دعت لتأسيس مدرسة دينية بالساحة الشرقية.. جماعات الهيكل توظف “اتفاقات أبراهام” لتهويد الأقصى
منذ أيام تتلاحق التطورات المتعلقة بالمسجد الأقصى المبارك، ويطلّ المتطرفون عبر مواقعهم الإلكترونية وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي كل يوم بصيحة تهويد جديدة، لم يسلم من أحدثها مفتي القدس والديار الفلسطينية، ولا الساحة الشرقية للمسجد.
فقبل أيام دعا المدير التنفيذي لمؤسسة “تراث جبل الهيكل” المتطرف تومي نيساني، مفتي القدس والأراضي الفلسطينية الشيخ محمد حسين إلى البحث عن وظيفة جديدة، لأنه لن يبقى له عمل في الأقصى.
وأضاف في منشور له أن العمل جار “بالتعاون مع دول الخليج لعقد صلوات مشتركة للمسلمين واليهود، وأن عملية تهويد جبل الهيكل ستستمر في كسب المزيد من الساعات والأيام، وبوابات الدخول وكل القيود على اليهود في المكان ستزول”.
قبل ذلك أقدم نيساني على تسجيل مقطع فيديو باللغة العربية وجهه إلى دول الخليج لتتعاون معه في التخلص من سلطة الأوقاف الإسلامية على الأقصى، ويرى متابعون لشؤون القدس أن من الواضح أن جماعات الهيكل تنظر إلى “اتفاق أبراهام” باعتباره اتفاق تحالف لتهويد المسجد الأقصى المبارك.
هذا التحالف تُرجم بصورة أخرى بعد أيام من مقطع الفيديو بإقدام شركة طيران “الاتحاد” على نشر إعلان لزيارة إسرائيل، معتبرة “المعبد الثاني” من معالمها، متبنية بذلك الرواية التوراتية تجاه المسجد الأقصى.
تقسيم مكاني
أما التطور الأخطر -وفقا للمراقبين- فهو توجيه جماعات الهيكل رسالة إلى وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عمير أوحانا قبل أيام، تطالبه فيها باتخاذ الساحة الشرقية للأقصى مدرسة توراتية دائمة. وطالبوا بالسماح لأتباع المدارس الدينية بقضاء كامل الفترة المتاحة للاقتحامات في تعلم التوراة وتعليمها في الساحة الشرقية للمسجد الأقصى المبارك.
جماعات الهيكل أكدت في رسالتها لأوحانا أنها لا تعترف بالأوقات المحددة لليهود في الأقصى، وترى فيها تمييزا تمارسه شرطة الاحتلال ضدهم، وأن الأصل أن يسمح لأتباع تلك المدارس بقضاء أوقاتهم على مدار اليوم في الأقصى، إلا أنها ستقتصر في طلبها الحالي على تمكينهم من الدراسة خلال الأوقات المفروضة حاليا.
ويرفض مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين الرد بشكل شخصي على المتطرف تومي نيساني، وقال إنه لا يقبل النزول لمستوى تصريحاتهم لأن المسجد الأقصى للمسلمين ولا يمكنه مناقشة هؤلاء بذلك.
لكنه يرى ضرورة التأكيد على حقائق عدة، أهمها أن المسجد الأقصى للمسلمين ولعباداتهم وشعائرهم، ولا يجوز لهم استقبال ديانات أخرى فيه ليقيموا معهم أي شكل من أشكال الصلوات والعبادات المشتركة.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن كل ما تقوم به الجماعات اليهودية المتطرفة من محاولات فاشلة لإقامة طقوس دينية تلمودية، هي في الحقيقة تتم من خلال الاقتحامات العدوانية على المسجد وحرمته.
والحقيقة الثابتة الأخرى التي يرى المفتي ضرورة في تأكيدها دائما، هي أن كل شبر في المسجد الأقصى المبارك هو جزء مقدس منه، “فكل ما دار عليه السور من جهاته الأربع من مصليات ومعالم ومصاطب وساحات وأبنية وأروقة بمساحة 144 دونما (الدونم ألف متر مربع) هي جزء لا يتجزأ من المسجد”.
ويوضح الشيخ حسين أن أي مسلم يفرط بذرة تراب من الأقصى هو إنسان يفرط بعقيدته ومكان عبادته، وأن كل الإعلانات والاستفزازات التي يسوقها المستوطنون تحت مظلة التعاون مع بعض العرب والمسلمين، هي باطلة وغير معترف بها، ومن يتعاون من المسلمين معهم فهو يقوم بأعمال لا تمت لا للدين ولا للأقصى بأي صلة.
بينما يعلق الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص على دعوة جماعات الهيكل للمفتي محمد حسين للبحث عن عمل جديد، بقوله إن هذه الجماعات باتت ترى في الدعم الإماراتي والبحريني لأجندتها ظهرا تحاول الاستقواء به على المقدسيين والفلسطينيين وعلى المرجعيات الدينية.
الرد بشد الرحال والرباط
ويقول ابحيص “قادة جماعات الهيكل باتوا يتوهمون أن هذا الدعم سيساعدهم في تحويل المسجد الأقصى إلى مكان عبادة مفتوح لجميع الأديان، وفي نزع سلطة الأوقاف الإسلامية من المسجد أو تطويعها، ولا بد من الرد على ذلك دون تلعثم بالتمسك بالثوابت وبهوية الأقصى وبمزيد من الرباط والتواجد فيه”.
وفي تعليقه على إعلان طيران الاتحاد، يوضح ابحيص أنه تنفيذ عملي لبنود اتفاق أبراهام الذي شكل اتفاقا لبيع الأقصى، إذ “سلمت الأطراف العربية في اتفاق أبراهام بالرواية الصهيونية التوراتية فيه وباتت تتبناها، ونص الاتفاق على حصر مفهوم الأقصى بالمسجد القبلي ذي القبة الرصاصية، واعتبار بقية المساحة داخل أسواره مكان عبادة مفتوحا لجميع الديانات”.
ويردف أن هذا الإعلان جاء ليتحدث عن المعبد الثاني المزعوم باعتباره معلما قائما، وهو بذلك يتبنى الرواية التوراتية التي تزعم وجوده وأنه هدم في العهد الروماني، ويلغي وجود الأقصى.
واضطرار طيران الاتحاد لسحب الإعلان -بحسب الباحث المقيم في الأردن- هو نموذج مصغر للمأزق الذي وضعت قيادة الإمارات نفسها به في مواجهة إيمان الأمة ومقدساتها، وهذا يؤكد أننا أمام اتفاقات تحالف مع الصهيونية لن تزيد الصهاينة قوة لكنها ستزيد أصحابها العرب ضعفا.
وعن التطور الأخطر المتعلق بالدعوة إلى تأسيس مدرسة دينية في الساحة الشرقية للمسجد الأقصى، يقول ابحيص إن هذه الرسالة التي وجهتها جماعات الهيكل إلى وزير الأمن الداخلي عمير أوحانا، تُقرأ على 3 مستويات:
الأول: محاولة لتوسيع نطاق الاستفادة من الإجراءات المفروضة حاليا، بحيث تفتح الباب لمكوث المقتحمين طوال الفترة التي تتيحها شرطة الاحتلال للاقتحامات.
الثاني: محاولة تغيير طبيعة الحضور الصهيوني في الأقصى خلال الاقتحامات من حالة الحركة والتنقل في جولات إلى الثبات والارتكاز في الساحة الشرقية للأقصى، وبما أنها ستتحول إلى فصول دراسية فهذا سيفتح الباب لإدخال مقاعد وطاولات ولفائف التوراة.
الثالث: اقتطاع هذه الساحات لتصبح مخصصة لليهود فقط على مدار الساعة، بنصب الخيام والقواطع البلاستيكية والزجاجية الخاصة بهم فيها.
ويضيف “بذلك نكون أمام محاولة لفتح مسار جديد للتقسيم المكاني واقتطاع الساحة الشرقية للأقصى، وكان المسار الأول لاقتطاع مصلى باب الرحمة قد فشل بعد هبة المقدسيين في فبراير/شباط 2019، وإعادته إلى أصله جزءا لا يتجزأ من الأقصى”.
ويختم ابحيص حديثه للجزيرة نت بقوله إنه لا بد من التيقظ لهذا المسار الجديد وإفشاله من البداية قبل أن يتطور أكثر.
(المصدر: الجزيرة)