة قطر، التي وفرت له ليس فقط الأمان الذي افتقده في بلده، وإنما منحته المنبر الإعلامي الذي من خلاله وصل إلى مختلف أصقاع عالمنا العربي.

علينا أن نتذكر جميعاً، الدور الكبير الذي لعبه برنامج الشريعة والحياة، الذي كانت تبثه قناة الجزيرة على مدى عدة أعوام، وهو البرنامج الأكثر قربا من المسلمين، تعرفوا من خلاله على الدين في صورته الأكثر تسامحا وقربا من الناس، فضلا عن أنه كان منبرا للفتوى التي أعادت صياغة عقل المسلم المعاصر بشكل عام”. ولقد أزال برنامج الشريعة والحياة، الذي قدمه الشيخ يوسف القرضاوي على مدى أعوام، كثيرا من اللبس الذي كان يلف عددا من القضايا، وأعاد النظر في كثير من القضايا الفقهية، فضلا عن إعادة النظر في العلاقة بين الراعي والرعية، والتي يمكن اعتبارها واحدة من الروافع الفكرية التي أسست لثورات الربيع العربي، التي كانت عبارة عن صرخة من أجل الحرية أولا، باعتبارها مدخلا ليس فقط لاختيار الحاكم وإنما أيضا لمحاسبته”.

إن الحرية التي امتازت بها دولة قطر، والتي حمل الشيخ القرضاوي جنسيتها، كان لها الأثر البالغ في امتداد ليس فكر الشيخ القرضاوي فحسب، وإنما في انتشار فكر الوسطية والاعتدال، الذي يقوم على الإقناع بالحجة والموعظة الحسنة”.

ولا ننسى الدور المحوري الذي لعبه القرضاوي في تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي تحول إلى مؤسسة فكرية مرموقة تجمع خيرة قادة الفكر الديني في العالم، وتقدم النموذج الأمثل لصفاء الدين عن أي توظيف سياسي.

وكما أن “السبب الجوهري الذي جلب للشيخ القرضاوي هذه الخصومات في عدد من العواصم العربية والعالمية، انحيازه لحقوق الانسان ولحقوق الشعوب في اختيار حكامها، وكان من كبار الدعاة للقيم الانسانية، ولعالم يقوم على العدل والإنصاف بين مختلف مكوناته”. ومن هنا نفهم عداء الصهاينة للشيخ القرضاوي، لأنه رفض احتلالهم لفلسطين، واعتبر ذلك عدوانا يستوجب المقاومة، ومن هنا أيضا نفهم لماذا منعت دول غربية موالية للصهاينة الشيخ القرضاوي من دخول أراضيها، لأنه صاحب حجة بليغة في الانحياز للحق وأصحابه”.

أدى الشيخ القرضاوي الذي عليه في تبليغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح لهذه الأمة، ووفقه الله توفيقا عظيما في خدمة الإسلام”.

ولا أقول في لحظات هذا الحدث الكبير إلا ما يرضي الله عز وجل إنا لله وإنا إليه راجعون.

ثالثاً: تفاصيل سيرة وحياة الشيخ العلامة القرضاوي رحمه الله

ولن أكتفي بشهادتي دون أن أُذيلها بسرد لسيرة الشيخ العطرة في حياته وعلمه وتجربته الدعوية والفكرية لتكون مرجعاً لأهل العلم وشباب الأمة وأبنائها البررة وأبناء الإنسانية جميعاً؛ أين ولد؟ وكيف نشأ؟ وكيف درس؟ وما جهوده في الدعوة والفكر والكتابة والفقه والفتوى؟ وما هو الأثر البارز الذي تركه؟

 

 

  1. مولده ونشأته

ولد الدكتور يوسف القرضاوي في إحدى قرى جمهورية مصر العربية، قرية صفت تراب مركز المحلة الكبرى، محافظة الغربية، وهي قرية عريقة دفن فيها آخر الصحابة موتاً بمصر، وهو عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، كما نص الحافظ بن حجر وغيره، وكان مولد القرضاوي فيها في 9/9/1926م وأتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة من عمره

التحق بالأزهر وأتم دراسته الابتدائية والثانوية، ثم دخل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ومنها نال الشهادة العالية عام 1953، وبعدها بعام حصل على إجازة التدريس من كلية اللغة العربية. وكان ترتيبه الأول بين زملائه وعددهم مائة وثمانون.
ثم حصل على العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1954م وكان ترتيبه الأول بين زملائه من خريجي الكليات الثلاث بالأزهر، وعددهم خمسمائة.
وفي عام 1958، حصل على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب، قبل أن يحصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين عام 1960، ثم نال شهادة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من الكلية نفسها عام 1973، وكان موضوع الرسالة “الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية”.

ومن يرد المعرفة عن سيرته أكثر عليه بكتابه الذي تَرجم فيه عن نفسه في ثلاث مجلدات بعنوان: (ابن القرية والكُتَّاب)، وحسب أحد القارئين له أدلة بالقول: “كتاب لا تمل من مطالعته لما فيه من السيرة العطرة المليئة بالكفاح والعلم والدعوة والتضحية ويكفيك قوله في قصيدته النونية في السجن:

تالله ما الدعوات تهزم بالأذى       أبدا وفي التاريخ بر يمينيي

ضع في يدي القيد ألهب أضلعي   بالسوط ضع عنقي على السكين

لن تستطيع حصار فكري ساعة     أو نزع إيماني ونور يقيني

فالنور في قلبي وقلبي في يدي    ربي وربي ناصري ومعيني

سأظل معتصما بحبل عقيدتي     وأموت مبتسما ليحيا ديني”.

  1. الوظائف والمسؤوليات التي تولاها الشيخ
  • عمل الدكتور القرضاوي في مصر مشرفا على معهد الأئمة التابع لوزارة الأوقاف، ثم مشرفا على مطبوعات الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر الشريف، كما التحق بالمكتب الفني لإدارة الدعوة والإرشاد، قبل أن يعار إلى دولة قطر عميدا لمعهدها الديني الثانوي عام 1961.
  • أسس عام 1973 قسم الدراسات الإسلامية في كليتيْ التربية للبنين والبنات بجامعة قطر، وفي عام 1977 تولى تأسيس كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الجامعة نفسها، وظل عميدا لها منذ تأسيسها إلى نهاية العام الجامعي 1989-1990.
  • ابتعثته قطر إلى الجزائر خلال العام الدراسي 1990-1991 ليترأس المجالس العلمية لجامعتها ومعاهدها الإسلامية العليا، ويعود بعدها إلى عمله في جامعة قطر مديرا لمركز بحوث السنة والسيرة.
  • ترأس مجلس إدارة جمعية البلاغ الثقافية في قطر المموِّلة لشبكة “إسلام أون لاين” حتى 23 مارس/آذار 2010، واختير لرئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منذ تأسيسه عام 2004، إضافة إلى أنه عضو في عدة مجامع ومؤسسات علمية ودعوية عربية وإسلامية وعالمية، منها المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكة، ومنظمة الدعوة الإسلامية بالخرطوم، ومركز الدراسات الإسلامية بأكسفورد.
  • عمل الدكتور/ القرضاوي فترة بالخطابة والتدريس في المساجد، ثم أصبح مشرفاً على معهد الأئمة التابع لوزارة الأوقاف في مصر.
  • ونقل بعد ذلك إلى الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر الشريف للإشراف على مطبوعاتها والعمل بالمكتب الفني لإدارة الدعوة والإرشاد.
  • وفي سنة 1961م أعير إلى دولة قطر، عميدا لمعهدها الديني الثانوي، فعمل على تطويره وإرسائه على أمتن القواعد، التي جمعت بين القديم النافع والحديث الصالح.
    وفي سنة 1973م أنشئت كليتا التربية للبنين والبنات نواة لجامعة قطر، فنقل إليها ليؤسس قسم الدراسات الإسلامية ويرأسه.
  • وفي سنة 1977م تولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وظل عميداً لها إلى نهاية العام الجامعي 1989/1990م، كما أصبح المدير المؤسس لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر، ولا يزال قائما بإدارته إلى اليوم.
    وقد أعير من دولة قطر إلى جمهورية الجزائر الشقيقة العام الدراسي 1990/1991م ليترأس المجالس العلمية لجامعتها ومعاهدها الإسلامية العليا، ثم عاد إلى عمله في قطر مديرا لمركز بحوث السنة والسيرة.
  • حصل على جائزة البنك الإسلامي للتنمية في الاقتصاد الإسلامي لعام 1411هـ.
    كما حصل على جائزة الملك فيصل العالمية بالاشتراك في الدراسات الإسلامية لعام 1413هـ.
    كما حصل على جائزة العطاء العلمي المتميز من رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا لعام 1996م.
  • كما حصل الشيخ رحمه الله على جائزة السلطان حسن البلقية (سلطان بروناي) في الفقه الإسلامي لعام 1997م.
  1. مجال المؤتمرات والندوات العلمية

لا يكاد يعقد مؤتمر أو ملتقى أو ندوة أو حلقة حول الفكر الإسلامي أو الدعوة الإسلامية إلا يدعى إليها الدكتور القرضاوي، تقديراً من الجهات الداعية لمكانته بين العلماء والدعاة والمفكرين، وهو يحضر منها ما أسعفه وقته وساعدته ظروف عمله وارتباطاته المتعددة على حضوره، ويشارك فيها بالبحوث المعدة، أو بالمناقشات الإيجابية المخلصة أو بهما معا، والذين يشهدون هذه المجتمعات العلمية والدعوية يؤكدون أن حضور القرضاوي يزيدها فاعلية وإثراء.

ومن هذه المؤتمرات على سبيل المثال لا الحصر:

  • المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي تحت رعاية جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة.
  • المؤتمر العالمي الأول لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة تحت رعاية الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
  • المؤتمر العالمي الأول للفقه الإسلامي بالرياض تحت رعاية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
  • المؤتمر العالمي الثاني لتوحيد الدعوة وإعداد الدعاة تحت رعاية الجمعية الإسلامية بالمدينة المنورة.
  • المؤتمر العالمي الأول لمكافحة المسكرات والمخدرات والتدخين تحت رعاية الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
  • مهرجان ندوة العلماء بالكهنو بالهند، ومؤتمر الإسلام والمستشرقين الذي نظمته ندوة العلماء بالتعاون مع دار المصفين بمدينة (أعظم كره) بالهند، وقد اختير بالإجماع رئيساً للمؤتمر.
  • مؤتمرات السيرة النبوية والسنة الشريفة التي عقدت في أكثر من بلد، وقد انتخب في المؤتمر الذي عقد في قطر نائبا للرئيس.
  • ندوة التشريع الإسلامي في ليبيا، ومؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، ومؤتمرات المصارف الإسلامية في دبي وفي الكويت واستانبول وغيرها ومؤتمرات الهيئة العليا للرقابة الشرعية بالبنوك الإسلامية، وندوة “الاقتصاد الإسلامي في مجال التطبيق” في أبو ظبي، وندوات (المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية) بالكويت و”مؤتمرات الزكاة” بالكويت ومؤتمرات رابطة الجامعات الإسلامية بالقاهرة، وغيرها، ومؤتمرات المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن، وملتقيات الفكر الإسلامي بالجزائر، ومؤتمر الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بإسلام آباد، وندوة الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي بعمان، ومؤتمرات الإسلام والطب بالقاهرة.

وقدم لمعظم المؤتمرات والندوات بحوثاً علمية كانت موضع تقدير المؤتمرين.

  1. جهود الشيخ القرضاوي في مجال المحاضرات والزيارات الجامعية

دُعي الأستاذ الدكتور القرضاوي لزيارة عدد من الجامعات العربية والإسلامية لإلقاء محاضرات بها، إما على الطلاب وهو الأكثر، وإما على أعضاء هيئة التدريس، أو على الفريقين معاً في محاضرات عامة.

  • من ذلك عدد من الجامعات المصرية مثل: جامعة القاهرة، والأزهر، وعين شمس، والإسكندرية، المنصورة، وأسيوط.
  • ومنها جامعة الخرطوم وجامعة أم درمان الإسلامية بالسودان.
  • ومنها بالمملكة العربية السعودية: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد كان في بعض الدورات عضواً بالمجلس الأعلى بها، وجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وجامعة الظهران للبترول والمعادن، وجامعة الملك فيصل بالدمام، وجامعة الملك سعود بالرياض.
  • ومنها جامعة الكويت، وجامعة الإمارات العربية المتحدة بالعين، وجامعة الخليج بالبحرين، والجامعة الأردنية وجامعة اليرموك بالأردن، وجامعة محمد الخامس بالرباط، والقاضي عياض بمراكش بالمغرب، وجامعة صنعاء باليمن، وجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، وعدد من الجامعات الجزائرية بالجزائر العاصمة وقسنطينة ووهران وتبسا.
  • ومنها: الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، وجامعة البنجاب بلاهور، وجامعة الملايو، والجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، ودار العلوم ومعهدها العالي للفكر الإسلامي بندوة العلماء في الكهنو بالهند، وجامعة أحمدو بللو بنيجيريا، وجامعة ابن خلدون، وغيرها بإندونيسيا، وجامعة مندناو بجنوب الفلبين، ومعهد الملك فيصل للدراسات الإسلامية بها، والجامعة الإسلامية بمدينة هراوي بها، وبعض الجامعات بطوكيو، واليابان وسيؤول بكوريا الجنوبية.

كما دعاه عدد من المراكز والمعاهد والجمعيات العلمية لإلقاء محاضرات بها مثل:

  • مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجدة.
  • جمعية الاقتصاد الإسلامي بالقاهرة.
  • مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية بالرياض.
  • المعهد العالمي للفكر الإسلامي بأمريكا.
  • المجمع الثقافي بأبوظبي.
  • النادي الأدبي بمكة المكرمة.
  • النادي الثقافي بسلطنة عمان.
  1. جهود الشيخ القرضاوي في مجال الاقتصاد الإسلامي

عنى الدكتور القرضاوي منذ مدة غير قليلة بالجانب الاقتصادي في الإسلام من الناحية النظرية ومن الناحية التطبيقية؛

  • من الناحية النظرية ألقى الكثير من المحاضرات والدروس حول الجانب الاقتصادي في الإسلام، وألف مجموعة من الكتب اشتهرت في العالم العربي والإسلامي، يكفي أن نذكر منها: فقه الزكاة، ومشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، بيع المرابحة للآمر بالشراء، كما تجريه المصارف الإسلامية، وأخيراً: فوائد البنوك هي الربا الحرام.
  • من الناحية التطبيقية، ساند قيام البنوك الإسلامية من قبل أن تقوم، وبعد أن قامت، متعاوناً مع الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، ولا يزال إلى اليوم عضداً لها، يشد أزرها، ويرشد مسيرتها، ويسدد خطواتها، ويدافع عنها.

وقد كان ـ لعدة سنوات ـ مستشاراً شرعياً متطوعاً لأول بنك إسلامي، وهو بنك دبي الإسلامي، ثم أصبح عضواً للهيئة العامة للرقابة الشرعية بدار المال الإسلامي في جنيف، وشركة الراجحي للاستثمار بالمملكة العربية السعودية، وهو كذلك رئيس هيئة الرقابة الشرعية لكل من: مصرف قطر الإسلامي بالدوحة، بنك قطر الدولي الإسلامي، مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين وباكستان، بنك التقوى في لوجانو بسويسرا، وعضو مجلس إدارة بنك فيصل الإسلامي المصري، وعضو مؤسس بجمعية الاقتصاد الإسلامي بالقاهرة.

وقد أبان عن سر اهتمامه بالاقتصاد الإسلامي في مقدمة كتابه (بيع المرابحة) فقال: “إن اهتمامي بالاقتصاد الإسلامي جزء من اهتمامي بالشريعة الإسلامية، والدعوة إلى تحكيمها في جميع مجالات الحياة، وإحلال أحكامها محل القوانين الوضعية والأنظمة المستوردة”. وتقديراً لهذه الجهود، قررت لجنة البنك الإسلامي للتنمية اختيار فضيلته للفوز بجائزة البنك للعام 1411هـ في الاقتصاد الإسلامي، منوهة بمساهمته المتميزة والعميقة في هذا المجال.

  1. جهود الشيخ القرضاوي في مجال العمل الاجتماعي والخيري

وللدكتور القرضاوي اهتمام خاص بالعمل الاجتماعي والخيري، وهو يعيب على الحركة الإسلامية، وعلى الصحوة الإسلامية استغراقها في العمل السياسي الذي يستهلك جل طاقته، إن لم يكن كلها، وإغفالها للعمل الاجتماعي الذي أتقنه خصوم الدعوة الإسلامية، والذين تسللوا من خلاله لإضلال المسلمين ومحاولة سلخهم عن عقيدتهم وهويتهم، تحت ستار الخدمات الاجتماعية، والأعمال الخيرية، من إنشاء المدارس والمستشفيات والمؤسسات الاجتماعية المختلفة.

وقد استغل دعاة التنصير هذا المجال أسوأ استغلال، فغزوا كثيراً من المناطق الإسلامية في إفريقيا وآسيا، التي ينتشر فيها ثالوث الفقر والجهل والمرض، حتى انتهى بهم طموحهم أو غرورهم إلى التخطيط لتنصير المسلمين في العالم، كما قرر ذلك مؤتمر المبشرين الذي انعقد في ولاية كولورادو بأمريكا ورصدوا لذلك ألف مليون دولار، وأنشأوا له معهد “زويمر” لتخريج المتخصصين في تنصير المسلمين حسب بلدانهم ولغاتهم ومذاهبهم واتجاهاتهم.

وقد حرك ذلك همة الشيخ القرضاوي، فطاف بعدد من الأقطار، وألقى عدداً من المحاضرات والأحاديث بين فيها خطورة الموقف، ووجوب التصدي لهذه الحملة بعمل مماثل، وهو رصد ألف مليون دولار من المسلمين للحفاظ على عقيدتهم وشخصيتهم، وأن يستثمر هذا (المليار) إذا جمع، لينفق من عائده على العمل الخيري والدعوي، ويبقى الأصل صدقة جارية لأصحابه، وأوضح أن المسلمين يبلغون في عددهم أكثر من مليار، فلو دفع كل مسلم ـ في المتوسط ـ دولاراً واحدا لجمعوا المبلغ المطلوب. وبهذا رفع شعار: ادفع دولار تنقذ مسلماً! وأصدر نداءه للمسلمين الذي أذيع في أكثر من بلد.

وقد قامت على أساس هذه الدعوة ولتحقيق الهدف: “الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية” التي اتخذت من الكويت مقراً أساسيا، وبدأت تمارس نشاطها بقوة ووضوح وإن كان لا تزال في بداية الطريق، فهو صاحب فكرة الهيئة، وعضو اللجنة التحضيرية التي أعدت لها، وبناء على تصوره لأهدافها ووسائلها أعد مشروع نظامها الأساسي، وعضو جمعيتها التأسيسية، ومجلس إدارتها، ولجنتها التنفيذية، وعضو في أكثر من لجنة من لجانها.

وفي قطر أنشأ صندوقاً شعبيا لمساعدة ذوي العوز والحاجة داخل قطر وخارجها سمي: “صندوق قطر الإسلامي للزكاة والصدقة” له حساب في مصرف قطر الإسلامي ويقوم بسد بعض الثغرات، وتلبية بعض الحاجات.

وفي مصر ساهم بجهده وماله في إقامة عدد من المؤسسات الدينية والخيرية مثل معهد ومسجد ومستشفى الصحوة في قريته صفت تراب، ومسجد الرحمة في مدينة نصر.  

  1. جهود الشيخ القرضاوي في مجال ترشيد وتوعية شباب الأمة

إن من أبرز الميادين التي توجهت إليها همة الدكتور القرضاوي ونشاطه، وظهر فيها تأثيره، وجند لها في السنوات الأخيرة لسانه وقلمه وفكره وعلمه وجهده: ميدان شباب الصحوة الإسلامية المعاصرة، فهو يحضر الكثير من المعسكرات والمؤتمرات واللقاءات التي ينظمها شباب الصحوة في داخل البلاد الإسلامية وخارجها، وقلما يمّمت وجهك شطر هذه اللقاءات في أمريكا وكندا وأوروبا، الأسئلة المثارة والشبهات المثيرة، حول الإسلام وعقيدته وشريعته وتاريخه، وهو موضع الثقة والقبول العام من شباب الصحوة، لما يعتقدونه وما يلمسونه أيضاً من تمكنه من العلم، ورحابة أفقه في الفكر، وإخلاصه في الدعوة، وحرصه على البناء لا الهدم، وعلى الجمع لا التفريق، وتحريه دائماً الاعتدال والوسطية التي تتسم بالتيسير لا التعسير، وبالرفق لا العنف، فهم يقبلون منه ما لا يقبلون من غيره ممن قد يتهمونه في علمه أو دينه أو ولائه وارتباطه بجهة من الجهات.
أضف إلى ذلك ما نشره من مقالات، وما ألفه من كتب، وما ألقاه من خطب ومحاضرات، سجلت وانتشرت، تدور حول دعم الصحوة وتقويتها من جانب باعتبارها المعبر الحقيقي عن طموح الأمة الإسلامية وتطلعها إلى الحياة الإسلامية الكاملة، وحول ترشيدها وتسديد خطاها ومسيرتها بعيداً عن الغلو والتطرف والعنف.
وقد كتب في ذلك في مجلة “الأمة” القطرية، مقالات “صحوة الشباب الإسلامي ظاهرة صحية يجب ترشيدها لا مقاومتها” وقد جمعت وطبعت عشرات الألوف منها في عدد من البلاد العربية والإسلامية. كما كتب في مجلة “العربي” عن ظاهرة التطرف.
ثم أصدرت له مجلة “الأمة” كتابه الشهير “الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف” الذي طبع منه مئات الآلاف بالعربية، وترجم إلى عدد كبير من اللغات كالإنجليزية والأوردية والتركية والماليزية والأندونيسية والماليبارية.
كما أصدر كتاب “الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي” وكتاب “من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا” وكتاب “الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم”.

وكذلك وقوفه في وجه “موجة التكفير” التي راجت يوماً في بعض الأقطار العربية والإسلامية والتي تقوم على تكفير الناس بالجملة، وقد نشر في هذا رسالته التي سماها “ظاهرة الغلو في التكفير” والتي طبع منها عشرات الألوف، وترجمت أيضاً إلى عدد من اللغات.

وكان يهيب بشباب الصحوة الإسلامية في لقاءاته بهم، أو كتاباته لهم: أن يتنقلوا من الكلام والجدل إلى العطاء والعمل، ومن الاهتمام بالفروع والجزئيات إلى التركيز على الأصول والكليات، ومن الانشغال بالمسائل المختلف فيها إلى التأكيد على القضايا المتفق عليها، ومن التحليق الخيالي في سماء الأحلام إلى النزول إلى أرض الواقع، ومن الاستعلاء على المجتمع إلى المعايشة له وإعانته على حل مشكلاته”، ومن الدعوة بالعنف والتي هي أخشن إلى الرفق والدعوة بالتي هي أحسن، ومن الإهمال لسنن الله في الحياة إلى التعبد لله بمراعاتها، في ضوء الأصول الشرعية.

  1. التجربة التنظيمية والدعوية للشيخ القرضاوي

الأستاذ الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، أحد أعلام الإسلام البارزين في العصر الحاضر في العلم والفكر والدعوة والجهاد، في العالم الإسلامي مشرقه ومغربه.
ولا يوجد مسلم معاصر إلا التقى به قارئاً لكتاب، أو رسالة، أو مقالة، أو فتوى، أو مستمعاً إلى محاضرة، أو خطبة أو درس أو حديث أو جواب، في جامع أو جامعة، أو ناد، أو إذاعة، أو تلفاز، أو شريط، أو غير ذلك.   ولا يقتصر نشاطه في خدمة الإسلام على جانب واحد، أو مجال معين، أو لون خاص بل اتسع نشاطه، وتنوعت جوانبه، وتعددت مجالاته، وترك في كل منها بصمات واضحة تدل عليه، وتشير إليه.

انتسب الشيخ القرضاوي إلى جماعة الإخوان المسلمين بمصر، واعتقل عدة مرات لانتمائه إليها بداية من عام 1949 وهو لا يزال طالبا في المرحلة الثانوية، ثم اعتقل في الحملة الأمنية الكبرى التي شنها نظام الثورة عام 1954 على الجماعة.

شكلت كتبه وآراؤه الفكرية وفتاواه الفقهية مرجعية موثوقة ومعينا ثرّا لأبناء الصحوة الإسلامية منذ ستينيات القرن العشرين، وصاغت ثقافة أجيال بأكملها من الطلبة خاصة والباحثين والدارسين عامة.

شارك طوال عقود في إنشاء الكثير من الهيئات والمؤسسات الإسلامية في المجالات العلمية والدعوية والخيرية والاقتصادية والإعلامية.

وفي فبراير/شباط 2011، عاد لأول مرة إلى الإمامة والخطابة بمصر بعد 31 عاما من المنع، حيث ألقى خطبة الجمعة في ميدان التحرير وسط القاهرة بعد أيام من سقوط نظام الرئيس حسني مبارك.

وصف الشيخ القرضاوي الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية بأنها “منحة إلهية لتغيير مسار شعوبها”، وأدان بشدة موقف الحكام في مواجهة الثائرين المسالمين بالرصاص والقتل.

اختير في 2008 ليحتل المرتبة الثالثة (الأول الداعية التركي فتح الله غولن، والثاني الاقتصادي البنغالي الحاصل على جائزة نوبل 2006 محمد يونس) في قائمة عشرين شخصية فكرية هي الأكثر تأثيرا على مستوى العالم، بناء على استطلاع دولي أجرته مجلتا “فورين بولسي” الأميركية و”بروسبكت” البريطانية.

كما جاء عام 2009 في المرتبة الـ 38 ضمن خمسين شخصية مسلمة مؤثرة في كتاب أصدره المركز الملكي للدراسات الإستراتيجية الإسلامية (مركز أبحاث رسمي في الأردن) يتضمن أكثر من خمسمائة شخصية مسلمة مؤثرة.

وفي يناير/كانون الثاني 2012 أعلن مركز “القرضاوي للوسطية الإسلامية والتجديد” التابع لكلية الدراسات الإسلامية بمؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع إطلاقه “جائزة الشيخ يوسف القرضاوي العالمية للدراسات الإسلامية”، وهي ذات فرعين: جائزة للعلماء الكبار وأخرى للعلماء الشباب. ويهدف المركز من خلال هذه الجائزة إلى تكريم الشخصيات العلمية ذات التأثير في حركة الثقافة الإسلامية المعاصرة، وفي مواجهة التحديات الفكرية والبحث عن حلول لقضايا المسلمين.

وفي 16 مايو/أيار 2015 صدر حكم قضائي بإحالة أوراق الشيخ القرضاوي -ونحو مائة آخرين بينهم الرئيس المعزول محمد مرسي– على مفتي مصر فيما يعرف بقضية “الهروب من سجن وادي النطرون” أثناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وهو القرار الذي وصفه الشيخ بأنه لا قيمة له ولا يستحق أن يُتَابع.

وردا على اتهامه بالتحريض على نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك في أيام حكمه الأخيرة، قال الشيخ للجزيرة -عقب صدور الحكم- إن من حق الناس أن يثورا على الظلم والباطل.

وكان النائب العام المصري هشام بركات وضع في سبتمبر/أيلول 2013 اسم القرضاوي على ما يسمى لوائح ترقب الوصول إثر بلاغات تزعم تحريضه على قتل جنود مصريين ومهاجمة شيخ الأزهر.

ومن الجهود البارزة للدكتور القرضاوي جهوده في مجال الفقه والفتوى خاصة. فهو لا يلقى محاضرة، أو يشهد مؤتمراً أو ندوة إلا جاءه فيض من الأسئلة في شتى الموضوعات الإسلامية ليرد عليه، وردوده وأجوبته تحظى بقبول عام من جماهير المثقفين المسلمين، لما اتسمت به من النظرة العلمية، والنزعة الوسطية، والقدرة الإقناعية.

وقد أصبح مرجعاً من المراجع المعتمدة لدى الكثيرين من المسلمين في العالم الإسلامي وخارجه، ومن عرف الشيخ عن كثب سمع منه أنه يشكو من كثرة الرسائل والاستفتاءات التي تصل إليه، ويعجز عن الرد عليها، فهي تحتاج إلى جهاز كامل ولا يقدر عليها جهد فرد مهما تكن طاقته ومقدرته.

هذا إلى ما يقوم به من إجابات عن طريق المشافهة واللقاء المباشر، وفي أحيان كثيرة عن طريق الاتصال الهاتفي، الذي سهل للكثيرين أن يسألوه هاتفياً من أقطار بعيدة، بالإضافة إلى برامجه الثابتة في إذاعة قطر وتلفزيونها للرد على أسئلة المستمعين والمشاهدين.

وقد بين منهجه في الفتوى في مقدمة الجزء الأول من كتابه “فتاوى معاصرة”. كما وضح ذلك في رسالته “الفتوى بين الانضباط والتسيب” الذي تعرض فيها لمزالق المتصدين للفتوى وجلاها مع التدليل والتمثيل.

وخلاصة هذا المنهج أنه يقوم على التيسير لا التعسير، والاعتماد على الحجة والدليل، والتحرر من العصبية والتقليد، مع الانتفاع بالثروة الفقهية للمذاهب المعتبرة، وعلى مخاطبة الناس بلغة عصرهم، والاهتمام بما يصلح شأنهم والإعراض عما لا ينفعهم، والاعتدال بين الغلاة والمقصرين، وإعطاء الفتوى حقها من الشرح والإيضاح والتعليل.

يكمل ذلك ما ذكره في كتابه “الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، مع نظرات تحليلية في الاجتهاد المعاصر” الذي كشف فيه اللثام عن مزالق الاجتهاد المعاصر، وأبان عن المعالم والضوابط اللازمة لاجتهاد معاصر قويم.

وبدأ الشيخ يمارس الدعوة منذ فجر شبابه، منذ كان طالباً في القسم الابتدائي، من معهد طنطا الثانوي، وعمره حوالي 16سنة، مبتدئاً بقريته، ثم بما حولها، حتى شرق وغرب العالم كله. وله إلى الدعوة منابر ووسائل شتى:

منها: المنبر الطبيعي التاريخي للدعوة إلى الله، وهو: المسجد، عن طريق الخطبة والدرس.
وقد كان القرضاوي وهو طالب في كلية أصول الدين يخطب في مسجد بمدينة المحلة الكبرى، المدينة العمالية الشهيرة ـ يعرف بمسجد “آله طه” الذي أطلق عليه الناس “مسجد الشيخ يوسف” وقد كان يؤمه الآلاف لصلاة الجمعة، حتى أن منشئ المسجد بنى بجواره ملحقا من عدة طوابق ليتسع للناس. وبعد خروجه من المعتقل سنة 1956م استدعته وزارة الأوقاف عقب حرب السويس ليخطب في جامع الزمالك بالقاهرة، وقد كان يؤمه جمهور كبير حتى منع من الخطابة في عهد عبد الناصر.

وحين أعير إلى قطر سنة 1961م اتخذ من المسجد وسيلة لنشر الدعوة فهو يخطب ويدرس، ويعظ ويفتي، ولا يزال إلى اليوم يلقي خطبة الجمعة في مسجد عمر بن الخطاب، الذي تذاع منه الخطبة على الهواء مباشرة عن طريق التلفاز القطري، وقد سجلت هذه الخطب وانتشرت في أنحاء العالم الإسلامي، وكذلك خطبه في عيدي الفطر والأضحى، وخصوصاً ما كان منها في ميدان “عابدين” بالقاهرة، و”الاستاد” بالإسكندرية.

أضف إلى ذلك دروسه الأسبوعية بعد الجمعة، ومساء الاثنين من كل أسبوع، وكذلك دروسه الرمضانية الثابتة، وتتمثل في درس العصر في مسجد الشيخ خليفة بن حمد، التي يحرص على حضورها منذ ثلاثين عاماً، منذ كان ولياً للعهد ونائبا للأمير. ودرس العشاء بعد الترويحة في صلاة التراويح التي يصليها ثماني ركعات بجزء من القرآن، ويختم فيها القرآن كل عام.

كما اتخذ من أجهزة الإعلام منبراً للدعوة أيضاً، فله دروس وأحاديث في الإذاعة والتلفاز، وبعضها في تفسير القرآن الكريم، وبعضها في تفسير القرآن الكريم، وبعضها في شرح الحديث الشريف مثل برنامج “من مشكاة النبوة” وبعضها دروس توجيهية، وبعضها إجابات عن أسئلة المسلمين والمسلمات عن كل ما يتعلق بالإسلام والحياة.

وله في ذلك برنامج باسم “نور وهداية” منذ افتتاح إذاعة قطر، واستمر بضعة عشر عاماً ثم اعتذر أخيراً من عدم استمراره فيه لكثرة مشاغله.
وبرنامج آخر تلفزيوني باسم “هدي الإسلام” في مساء كل جمعة، بدأ مع بدء تلفزيون قطر، واستمر إلى اليوم، يشاهده الأخوة والأخوات في قطر والبحرين والإمارات والمنطقة الشرقية من السعودية، ويترقبه الناس ويتابعونه الناس بلهفة، وهو يمثل مدرسة متميزة في الدعوة والتوجيه، والفتوى والتفقيه. وما من تلفزيون عربي إلا وبث للدكتور القرضاوي دروسا وأحاديث، وإلى جوار ذلك أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية، كان نشاطه في الإعلام المقروء عن طريق الصحافة.

فقد نشر مقالات وبحوث في مختلف المجلات الإسلامية: “الأزهر” و”نور الإسلام” و”منبر الإسلام” و”الدعوة” في مصر، و”حضارة الإسلام” بدمشق و”الوعي الإسلامي” و”المجتمع” و”العربي” بالكويت، و”الشهاب” ببيروت، و”البعث الإسلامي” بالهند، و”الدعوة” بالرياض، و”الدوحة” و”الأمة” في قطر، و”منار الإسلام” في أبو ظبي، و”المسلم المعاصر” في لبنان وغيرها.   إلى جانب الصحف الأسبوعية واليومية في عدد من الأقطار، التي نشرت له مقالات أو فتاوى، أو لقاءات يجيب فيها مما يوجه إليه من أسئلة حول الإسلام عقيدة وشريعة وحضارة وأمة.  ومما لا خلاف عليه أن الشيخ القرضاوي داعية إسلامي من كبار دعاة الإسلام المعاصرين، له شخصيته المستقلة، وطابعه الأصيل، وتأثيره الخاص بحيث يعد بمجموع خصائصه مدرسة متميزة في الدعوة.

وبالجملة فهو في الدعوة ـ كما في الفقه والفكر ـ نموذج متفرد.

  1. مؤلفات وكتب الشيخ القرضاوي

من أهم ما برز فيه الدكتور القرضاوي مهنة التأليف والكتابة، فهو عالم مؤلف محقق كما وصفه العلامة أبو الحسن الندوي في كتابه “رسائل الأعلام” وكتبه لها ثقلها وتأثيرها في العالم الإسلامي، كما وصفها بحق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.  والناظر في كتبه وبحوثه ومؤلفاته يستيقن من أنه كاتب مفكر أصيل لا يكرر نفسه، ولا يقلد غيره، ولا يطرق من الموضوعات إلا ما يعتقد أنه يضيف فيه جديداً من تصحيح فهم، أو تأصيل فكر، أو توضيح غامض، أو تفصيل مجمل، أو رد شبهة، أو بيان حكمة أو نحو ذلك.  وقد ألف الشيخ يوسف القرضاوي في مختلف جوانب الثقافة الإسلامية كتباً نيفت على الخمسين، أصيلة في بابها، تلقاها أهل العلم في العالم الإسلامي بالقبول والتقدير، ولهذا طبعت بالعربية مرات كثيرة، وترجم أكثرها إلى اللغات الإسلامية والعالمية، فلا تكاد تذهب إلى بلد إسلامي إلا وجدت كتب القرضاوي هناك إما بالعربية أو باللغة المحلية.

ولقد ألف الشيخ مجموعة كبيرة من الكتب نافت على 170 كتابا تناولت مجالات عدة ضمت علوم القرآن والسنة والفقه والعقيدة والدعوة والفكر والتصوف والأدب (شعرا ومسرحا)، من بينها “العقل والعلم في القرآن الكريم”، و”الحلال والحرام في الإسلام”، و”الاجتهاد في الشريعة الإسلامية”، و”فقه الزكاة”، و”فقه الجهاد”، و”الإسلام والعلمانية وجها لوجه”، و”عالم وطاغية” وهي مسرحية تاريخية. وقد تميزت كتابات الشيخ القرضاوي بعدة مزايا:

أولاً: استندت بصفة أساسية إلى أصول تراثنا العلمي الإسلامي المعتمد على الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح، ولكن لم تنس العصر الذي نعيش فيه فجمعت بين الأصالة والمعاصرة بحق.

ثانياً: جمعت بين التمحيص العلمي والتأمل الفكري، والتوجه الإصلاحي.
ثالثاً: تحررت من التقليد والعصبية المذهبية، كما تحررت من التبعية الفكرية للمذاهب المستوردة من الغرب أو الشرق

رابعاً: اتسمت بالاعتدال بين المتزمتين والمتحللين، وتجلت فيها الوسطية الميسرة بغير تفريط ولا إفراط.

وهكذا قال بحق مدير مجلة الأمة في تقديم كتاب “الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف” أنه من المفكرين الإسلاميين القلائل الذين يتميزون بالاعتدال ويجمعون بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر.

خامساً: يمثل أسلوبه في الكتابة ما يعرف بـ “السهل الممتنع” فهو أسلوب عالم أديب متمكن.

سادساً: وقفت بقوة في وجهه دعوات الهدم والغزو من الخارج، ودعوات التحريف والانحراف من الداخل، والتزمت الإسلام الصحيح وحده، تنفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

سابعاً: يلتمس كتبه فيها الحرارة والإخلاص، كما يلمس ذلك مستمع خطبه ومحاضراته ودروسه، وقد أجمع كل من كتبوا عنه: أن مؤلفاته وكتاباته تجمع بين دقة الفقيه، وإشراقة الأديب، وحرارة الداعية، ونظرة المجدد.

كما أن له بجوار كتبه العلمية كتباً ذات طابع أدبي، مثل مسرحية “عالم وطاغية” التي تمثل ثبات سعيد بن جبير في مواجهة طغيان الحجاج. وله ديوان بعنوان “نفحات ولفحات” يضم عدداً مما بقي من قصائده القديمة، بالإضافة إلى بعض القصائد الجديدة والأناشيد الموجهة. وقد انتشرت أناشيده وقصائده في العالم الإسلامي وتغنى بها الشباب في المناسبات حتى قبل طبع الديوان.

هذا إلى جانب كتب أخرى اشترك في تأليفها لوزارة التربية في قطر، وللمعهد الديني خاصة، وقد زادت على العشرين كتاباً، أقرتها الوزارة في مدارسها، وهي تتناول التفسير والحديث والتوحيد والفقه والمجتمع الإسلامي، والبحوث الإسلامية، وفلسفة الأخلاق، وغيرها، هذا بخلاف البحوث والدراسات والمقالات التي نشرت في الحوليات والمجلات العلمية: الفصلية والشهرية والأسبوعية، وسنشير إلى شيء منها بعد.

وفي نهاية هذه الشهادة أقول:

رحم الله من طرق كل أبواب الفكر والإصلاح والدعوة، فجاهد بكلمته وبقلمه وبنفسه وبمصالحه وباستقراره وبعقله وروحه وجسده وفكره وحكمته ووسطيته.

ورحم الله شيخنا بعد طول صبر واحتساب ورباط وعلم وتضحية وبناء

رحمك الله يا شيخ الشباب ويا شاب الشيوخ كما قالوا عنك

رحم الله عملا يمشي وعلما ينير وقلما يزهر

رحم الله أمة جامعة ماتعة من الأخلاق والآداب والعلم والفقه والإقدام والتضحية

وإني بنهاية هذه الإفادة أتمثل في ثبات شيخنا وصدقه وعزيمته، قول الحق تعالى:

[فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَال] الرعد: 17.

ملاحظة: استقيت جانباً من سيرة ومعلومات الشيخ من موقعه الرسمي وتعازي الإخوة والعلماء وطلبة العلم الذين أدلوا بدولهم اليوم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى