دعاة وعلماء يؤكدون “الالتجاء إلى معية الله في الأزمات والشدائد من أعظم دروس الهجرة النبوية”
ذَهَبَ عَدَدٌ من العلماء والدعاة إلى أن الهجرة النبوية الشريفة تضمنت دروسًا كثيرةً من أعظمها درسُ الالتجاء إلى معية الله في الأزمات والشدائد اقتفاءً لأثر الأنبياء والمُرسلين الذين احتموا بمعية الله في المواقف الصعبة، فجعلَ الله العاقبةَ لهم على عدوِّهم.
وأكَّدوا أن هذا الإدراكَ العجيب من قِبل الأنبياء والصحابة لمعيَّة الله سبحانه وتعالى منحهم ثباتًا عظيمًا وثقةً عجيبةً في المواقف الصعبة.
وأوضحوا أن المعية على ضربَين، معية عامة شاملة لجميع الخلق، المؤمن والكافر، وهذه المعية تعني الإحاطة، أي أن الله مع خلقه بعلمه وبإحاطته ومشيئته وبنفوذ أمره في خلقه وبقهره وبقدرته سبحانه فلا يغيب عنه شيء: (عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلْأَرْضِ وَلَآ أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ).
وقالوا: أما المعية الأخرى فهي المعية الخاصة، وهي معية الله لرسله وأوليائه وأحبابه المؤمنين بالنصر والتأييد والمحبة والتوفيق والإلهام، كقول النبي- صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر الصديق- رضي الله عنه- في الغار خلال الهجرة عندما خشي من قدوم الكفار: «ما ظنك باثنَين الله ثالثهما»، وبالتالي: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا».
وأبانوا أن معيَّة الله التي تجلّت في هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم- هي صورةٌ من صور معية الله عز وجل، لافتين إلى أنَّ هذا الموقف حمل درسًا لكافة أجيال الأمة مفاده أنه لا تقلق ما دام أن الله معك، لكن يجب عليك قبل ذلك أن تحققَ أسباب المعيَّة.
ونصحوا من أراد تحصيلَ المعيَّة بالالتزام بتحقيق التقوى والإحسان والصبر، لأنَّ الله نصَّ على تلك الأسباب نصًا في كتابه العزيز فقال: «إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون»، وقال سبحانه أيضًا: «إن الله مع الصابرين»، لذا فتلك الصفات هي الصفات المُعينة التي ترتقي بالإنسان إلى العيش في كنف معية الله.
الصبر يفتح للمؤمن الأجور بدون حساب
في البداية، أكَّد فضيلة الشيخ د. فضل مراد، أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بكلية الشريعة في جامعة قطر، وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أنَّ السير إلى الله سبحانه وتعالى مراتب، وهي مراتب المؤمنين ومراتب الصديقين ومراتب الأنبياء والمرسلين، لافتًا إلى أنه كلما ترقى الإنسان في مرتبة من المراتب عظمت معرفته بربه عز وجل، وإذا عظمت المعرفة بالله عز وجل ازداد اليقين بالله والثقة بوعده سبحانه وتعالى.
وأضافَ: سمي الصديق صديقًا، لأنه ما تردد في قضية الإيمان ولا فيما أخبر به النبي- صلى الله عليه وسلم- طَرفة عين ولا شك في وعد الله عز وجل، مشيرًا إلى أن مرتبة الأنبياء أعلى من ذلك.
وأوضحَ أن الله، عز وجل، بيَّن في كتابه العزيز المعيَّة مع من تكون، حيث قال سبحانه وتعالى: «إنَّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون»، كما قال عز من قائل أيضًا: «إن الله مع الصابرين»، لافتًا إلى أن الباب الخاص بالمعية فُتح للمتقين والمُحسنين والصابرين.
وقالَ: التقوى في ذاتها العمل، تعني العمل بأوامر الله بحذافيرها واجتناب نواهيه بحذافيرها والورع عن الشبهات، مبينًا أننا إذا جمعنا تلك المظاهر الثلاثة تكونت التقوى وفاز العبد بمعيَّة الله تعالى.
وأضافَ: في سورة واحدة في صفحة ذكرت التقوى ثلاث مرات وذكرت ثمارها في قوله عز وجل: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا».
ولفتَ إلى أن المؤمن التَّقي عندما تنغلق أمامه الأبواب وعندما يواجه الصعوبات يجعل الله له مخرجًا منها، فما يغلق في وجهه باب إلا وفتح اللهُ له أبوابًا.
ونوهَ بأنَّ أعظم إحسان هو إحسان الأنبياء، ويليه إحسان الصديقين، ثم إحسان أهل الإيمان، مُشيرًا إلى أنَّ سبب تمكين الله ليوسف عليه السلام علله بإحسانه، حيث قال عز وجل: «وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ».
وقالَ: معية الله عز وجل مسلك مهم ومنفذ إلى تمكين المؤمن وجعله رحمة للأمة ورحمة لنفسه.
ولفتَ إلى أن المعية من جراء الإحسان هي ما ظفر به موسى عليه السلام من حكمة وعلم بدون تعليم سابق، حيث قال تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰٓ ءَاتَيْنَٰهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ).
وعن معية الله للصابرين بيَّنَ فضيلة الشيخ د. فضل مراد أن أعظم الدرجات التي ينال بها الإمامة في الدين، الصبر، لأن الصبر يفتح للمؤمن الأجور بدون حساب (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
وأبان أن معية الله التي تجلّت في هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم- هي صورة من صور معية الله عز وجل، لافتًا إلى أن هذا الموقف حمَل درسًا لكافة أجيال الأمة مفاده أنه لا تقلق ما دام أن الله معك، لكن يجب عليك قبل ذلك أن تحققَ أسباب المعية.
الله مع الإنسان إذا حسن ظنه به
بدوره، اعتبر فضيلة الشيخ أحمد البوعينين الداعية الإسلامي أنَّ الله مع الإنسان المسلم المؤمن إذا حسن ظنه بالله وصلحت سريرته.
ولفتَ إلى احتماء موسى عليه السلام بمعية الله عندما كان البحر أمامه وجنود فرعون خلفه وقد دبَّ الفزع في أصحابه وخاطبوه بأنهم مُدركون من قِبل جنود فرعون لا محالة ولكنه عليه السلام رد عليهم ردًا يمثل درسًا عظيمًا في التوكل واستشعار معية الله حين قال: «كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ».
ونوَّهَ بأن هاجر عليها السلام استشعرت معية الله عز وجل حين تركها خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام في أحد أودية مكة في قلب الصحراء آنذاك فقالت له عندما هم بالانصراف: (آللَّهُ أَمركَ بِهذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَت: إِذًا لاَ يُضَيِّعُنا).
وأكَّدَ أن هذا الإدراك العجيب من قِبل الأنبياء لمعية الله سبحانه وتعالى منحهم ثباتًا عظيمًا وثقة عجيبة في المواقف الصعبة.
ولفتَ إلى يقين أم موسى، عليه السلام، وثقتها في الله وأن ابنها إذا ألقته في اليم كان في معية الله، ومن ثم استجابت لأمر الله وسلمت به فجعله الله نبيًا رسولًا من الرسل الخمسة أولي العزم، حيث قال تعالى: «وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ). (7)
ونوَّهَ بأن معية الله كانت ملتجأ الأنبياء والصالحين في المواقف الصعبة وهم كلهم يقين بأن الله لا يضيع من التجأ إليه واحتمى به وتوكل عليه، وذلك تصديقًا لقول الله عز وجل: «إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله قوي عزيز».
تحصيل المعية بالتقوى والإحسان
من جانبه، أكدَ الشيخ ثابت القحطاني، الداعية الإسلامي والإمام والخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن المعية على ضربَين، معية عامة شاملة لجميع الخلق، المؤمن والكافر، وهذه المعية تعني الإحاطة، أي أنَّ الله مع خلقه بعلمه وبإحاطته ومشيئته وبنفوذ أمره في خلقه وبقهره وبقدرته سبحانه فلا يغيب عنه شيء: (عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلْأَرْضِ وَلَآ أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٍ مُّبِين).
وقالَ: أمَّا المعية الأخرى فهي المعية الخاصة، وهي معية الله لرسله وأوليائه وأحبابه المؤمنين بالنصر والتأييد والمحبة والتوفيق والإلهام، كقول النبي- صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر الصديق- رضي الله عنه- في الغار عندما خشي من قدوم الكفار: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما»، وبالتالي: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا».
وأضافَ: من أراد تحصيل المعية فعليه بالتقوى والإحسان والصبر؛ لأن الله نصَّ على تلك الأسباب نصًا في كتابه العزيز فقال: «إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون»، وقال سبحانه أيضًا: «إن الله مع الصابرين»، لذا فتلك الصفات هي الصفات المعينة التي ترتقي بالإنسان إلى العيش في كنف معية الله.
وأبان أنَّ بعض الناس يعتمد في المعية على الناس، حيث نجد بعض الناس يفتخر بمعية العظماء والمشاهير ممن غرَّهم سلطان البشر على خلاف أهل الإيمان الذين يتعلقون بمعية ربهم ومولاهم فهو عزهم، وجاء في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني».
المصدر: الراية