دعاة البلاط وصناعة الطاغية
بقلم وليد حاجي
تعد موالاة الحاكم تيارا سياسيا معروفا منذ القدم، لكن عندما يستخدم الدين لتبرير مشروعية الخضوع والخنوع للحاكم، فأنت في رحاب الجامية أو المدخلية، مولاة في قالب ديني، شيوخ وعلماء دين يحرمون الخروج على الحاكم، ويرفضون ممارسة السياسة والديمقراطية حتى بأشكالها المشوهة عند العرب، ورغم أن هذا الفكر كان موجودا قبل التسعينيات، إلا أن شيوخا مثل محمد أمان الجامي وربيع المدخلي أسسا لتيار شيوخ المولاة علنيا بختم ملكي سعودي.
الجامية أو المدخلية تتعدد المسميات والهدف واحد، مولاة تامة، تقديس للحاكم، وتحريم للخروج عنه، فتاوى تضع في أيادي الملوك والرؤساء صكا على بياض للتحكم في رقاب الرعية وأرزاقهم، وقد أعادت ثورات الربيع العربي الجدل حول أفكار الجامية والمدخلية إلى الوجود، لأن المداخلة وشيوخ الجامية يحرمون المظاهرات والإضرابات وأي شكل من أشكال معارضة ورفض سياسة الحاكم، وبعيدا عن مغريات البلاط طالما برزت ردود لشيوخ وعلماء لتحطيم أفكار الجامية والمداخلة ولتبديد الغشاوة عن حقيقة الخروج عن الحاكم، فالحاكم بشر ولابد أن يخضع للتقويم والتقييم، ولعل ما جاء في خطبة أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما تولى الخلافة “فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني” دليل قاطع أن الحاكم يخضع للتقويم والنقد.
الجامية والمدخلية، وجهان لعملة واحدة، تطابق في الأفكار والرؤى، تياران اجتمعا في صورة واحدة لخدمة النظام السعودي ومعه جميع الأنظمة الاستبدادية العربية، شيوخ الدولارات كرسوا علمهم الشرعي زورا وبهتانا لتبرير قرارات الحاكم، وما يحدث في السعودية حاليا في زمن قرارات ولي العهد محمد بن سلمان صورة ثلاثية الأبعاد لخضوع علماء البلاط لقرارات الحاكم حتى ولو كانت خاطئة وتتنافى مع مبادئ الإسلام، علماء نزعوا عباءة التشدد من أجل عيون ولي عهد يعيش مراهقة متأخرة، وحجتهم في ذلك الطاعة التامة لولاة الأمر.
يعتبر شيوخ البلاط خطرا فكريا وعقائديا لأنهم يستخدمون الدين لخدمة أغراض سياسية، يستهدفون عامة الناس من المسلمين، يصدرون فتاوى على المقاس لترهيب الملسم من الخوض في أخطاء من يحكمونه، ويرى الكثير من الباحثين أن الجامية أنشأت في دهاليز المخابرات السعودية، وأن تبني هذا التيار هو خطوة أولى لصناعة الطاغية، وما تشهده السعودية وغيرها من الدول العربية من سجن للسياسيين والمعارضين هو تكريس لضلالات شيوخ الجامية والمدخلية، فالحكم المطلق والتفرد بالسلطة الذي دعت له الجامية منذ ثلاث عقود لم يصنع حاكما عادلا يرضى عنه شعبه، بل ساهم في رفع درجة الاحتقان والغضب وتنامي الفكر الثوري لدى الشعوب.
في جوهر الإسلام لا توجد طاعة مطلقة إلا لله سبحانه وتعالى، وما دون ذلك طاعة مقيدة، فطاعة ولي الأمر المسلم مقيدة، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم ينظمها شرع الله وسنة رسوله، أما القوانين والسياسيات والقرارات الوضعية أفكار تستدعي المناقشة والنقد ومعارضتها حق طبيعي، فتقديس الجامية والمداخلة للحاكم ليس له مرجع ديني واضح ومطلق، بل قناعات هذه الفرق قناعات شخصية لأصحابها، وليدة مصالحهم ولها أهداف ونيات لضمان تبعية غير مشروطة للحكام، وأفكار هؤلاء لم ولن تخدم الدين الإسلامي سواء علميا أو عمليا أو منطقيا، بل هي مجرد ورقة يشهرها الحكام في وجه الشعوب الثائرة الرافضة للظلم لإخماد نار غضبها باسم الدين، نظرا لمكانه الإسلام في نفوس المسلمين.
فالجامية ومن سار على نهجها لا تمثل الإسلام، وزعمهم أنهم امتداد للسلف الصالح زعم باطل، لأن هذه الفرق تخصصت في دعم الطغيان والظلم، وهي منهج ضال قوامه، صناعة مخابراتية هدفها تزوير للدين الإسلامي دعمتها الأنظمة الاستبدادية الفاقدة للشرعية ماليا وإعلاميا.
(المصدر: مدونات الجزيرة)