عنوان الكتاب: فِقه النَّوازل للأقليَّات المسلِمة – تأصيلًا وتطبيقًا
النـاشـر: وزارة الأوقاف والشُّؤون الإسلاميَّة – قطر
الطبعة: الأولى
سـنة الطبـع: 1434هـ
عدد الأجزاء: 2
نــــوع الكتـــاب: أصل هذا الكتاب – رِسالة علميَّة، تَقدَّم بها المؤلِّف لنيل درجة الدكتوراه، في الفقه الإسلامي مِن كلية الشَّريعة والقانون – بجامعة الأزهر.
التعريف بموضوع الكتاب:
تَتفرَّق الأقليَّاتُ المسلِمة في شتَّى أنحاء العالم, وتعيش في مختلف أقطاره, وتُواجهها في أماكنِ تواجُدها الكثيرُ من الصُّعوبات والتحديات, والعديد من المشاكل والنَّكبات, بل إنَّ المتأمِّل في تاريخ هذه الأقليَّات عَبرَ العصور يجِد أنَّها قد مُورِس ضدَّها شتى صنوف العذاب, وتعرَّضت لأقسى أنواع الاضطهاد، من تمييز وسوء معاملة, وقتْل وتشريد, وغيرها, وما الحاصل اليوم للأقليَّات المسلِمة في ميانمار، والصين، وإفريقيا الوُسطى ببعيدٍ عنَّا.
ولكي تؤدِّي الأقليات المسلمة واجبَها نحو نفسها, ودِينها, وأمَّتها, وتقِف صامدةً في وجه التحديات التي تواجهها, لا بدَّ لها من فِقه يُبصِّرها في دِينها, ويُرشدها إلى طريق ربِّها, وتستطيع مِن خلاله أن توحِّد صفَّها, وتَجمع كلمتَها, وهذا ما قام به مؤلِّف الكتاب الذي سنستعرضه هذا الأسبوع؛ حيث قام الكتاب بجمْع ما تفرَّق من القواعد الأصوليَّة والمقاصديَّة والفقهيَّة، بما يُقيم منظومةً فِقهيَّةً أصوليَّة، تُبنى عليها مسائلُ هذه الفئة المغترِبة عن ديار الإسلام, واستفادة أحكام بعض نوازل الأقليَّات من خلال تطبيق هذه القواعِد والأصول الضابِطة عليها, والخروج بأحكام لهذه النَّوازل، سواء كانت في فِقه العبادات، أو المعاملات، أو الأحوال الشخصيَّة، أو السِّياسة الشرعيَّة.
وقد تألَّف الكتاب من مقدِّمة، وثلاثة أبواب، وخاتمة.
تَطرَّق المؤلف في مقدِّمة الكتاب إلى الحديث عن أهميَّة موضوع البحث، وأسباب اختياره، إضافةً إلى منهج البحث وخُطته, ليَشرعَ بعدها في أبواب الكتاب الثلاثة:
ففي الباب الأوَّل: تناول مفهومَ نوازل الأقليَّات المسلِمة، وجاء ذلك في فصلين:
الفصل الأوَّل: تحدَّث فيه عن أهميَّة فِقه النوازل للأقليَّات المسلمة، مبتدئًا بتعريف فِقه النوازل، وعرفه بأنَّه: العلم الذي يَبحث في الأحكام الشرعيَّة للوقائِع المستجَدَّة, والمسائل الحادِثة, ممَّا لم يرِدْ بخصوصها نصٌّ، ولم يسبقْ فيها اجتهاد.
كما أنَّه ذكَر الألفاظ ذات الصِّلة بهذا المصطلح, وتحدَّث عن نشأته، والدِّراسات السابقة فيه.
ثم تَحدَّث عن ثمرة دِراسة فقه النوازل وأهميَّته, وأنَّها ترجع إلى جوانبَ ثلاثة، هي: ثمرته بالنِّسبة للشَّريعة والفقه الإسلامي, وثمرته بالنِّسبة للمُجتمع الإسلامي, وثمرته بالنِّسبة للفقيه والمجتهِد، مفصِّلًا الكلام عن هذه الجِهات الثلاث.
تحدَّث المؤلِّف بعد ذلك عن مفهوم نوازل الأقليَّات؛ فبعد أن عرَّف الأقليات, وبيَّن الخلفية التاريخيَّة لهذا المصطلح, بيَّن أنَّ مفهوم نوازل الأقليَّات المسلِمة هو فرعٌ عِلمي يبحث في المسائل المستجَدَّة للأقليَّات المسلِمة خارجَ ديار الإسلام.
وفي الفصل الثاني مِن هذا الباب: يتحدَّث المؤلِّف عن واقع الأقليَّات المسلِمة، من حيثُ نشأتها وتاريخها, والواقِع الإحصائي لها, وخصائصها, ومشكلاتها.
وأمَّا في الباب الثاني: فكان الحديث فيه عن التأصيل لفِقه النوازل للأقليَّات المسلِمة، واشتَمَل على أربعة فصول:
تحدَّث في الفصل الأول: عن الثَّبات والتغير في الأحكام الشرعيَّة, متناولًا خصائص الشريعة الإسلاميَّة, والثبات والتغيُّر في أحكامها الشرعيَّة.
كما تحدَّث عن أسباب تغيُّر الفُتيا والأحكام الفقهيَّة الاجتهاديَّة, وذكَر أنَّ لها أسبابًا ذاتيَّة – كخصائص الشريعة الإسلاميَّة، وقواعدها, ومقاصدها – وأسبابًا خارجيَّة – وهي ما لا تعلُّق له بنصوص الشريعة وقواعدها ومقاصدها, كفساد الزَّمان وتغيُّره, واختلاف المكان, واختلاف أحوال المكلَّفين ومقاصدهم, وغيرها.
ثم انتقَل المؤلِّف للفصل الثاني: والذي تحدَّث فيه عن أهميَّة التأصيل لفقه النوازل للأقليَّات, والمتمثِّلة في عِدَّة نقاط؛ منها: حِفظ كِيان الأقليَّات المسلِمة, وإقامة الدِّين بينها, ولوقوع الاضطراب في كثيرٍ من المواقف والأحكام المتعلِّقة بالأقليَّات, وتجديد الدِّين بعامَّة.
ثم تحدَّث المؤلِّف عن الحُكم الشرعيِّ للاشتغال بفِقه الأقليَّات المسلِمة، ذاكرًا أنَّه يُعدُّ من فروض الكفاية, وأنَّه قد يتعيَّن على المجتهدين المقيمين في تِلك البلاد البَعيدين عنها.
كما تناول كذلك أسبابَ نوازل الأقليات المسلِمة وخصائصها, وذَكَر منها: الإقامة في غير دِيار الإسلام, والتقدُّم العِلمي والتقني, والحروب الفِكريَّة والثقافيَّة والعسكريَّة, وغيرها, واستعرَض أيضًا المقاصد الشرعيَّة لفقه نوازل الأقليات المسلِمة.
وفي الفصل الثالث: كان الحديث فيه عن الأصول والقواعد الحاكِمة لفقه نوازل الأقليَّات؛ إذ تحدَّث عن القواعِد الأصوليَّة والمقاصديَّة والفقهيَّة، معرِّفًا إيَّاها، وذاكرًا الفرق بينها، مبتدئًا بدراسة مجموعات القواعد الأصوليَّة والفقهيَّة المتعلِّقة بتأصيل فِقه نوازل الأقليَّات المسلِمة, وذكر منها القواعد المتعلِّقة بالاجتهاد, والمتعلِّقة بالرُّخَص والمشقَّات, والمتعلِّقة بالضرورات والحاجات, والقواعد المتعلِّقة بالمقاصد, والمتعلِّقة بالتعارُض والترجيح بين المصالح والمفاسد, والمتعلِّقة بالمآلات, والمتعلِّقة بالعُرْف, والمتعلِّقة بالولاية والسِّياسة الشرعيَّة, وتحت كلِّ عنوان من هذه العناوين يَذكُر مجموعةً من القواعد، ويُفصِّل القولَ في شرحها وبيان معناها, والأدلَّةَ عليها وتطبيقاتها في تأصيل فِقه الأقليَّات.
ثم عقَد المؤلِّف فصلًا رابعًا تحدَّث فيه عن مناهج استنباط الأحكام الفِقهيَّة للنوازل وطرقها وضوابطها، فأمَّا عن مناهج الحُكم على النوازل, فقد تحدَّث عن مناهج الأئمَّة الأربعة وأتْباع مذاهبهم في الحُكم عليها, وذكَر ضوابط الإفادة من المذاهب الفقهيَّة في الحُكم على النوازل، ومِن هذه الضوابط: التزام المذهب الواحِد غير لازم, واستخراج الأصول والقواعد والضوابط النافعة في الحُكم على النوازل, وتطبيق بعض الفتاوى القديمة جُزئيًّا أو كليًّا في المسائل المعاصِرة, والاعتماد على النُّصوص في ضوء المقاصد.
كما تحدَّث المؤلِّف عن المناهِج المعاصِرة في التعامُل مع نوازل الأقليَّات, مبيِّنًا أنَّ هذه المناهج طرَفان ووسَط؛ فمنها المتَّبع لمنهج التضييق والإفراط, ومنها المتَّبع لمنهج التساهُل والتفريط, ومنها المنهج الوَسَطي المعتدل.
ثم ذكَر طرقًا وضوابطَ لاستنباط أحكام النوازل، وأطال النَّفَس في تفصيل ذلك.
أمَّا الباب الثالث والأخير: والذي يُعدُّ البابَ التطبيقيَّ العملي للكتاب، ففيه يتناول المؤلِّف عددًا من أحكام نوازل الأقليَّات، وقد جاء هذا الباب في خمسة فصول:
الفصل الأوَّل: يذكر فيه المؤلِّف مسائلَ من نوازل العبادات؛ فمِن نوازل الطَّهارة: تحدَّث عن أثر الاستحالة في التطهير, وبيَّن أنَّ للعلماء فيها قولين, رجَّح هو القول الأوَّل القائل: إنَّ نجِس العين يطهُر بالاستحالة, كما طبَّق المسألة على مياه الصَّرف الصحي إذا زال تغيُّرها, مرجِّحًا أنَّه لا يبلغ بهذا الماء أن يمنع التطهُّر به إذا لم يوجدْ غيره, ولا يُعدُّ الواجدُ له كالفاقد للماء الطهور، بحيث يعدل عنه إلى التيمم, فهو طاهرٌ مطهِّر، ويُكره التطهر به، ولا يحرُم.
ومن النوازل التي تناولها المؤلِّف في العبادات، وهي من نوازل الصَّلاة: أوقات الصَّلوات لأهل القُطبين والمناطق الشماليَّة. كما تحدَّث عن نازلة من نوازل الزكاة، وهي حُكم دفْع الزكاة لغير المسلمين ببلاد الأقليَّات…إلخ.
أمَّا الفصل الثاني: فعقَده المؤلِّف لبيان حُكم بعض النوازل في المعاملات، متحدِّثًا عن حُكم التمويل البَنكي لشراء المساكن في المجتمعات الغربيَّة, وبيَّن أنَّ المسألة فيها قولان, واستعرضهما مع أدلَّتهما والمناقشات التي جرَت بين الفريقين، ليرجِّح قول الجمهور سلفًا وخلفًا بحُرْمة التعامل بالرِّبَا مطلقًا في دار الإسلام وغيرها, وبيْن المسلم وبيْن غير المسلِم مطلقًا، وأنَّه لا يجوز شراءُ المساكن في الغرب بالقروض الربويَّة إلَّا لِمَن بلغ مبلغَ الضرورة التي تُبيح المحرَّمات القطعيَّة, وذكر الأسباب التي دعتْه إلى ترجيح هذا القول.
وممَّا تناول من المسائل في هذا الجانب كذلك: أحكام عقود التأمين خارجَ ديار الإسلام.
وفي الفصل الثالث: تحدَّث المؤلِّف عن نوازل النِّكاح؛ فذكَر حُكم الزواج من غير المسلِمات في غير دار الإسلام, مرجِّحًا عدمَ جواز نِكاح المسلِم للوثنيَّة, كما ذكر الخِلاف في الكتابيَّة, وبيَّن أنَّ قول القائلين بالكراهة قويُّ الأدلَّة, إلَّا أنَّ المستجَدَّات والمتغيِّرات تَشهَد بمفاسدَ عظيمةٍ لا يمكن أن تكون الشريعةُ ناظرةً لهذا الحُكم بمنظار الكراهة فقط.
وممَّا تناوله المؤلِّف في هذا الجانب: حُكم الزَّواج الصُّوري بقصْد الحصول على الإقامة، أو الجنسيَّة، في غير دار الإسلام, ورجَّح المؤلِّف أنَّ هذا الزواج قد يصحُّ، وذلك بقَيد الاستكمال لشروطه, والتحقُّق لأركانه, والتنبُّه لمحاذيره، وضوابطه.
وتحدَّث المؤلف في الفصل الرابع: عن مسائل من نوازل الطلاق, ومِن المسائل التي ذَكرها: حُكم الطَّلاق الذي يوقعه القاضي غيرُ المسلِم في بلاد الأقليَّات, ورجَّح أنَّ طلاقه لا يقع، ولا يُعتدُّ به شرعًا, وللمرأة أن تَرفَع أمرها إلى مَن يقوم مقامَه في بلاد الأقليَّات, وحينها يقَعُ الطلاق عند امتناع الزَّوج.
وأمَّا الفصل الخامس: فعَقَده للحديث عن بعض نوازل السِّياسة الشرعيَّة، وتناول فيه مسألتين: المسألة الأولى: حُكم التجنُّس بجِنسية دولة غير مسلِمة, وهنا رجَّح المؤلف أنَّه لا يُباح التجنُّس بجنسية دولة غير مسلِمة، إلَّا لسكَّان البلاد الأصليِّين من المسلمين, أو مَن كان مضطرًّا ممَّن وفَد إليها, ومَن كانت حاجتُه بمنزلة المضطرِّين.
أمَّا المسألة الثانية: فكانت للحديث عن المشاركة السِّياسيَّة في الدول غير المسلِمة, ورأى المؤلِّف أنَّ هذه المشاركة تجوزُ في حال تحقُّق المصالح الشرعيَّة المُعتبرَة, متى ما انضبطتْ هذه المشاركة بالضوابط الحاكِمة لها, ولم تتضمَّن مِن المفاسد ما يزيد ويرجح على تلك المصالِح.
ثم تأتي الخاتمة، ليجمع فيها باقةً مِن نتائج هذا البَحث، وقد بلغت ستًّا وثلاثين نتيجة؛ منها: أنَّ الشريعة الإسلامية الغراء هي وحْدها الصالحة والمصلِحة لأهل كلِّ زمان مضى أو سيأتي، ولكلِّ مكان؛ اقترَب أو نأى عن دِيار الإسلام. ومنها: أنَّه يَنبغي النظر إلى وجود الأقليَّات المسلِمة اليوم على أنَّها سِفارات إسلاميَّة، تُعرِّف بحقائق الإسلام، وليستْ مجرَّدَ مجموعة مشكلات معقَّدة التركيب… وغير ذلك ممَّا اشتمل عليه ذلك البحث الحافل.
والكتاب فريد في بابه.
(المصدر: الدرر السنية)