د. حسن سلمان: انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان انتصار لفكرة المقاومة والجهاد
أكد الدكتور حسن سلمان الأكاديمي والمحلل السياسي الأريتري والباحث في جامعة أم درمان الإسلامية أن تماسك وصمود حركة طالبان الأفغانية كان العمل الأهم في صدور قرار إعادة انتشار وتموضع أمريكي في أفغانستان مشيرا إلي أن واشنطن مازالت تراهن علي تكرار السيناريو العراقي بمعني الانسحاب مع الاحتفاظ النفوذ وهو ما ستقاومه طالبان بشدة
وأكد حسن في حوار له مع جريدة “الأمة الإليكترونية “أن واشنطن قد تسعي من وراء الانسحاب من أفغانستان لدفع وتوريط الصين للتدخل في أفغانستان ومحاولة التدخل لملء الفراغ وهو أمر ستحاول بكين تجنبه بقوة مستفيدة من دروس الماضي حيث تدرك أن التدخل السوفيتي قد اسهم في النهاية في تفكيك الاتحاد فضلا عن توريط واشنطن في المستنقع الأفغاني .
وشدد الأكاديمي الأريتري علي أن المواجهة بين واشنطن وبكين ورغم أنها مستبعدة حاليا إلا أنها قادمة قادمة حتي لو لم تسمح بها الظروف الدولية حاليا في ظل الحاجة لتدخل دولي موسع في منطقة الشرق الأوسط المهددة بالخروج عن السيطرة مشيرا إلي تراجع النفوذ الأمريكي منذ مدة حيث تعجز واشنطن عن الهيمنة بمفردها عن المشهد الدولي
واعتبر الدكتور سلمان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان انتصارا لنهج المقاومة والجهاد فأي قوي وطنية لديها حاضنة شعبية قادرة علي إذلال القوي الاستعمارية و مهما كان حجم القوة المقابلة وطغيانها فضلا عن أن هذا الانتصار ستكون له تداعيات كبيرة على كافة الشعوب الإسلامية التي تقمع تحت الهيمنة والنفوذ الأجنبي
وقلل المحلل السياسي الأرتيري من احتمالات وجود تحالف بين القوي الغربية وحركات الإسلام السياسي مجددا لمواجهة تنامي النفوذ الروسي والصيني مشيرا إلي أن لتعدام الثقة بين الطرفين وتبدل قواعد اللعبة يجعل هذا الأمر صعبا
الحوار مع الأكاديمي والمحلل السياسي الأريتري تطرق لقضايا عديدة نستعرضها بالتفصيل في السطور القادمة
*أرجو من سيادتك ان تلقي لنا الضوء علي الأسباب الإستراتيجية لخطوة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؟
**كانت الأسباب الدافعة للولايات المتحدة الأمريكية لاحتلال أفغانستان وتنحية حكومة طالبان هي أحداث سبتمبر والتي نسبت لتنظيم القاعدة المتواجد حينها على الأراضي الأفغانية واستمر تواجد الاحتلال الغربي عقدين من الزمان بحجة محاربة الإرهاب والقضاء على القاعدة والطالبان وإقامة نظام سياسي موالي للغرب ولكن وبعد مرور العقدين الماضيين لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية وخلفها حلف الناتو القضاء على حركة طالبان ومقاومتها الشرسة والمستمرة والتي تتمتع بحاضنة شعبية أساسها قبائل البشتون ذات الأغلبية في أفغانستان وفي ظل محيط إقليمي رافض للوجود الغربي في المنطقة.
كلفة الوجود الأمريكي في أفغانستان عالية
*كأنك تشيرإلي أن كلفة الوجود الأمريكي أصبحت أكثر كلفة من قدرة أي إدارة أمريكية علي التحمل ؟
**بالطبع كلفة التواجد والاستمرار في أفغانستان باهظة الثمن في ظل الأزمات الاقتصادية الكبرى التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي العامل الأساس في الانسحاب الأمريكي هو فشلها الذريع في هزيمة الطالبان وتركيعها مع طول الحرب وكلفتها الباهظة وهنا نشير إلى أن الإدارة الأمريكية قد أعلنت انسحابها من العراق من قبل وهذا هو الانسحاب الثاني لها خلال عقدين من الزمان وبعد حالة احتلال شامل.
*ولكن هل يعني هذا أن واشنطن ستنسحب بالكامل من الأراضي الأفغانية بالكامل وتنهي نفوذها بالكامل في بلاد الباشتون ؟
** الانسحاب الذي تعلنه الإدارة الأمريكية غالبا ما يأخذ شكل إعادة التموضع والهيكلة بما يخفف الأعباء المالية والبشرية ولكنه يضمن النفوذ والهيمنة وهذا ما حصل في العراق مثلا فهل ستمارس نفس السياسة في أفغانستان أم أن الوضع مختلف حيث هناك حركة مقاومة متماسكة وحريصة على ألا تتساهل في وجود الاحتلال على أراضيها هذا ما ستكشفه الأيام.
المواجهة مع الصين قادمة قادمة
*هل لهذه الخطوة أي علاقة بمواجهة واسعة مع الصين وهل تتوقع اي خطوات مماثلة لتدشين تحالف موسع ضد الصين في هذا الجزء من العالم ؟
**الصراع مع الصين له أولوية قصوى بالنسبة للإدارة الأمريكية ولكن في الحالة الأفغانية استبعد أن يكون هو العامل الحاسم أو الأول في الانسحاب ولكن يمكن أن يكون عاملا ثانويا بأن الانسحاب الأمريكي قد يغري الصين أو غيرها بملأ الفراغ وهذه رغبة أمريكية لشغل الصين في حروب في المنطقة تستنزف قدراتها التنافسية ولكن لا أعتقد أن الصين من أولوياتها حاليا الدخول في مغامرات على الأراضي الأفغانية التي أرهقت السوفيت وفككته والآن أرهقت الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو.
*في ظل هذه الأجواء ان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يصب في صالح روسيا والصين ويؤكد تراجع نفوذ واشنطن في حين يرى آخرون ان واشنطن تجهز وتدشن لتحالف دولي وإقليمي موسع ضد الصين:إلى أي الطرحين تميل؟
**هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية في تراجع منذ سنوات وليس بمقدورها الضبط الدولي بمفردها وبالتالي فهي تسمح للشركاء الدوليين بملأ الفراغات التي يصعب تغطيتها بالنسبة لها وفي ظل فشل النظام القطبي الأحادي فإن العالم مع الوقت سيتجه إلى نظام متعدد الأقطاب وتحالفات دولية جديدة فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية تفكر في شغل دول شرق آسيا بمشكلات محلية وإقليمية وخاصة الصين وروسيا وتعمل على بناء تحالفات جديدة يتم من خلالها حصارهم ولكن الأمر اعقد من ذلك بكثير والمصالح متشابكة وهناك جملة من التحديات الدولية تحتاج فيها الإدارة الأمريكية للصين وروسيا ومن هذه التحديات ثورات الربيع العربي التي أربكت حسابات الكبار لعقد كامل ولم يتم القضاء الكامل عليها ولا زالت عوامل تفجرها متوافرة
*هل تقصد أن المواجهة بين واشنطن من جانب وكل من بكين وموسكو مؤجلة إلي حين ؟
**هذه المواجهة لم يحن موعدها بعدها في ظل وجود احتمالات خروج الشرق الأوسط كله عن السيطرة وبالتالي نلاحظ التفاهم والتنسيق مع كل من روسيا والصين في أكثر من ساحة رغم التنافس المشهود بينهم كما أن هذا الواقع الدولي غير المستقر يجعل هناك قوى إقليمية طامحة تريد تسجيل حضورها وإثبات وجودها ومن هذه القوى الإقليمية تركيا والتي يقلق تحركها العديد من الأطراف الدولية والإقليمية.
تحالف دولي موسع ضد الصين
*غير أن كافة التقارير الاستخباراتية تذهب إلي رغبة واشنطن في تدشين هذا التحالف ضد الصين وروسيا بشكل سيجعلها تنفتح مجدد ا علي التيار الإسلامي المعتدل وتعيد دمجه في المشهد الدولي والإقليمي؟
**لقد تم توظيف التيار الإسلامي بمختلف اتجاهاته في مرحلة الحرب الباردة ومواجهة المد الشيوعي حتى تفكك الاتحاد السوفيتي ثم تم الانقلاب على هذا التيار وملاحقة رموزه وفصائله وخاصة ما بعد أحداث سبتمبر تحت شعار محاربة الإرهاب وبقيت بعض التيارات الإسلامية ذات الطابع السلمي والحريصة على العمل ضمن السقوف الدولية المسموح بها على هامش النظام الدولي والإقليمي ولكن بعد اندلاع ثورات الربيع العربي فقد تبدلت المواقف وصارت كافة تيارات ما يسمى بالإسلام السياسي وغيرها محل توجس وخوف ولم تعد الأطراف الدولية تثق كثيرا في هذه التيارات الإسلامية كما أن التيارات الإسلامية لم تعد تنظر للواقع الدولي بذات العقلية القديمة حيث تكشف لها بأن المعركة هي معركة احتلال متساند مع الاستبداد وأنه لا يمكن السماح للحركات الإسلامية بالتمكين والتحرر والنهضة والوحدة وبالتالي حتى لو فكرت الولايات المتحدة الأمريكية في استيعاب بعض هذه التيارات فلن تؤدي لها ذات الأعراض السابقة وبالتالي المشهد العالمي سيكون مختلفا كثيرا في المرحلة القادمة.
الحاضنة الشعبية ضرورة ملحة لمواجهة الهيمنة الغربية
*ولكن في المقابل هناك من يرى في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان انتصارا للتيارات الإسلامية الراديكالية ومنها طالبان والقاعدة وغيرهما ؟
**انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان هو انتصار لفكرة المقاومة والجهاد وأن الاحتلال لا يستوعب الأدوات السلمية ولكنه يعرف لغة القوة الرادعة وصمود حركة طالبان وطول نفسها في المقاومة أثبت أن الحركات المقاومة للاحتلال والمستندة على الحاضنة الشعبية والتي تقاتل على أرضها منتصرة في نهاية المطاف مهما كان حجم القوة المقابلة وطغيانها وهذا سيكون له تداعيات كبيرة على كافة الشعوب الإسلامية التي تقمع تحت الهيمنة والنفوذ الأجنبي ولكن برؤية وفهم جديد يواكب تحولات الأحداث في المنطقة فمنطق الجهاد الفصائلي تجاوزته الشعوب ولم يعد مجديا حاليا وإن كان مفيدا في محطات تاريخية محددة وبالتالي فإن التيارات المقاومة هي التي سيكون لها المستقبل القادم وليست التيارات السياسية التي ترضى بالأدوار المرسومة لها.
*في ظل هذه الأجواء يردد البعض تأكيدات بأن واشنطن قد وافقت على تسليم أفغانستان لطالبان باعتبارها القوى الأكثر قدرة علي فرض الاستقرار في أفغانستان:
**واشنطن لا ترغب في تسلم حركة طالبان زمام الحكم في أفغانستان وستعمل جاهدة لتعزيز دور الحكومة الأفغانية الموالية ولكن الأمر ليس رغبات أو أمنيات بقدر ما هو واقع مفروض على الولايات المتحدة الأمريكية فحتى متى ستظل تعمل على تثبيت حكومة غير قادرة على بسط نفوذها وتثبيت أركانها وإقناع شعبها بشرعيتها بعيدا عن دعم المحتل الخارجي فهذا مآل كافة الأنظمة التي تقوم وتعتمد على الدعم الخارجي في شرعيتها.
تحالف تركي مصري قطري
*من جانب أخر هناك من يعتبر التقارب المصري التركي بداية لتدشين تحالف مصري تركي قطري يكون بديلا للتحالف المصري مع الأمارات والسعودية بشكل قد يكون له تأثير ايجابي علي قوي الإسلام السياسي وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين:
**التحالف المصري السعودي الإماراتي كانت أسبابه محاربة التيارات الإسلامية والوطنية التي تتطلع للحرية والعدالة والكرامة في المنطقة العربية ولكن مع الوقت بدأت تظهر التباينات والاختلافات حول جملة من القضايا وهنا بدأت تتشكل مواقف جديدة باحثة عن أسلوب جديد لحل المشكلات في ظل تراجع دور الحركات الإسلامية وتهديدها المباشر للأنظمة وخاصة الحالة المصرية فبدأت هناك تحركات بين تركيا ومصر للتفاهم حول الملفات الخاصة بشرق المتوسط وكلا البلدين بحاجة ماسة لبعضهما في هذا الملف ولكن من الصعب الحديث عن محور يضم الدول المذكورة حتى لو كانت هناك مساحات مشتركة بينهم وذلك لاختلاف طبيعة الأنظمة ورؤاها لقضايا المنطقة وحريتها في رسم التحالفات الإستراتيجية الجديدة فالمشوار طويل ويحتاج لبعض الوقت.
*كأنك تشير إلي استمرار أجواء الاحتقان بين التيار الإسلامي في مصر والنظام الحاكم؟
** من السابق لأوانه الحديث عن مصالحات وتحالفات تستوعب التيار الإسلامي ليكون له دور فاعل ومؤثر ولكن من الممكن الوصول لصيغ يقبل فيها التيار الإسلامي بالسقوف المتدنية والتراجع عن المطالب التغييرية والرضا بهامش التواجد والبقاء بعيدا عن المطاردات والملاحقات وهذا يمكن الوصول إليه سواء بواسطة المحاور المذكورة أو بغيرها .
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)