ديانة الفودو .. ديانة السحر الأسود وعبادة الأسلاف
بقلم محمد فتحي النادي
يتوجه الإنسان بالفطرة المركوزة فيه نحو عبادة قوة عظيمة غيبية قادرة فاعلة مستحقة للتقديس.
وقد يصل البعض لهذا الإله الواحد ويتعرفون عليه من خلال رسله وأنبيائه الذين أرسلهم إلى خلقه.
ومنهم من يضل فلا يهتدي للإله الخالق المستحق للعبادة، فيتخذ آلهة لا تملك لنفسها أو لغيرها نفعًا أو ضرًّا.
هذه الآلهة لا ترسل رسلاً، ولا تنزل كتبًا، ولا تخلق خلقًا، إنما هي مخترعات اخترعها قوم يتكسبون من خلالها، فيحوزون السلطة والمال والنفوذ والحكم، ويزعمون أنهم وسطاء بين الآلهة المزعومة وعموم البشر.
فالناس تحتاج للدين والعبادة لإشباع فراغهم الروحي، والوسطاء يستغلون ذلك ويخوفون الناس من غضب تلك الآلهة ونقمتها وسخطها إذا لم تأتها القرابين، ويسوسون الناس باسم الآلهة.
ومن تلك الأديان المخترعة المتبوعة (ديانة الفودو) التي نُطلق عليها اسم الدين تجوزًا؛ فهي ديانة بلا أنبياء لها يحددون معالمها، وبلا كتاب مقدس يحوى عقائدها ومواعظها وتشريعاتها.
فهي ديانة بلا رسالة، ديانة وثنية تقدّس الطبيعة وأرواح الأسلاف، يقوم عليها مشعوذون وكهنة يكونون وسطاء بين الآلهة المزعومة ومن يعبدونها، يتخذون من السحر وسيلة لدفع الأضرار وجلب المنافع أو لإيذاء الغير.
وكلمة (فودو) (Voodoo) تعني: شعوذة، وهي مشتقة من كلمة (Vodun)، والتي تعني: الروح.
وهذه الديانة نشأت في غرب إفريقيا والتي تضم أكثر من عشر دول، وتنتشر في: بنين وتوغو وغانا ونيجيريا، ثم انتقلت إلى هاييتي وجزر الكاريبي والدومنيكان وأميركا والبرازيل.
فقد انتقلت تلك الديانة بطقوسها المتوارثة من الشاطئ الشرقي للمحيط الأطلسي إلى الشاطئ الغربي منه مع العبيد الذين استجلبهم الرجل الأبيض ليكونوا في خدمته وتحت سيطرته.
وقد تأثرت بالديانة المسيحية الكاثوليكية المنتشرة في بعض بلدان أمريكا الشمالية كهاييتي، بل وامتزجت بها، فرأينا أن الارتباط الشديد بالمعتقدات الموروثة التي تربط العبيد بتاريخهم لم يمنعهم من تأثيرات الحياة وسطوة أسيادهم، فمزجوا بين ما ورثوه وما كان عليه السادة، فخرج مزيج من الطقوس الوثنية والمسيحية الكاثوليكية.
ومن هذا التمازج أن أعياد أتباع ديانة الفودو يتزامن مع الأعياد المسيحية كعيد الفصح لدى الطوائف المسيحية الغربية.
ويعتنق هذه الديانة الآن في العالم ما يقارب الخمسين مليون شخصًا.
وهم يؤمنون بخلود الأوراح وفناء الأجساد، وهذه الأرواح لها القدرة على المساعدة أو المعاقبة؛ لذا يعملون على إرضائها بالقرابين.
وللأفعى قدسية عندهم؛ إذ يصورن الإله في هيأة أفعوان ضخم، وفي مدينة (أويدا) بدولة بنين معبد ثعابين البايثون العاصرة (أو ما يعرف -أيضًا- باسم ثعبان الأصلة)، والذي يعتبر وجهة للعديد من السياح حول العالم، ويقوم الكاهن الذي يشرف على معبد الثعابين بتقديم قرابين لها من الماعز.
والكهنة ذوو المراتب العالية يطلقون عليهم ألقاب الأب والأم، وهم السدنة الذين يكافئون ويعاقبون باسم الآلهة.
ومن أشهر كهنة الفودو والذي كان الرئيس الفودو الأعلى وقائدًا لتنظيم الكهنة الرئيسيين في هاييتي الكاهن المهندس ماكس بوفوار، والذي توفي سنة 2015م عن عمر يناهز 79 عامًا.
وتعتبر الموسيقى والرقص من أمثل الوسائل والطقوس للاتصال بالآلهة والأرواح عندهم؛ لذلك يقيمون الحفلات الجماعية، والتي لا ترتبط بوقت معين، ويرقصون فيها على إيقاعات الطبول بغية الخلاص من الذنوب والخطايا، محاولين الوصول لحالة من النشوة تجعلهم ينفصلون عن العالم المادي ويصلون لحالة روحانية تمكنهم من التواصل مع الموتى من أسلافهم، وهم أثناء رقصهم يلعنون الأرواح الشريرة.
والقرابين والأضاحي من طرق التواصل مع الأرواح عندهم كذلك؛ فيضعون دماء الأبقار والدجاج والماعز التي يتم التضحية بها في المياه، ثم ينغمسون فيها معتقدين أنها تستطيع التواصل مع الأرواح.
وللماء مكانة خاصة عندهم؛ ففيما يشبه الحج يذهبون إلى شلال سودو في هاييتي في نهاية الأسبوع الواقع في منتصف تموز/يوليو من كل عام، ويطلبون من إلهة الحب عندهم تحقيق آمالهم بحياة أفضل، وطلبًا لغسل ذنوبهم، ويستخدمون أوراق الشجر لإبعاد الحظ السيء، والتنصل من الذنوب وفق ما يعتقدون.
يقول الكاهن: (نلقي ثيابنا أثناء الحج لتذهب معها المشاعر السيئة، وتكون لنا ولادة جديدة).
وهم يفعلون ذلك وهم عرايا فيما يشبه ما كان يقوم به المشركون من الطواف حول البيت وهم عرايا، وكأن العري قد ارتبط بالشرك.
وفي أماكن أخرى يلبسون الثياب البيض وينزلون إلى برك المياه الموحلة والتي يضعون فيها دماء الأضاحي والقرابين للتبرك ولمحو الذنوب والآثام.
وهذا الطقس قريب من طقوس الصابئة المندائية في اختيارهم السكنى بجوار الأنهار ولبس البياض من الثياب، إلا أن أتباع ديانة الفودو لا يكتفون بالماء الجاري، بل يستخدمون كذلك الماء الراكد الموحل ويضعون فيه الدماء ويغمسون أنفسهم فيه زيادة في البركة.
وقد ارتبطت ديانة الفودو بالسحر الأسود واستخدام التعاويذ، وقد برع فيه كهنتهم، ولا يحسنه كل واحد فيهم، فقد ظهرت عندهم تعاويذ للإيذاء، وأخرى للمرض، وأخرى للقتل.
وقد قيل: إن الدكتاتور “فرانسوا دوفالييه” قد استخدم السحر الأسود لإرهاب الجموع والتحكُّم فيهم.
ومن معتقداتهم أنهم إن أحبوا إيذاء أحد الأشخاص أن يقوموا بصناعة دمية له من ورق أو خشب أو قش أو قماش أو شمع، ثم يقومون بغرس دبابيس في تلك الدمية التي تمثل أعداءهم، ثم يقومون بإحراقها طلبًا لأن تحل اللعنة عليهم.
وهذه الممارسات تثير قلق السياسيين في كثير من البلدان، مما يدفعهم لتجريم الفودو، أو مقاضاة من يقوم بذلك.
وهذا الفعل له شبيه في الموروث الشعبي المصري؛ إذ يقوم المصريون بصنع تلك الدمية ثم يقومون بغرس الدبابيس دفعًا لعين الحسدة.
ومن الأمور المرتبطة بالسحر الأسود الزومبي (Zombie الميت الحي)؛ فحسب اعتقاداتهم يمكن إعادة الحياة للميت عن طريق كهنة الفودو، وبواسطة استخدام السحر الأسود، ويبقى الميت تحت سيطرة سيده الذي أعاده للحياة، حيث يكون مسلوب الإرادة؛ فهذا الزومبي شخص تمت سرقة روحه بواسطة قوى خارقة ووصفات طبية (عشبية) معينة، وتم إجباره على طاعة سيده طاعة عمياء.
وهذا ما تلقفته السينما الأمريكية وصنعت الكثير من الأفلام المقتبسة من هذه الفكرة.
وهذه الديانة تعترف بها دولة بنين كدين رسمي، وكذا دولة هاييتي، والشعب الهاييتي لا يرى مانعًا من الجمع بين الديانتين: المسيحية والفودو.
وأخيرًا، فهذه الديانة قد اجتمع فيها كل الموبقات من الشرك والسحر والقتل… إلخ، يقول -صلى الله عليه وسلم: “اجتنبوا السبع الموبقات“. قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: “الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات“([1]).
(المصدر: إسلام أونلاين)