مقالاتمقالات مختارة

د. أبو يعرب المرزوقي يكتب: الاستئناف الإسلامي.. مقوماته ودوره في التاريخ

د. أبو يعرب المرزوقي يكتب: الاستئناف الإسلامي.. مقوماته ودوره في التاريخ

تكلمت على الترابط بين المعركتين الجاريتين حاليا في العالم محاولا تعليل ما يجري بين تركيا وأوروبا في المتوسط وعلل الحلف بين عملاء الإقليم المسلم وعتاة أعداء الإسلام في أوروبا:

1- معركة إقليمية بين «إسرائيل» وتركيا

يمكن ردها إلى ما ترمز إليه فلسطين وتركيا حاليا

وهي معركة تعيدنا إلى نهاية الحرب العالمية الأولى.

▪   فمن طلب «إسرائيل» الصغرى هو عينه من فهم أن تحقيق وعد بلفور كان يقتضي اسقاط الخلافة.

▪   ومن يطلب «إسرائيل» الكبرى هو عينه من بدأ يفهم أن العائق الوحيد هو عودة تركيا إلى دورها.

ومعنى ذلك أن أعداء الإسلام يعلمون أن آخر شعب مسلم سخره الله لقيادة الأمة في حماية الرسالة الخاتمة من محاولة محوها من تاريخ العالم هو الشعب التركي.

وهم يعلمون أن عودة الأتراك إلى التاريخ مؤذنة باستئناف الأمة دورها في تاريخ العالم.

2- معركة عالمية بين الولايات المتحدة والصين يمكن ردها إلى ما يرمز إليه دور الأمة الضروري فيها بقيادة لا تكفي فيها تركيا، لكنها بفضل مشروع شيخ اردوغان – اربكان – هي التي ترمز إلى تكوين الجبهة الإسلامية.

فهي التي ستجعل هذا الدور فاعلا وليس منفعلا كما كان لما تعذر على فتاتها أن يمثل قوة تؤخذ بعين الاعتبار في الأحلاف الدولية التي تسعى لتحديد مقومات نظام العالم الجديد وخاصة بعد كورونا.

فالعالم سيكون غير العالم وهي الفرصة التي تلائم الاستئناف.

ومعنى ذلك أن العملاقين المتخاصمين على قيادة نظام العالم كلاهما واع بأنه لن يستطيع تجاهل مشروع الجبهة الإسلامية الذي لم يبق مجرد مشروع ذهني بل صار ضرورة تاريخية لأن كل الدويلات الإسلامية مهددة في محطيها القريب. وهي مهددة عالميا، لأن سياسة العالم تعولمت، ولأن دار الإسلام خصها الله بكل ما لا يمكن بناء أي نظام مقبل للعالم من دون سهم لها فيه، وخاصة في ما يتعلق بشروط القوة المادية والاقتصاد والروحية والثقافة.

ورمز ذلك هو أن نسبة تركيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية هي عين نسبة باكستان إلى الصين. كلتاهما بحاجة إلى حلف مع ممثل للإسلام قوي في مجابهتهما الخطر الذي يتهدده

▪   مباشرة (الهند للصين وروسيا لأمريكا)

▪   وبصورة غير مباشرة بسيطرة خصمه المباشر على مجال فعله أي

– أوروبا بالنسبة إلى أمريكا

– وآسيا بالنسبة إلى الصين.

 واليوم أريد استكمال هذه المحاولة

بالكلام على مقومات الاستئناف الإسلامي، مقوماته التي تحدد دوره المقبل، بالوصف الموضوعي لمنزلته الحالية في العالم، وصلته بهذه الإشكالية التي تتعلق بالانتقال الفعلي من الإمكان إلى الحصول.. وهو انتقال يتطلب إستراتيجية قابلة للتحديد انطلاقا من معطيات الوضع الحالي ودورة التاريخ التي أعادت الأمة إلى ما يشبه ما حصل في لحظة الحرب الأخيرة على الخلافة وتفتيت آخر صروح الأمة الحائلة دون القضاء عليها.

▪▪   وإذن فأول ما علينا بيانه هو تصنيف شعوب الأمة بمعيار علاقتها باستئناف دور الإسلام ونوع الالتزام بما يقتضيه إيجابا وسلبا حتى نتمكن من بيان شروط إمكان نجاح التأسيس الفعلي للقطب الإسلامي بمنطق العصر .

ولا يكون ذلك ضرورة بالعودة إلى الخلافة خاصة وهي متعددة الأشكال والصور وليس لها صفة واحدة إلا في الأذهان إذا اعتمدنا مقوماتها كما يحددها القرآن وتشرحها السنة.

والأهم فيها هو كونها مثالا أعلى وليس ما تحقق منها في التاريخ.

وقد حاولت وضع هذا التصنيف باستعمال خمسة درجات اجتهادا لا اعتبره غاية بل هو ما يزال بحاجة إلى تدقيق وتعميق.

ولا أنكر أن وصف حال الأمة اليوم وتصنيفها بحسب مواقفها من إشكالية الاستئناف من أعسر ما يكون.

▪   فالكثير من العوامل تتدخل في تشاجن المؤثرات في كيانها وفي مواقفها ورؤى نخبها حتى ذات الولاء لها فضلا عمن ولاؤهم لغيرها.

▪   والكثير من أعدائها في الداخل وفي الخارج يتصورون الإسلام من الماضي ربما عملا بما قال هيجل في فلسفة التاريخ.

موضوع التصنيف

التصنيف موضوعه

▪   ما حل بالأمة من تفتيت

▪   واثر السعي الاستئنافي

توصلت مؤقتا إلى خمسة أصناف بمعيار درجات الولاء للأمة الذي اعتبر الطموح الاستئنافي علامته التي لا تكذب لأنه لا يمكن اعتبار من يقبل بالتفتت مواليا للأمة مع التسليم بأن تفتيتها أمر طبيعي لكأنه لا يدرك أن علة بقائها تابعة هي بالذات غاية الأعداء.

فغاية هذا التفتيت الجغرافي هي علة استحالة التنمية المادية شرط الرعاية المناسبة للعصر

والتشتيت التاريخي هو علة استحالة التنمية العلمية والتقنية شرط الحماية المناسبة للعصر.

فلا رعاية من غير ثروة

ولا حماية من غير ثقافة هي شرط التنميتين المادية والروحية.

▪▪   درجة الصنف الأول:

وهي تمثل غاية الإيجاب

و تفيد أن مشروع الاستئناف من همومها الأولى

وهو الغالب على سلوك حكمها وشعبها:

أي الطموح التاريخي لجعل الدولة القطرية مندرجة في مشروع يتجاوزها بوصفه شرط تحقيق الطموح التاريخي والسيادة الفعلية.

وتمثلها ثلاث دول بدأت النهوض بجدية، ولها شعوب لا تعاني من عقدة نقص إزاء حيازة أدوات العصر وهي:

1- الأتراك

2- الباكستانيون

3- الملاويين

درجة الصنف الثاني:

وهي التي تمثل غاية السلب، وتفيد أن مشروع الاستئناف هو آخر همومها، وهو الغالب على سلوك حكامها والمناقض لسلوك شعوبها التي صارت في الغالب تدين بالولاء للدرجة الأولى.. وتمثلها ثلاثة شعوب مفتتة ومتعددة المحميات، وهي:

4- المحميات العربية.

5- المحميات الأمازيغية.

6- المحميات الكردية.

?درجة الصنف الثالث:

وهي وسطى بين الدرجتين السابقتين تتأرجح بينهما.

وتفيد أن

▪   فيها ما يدل على ميل إلى النوع الأول

▪   وفيها ما يدل على ميل إلى النوع الثاني

ولهم دول هي التالية:

7- البنغاليون

8- مسلمو افريقيا

9- مسلمو القوقاز

توابع الاتحاد السوفيتي سابقا والصين، وهم في الغالب أتراك.

▪▪    وتبقى درجتان عجيبتان تمثلان

▪   الذين يوجدون خارج وحدة الاثنية السياسية

▪   والذين يوجدون خارج وحدة دار الإسلام

وهما اكثر الدرجات تمثيلا لحال الأمة

تمثيلا لعله أكثر مطابقة مع أهم خاصيات تاريخها كله.

وهما تمثلان

▪   حال الأمة كلها خارج دار الإسلام في نظر المسلمين

▪   وحالها كلها خارج العالم في نظر أعدائهم.

وأهم من ذلك كله

فإنهما يمثلان أهم خاصية تساعد على فهم مكر الله الخير في جعل اللحظة بالذات هي لحظة الاستئناف بما يقرب من شروط البداية والنشأة :

درجة الصنف الرابع:

وهي تشمل كل الأنواع، ويغلب عليها خاصة الانتساب إلى النوع الأول والنوع الثاني، أعني ظاهرة انقسام المسلمين الأتراك والهنود والمالاويين الذين ينتسبون إلى دول غير الدول الثلاث التي تمثل الريادة في المشروع والتي تعد أقلية فيها وهي تمثل هذا الطموح وتسهم في المشروع والأغلبية توجد خارجه.

فالأتراك المسلمون كثرتهم خارج تركيا، والهنود المسلمون كثرتهم خارج باكستان، والمالاويون كثرتهم خارج ماليزيا.. وهم إذن ظاهرة ينبغي أن ترد إلى تركيا وباكستان وماليزيا لقيادة هذه الشعوب الكبرى في بناء المشروع.

درجة الصنف الخامس:

وهي تشمل كل الأنواع مع الانتساب إليها جميعا، لكنها خارج دار الإسلام ويمثلها مسلمو المهاجر، وهي اجتماع كل هؤلاء في نفس المكان، وفيهم هذه الأنواع الثلاثة، والعامل الأساسي هو الهوية اللا إسلامية الجامعة باعتبارها أصل التمييز ضدهم فيها بالهوية الإسلامية.

لكن هذا الجامع ليس سلبيا لأنه يبرز ثانوية الاختلاف الاثني واللغوي ويبين أن من يعاديهم يعرفهم بأساس قوتهم الذي يخيفه وهو من المفروض ما ينبغي أن يكون ما يطمئنهم إذ من دونه يفقدون سر قوتهم التي هي وحدتهم.

رمز وضعية الإسلام في العالم

ويمكن أن يعتبر ما يعانيه مسلمو المهاجر عين ما يعانيه بقية المسلمين في العالم.. لكأنهم مهاجرون في العالم فلا يعتبرهم أعداؤهم منه أو بالأحرى يشككون في إنسانيتهم.. فالحرب على المهاجرين ليست بسبب هوياتهم الاثنية بل بسبب هويتهم الإسلامية.. والحرب على المسلمين في دار الإسلام ليس على اثنيتهم بل على هويتهم الإسلامية بمعنى أن نفس الاثنية تكون مقبولة إذا لم تكن مسلمة.. وهذا بيّن في كل قارات العالم وثقافاته.

ولعل من أهم علاماته أن أي حادث إجرامي يحصل يسمى إرهابا إذا فاعله مسلما ويسمى جريمة حق عام بالنسبة إلى غيره.. وإذن فيمكن القول إن الاستئناف الإسلامي الحالي شبيه بالنشأة الأولى لأن صورته الممثلة لوضعه هي صورة المهاجرين.

مع فارق هو

▪  أن الهجرة الأولى كانت مبدئيا كونية لكنها تاريخيا كانت من مدينة إلى مدينة كلتاهما في الجزيرة.

▪   في حين أن الثانية منتشرة في العالم كله وأهم ممثل لدورها وخاصياته هي الهجرة إلى الغرب هجرة شبيهة بأولى الهجرات في الإسلام إلى الحبشة.

وما أظن ملك الحبشة بالصفة التي ترويها القصة التقليدية:

فالمعلوم أن للحبشة أطماع في الجزيرة مثل الغرب الذي يحاول توظيف المعارضين من المسلمين المهاجرين إليه.

والانطلاق من هذا التصنيف، الذي هو خطاطة أولى قابلة للتدقيق والتجويد، لكنها تبقى ضرورية لتوحيد الوعي عند الشباب المسلم الذي عاد إليه الطموح التاريخي لكنه لم يتحرر بعد من آثار التثبيط العدواني في الداخل والخارج خاصة وله جرافتان منهما كليهما:

▪▪    ففي دار الإسلام جرافتان داخليتان ليس من الآن فحسب بل منذ ما قبل الإسلام، وهما جرافتان تستندان إلى رؤيتين عنصريتين للإنسانية

– نظرية شعب الله المختار ونظرية أسرة الله المختارة –

وقد عادتا وسيطرتا

▪   على الكثير من النخب النافذة في الإقليم

▪   وعلى الكثير من جغرافية الإسلام

بعد أن كان الإسلام قد حرر منهما الإنسانية وهما:

1- إسرائيل باسم الشعب المختار.

2- إيران باسم الأسرة المختارة.

▪▪   ومن خارج دار الإسلام جرافتان

ليستا قائمتين في عامل مادي خارجي فحسب

بل هما أساسا قائمة في عالم ذهني خارجي مسيطر على الأذهان في الداخل

وهما بعدا الغزو الفكري والثقافي الذي سيطر على الكثير من النخب التي تدعي الحداثة في دار الإسلام.

وهي على نوعين:

1- ليبرالي ويساري في الأقوال.

2- وفاشي استعماري في الأفعال.

وهذا الغزو الفكري سواء كان يمينيا أو يساريا

هو المسيطر والمتحالف في الغاية مع إسرائيل ومع إيران

بحيث إن أربعة أعداء يتربصون بالاستئناف الإسلامي ويجندون أنظمة الأمة التوابع لمنع كل إمكانية لتحقيق مشروع القطب الإسلامي في العالم.

كيف يمكن بناء القطب الإسلامي؟

▪▪    يمكن اعتبار الدرجة الأولى في التصنيف متضمنة للقاطرات الثلاث التي يمكن أن تقود محاولة تكوين القطب اعني تركيا وباكستان وماليزيا.

وقد وضعت باكستان في القلب لأنها هي الوحيدة التي لها شرط الردع الذي يحول دون منع تحقيق القطب رغم كونها الأفقر في المثلث.

لكنها حائزة على سلاح الردع الذي لن يمنعهم من مواصلة المشروع إذا حصل التضامن التام بينهم بحيث إن ما ينقص كل واحد منهم يجده عن الآخرين: الثروة والتراث وشرط الحماية والرعاية.

▪▪   ويمكن اعتبار الدرجة الثانية في التنصنيف على سلبية قياداتها السند الأصلي لهذا المشروع لأن شعوب هذه الدرجة أي العرب والأمازيغ والأكراد بخلاف حكامهم طموحهم هو طموح القاطرات الثلاث.

والدليل هو أن هذه الشعوب كلها مع الثورة وهي تعاني من الثورة المضادة التي تمثلها أنظمتهم.. ولذلك فرغم اعتبار الدرجة الثانية في التصنيف وكأنها ضديدة الدرجة الأولى فإن ذلك ينطبق على الحكام وليس على الشعوب.

ولعل من علامات ذلك البينة المنزلة التي يشغلها الإنتاج الدرامي التركي الحالي والمتعلق بأمجاد الإسلام حتى وإن اقتصر على الأتراك فيه.

ويمكن اعتبار الدرجة الثالثة في التصنيف

على سلبية قياداتها وشعوبها التي لم نر فيها ثورة تحرر ممن يهيمن عليهم، أعني الهند وروسيا والصين بأن الغالب على شعوبهم مع ذلك التردد بين موقف الصنف الأول وموقف الصنف الثاني.. لكن عودة الميول الإسلامية فيهم واضحة للعيان، رغم أنها لم تصل بعد إلى ما عليه الأمر في الصنفين

▪  الأول إيجابا في الحكم والشعب

▪  والثاني سلبا في الحكم وإيجابا في الشعب.

ويمكن أن نعتبر شروط التواصل الحديثة مساعدة كثيرا في استئناف العودة الروحية للرابطة الإسلامية ولو في الفضاء الافتراضي.

وهذه الدرجة تمثل في آن الانقسام السياسي

بمعنى تعدد الدول بالنسبة إلى نفس الاثنية

أي عدم اتحاد المسلمين من أتراك العالم وهنوده ومالاوييه

وهي أشبه ما يكون بما كان عليه

▪  ألمان أوروبا وإيطالييها

▪  وحتى الصين والهند

قبل التوحيد الحديث الذي حصل عند هذه الشعوب بثورات وحروب غايتها تحقيق الوحدة الاثنية والثقافية عندها.

ويمكن اعتبار الرابطة الإسلامية والطموح التاريخي قادرين على أن يجمعا بين الهدفين

▪  التوحيد السياسي على الأساس الاثني ▪  مرحلة إلى التوحيد المتعالي على الاثنيات في بناء القطب الإسلامي الذي يمكن أن يبدأ. ▪  في شكل كامونوالث.▪  أو حتى كنفدرالية مرنة.

يحقق شروط الحماية والرعاية للمسلمين في نظام العالم الجديد

خاصة وأن هذه الاثنيات المفتتة تعاني من الضيم الذي يأتها من أجوارها الذين يمثلون قوى استعمارية مستبدة بهم وبحقوقهم.

أما الدرجتان الرابعة والخامسة فهما تمثلان التطابق بين حال الأمة في المهجر وحالها في العالم  وهو ما يعني أنهما تثملان جوهر التميز الذي لها في الحقبة التاريخية الحالية وربما هو عين تميزها منذ نشأتها أي إن الإسلام كان متميزا بهذين الخاصيتين في كل تاريخه:

1- فهو بدأ بشعب كان على هامش التاريخ وظن أعداؤه أنهم قد أنهوه أول مرة بالقضاء على دولته بقيادتهم (دور الكسروية التي قضت على الخلافة الأموية في المشرق) وحاولت القضاء على دولة الشعب الذي واصل حماية الإسلام (الصفوية وحربها على الخلافة العثمانية).

2- ولم يتم التغلب المؤقت على الشعب الثاني الذي  كان على هامش التاريخ وظن أعداؤه أنهم قد أنهوه أول مرة بالقضاء على دولته بقيادتهم بضرب الشعب الذي كان كذلك على هامش التاريخ وحمل رايته بعدهم وحمى البيضة مثلهم (دور الصهيونية التي قضت على الخلافة العثمانية).

3- وما يجري حاليا هو حلف الصفوية والصهيونية ومن وراءها لمنع الاستئناف لأن الشعوب كلها صارت معه حتى وإن كانت القيادة قد خرجت من نخب الحكم والفكر العربية نهائيا وانتقلت إلى شعوب الإسلام الأخرى وخاصة الثلاثة الذين يتألف منهم الصنف الأول.

وعندما أنفي عن الحكم والفكر العربيين فلست أعني أن الشعب العربي ليس مثل بقية شعوب الإسلام ليس لهم نفس الطموح والسعي إلى الاستئناف بل بالعكس فحكمي على العملاء منهم وليس على الشعوب: وتلك هي دلالة ثورتهم التي تتماهى مع ما يريده الصنف الأول.

4- فتكون الخطة التي اقترحها هي أن تكون قيادات الثورة في كل شعوب الأمة من مندناو إلى المغرب ممثلة في المشروع الذي بدأ بخمس دول في لقاء كوالالمبور بحسب التصنيف الذي بين الأصناف الخمسة التي تمثل حال الأمة بمعيار المواقف من الاستئناف وشرط شروطه أي تكوين القطب الإسلامي الضروري للمشاركة في نظام العالم الجديد.

5- وأخيرا فإن شرط ذلك البدء بإعداد أداتي كل عمل جماعي سياسي محقق لشروط السيادة بعلامتيها. فالعلامتان هما علامتا القوة المادية والاقتصاد والقوة الرمزية والثقافة. رمز القوة المادية هي العملة أو رمز التبادل ورمز القوة الرمزية هي الكلمة أو رمز التواصل:

والثانية تبدو الأيسر وتتمثل في إحياء وحدة اللسان الجامع بحيث تصبح العربية لغة ثانية عند جميع المسلمين. لكنها هي الأعسر فعليا. فمبدئيا كل المسلمين يعرفون العربية على الأقل لضرورة العبادات. لكنها ليست لغة ثانية مثل الانجليزية عندهم مثلا.

لذلك فالمشكل هو كيف نجعلها مثل  الانجليزية لغة ثانية في كل المجالات لأنها تصل مشكل العلاقة بالماضي المشترك وتعد للمستقبل المستقل المشترك الذي لا يقطع مع هذا الماضي. فكل شعوب الامة اليوم من غير الناطقين بالعربية فقدوا الصلة بماضيهم الذي لا يقل عن عشرة قرون لأن العربية صارت غريبة عنهم باستثناء دورها في العبادات.

والأولى تبدو الأعسر اعني الشروع في توحيد العملة. لكنها هي الأيسر في الحقيقة إذا شرعنا  في تكوين شروط توحيدها بالتدرج الذكي. وتكون البداية بالتعامل بالعملات الحالية دون مرور بالدولار وباليورو وبأي عملة أخرى غير عملات الدول الإسلامية. حتى تتقارب الاقتصاديات بما يكفي لجعل العملة الواحدة ممكنة.

وختاما فدولة الإسلام لم تصبح بحق دولة ذات استقلال ثقافي واقتصادي إلا بهذين الخطوتين اللتين لم يقدم عليهما إلا عبد الملك بن مروان. ولهذا العلة فإني قد أهديت له كتابي الثاني بعنوان الابستمولوجيا البديل التي كان الهدف فيها إخراج الفكر الإنساني من فلسفة الوعي إلى فلسفة اللسان أساسا لكل وظائف فكر الإنسان.

فحامل الإدراك المعبر عن الإرادة والعلم والقدرة والذوق والوجود يبقى مميز الإنسان عن الحيوان أو أهلية الاستخلاف في الأرض أو «تعلم الأسماء كلها» أعني اللسان الذي يسمي الكيان ويعبر عن الوجدان.

وحامل فاعلية الفعل المعبر عنها جميعا يبقى مميز الإنسان عن الحيوان أو أهلية الاستعمار في الأرض. ولا توجد دولة كونية تليق بالإسلام يمكن أن تسود وتكون ذات وزن في عصرها من دون هذين الشرطين:

1- عملة عالمية رمز الاقتصاد المنتشر والقوي

2- وكلمة عالمية رمز الثقافة المنتشرة والقوية

فذانك هما رمزا التبادل والتواصل العالميين  بوصفهما رمزين للقوة الاقتصادية شرط القوة المادية وللقوة الثقافية شرط القوة الروحية.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى