دعوةُ المظلومِ ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ
بقلم الشيخ أ. د. حسام الدين عفاتة
يقول السائل:ذكرتم في الحلقة السابقة من “يسألونك”عقوبةَ الظالمين في الآخرة، فهلا ذكرتم لنا تعجيلَ عقوبة الظالم في الدنيا استجابةً لدعوة المظلوم،أفيدونا؟
الجواب:
أولاً:لا بدَّ من التأكيد على أن الظلم مرتعه وخيم،والظلم من أقبح المعاصي وأشدها عقوبة، وقد حرم اللهُ جل جلاله الظلمَ في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم،ومن يستعرض القرآن الكريم والسنة النبوية يقف على مئات الآيات والأحاديث التي تحدثت عن الظلم والظالمين، وتوعدت الظلمة ولعنتهم، قال الله تعالى:{وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}سورة آل عمران الآية 57، وقال الله تعالى:{وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}سورة آل عمران الآية 86، وقال الله تعالى:{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} سورة الأنعام الآية 21، وقال الله تعالى:{فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} سورة الأعراف الآية 44، وقال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}سورة هود الآية 102، وقال الله تعالى:{إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}سورة إبراهيم الآية 22، وقال الله تعالى:{وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً}سورة الإسراء الآية 82، وقال الله تعالى:{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً}سورة الكهف الآية 29، وقال الله تعالى:{وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}سورة الحج الآية 53، وقال الله تعالى:{وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً}سورة الفرقان الآية 37.وقال الله تعالى:{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}سورة غافر الآية 18، وقال الله تعالى:{يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}غافر الآية 52، وقال الله تعالى:{وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}سورة الحج الآية 71. وقال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِين ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}سورة يونس الآيتان13-14. وقال الله تعالى:{وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}سورة الكهف الآية 59، وقال الله تعالى:{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء}سورة إبراهيم الآيتان42-43، وقال الله تعالى:{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}سورة الشورى الآية 42، وغير ذلك من الآيات.
وأما السنة النبوية فقد ورد فيها أحاديث كثيرة منها: الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة والجلال:(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) رواه مسلم.
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( اتَّقُوا الظُّلمَ؛فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ،واتَّقُوا الشُّحَّ؛فإنَّ الشُّحَّ أهلكَ مَن كانَ قبلَكُم،حملَهُم على أنْ سَفكُوا دِمائَهم،واستَحَلُّوا مَحارِمَهم) رواه مسلم.
ولقد رهبنا النبي صلى الله عليه وسلم من الظلم فقال:(إيَّاكم والظُّلمَ فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ وإيَّاكم والفُحشَ فإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفُحشَ ولا التَّفحُّشَ وإيَّاكم والشُّحَّ فإنَّما أهلَك مَن كان قبْلَكم الشُّحُّ أمَرهم بالقطيعةِ فقطَعوا أرحامَهم وأمَرهم بالفجورِ ففجَروا وأمَرهم بالبخلِ فبخِلوا.فقال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ وأيُّ الإسلامِ أفضلُ؟ قال: أنْ يسلَمَ المسلِمونَ مِن لسانِك ويدِك) رواه ابن حبان في صحيحه.
وجاء في خطبة الوداع قول النبي صلى الله عليه وسلم:(ألا إن الله حرم عليكم دمائكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) رواه البخاري.والأصل في المسلم أنه لا يظلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) رواه البخاري، وغير ذلك من الأحاديث.
ثانياً:وردت أحاديث كثيرة في دعوة المظلوم على مَنْ ظلمه وأن دعوته مستجابةٌ ولو بعد حين، منها: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ معاذًا إلى اليمن وقال له:(اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَها وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَاب) رواه البخاري ومسلم.والمقصود بقوله(حجاب) أي أن دعوة المظلوم لا حاجز ولا مانع يحول دون وصولها واستجابتها من رب العزة والجلال،وأنه يستجيب لها.
قال ابن الملقن:[(اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) هذا تنبيهٌ على الامتناع من جميع أنواع الظلم.وعلَّلَ إنفاذ دعوة المظلوم بعدم الحجاب بينها وبين الله تأكيدًا لتحريم الظلم وتنبيهًا على سرعة عقوبة فاعله،ودعوة المظلوم مسموعةٌ لا تُردُّ،وهو معنى عدم الحجاب بينها وبين الله تعالى.] الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 3/13.
وقال صلى الله عليه وسلم:(ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ:دَعْوَةُ الْوَالِدِ،وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ،وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ)رواه أبو داود وابن ماجة وحسنه العلامة الألباني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وصححه العلامة الألباني في “صحيح سنن الترمذي” .
وعن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال:(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرَ،وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ،وَمِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْر – أي:مِن النُّقصانِ بعدَ الزِّيادَةِ -،وَمِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَمِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ) رواه الترمذي والنسائي وصححه العلامة الألباني.
والله عز وجل يجيبُ دعوة المظلوم ولوكان فاجراً أو كافراً،فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:“دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا، فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ)رواه أحمد وابن أبي شيبة والطبراني،وقال العلامة الألباني:حسن.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ) رواه أحمد وصححه العلامة الألباني في “الصحيحة”. وغير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[وَأَمَّا إجَابَةُ السَّائِلِينَ فَعَامٌّ؛فَإِنَّ اللَّهَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمُضْطَرِّ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا] مجموع الفتاوى 1/223.
وقال الشيخ ابن القيم:[فليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضياً عنه ولا محباً له ولا راضياً بفعله؛فإنه يجيب البَر والفاجر والمؤمن والكافر] إغاثة اللهفان 1/215.
ثالثاً:يجب أن يُعلم أن الظلم من الذنوب التي قد يُعجل الله عقوبتها في الدنيا،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ليسَ شيءٌ أطيعَ اللَّهُ فيهِ أعجَلَ ثوابًا من صلةِ الرَّحمِ،وليسَ شيءٌ أعجَلَ عقابًا منَ البَغيِ وقطيعةِ الرَّحمِ واليَمينُ الفاجرةُ تَدَعُ الدِّيارَ بلاقعَ)رواه البيهقي وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 2/706، وبلاقع،جمع بلقع وبلقعة وهي الأرض القفر التي لا شجر فيها.
وإن تأخير عقوبة الظالمين إلى حين يكون لحكمة ربانية،ولكن العقوبة آتية لا ريب فيها،في الدنيا أو في الآخرة،وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ،ثُمَّ قَرَأَ:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} سورة هود الآية 102)رواه البخاري ومسلم.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي:[ الغالب أن الظالم تعجل له العقوبة في الدنيا وإن أُمهل، فإن الله يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته”،وقد قال بعض أكابر التابعين لرجل:”يا مفلس فابتلي القائل بالدين والحبس بعد أربعين سنة”،وضرب رجلٌ أباه وسحبه إلى مكان،فقال الذي رآه بعد ذلك:إلى هاهنا رأيت هذا المضروب قد ضرب أباه وسحبه إليه…فسبحان من هو قائمٌ على كل نفس بما كسبت،إن ربك لبالمرصاد،حاكم العدل لا يجور،وإنما يجازي بالعدل،وميزان عدله لا يحابي أحداً،بل يتحرر فيه مثاقيل الذر،ومثاقيل الخردل، وكما تدين تدان] شرح حديث لبيك اللهم لبيك 1/108.
وقد قصَّ علينا القرآنُ الكريم قصصَ من عجل الله سبحانه وتعالى لهم العقوبة في الدنيا,فمن ذلك قوله تعالى في حق فرعون:{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ }سورة القصص الآيتان 39-40.
ومن الظلمة الذين عجل الله سبحانه وتعالى العقوبة في الدنيا قارون، قال تعالى:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} سورة القصص الآية 81.
وقال تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سورة الأنعام الآيتان 44-45.
وقال تعالى:{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} سورة الحج الآيات 45-48.وغير ذلك.
وقد وردت أقوالٌ عن السلف في التحذير من الاغترار بتأخير عقوبة الظلم، فعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،قَالَ:(كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ” أَمَّا بَعْدُ،فَاتَّقِ اللَّهَ فِيمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ،وَلا تَأْمَنْ مِنْ مَكْرِهِ فِي تَأْخِيرِ عُقُوبَتِهِ،فَإِنَّمَا يُعَجِّلُ الْعُقُوبَةَ) رواه البيهقي في شعب الإيمان .
وقال ابن الجوزي:[ يا أرباب الدول، لا تعربدوا في سُكْرِ القدرة فصاحب الشرطة بالمرصاد] المدهش 1/388.
وقال ابن القيم:[سبحان الله! كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة،واحترقت كبد يتيم،وجرت دمعة مسكين{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ}المرسلات: 46،{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}ص:88،ما ابيضَّ لون رغيفهم حتى اسودَّ لون ضعيفهم،وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه،لا تحتقر دعاء المظلوم،فشررُ قلبه محمولٌ بعجيج صوته إلى سقف بيتك،ويحك نبالُ أدعيته مصيبة،وإن تأخر الوقت قوسه قلبه المقروح،ووتره سواد الليل،وأستاذه صاحب (لأنصرنك ولو بعد حين) وقد رأيتَ ولكن لستَ تعتبر،احذر عداوة من ينام وطرفه باكٍ،يقلب وجهه في السماء،يرمي سهامًا ما لها غرض سوى الأحشاء منك،فربما ولعلها إذا كانت راحة اللذة تثمر ثمرة العقوبة لم يحسن تناولها،ما تساوي لذة سنة غمَّ ساعة،فكيف والأمر بالعكس،كم في يمِّ الغرور من تمساح،فاحذر يا غائص،ستعلم أيها الغريم قصتك عند علق الغرماء بك:
إذا التقى كل ذي دَين وماطله ستعلم ليلى أي دين تداينت
من لم يتتبع بمنقاش العدل شوك الظلم من أيدي التصرف أثر ما لا يؤمن تعديه إلى القلب] بدائع الفوائد 3/762.
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن يحيى بن خالد البرمكي- أحد وزراء بني عباس – قال له أحد بنيه – وهما في السجن والقيود -: يا أبت، بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال؟! فقال: يا بنى، دعوةُ مظلومٍ سرتْ بليلٍ ونحن عنها غافلون، ولم يغفل الله عنها!
وقال الشاعر: لا تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا فَالظُّلْمُ آخِرُهُ يُفْضِي إِلَى النَّدَمِ
تَنَامُ عَيْنُكَ وَالمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنَمِ
رابعاً:بناءً على كل ما سبق،فإن الواجب الشرعي يقتضي أن يتحلل كلُّ ظالمٍ من مظلمته،فإن العقوبة شديدة،والخيبة والحسرة تنتظران الظالم،قال تعالى:{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً}سورة طه الآية111، وقال تعالى:{أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}سورة هود الآية 18، وقال الله تعالى:{أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ}سورة الشورى الآية 45.
وعلى الظالم أن يحذر قبل أن يعضَّ علي يديه،ويندم حين لا ينفع الندمُ!قال الله تعالى:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} سورة الفرقان الآيات 27-29.
وعلى الظلمة أن لا يغتروا بحلم الله عز وجل عليهم،وأن يحذروا العقوبة الربانية،قال الله تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}سورة إبراهيم الآيات 42-52.
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ – التي لا قرن لها – مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه ِمِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ) رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(مَن ضرَبَ سوطًا ظُلْمًا اقتُصَّ منه يومَ القيامةِ) رواه البزار والطبراني في المعجم الأوسط والبيهقي وصححه العلامة الألباني في الصحيحة.
وخلاصة الأمر:
أن الظلم مرتعه وخيم،وأن الظلم من أقبح المعاصي وأشدها عقوبة، وقد حرم اللهُ جل جلاله الظلمَ في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم.
وأن دعوة المظلوم مستجابةٌ ولو بعد حين وأنه لَيْسَ بَيْنَها وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَاب.
وأن الظلم من الذنوب التي قد يُعجل الله عقوبتها في الدنيا.
وأن الله عز وجل قد قصَّ علينا في القرآنُ الكريم قصصَ من عجل لهم العقوبة في الدنيا.
وأن الواجب الشرعي يقتضي أن يتحلل كلُّ ظالمٍ من مظلمته،فإن العقوبة شديدة،والخيبة والحسرة تنتظران الظالم.
والله الهادي إلى سواء السبيل
(المصدر: شبكة يسألونك الإسلامية)