مقالاتمقالات مختارة

د. زينب عبد العزيز تكتب: خديعة حوار الأديان إلى أين؟

دخلت مؤتمرات حوار الأديان في مرحلتها الحاسمة هذا العام، وفقا لما رتبته المؤسسة الكنسية ومؤتمر الفاتيكان الثاني (1965)، الذي قرر اقتلاع الإسلام وتنصير العالم. قد تم اعتبار عام 2008، عام حوار الأديان في أوروبا، وإقامة المؤتمرات المتتالية بين المؤسسات الأوروبية السياسية والكنسية لترسيخ فكرة أوروبا المسيحية، من جهة.. ومن جهة أخرى، في نفس الوقت، تتوالى فيه سلسلة من المؤتمرات التي يعقدها المسلمون لتقديم مزيد من التنازلات للجانب الكنسي.. وكان آخرها -حتى وإن تم ذلك في بلد أوروبي- مؤتمر مدريد الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين، فيما بين 16 و18 يوليو 2008، ويا له من اختيار لمكان مرير الإهانة والذكرى، فبعد أن تم اقتلاع الإسلام من إسبانيا في حرب الاسترداد (1492 م)، بإبادة المسلمين غدراً  وذبحاً أو تنصيرا، تتم العدة الآن لاقتلاع الإسلام بأيدي المسلمين هذه المرة.

وقد بدأت الحلقة الأولى من هذه المرحلة الحاسمة عقب محاضرة بنديكت 16 في راتيسبون، في سبتمبر 2006، التي تعمّد فيها سب الإسلام والمسلمين ونبينا الكريم صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين.. فعندما ثار العالم الإسلامي كرد فعل لهذا الجُرم، طلب البابا من الأسقف جان لوى توران، رئيس لجنة الحوار البابوي بالفاتيكان، أن يتدبّر الأمر لاحتواء الموقف والترتيب لعقد لقاءات مع بعض المسلمين المهرولين لمساندة الفاتيكان.. وتمخض عن هذه الترتيبات ذلك الخطاب الفضيحة الذي وقّع عليه 138 عالما مسلما، عن قناعة أو عن جهل أو مجاملة! وهو الخطاب الذي يعلنون فيه مصيبة أننا، مسلمون ومسيحيون، نعبد نفس الإله!

والمؤسف في الموضوع أن الفاتيكان يقدم هذه المبادرة في كافة النصوص المتعلقة بها على أنها رد فعل خوف المسلمين من البابا خشية أن يفضح الإسلام الإرهابي أكثر مما فعل، فتقدموا له بذلك الخطاب قائلين “تعالوا إلى كلمة سواء”، نتصالح ونتعاون بما أننا نعبد نفس الإله، ونغض الطرف عن الاختلافات التي كانت تفصل بيننا فيما مضى! وهم بذلك يلغون سبب مجيء الإسلام أساسا، الذي أتى كاشفا لكل ما تم من تحريف فى عقيدة التوحيد بالله فى الرسالتين السابقتين ومصوباً لمسارها.

وتلى هذا الخطاب الفضيحة ترتيب عدة لقاءات مشتركة بين المهرولين هنا وهناك، كما تم ترتيب زيارة خادم الحرمين للفاتيكان، بكل ما تضمنتها هذه الزيارة من مهانة وتنازلات، فكل المطلوب منها هو “الضغط سياسيا ودوليا وكنسيا لغرس الإنجيل فى أرض المملكة ورشقها بالكنائس”.. وهى عبارة البابا يوحنا بولس الثانى الواردة فى كتاب “الجغرافيا السياسية للفاتيكان”.. وبعد شهر ونصف من تلك الزيارة المرتّبة، أقيم مؤتمر مكة المؤسف، من 4 إلى 6 يونيو 2008، والذى تكرر فيه إجمالا:  ” تأكيد أننا نعبد نفس الإله، وتم الإقرار بابتلاع تهمة الإرهاب فى الإسلام والتعهد بالعمل على نبذه، والالتزام بالقيم المشتركة، وتعزيز مفاهيم الأسرة، وتدارك واقع ابتعاد الإنسان عن ربه، وقبول ما نتفق فيه وترك ما نختلف فيه “.. إضافة إلى الإقرار بمصيبة أخرى هى: مساواة النصوص الكنسية واليهودية، الثابت تحريفها، بالقرآن الكريم الثابت تنزيله من عند الله! أى انه تمخض عن تحقيق مطالب البابا بنديكت 16..، وهو ما تناولته فى مقال آنذاك.

وبعد مؤتمر مدريد تتم العدة حاليا لمؤتمر نوفمبر 2008، الذى سوف ينعقد فى الفاتيكان، بحضور 24 من المهرولين المسلمين و24 من المتحكمين الفاتيكانيين، لتدارس كيفية تنفيذ ما قام به عصر التنوير على الكتاب المقدس وتطبيقه على القرآن الكريم ! إن أعمال ودراسات عصر التنوير قد أثبتت أن الكتاب المقدس الحالى ليس مقدسا ولا منزلا من عند الله، كما أثبتت التحريف الذى تم فى الكتاب بعهديه، وخاصة العهد الجديد، وأثبتت أن المسيحية الحالية، التى لا يقبلها عقل ولا منطق، تمّت صياغتها عبر المجامع على مر العصور، ولا يعرف عنها المسيح شيئا بل تخالف تعاليمه، وأن عدد المتناقضات الموجودة فى الأناجيل يفوق عدد كلماته، وان الأناجيل برمتها لم تكتبها الأسماء التى هى معروفة بها، وأنها صيغت يقينا بعد الأحداث تلفيقا، الخ..

بل فى واقع الأمر إن كشف عمليات تحريف الأناجيل قد تمت بنفس يد من قام بذلك التعديل والتبديل والتغيير، وتكفى مطالعة اعترافات القديس جيروم الواردة فى الخطاب-المقدمة الذى يتصدر ترجمة “الفولجات” التى أعدها، وتعنى الأصل الذى تعتمد عليه الكنيسة، إضافة الى المعارك الضارية التى دارت بين مختلف الفرق والنحل المسيحية وتم خلالها ذبح الملايين من البشر!

 فما يحاول سدنة الفاتيكان القيام به حاليا هو تنفيذ عملية إسقاط لكل ما تم فى المسيحية من مآخذ على القرآن الكريم، بأيدى من يُحتسبون على الإسلام اسما.. ولا أدل على ذلك من الكتاب الذى ألفه القس ميشيل كويبرز Michel Cuypers))  وتم نشر عرض له فى يونيو 2007 بالعدد الرابع من مجلة “الملكوت” الإيطالية و فى غيرها من المواقع والمجلات التابعة للفاتيكان، وأعيد نشره فى نفس الأماكن للمرة الثانية فى 31 يوليو 2008، وكأنهم يعدون الأذهان لما يتم الإعداد له حتى تألفه الآذان وتبتلعه بلا اعتراض!

ويتلخص هذا البحث فى ان ذلك القس قد قام بتطبيق علم التحليل البلاغى على النص القرآنى، وهو ما كان يجاهد المستشرقون لتطبيقه على القرآن منذ قرن ونصف تقريبا، بل وهو ما كان المستشرق الفرنسى جاك بيرك يطالب به، وذيّل مقدمته للترجمة التى قام بها للقرآن الكريم بضرورة إخضاعه للتحليل اللغوى والبلاغى لإثبات ما به من سلبيات !.. ويوضح القس كويبرز ان منهج التحليل البلاغى يسمح باستكشاف تقنيات الكتابة التى يلجأ إليها الكتبة لصياغة نصوصهم، كما يسمح بكشف طبقات الصياغة المتراكمة، وكأن القرآن قد تمت صياغته على عدة قرون كالأناجيل!. ويقول صراحة انه قام بتطبيق هذا المنهج على القرآن مثلما تم تنفيذه على الأناجيل.. وقد بدأ بقصار السور ووجد المسألة مجدية، فانتقل إلى طوالها، ومن أهم اكتشافاته ما يلى:

الخلط والتداخل فى القرآن والقفز من موضوع لآخر، وهو ما يتعب القارئ أو يدخله فى متاهة، وان بالقرآن طبقات صياغية متباينة زمانيا وإضافات لاحقة وتعديل وتبديل فى النص ـ مما اضطر بعض المستشرقين إلى إعادة صياغة القرآن بشكل منطقى بتغيير أماكن بعض الآيات، وضرورة عدم الأخذ بالتبرير الذى يقدمه التراث أو أسباب النزول للتعتيم على ما به من متناقضات، وان الرسول، صلوات الله عليه، قد نقل عن الكتاب المقدس بعهديه لذلك اتهمه اليهود بالاختلاس والتحريف، وان المتشددون يعتمدون على الآيات المنسوخة لمحاربة الكفار، وان القرآن كان ينتهى عند سورة الإخلاص والمعوذتان إضافة لاحقة بدليل انها غير موجودة فى أصول عدة من نسخ القرآن !.. لذلك يطالب بضرورة عمل تفسير جديد للقرآن يتمشى مع العصر الحديث لأن التفاسير القديمة لا تتفق وعقلية الإنسان المعاصر!

ومما يستشهد به ذلك القس “الضليع”  أن هناك مسلمون مثقفون يطالبون بذلك أيضا، أى بأن يتم فحص ودراسة القرآن كما حدث بالنسبة للأناجيل، وان المستشرقين قد بدأوا فعلا هذه المسيرة، مضيفا أنه للتوصل إلى قلب القرآن ومضمون رسالته الحقيقية لا بد من تناوله بأسلوب النقد البناء للكشف عما تم به من تحريف أو إضافات لاحقة.. مشيرا إلى أن التحليل البلاغى يستبعد التراث والسنة ولا يلتزم إلا بالنص كنص أدبى، لذلك تختلف نتيجته عن كل ما فرضه التراث عبر السنين.. وذلك لا يعنى ـ فى نظره ـ المساس بصلب عقيدة المسلمين وضربها فى مقتل، بل على العكس، يرى أنها تلقى بمزيد من الضوء على قيمها وتزيح عنها ما تراكم عليها من إضافات على مر التاريخ!

ثم يتساءل عما إذا كان المسلمون سيفهمون أن التحليل البلاغى للقرآن سيفتح الباب للتجديد الفعلى فى التفسير القرآنى؟! ويجيب  على سؤاله قائلا : نظرا لثقل التراث فى الإسلام فإن سير الأمور لن ينطلق بالسرعة المرجوة، وهذه هى المهمة الصعبة التى تقع على عاتق  المثقفين المسلمين الذين امتصوا وتشبعوا بالمنهج العلمى الغربى الحديث.. وأن ذلك يتطلب منهم النظر إلى القرآن على انه مجرد نص أدبى ولا يمت إلى التنزيل الإلهى بصلة، وهو ما يقاومه المسلمون التقليديون!

ويشير مرة ثانية إلى المتناقضات التى لا يمكن التوفيق بينها، وانه اذا كان لهذه النصوص القرآنية ان تقدم لنا شيئا فلا بد من أن نأخذ فى الاعتبار التطور الفكرى والدينى للإنسانية حاليا.. موضحا: ” أن هناك بين هذه المتناقضات آيات ذات حكمة عالمية، صالحة لكل زمان، وأنه يتعين إقامة الممارسة الدينية بناء عليها.. وهو ما طرحه الموقعون ال 138 على الخطاب المفتوح المرسل إلى بنديكت 16، ومنهم مفتين لعدة بلدان إسلامية، يضعون فى الصدارة الآيات التى تسمح بتعايش سلمى للمسلمين مع الجماعات الإنسانية الأخرى.. وذلك يعنى أنهم يعتبرون ضمناً أن آيات الجهاد الواردة خاصة فى سورة التوبة أنها آيات بالية وغير مجدية التطبيق. إلا أن ذلك لا بد وأن يتم الإعلان عنه علناً وصراحة، بكل وضوح، واعتباره قراراً  نهائياً ولا رجعة فيه”!.

إن إعادة نشر هذا البحث وفى هذا التوقيت تحديدا، إضافة إلى العديد غيره من المقالات والحوارات المسمومة التى تدين القرآن الكريم وتضاهيه صراحة بنصوص الأناجيل، وتطالب بكل قحة بحذف آيات بعينها والاكتفاء بالآيات العبادية والأخلاقية، ليس مجرد نشر لسد خانة أو لافتقارهم إلى الموضوعات، وإنما هى عملية تمهيد وإعداد الأذهان إلى ما يحيكونه حاليا وسوف يتم الإعلان عنه فى المستقبل القريب كما يرتبون ويتمنون..

ولا يسعنى، بكل أسف، إلا عرض وتقديم ما يتم الترتيب له فى الفاتيكان لإقتلاع الإسلام، والإعداد لكيفية اقتلاعه بأيدى المسلمين.. فإذا ما أخذنا فى الاعتبار عدة ظواهر، منها أولا معنى الحوار فى النصوص الفاتيكانية، وأنه يعنى كسب الوقت حتى تتم عمليات التنصير؛  وأن تنظيم فرسان المعبد الإسبانى الذى تمت إبادته عام 1312 م، واستمر سراً، يطالب البابا حاليا بإعادة إشهاره رسميا للقيام بدوره فى العلن، وهو التنظيم الذى قام بالحروب الصليبية؛ وان هناك عمليات تطبيع دينى بين المسيحيين والمسلمين تتم سراً لإقامة صلوات جماعية حيث أتهم يعبدون الإله الواحد “ربنا يسوع المسيح”(!)، والقيام بالحج إلى كنائس بعينها، من قبيل الحج الذى ينظمه القس كريستوف روكو سنويا فى بريتون الفرنسية، وكان يعمل مبشرا فى إحدى الجامعات المصرية متخفيا تحت وظيفة خبير فرنسى، وهى البدعة التى بدأها المستشرق لويس ماسينيون وتتواصل بأشكال عدة ؛ وأن عمليات إبادة المسلمين تتم على مرأى ومسمع من العالم وما من أحد يتصدى لها إلا كلاما ؛ وأن عمليات التنصير تدور بصورة هيستيرية فى جميع البلدان الإسلامية بينما تغض حكوماتها الطرف عنها ؛ إضافة إلى كل ما قام المسئولون المسلمون بتقديمه من تنازلات، فى حق الإسلام لصالح الغرب الصليبى المتعصب، لأدركنا فداحة الموقف، وخطورة ما يحاك لنا، والكآبة القاتمة التى نحن مقبلون عليها  كمرحلة حاسمة فى هذه الخديعة الكبرى..

لذلك لا يسعنى، بكل أسف أيضا، إلا أن أكرر عبارة : أفيقوا أيها المسلمون وتولوا الدفاع عن دينكم بعد أن خبت وتراخت بل وتواطأت قياداتنا الإسلامية..

وحسبنا الله ونعم الوكيل

(المصدر: جريدة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى