مقالاتمقالات مختارة

دعوة اليابان إلى الإسلام

بقلم د. محمد تقي الدين الهلالي

 

هذه الأمة اليابانية، التي نحن بصدد الكلام في شأنها، لم يقدر الغربيون أن يدَّعوا أنها كغيرها من أمم الشرق ليست قابلة للرقي، فاختلفوا فيها؛ فبعضهم يزعم أنها من أصل أوربي، وبعضهم يقول إنها شذت، فقابل ذلك كله بما جاء به الإسلام تجد أن المساواة الحقيقية ليس لها وجود إلا في الإسلام.

 

سيقول قائل ويورد مورد الرق الفردي في الحرب والسبي وإعطاء الجزية؛ فنقول لا شيء من ذلك واجب ولا متوقف على اللون أو النسب اللذَين نحن الآن بصددهما، وإنما ذانك أمران ناتجان عن الحرب؛ أما الرق فوجود الكفارات الواجبة المتعددة والترغيب في العتق يقضي عليه، مع كونه غير واجب ولا مستحب؛ وإنما هو مباح إذا اقتضه الحال، ومع ذلك فلا مناسبة بينه وبين الاستعمار الملعون، وهو استعباد أمة بأسرها وحرمانها من نسيم الشرف والعلم والمراتب، بل ومن القوت إلا ما فضل عن السادة، وهذا الاسترقاق الأممي مع كونه شراً ألف مرة من استعباد الأفراد، فإنه واجب ودائم وغير جائز فيه عتق ولا مكاتبة ولا فدية، وللكلام على المقارنة بين الرقين موضع آخر؛ وأما الذمة فهي غير واجبة فإذا اقتضتها الحال كانت أهون بكثير من الاستعمار.

 

فلو أسلم اليابانيون وأخذوا بتعاليم الإسلام وهدي النبي صلى الله عليه وسلم مع ما هم عليه من الكفاية والقابلية لحمل الأمانة والقيام بأعباء خلافة الله في أرضه، رَفعوا الظلم من العالم وأحلوا العدل محله، وسادوا على الأمم كلها، ولن تقدر أمة أن تقف أمامهم لا بريطانية ولا غيرها؛ ويوجه المسلمون وجوههم إليهم في مشارق الأرض ومغاربها، فيشرق نور الحق والعدل والإيمان والخلق الحسن من جديد تارة أخرى على الأرض، ويتنفس الضعفاء الصعداء، ويستريح المعذبون مما يعانونه، ويقطع دابر الفساد والإباحة والبذخ والربا والاحتكار والاستعمار، وهذه لعنات العالم اليوم. ولنضرب مثلاً قريباً: اليابانيون اليوم في حرب ضروس مع أهل الصين، في الظاهر، ومع الروسية وأميركة ونصف أوربة في الحقيقة، وعدد المسلمين في الصين وحدها خمسون مليوناً، فلو كان اليابانيون اليوم مسلمين لانضم إليهم مسلمو الصين وانتصروا وانتهت الحرب[1].

 

أما دعوة هذه الأمة إلى الإسلام، فإنها تحتاج إلى رجال صادقين عالمين عاملين بعيدين عن الجمود.. وأنقياء من البدع المحدثة، وأتقياء أوفياء. ومن لنا بهم؟ وإن وجد بعضهم فهو مقصوص الجناح، لا يجد من يعينه ولا من يؤيده، وأنا أشهد لله أن الشيخ محمد بهجة البيطار[2] منهم، فأين من يتكفل بالنفقة والمدد المالي ويفاوض هذا العالم فيتوجه على رأس بعثة يختارها أو حتى وحده، ولا أشك في أن الله يهدي به خلقاً كثيراً فأين العاملون؟ أما الأماني المجردة أو كتابة مقال كمقالي هذا والاكتفاء به، فإنما ذلك تسلية وقطع للوقت ولا يكفي ولا يشفي.

 

وقد أسس مسجد في مدينة طوكيو قبل شهرين. وأعلنت دولة يابان عطفها على الحركة الإسلامية هناك، وسمعنا أن مجلة أنشئت باللغة العربية في طوكيو، وأن فرنسة منعت دخول هذه المجلة إلى المغرب الشهيد، فوددنا لو اطلعنا على هذه المجلة التي أزعجت الاستعمار الغاشم وأقضت مضاجعه[3].

 

وكل هذه المظاهر تسهل على المسلمين المجاهدين المخلصين الدعوة إلى الله في بلاد يابان الحية – نقول الحية لأن الأمم منها حية ومنها ميتة، وإن الرجل الواحد من الأمم الحية إذا كان مسلماً مخلصاً يساوي عشرة آلاف من المسلمين من الأمم الميتة؛ فإن المسلمين لم يغلبوا من قلة ولا من فقر – نعم علتهم قلة الإيمان والإحساس والشهامة، ولذلك يجب علينا أن نفرق بين دخول الوثنيين في الهند في الإسلام، حتى ولو كانوا براهمة؛ فكيف بالمنبوذين، وبين دخول اليابانيين في الإسلام تفريقنا بين الأحياء والأموات، فإن المنبوذين، وعددهم ستون مليوناً لو أسلموا على بكرة أبيهم، لم يزد إسلامهم في كفة ميزان الإسلام في العالم شيئاً، ولم يغير من حالتهم أنفسهم شيئاً، فضلاً عن حالة من سواهم، نعم إسلامهم ينفعهم وينفع مواطنيهم قليلاً، وأما إسلام اليابانيين فشيء آخر. فلو أسلم من اليابانيين إسلاماً محمدياً صحيحاً، لا إسلاماً صورياً فقط بضعة ملايين، لرجحت بذلك كفة الإسلام أيما رجحان، ولعاد ذلك على المسلمين بالنفع العميم، فالمسلمون الذين يغلب عشرات الملايين منهم بضعة آلاف ويسخرونهم كالأنعام ويهدموا شعائر دينهم وشرعهم أمام أعينهم ويخفضون كلمة الإسلام ويجعلونها السفلى فضلاً عن استعبادهم وسلبهم كل شيء من العرض والشرف والمال والدين، هؤلاء سواء محياهم ومماتهم، ووجودهم وعدمهم، يعدون في الأحياء وما هم منهم، لا ينفعون أنفسهم ولا غيرهم بل وجودهم فيه ضرر كبير؛ لأن سادتهم المستعبدين لهم يجندونهم ويقاتلون بهم إخوانهم المسلمين ويفتحون بهم بلادهم.

 

فثبت أن عدم مثل هذا النوع قد يكون – وقد للتحقيق – خيراً للإسلام من وجودهم.

 

ومن هنا تتجلى لك قيمة إسلام يابان وفائدتها العظمى إذا أرادها الله. فهل من متبرع بالمال لتأسيس (إرسالية) واحدة على الأقل في بلاد اليابانيين، مع الإعلام بأن هناك إرساليات أميركية وأوربية تدعو إلى النصرانية الأوربية المادية، وهذه الإرساليات كلها من تبرعات المؤمنين النصارى في أوربة وأمريكة وليست من قبل حكوماتهم ولا من أوقافهم مثلاً.

 

لا توجد فئة حية نشيطة من المنتسبين إلى الإسلام إلا القاديانية، فلو عددتهم ما تجاوزوا مئة ألف، فعد إرسالياتهم ومساجدهم ومدارسهم الإرشادية في أوربة وفي الشرق يَبِنْ لك الفرق بين المؤمن الصادق المخلص لاعتقاده وبين المدعي الكاذب، ذلك بأن القاديانيين جميعاً يؤدون ربع دخلهم لصندوق الدعوة من القليل والكثير، ويعملون لنشر نحلتهم، وأما غيرهم من المنتسبين إلى الإسلام فإنهم – إلا قليلاً – يأكلون أوقاف المساجد والمدارس ويتركونها خراباً يباباً.

 

لقيت الطبيب عبدالحق من أهل لاهور في هذه المدينة وبلغني أنه تَقَدْيَن من ثلاث سنين، وهو شاب نشيط حاذق في الطب متمسك، فعذلته في ذلك وجادلته فأفحمته من الوجهة الاعتقادية، وكان من جملة ما استند عليه في تقَدينه بأن قال إنه هو السبب الأصلي، أنه مخلص لدينه ويريد أن يعمل له شيئاً ولم يجد جماعة تعمل إلا هذه. ومع أن هذه علة لا تقبل منه، فإني لم أقدر أن أكذبه فأقول إن هناك جماعة أخرى جادة في العمل لاعتقادها مثل تلك الفرقة. ومقصودنا بهذا إثارة الغيرة في قلوب من فيهم بقية رمق من الحياة المعنوية.

 

هذا، وقد طال هذا المقال جداً فنختمه بالدعاء بتوفيقنا وتوفيق إخواننا المسلمين إلى أداء ما فرض الله عليهم من الجهاد في سبيله؛ ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.


[1] المجلة: السبب في ذلك كون الحرب يومئذ لا تكون إلا فكرة ومبدءاً، خلقاً وديناً ليس فيها طمع سيادة واستثمار ولا اقتصاد أو اعتداء أو نحو ذلك مما تقوم عليه بواعث الحروب الحاضرة بصورة خاصة.

[2] المجلة: هو الرئيس الثاني لجمعيتنا التمدن الإسلامي وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق.

[3] المجلة: لعل المجلة المقصودة هي: ((نيبون)) أو اليابان، وهي مجلة شهرية تصدر في طوكيو عاصمة اليابان رأينا العدد الأول منها حافلاً بالمواضيع التي تدل على الغاية من إصدارها وهي توثيق الصلاة بين اليابان وبين البلاد الإسلامية، وتعريف المسلمين بالعظمة اليابانية.

وإن تقرب اليابان من المسلمين – مهما كان باعثه فإن واجب نشر الدعوة الإسلامية يوجب علينا توثيق العروة وتفهيمهم الإسلام جرياً على السنن الحكيم الذي اختطته الآية الكريمة القائلة: ((وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)).

فلننظر نحن لوجهتنا ولندع إلى ربنا في بلد كان ولا يزال ميداناً للوثنية، وإن كنا بعد هذا أهل بصيرة لا نؤخذ من غفلة كنا أهل فطنة وقد قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم كيِّس فطِن). إن الإسلام نور يهدي الله به من اتبع رضوانه سبل السلام فاللهم أعز دينك وانصر المسلمين إنك قوي عزيز.

(المصدر: شبكة الألوكة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى