دعوة للسلام وتجديد الفكر الديني من إندونيسيا ظاهرها الرحمة وباطنها التطبيع وهدم الدين الإسلامي
بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)
الدبلوماسية الدينية جزء من محاولات الخارجية الأمريكية بالشراكة مع الكيان الصهيوني والحكومات المطبعة والتي بسبيلها للتطبيع مع الكيان للترويج لفكرة التعاون بين الأديان ودور علماء الدين في التقريب بين الشعوب لإحلال السلام في ما يسمونه الشرق الأوسط الجديد.
وفي إطار تلك الاستراتيجية يمكن قراءة ما قامت وتقوم به دولة الإمارات في مجالات التقارب الديني وتغيير المناهج لتحسين صورة الصهاينة في عقول الأجيال الجديدة وبناء ما يسمى البيت الإبراهيمي وغيرها من الاجراءات التي تقوم بها عن طريق رجال دين مسلمون تنفق عليهم ببذخ ليروجوا لذلك مثل ما يسمى منتدى السلم، وقد تبعتها المملكة السعودية بتغيير مناهج الدراسة وإلغاء كل ما يسمونه الحث على العنف والتطرف وكراهية الآخر وقد سبقتهم مصر في هذا المجال. هذا غير آلاف المبادرات والأدوات الإعلامية والعملية التي تتم في هذا الإطار التي يصعب حصرها في مقال.
وهذا المقال يحاول أن يلقي الضوء على نموذج لتلك الدبلوماسية الدينية باعتبارها أحد أدوات التطبيع التي سيروج لها بقوة من جديد؛ بعد خفوت مؤقت دون توقف، في الفترة القادمة باعتبارها جزءا من السلام المطلوب أن يؤمن به العرب والمسلمون حتى يتم ؟إنهاء قضية فلسطين تماما.
وذلك من خلال عرض لمحاضرة أحد مروجي هذا المصطلح الذي يحاول تطبيع العدو الصهيوني عن طريق من يسمون برجال الدين من غير العرب. إنه الإندونيسي يحيى خليل ستاقوف، وهو واحد من قادة منظمة إندونيسية مشهورة تضم أكثر من 60 مليون مسلم إندونيسي هي جمعية العلماء بإندونيسيا حيث يتولى منصب الأمين العام لها منذ عام 2021م.
فقد ألقى الأمين العام لجمعية العلماء في إندونيسيا هذا محاضرة في معهد واشنطن المخصص في شئون العالم العربي والإسلامي والصراع مع الكيان الصهيوني باعتباره واحد من دعاة الدبلوماسية الدينية الداعين لتحقيق السلام بين الأمم والأديان؛ وفي القلب من ذلك تحقيق السلام بين الفلسطينيين والصهاينة، بعنوان “ استراتيجية دينية جديدة لبناء السلام الفعّال في الشرق الأوسط “.
وقد دارت أفكار المحاضرة التي ألقيت في السابع عشر من هذا الشهر (17 سبتمبر) في مقر المعهد في واشنطن حول الإجابة على سؤال: كيف يمكن للشخصيات الدينية أن تلعب دوراً فعّالاً حقاً في بناء السلام الإقليمي من خلال التشكيك في الأعراف المتأصلة التي تؤجج العنف بين الطوائف، بما في ذلك في الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني؟ وهل أتباع الديانات لديهم حقاً مصلحة في إنهاء الصراع، وماذا تقول لهم دياناتهم المختلفة عن كيفية تحقيق سلام عادل ودائم؟
ينطلق ستاقوف في محاضرته التي لخصها المعهد للإجابة على السؤال السابق من عدة منطلقات، هي:
1–يظل دوْر الدين أساسياً في العديد من المجتمعات، ولديه القدرة على لعب دور حاسم في تعزيز السلام في الشرق الأوسط. ومع ذلك، غالباً ما يُستخدم الدين لتبرير الصراع والعنف الدائمين، مما يؤدي إلى إثارة أتباع ديانة معينة ضد الديانات الأخرى.
2-إن إنشاء إطار قابل للتطبيق من أجل السلام سوف يتطلب إعادة صياغة المبادئ الدينية القديمة والمثيرة للمشاكل في التشدد الديني، والتي تحرض على العداء والصراع ووضعها في سياقها الصحيح، وتطوير مجموعة جديدة من المعايير الدينية المتجذرة في الأخلاق العالمية والقيم الإنسانية.
3-غالباً ما يتم تبرير الكراهية الدينية، والتفوق، والعنف بمبادئ محددة من العقيدة الدينية والمعايير المختلفة التي ارتبطت بها تاريخياً.
4-وعبر معظم تاريخ الإسلام، عاش المسلمون تحت تهديد وجودي فرضه عليهم الصراع مع القوى غير الإسلامية. ونتيجة لذلك، طوّر المسلمون عناصر محددة من الفقه الإسلامي للدفاع عن أنفسهم وضبط مثل هذا الصراع، وقد أدى هذا بدوره إلى نشوء معايير مختلفة، شملت فكرة مفادها أنه يجب على المسلمين أن يشنوا حرباً ضد الجماعات الدينية الأخرى بشكل دائم.
5- وقد طوّرت ديانات أخرى معايير مماثلة، تُشجع أتباعها على السعي لتحقيق التفوق العسكري والسياسي والديني. وعلى مر التاريخ، وجدت هذه المعايير شرعيتها ضمن أنظمة المعتقدات في مختلف الديانات، على الرغم من حقيقة مفادها أن جوهر الدين متجذر في الفكرة بأن البشرية جمعاء هي أسرة واحدة ينبغي لأعضائها أن يتعايشوا بسلام.
6- لدى البشر العاديين في جميع أنحاء العالم مصلحة مشتركة في السلام من أجل بقائنا الجماعي.
7-إن السماح للدين بأن يصبح سلاحاً وتحويله إلى ذريعة للصراع يشكل خطراً واضحاً على البشرية.
8-يجب أن تلعب السلطات الدينية دوراً مركزياً في تطوير معايير اجتماعية وثقافية ودينية جديدة تشجع على السلام، وفي تطوير إطار جيوسياسي يمكن أن تزدهر فيه هذه المعايير. وبعبارة أخرى: نحن بحاجة إلى تطوير استراتيجية جديدة، في الشرق الأوسط وخارجه، تسمح للدين أن يلعب دوراً فعّالاً حقاً في بناء السلام.
9- نحن ندرك أن النظام العالمي الحالي، الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتم التأكيد عليه في “ميثاق الأمم المتحدة“، يختلف تماماً عن “قانون الغاب” الذي حكم الشؤون الإنسانية لآلاف السنين، عندما تنافست الممالك والإمبراطوريات والاتحادات القبلية على السلطة والنفوذ. إن المبدأين التوجيهيين لنظامنا العالمي الحالي هما فكرة الكرامة المتساوية بين الدول ذات السيادة واحترام الحدود الدولية.
وفي ضوء هذه النقاط التسع، وهي تقريبا نفس المنطلقات التي تقوم عليها حملة التطبيع الدينية الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتمولها دول الخليج وتلعب فيها دور العراب عبر كثير من علماءها الذين طوعوا علمهم لصالح ما يروجه الحكام ولو كان في حكم الكفر الصراح مثل التطبيع مع أعداء الله ورسوله وأمته. وكل نقطة من هذه النقاط تحتاج مناقشة ونقض هدم.
في ضوء تلك المنطلقات يطرح ستاقوف رؤيته لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، والتي تمثل ريية جمعية العلماء في إندونيسيا، والاجراءات التي قاموا ويقومون بها لتحقيق ذلك، والتي بدأت منذ فترة طويلة وتمثلت في:
–قيام الرئيس الإندونيسي السابق ورئيس “جمعية نهضة العلماء” عبد الرحمن وحيد أحد الأصوات القليلة البارزة في تاريخ إندونيسيا التي جادلت لصالح الاعتراف بإسرائيل.
–وفي عام 2023، أصدرت “جمعية نهضة العلماء” قراراً رسمياً يقضي بأن “ميثاق الأمم المتحدة“، من منظور الشريعة الإسلامية، هو اتفاق شرعي وبالتالي ملزم للمسلمين في جميع أنحاء العالم. كما ندرك أن دولة إسرائيل قد أُقيمت في إطار هذا النظام العالمي وهي جزء منه إلى حد كبير.
–بعد وقت قصير من هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عقدت “جمعية نهضة العلماء” «مؤتمر القمة الدولي للسلطات الدينية» في جاكرتا لدراسة دور الدين في معالجة الصراع في الشرق الأوسط والتهديدات التي يتعرض لها النظام الدولي القائم على القواعد.
ثم يبين كيف يمكن البدء في تحقيق السلام بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني، وذلك عن طريق:
–إعادة صياغة المبادئ الإشكالية للتشدد الديني التي تجيز العنف ووضعها في سياقها الصحيح.
–إنشاء إطار جديد للسلام نستعيد فيه الأولوية لهذا الجوهر الأساسي.
ويضرب أحد الأمثلة على مثل هذا الجهد هو : ما حققته الكنيسة الكاثوليكية الرومانية مع المجمع الفاتيكاني الثاني، وخاصة الوثائق “نوســترا إيتاتي” (Nostra aetate) و“ديغنيتاتيس هيوماني” (Dignitatis humanae) – وهي الإصلاحات الثورية التي شجعت على مزيد من الانفتاح والاحترام تجاه أتباع التقاليد الدينية الأخرى.
واستلهاماً من هذا الإرث، يقول ساتقوف “نسعى في “جمعية نهضة العلماء” إلى إعادة صياغة تعاليم التشدد الديني في إطار إسلامي محدد.
لكن ماذا عن معارضة غالبية الشعب الإندونيسي المسلم للتطبيع مع الكيان الصهيوني وكيف يمكن التغلب عليه لتطبيع العلاقات بين إندونيسيا وهذا الكيان؟ يؤكد ستاقوف أنه “من الطبيعي أن يكون هناك تعاطف بين الإندونيسيين مع إخوانهم المسلمين في فلسطين“. لا نجد لديه إجابة واضحة على عدم مراعاه لذلك التعاطف، لكنه بحسب ملخص المحاضرة ينتقل مباشرة لبيان موقف اندونيسيا من الكيان الصهيوني وما هي العقبات في سبيل تطبيع العلاقات معه اليوم؟، فيقول:
–عندما يتعلق الأمر بالسؤال المحدد حول إسرائيل، نرى أنه لا توجد عقبة لاهوتية متأصلة تحول دون وجود دولة يهودية في فلسطين، وخاصةً بالنظر إلى سياق التاريخ الذي أعقب الحرب العالمية الثانية.
–ومع ذلك، فإن الإيماءات الواضحة من جانب إسرائيل والتي توضّح كيف تلتزم سياساتها بشروط النظام الدولي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، كما حددتها تطلعات “ميثاق الأمم المتحدة“، من شأنها أن تقطع شوطاً طويلاً نحو تحسين صورة إسرائيل بين الشعب الإندونيسي.
–وفيما يخص احتمال قيام إندونيسيا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في يوم من الأيام، فمن المهم الملاحظة أن موقف إندونيسيا من الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني لا يستند في المقام الأول إلى وجهات نظر دينية، بل هو متجذر في التطلعات والمبادئ المنصوص عليها في “ميثاق الأمم المتحدة“. وتاريخياً، إن زعماء إندونيسيا – بدءاً من الرئيس سوكارنو و“مؤتمر باندونغ” وإنشاء “حركة عدم الانحياز” – انتقدوا إسرائيل باعتبارها قوة استعمارية تحتل الأراضي الفلسطينية.
هذا هو مختصر رؤية ستاقوف لتحقيق السلام بين الفلسطينين والكيان الصهيوني، والتي هي في حقيقتها حجج سهل دحضها لتبرير عملية التطبيع التي توشك على الكمال بين الطرفين.
وهي ذاتها الحجج التي سنجدها تواجهنا في القريب العاجل عندما يفتتح سوق السلام الكاذب من جديد كما فتح في كامب ديفيد في السبعينيات وفي أوسلو ووادي عربة والدوحة في التسعينيات، وفي واشنطن منذ أربع سنوات مع اتفاقات آبراهام المشؤمة والتي من أهم مقوماتها الدبلوماسية الدينية التي يدعو لها ستاقوف وأمثاله.
وحتى يتبين القارئ المسلم خطورة أفكار ستاقوف وجذورها نلحق هنا بيان مختصر بتاريخه الشخصي وتاريخه في التطبيع مع الكيان الصهيوني حتى يعلم القارئ الكريم أنه ليس مجرد شخص أو ممثل جمعية كبيرة للعلماء لكنه مدعوم من قوى مالية إعلامية أمريكية صهيونية خليجية كبيرة تسعى لتهويد العقل المسلم وتطبيعه مع الكيان تزامنا مع التتبيع والتركيع للعقل العربي.
من هو يحيى خليل ستاقوف؟
جاء في تعريفه على مؤسسة الرحمة التي يترأسها بجانب جمعية العلماء ما يلي:
يحيى خليل ستاقوف عالم مسلم بارز ومؤسس مشارك لحركة عالمية (“الإسلام الإنساني“) تسعى إلى إصلاح المبادئ العتيقة للأرثوذكسية الإسلامية التي تحض على الكراهية الدينية والتفوق والعنف، من خلال استعادة الرحمة (الحب العالمي والرحمة) إلى مكانها الصحيح باعتبارها الرسالة الأساسية للإسلام. بصفته الرئيس العام لجمعية نهضة العلماء في إندونيسيا – أكبر منظمة إسلامية في العالم، والتي تضم أكثر من 100 مليون عضو و28000 مدرسة دينية – فإن السيد ستاكوف يجلب الحكمة الحضارية والسلطة الروحية لإسلام نوسانتارا (إسلام جزر الهند الشرقية) إلى الساحة العالمية، حيث ساد فهم قاسٍ وقمعي وعنيف للإسلام لعقود من الزمن.
شارك السيد ستاقوف في تأسيس الكيان الديني الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له، بيت الرحمة للدعوة الإسلامية رحمة للعالمين، في عام 2014، ومعهد الإسلام الإنساني ومركز القيم الحضارية المشتركة في عام 2021. تسعى هذه المنظمات المرتبطة ارتباطًا وثيقًا إلى منع تسليح الهوية سياسيًا؛ والحد من انتشار الكراهية الطائفية؛ وتعزيز التضامن والاحترام بين الشعوب والثقافات والأمم المتنوعة في العالم؛ وتعزيز ظهور نظام عالمي عادل ومتناغم حقًا، يقوم على احترام الحقوق المتساوية والكرامة لكل إنسان.
وهذا التعريف غير كاف في بيان مجمل أفكاره وتبيان مدى خطورتها على الفكر الإسلامي وعلى رؤيته لقضية فلسطين. ومن ثم فإنه يستحق أن نخصص له مقالا أو عدة مقالات لبيان افكاره بالتفصيل وخطورتها من جهة ، وعلاقاته المتشعبة في العالم الغربي والعربي من ناحية أخرى، لان المتوقع أن أفكار مثل هذا الشخص سوف تكون تكأة لكثير من المطبعين عندنا للترويج للسلام مع العدو الصهيوني، وليس هذا فحسب بل لإعادة قراءة عقيدة الإسلام وتاريخه على ضوء تلك الأفكار القاتلة لتفريغه من كل أبجدياته.