دورُ التدبر في تخليد القرآن!
بقلم أ. د. فؤاد البنا
من المعلوم أن الإسلام خالد بخلود القرآن الكريم، ذلك الكتاب الذي نفى الله عنه الريب وأكد أن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه، ومن ثم فقد جعله سبحانه جامعا للأبعاد المتعددة في الرسالات المتنزلة من السماء، ومهيمناً على الكتب السابقة.
ولقد صاغه الله بطريقة متفردة تكفل له البقاء سليما من التحريف مع القدرة على تلبية حاجات الناس في كل زمان ومكان؛ إذ تحفظ الصياغة الربانية للقرآن الثبات والديمومة للعناوين العريضة التي تمثل طبائع عامة بين البشر وقواسم مشتركة بين المجتمعات، وكذا للكليات الضرورية لسعادة الناس في كل زمان ومكان، وبالطبع فإن هذا الأمر يتم من خلال الجزء المحكم من القرآن والذي لا تتعدد فيه الأفهام ولا تختلف عليه العقول.
وفي الجانب الثاني تسمح هذه الصياغة للمتغيرات بالتجدد والتطور، بما يستوعب تعدد طبائع الناس وتنوع طرائق عيشهم، وبما يحقق مصالحهم في مختلف الظروف، ويتحقق ذلك من خلال الجزء المتشابه منه، وهو الجزء الأكبر من القرآن العظيم.
ومن المؤكد أن هذا التجدد أو التطور يستلزم القيام بتأمل القرآن كأنه أنزل اليوم، مما يستدعي تفسيرا متجدداً في كل زمان للآيات المتشابهة، بحيث يقوم العلماء بتجسيد خلود القرآن بطريقة عملية، وذلك عبر تنزيل النصوص الجزئية على الوقائع المتغيرة وفق الروح التي تسري في عناوينه الكلية، وبما يضمن تجديد الفروع تحت راية الأصول، وتفصيل الجزئيات في ضوء التوجه العام للكليات، وتطوير الوسائل والأساليب بما يكفل تحقيق المقاصد بأفضل كفاءة ممكنة.
ومن هنا فإن التدبر يبقى مدماك مبنى التفاعل الخلّاق مع القرآن، فهو الذي يحقق التلاقح بين سحائب القرآن؛ ذلك التلاقح الذي يضمن انهمار هداياتها على أصقاع الأفراد والمجتمعات، فتخضرّ وتزهر وتثمر، وتشيع البهجة في الحياة.