بقلم د. أكرم كساب
هنا هو مربط الفرس –كما يقولون-؛ فما يذكر الدين عند بعض الساسة إلا واشمئزت نفوسهم ضجرا، وضاقت قلوبهم حقد وكمدا، ولا تذكر السياسة عند بعض المتدينين إلا واستنكروا حديثا خوفا وطمعا، أو أداروا ظهورهم ترفعا مصطنعا، وبين هؤلاء وهؤلاء يقع الحق شرعا سائغا للمهتدين.
ولأن هذا الموضوع مهم، وقد ولغ فيه بعض المتطفلين وقاءوا فضلات الغرب التي تجرعوها بقصد وبغير قصد، فجردوا الإسلام من خصيصة من أخص خصائصه وهي الشمول، لهذا أفردت هذه العلاقة بمبحث مستقل، وسيكون الحديث فيه من خلال هذه النقاط:
1- لا مشكلة بين السياسة الشرعية والدين:
أمر مهم ينبغي التنبيه إليه وهو: أنه لا مشكلة بين السياسة الشرعية مطلقا، لأن السياسة الشرعية جزء من الدين، والدين متضمن للسياسة الشرعية، فلا تكون السياسة شرعية إلا إذا كانت نابعة من الدين، ورضعت من أثداء شريعته الغراء، واعترفت من بحورها الفياضة، وترعرت تحت ظلالها الوارفة، ولا يكون الدين كاملا إلا إذا ضم السياة تحت جناحيه، ورعاها بتعاليمه الشاملة وتوجيهاته الكاملة.
2- لا بد للرسالات الكبرى من دولة ترفع رايتها:
هناك علاقة بين الدعوة (الرسالة) والدولة (القوة)، هذه العلاقة تتقارب وتتباعد، وتتجاذب وتتنافر حسب ما يقر في قلب الدولة (القوة) مما جاءت به الدعوة (الرسالة)، ومن ثم فإن الدعوة (الرسالة) تمثل روح الدولة (القوة) حين تؤمن الثانية بما جاءت به الأولى، وفي نفس الوقت فإن الدولة (القوة) تمثل السلطان الذي يقهر الناس إلى تنفيذ ما جاءت به الدعوة (الرسالة) حين يتمرد الناس على الأوامر، وهذا معنى كلام عثمان رضي الله عنه: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .
وكما أن الدعوات لا بد لها من قوة تحميها وتدافع عنها، فإن كل رسالة ودعوة بحاجة إلى دولة ترفع رايتها، وتدافع عنها، ترفع رايتها حتى تصل للناس، وتدافع عنها إذا اعترض طريقها أحد مناوئيها.
وقد يقول البعض ألم يقتل نبي الله يحيى وأبوه زكريا؟
والجواب كما يقول عبد الغفار عزيز: هذا لم يحدث لأصحاب الرسالات الكبرى لأن الله كان لا بد أن يتعهد هذه الرسالات ويمنع عن أصحابها الأذى وليس في تاريخ الأديان ما يثبت أن صاحب رسالة قد قتل… وقد تكفل الله لأصحاب الرسالات الكبرى بتمكينهم من تبليغ هذه الرسالات وحفظهم ونصرهم، ولذلك كانت النهاية الإلهية لكثير من أقوام هؤلاء الرسل:
– إعلان الحرب ضد هذه الأقوام إما بعذاب دنيوي مؤقت كما حدث مع قوم فرعون قبل إغراقهم.
– إبادة كاملة كما حدث لقوم نوح ولوط عليهما السلام.
– أو بانتصار الرسول بعد حرب كما حدث لموسى وداود وسليمان ومحمد عليهم السلام .
3- لا دولة إلا بدين؛ بحق كان أو باطل:
دعونا نقرر في البداية، أنه لا يمكن أن تقوم دولة بغير دين كما أنه لا يحفظ دين ويترعرع بغير دولة، مهما كانت هذه الدولة ومهما كان هذا الدين، والمؤرخون يؤكدون هذا فيقول أحدهم: لقد وجدت في التاريخ مدن بلا قصور ولا مصانع ولا حصون، ولكن لم توجد أبداً مدن بلا معابد. هذه المعابد قد يتعبد الناس فيها للإله الحق، وقد يتعبد آخرون لآلهة مزيفة باطلة. والسر في ذلك هو حاجة الإنسان إلى الدين، وحاجة الدولة كذلك للدين (حقا كان أم باطلا).
والمقرر في عالم في الفرد مقرر في عالم الدول، (ولقد عملت الحكومات القديمة في دول العالم القديم على أن يكون الدين مصدر وجودهم، فلا يقوم لهم بنيان إلا به، فتزلقت إلى الدين ليثبت بناؤها، وتعتز مكانتها، بل قاد هذا التزلف إلى ادعاء بعض الملوك أن لهم صلة بالألوهية، فنظر بعض الشعوب إلى ملكوكهم نظرتهم إلى الآلهة ).
وسأذكر هنا بعض النماذج للتدليل على تدين الدول مهما كان جبروتها ومهما كان تسلط الحاكم وديكتاتوريته:
النموذج الأول: دولة فرعون دولة لها دين:
يخطىء من يتصور أن فرعون الذي أقام دولة كانت دولته بعيدة عن الدين؛ قد يصدق هذا إن كان المقصود هو الدين الحق، لكن فرعون لم يكن في لحظة من اللحظات مبتعدا عن الدين، نعم؛ لكنه الدين الذي صنعه لنفسه وقومه، فوعدهم ومناهم، ووخوفهم ورهبهم، لذا لم تخلو بطانته من رجل دين يهيء الناس لعبادة فرعون الذي الذي قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}(غافر: 38)، وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}(النازعات: 24)، ولقد امتلأت قصة موسى مع فرعون بالحديث عن الملأ من قومه، كما في قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}(الأعراف: 127)، يشير ابن عاشور إلى وجود كهنة الدين ضمن هذا الملأ فيقول: أهل مجلسه وعلماء دينه وهم السحرة ، ويذكر سيد قطب أن: أرض مصر تموج بالكهنة في شتى المعابد. وكان الكهنة هم الذين يزاولون أعمال السحر… !
النموذج الثاني: الشيوعية دولة ودين:
وقد يبدو هذا غريبا، لأن المعروف أن الشيوعية: مذهب فكري يقوم على الإلحاد وأن المادة هي أساس كل شيء ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي. ظهرت في ألمانيا على يد ماركس وإنجلز، وتجسدت في الثورة البلشفية التي ظهرت في روسيا سنة 1917م بتخطيط من اليهود .
لكن الحق أن الشيوعية وإن كفرت بالدين، فإنها كفرت بالدين الحق وصنعت لنفسها دينا، وإن أنكرت الإله فقد أنكرت الإله الحق وخلقت لأتباعها إلها، وإن عادت الرسل فقد صنعت رسولا من بني جلدتها، و لئن شاع عنها: أن الدين أفيون الشعوب، وكفرت بالدين، والله، والملكية الخاصة، فلا شك أنها آمنت بثلاثة: ماركس، ولينين، واستالين، وجعلت تعاليم هؤلاء نصوصا مقدسة لا يمكن الخروج عليها، وقد شاء الله أن تبيد هذه الفكرة في أقل من قرن.
4- الدولة في اليهودية:
وهذه حقيقة أخرى ربما تغيب عن البعض –وربما الكثير-، وهي شمولية الديانة اليهودية، فهي لم تكن رسالة روحية، تعنى بالدين وتنعزل عن الدنيا بل جاءت نظاما شاملا للحياة، قال عنه الله تعالى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ}(الأنعام: 154)، وقال سبحانه: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ}(الأعراف: 145)، قال القرطبي: أي لكل شي أمروا به من الأحكام ، ويقول سيد قطب: إن فيها من كل شيء يختص بموضوع الرسالة وغايتها من بيان الله وشريعته والتوجيهات المطلوبة لإصلاح حال هذه الأمة وطبيعتها التي أفسدها الذل وطول الأمد سواء !
ويتحدث عبد الغفار عزيز عن موسى عليه السلام فيصفه بالقائد الديني والسياسي –وهو محق في ذلك- فيقول: فكان موسى عليه السلام قائدا سياسيا ودينيا، ومشرعا يحكم بين أتباعه ورعايا دولته بما أنزل الله عليه، يعيش بين أتباعه متعاونين متكاتفين بالتشريعات السماوية التي عرفهم إياها موسى عليه السلام وتعلموها من التوراة التي كانت تشتمل على كل ما يحتاجون إليه في حياتهم سياسيا ودينيا .
الأدلة على أن اليهودية دين ودولة:
وسأشير هنا إلى أهم الأدلة التي تؤكد أن اليهودية دين ودولة، ومن ذلك:
أ- قوله جلّ شانه: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ…} إلى قوله سبحانه: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}(المائدة:21- 26). إن هذه الآيات صريحة الدلالة على أن اليهودية دين ودولة، فهذه الأوامر التي جاءت بها الآيات تتضمن، جهادا وقتالا، وصبرا وتضحية، ووعد بأرض قدرها الله لهم ما تمسكوا بعهده، ولم يكونوا من الفاسقين.
ب- قوله جل في علاه: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}(المائدة: 43). وهنا أيضا تظهر دلالة الآيات على أن اليهودية دين ودولة؛ إذ القرآن يشير إلى أن التوراة فيها حكم الله، ويتعجب القرآن من صنيع هؤلاء إذ (الاستفهام للتعجيب… أي من العجيب أنهم يتركون كتابهم ويحكمونك وهم غير مؤمنين بك، ثم يتولون بعد حكمك إذا لم يرضهم )، إن هذا الصنيع كما يقول سيد قطب: كبيرة مستنكرة أن يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحكم بشريعة الله وحكم الله، وعندهم- إلى جانب هذا- التوراة فيها شريعة الله وحكمه فيتطابق حكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-وما عندهم في التوراة مما جاء القرآن مصدقاً له ومهيمناً عليه.. ثم من بعد ذلك يتولون ويعرضون. سواء كان التولي بعدم التزام الحكم أو بعدم الرضى به… .
ت- قوله تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ}(المائدة: 44). وتتكرر الإشارة إلى الحكم بالتوارة وما جاء فيها من عند الله تعالى، وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ: «كَيْفَ تَفْعَلُونَ بِمَنْ زَنَى مِنْكُمْ؟» قَالُوا: نُحَمِّمُهُمَا وَنَضْرِبُهُمَا، فَقَالَ: «لاَ تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ؟» فَقَالُوا: لاَ نَجِدُ فِيهَا شَيْئًا، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَوَضَعَ مِدْرَاسُهَا الَّذِي يُدَرِّسُهَا مِنْهُمْ كَفَّهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَطَفِقَ يَقْرَأُ مَا دُونَ يَدِهِ، وَمَا وَرَاءَهَا وَلاَ يَقْرَأُ آيَةَ الرَّجْمِ، فَنَزَعَ يَدَهُ عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: هِيَ آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ حَيْثُ مَوْضِعُ الجَنَائِزِ عِنْدَ المَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ صَاحِبَهَا يَحْنِي عَلَيْهَا يَقِيهَا الحِجَارَةَ .
ث- قوله سبحانه: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(المائدة: 45).
ج- {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}(المائدة: 48). والآية تؤكد أن لك ديانة شرعة ومنهاج، قال القرطبي: ومعنى الآية أنه جعل التوراة لأهلها، والإنجيل لأهله، والقرآن لأهله، وهذا في الشرائع والعبادات، والأصل التوحيد لا اختلاف فيه . ولا شك أن سياسة الأفراد في أمور دنياهم كانت حاضرة في هذه الشرائع.
ح- { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}(الأعراف: 137). وإرث اليهود للأرض لأنهم التزموا الدين والشرع، فجاءتهم الدولة، فجمع الله لهم بين الدين والدولة، وهذا الإرث ليس عاما ولا مطلقا، يقول القرطبي: والظاهر أنهم ورثوا أرض القبط. فهما نصب على المفعول الصريح، يقال: ورثت المال وأورثته المال، فلما تعدى الفعل بالهمزة نصب مفعولين. والأرض هي أرض الشأم ومصر. ومشارقها ومغاربها جهات الشرق والغرب بها، فالأرض مخصوصة .
5- الأدلة على أن النصرانية دين ودولة:
والنصرانية كذلك جاء القرآن على اشتمالها على أمور الدين والدولة، ومن ذلك:
أ- قوله تعالى:{وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}(المائدة: 46).
ب- قوله جلّ شانه:{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }(المائدة: 47).
ت- قوله سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}(المائدة: 48).
ث- ما جاء في الصحيحين: عن أبي هريرة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ ».
ألا يدل ذلك على أن ما يقوم به الخلفاء هو ما كنت تقوم به الأنبياء في بني إسرائيل، فأنبياء بني إسرائيل ساسة لأقوامهم، يسوسونهم بما أوحاه الله إليهم، والآيات السابقة تدل على وجوب الحكم بما أنزل الله، وهذا أمر يتساوى فيه أهل الأديان الثلاثة.
6- أعطوا ما لقيصر لقيصر لا تعني فصل الدين عن الدولة:
وقد يقول البعض: وماذا نصنع بقول إنجيلهم (أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله)؟
هذه الجملة في إنجيل النصارى الذي بين أيديهم الآن، ولا نعلم صحة هذه الجملة، لكن الانصاف والأمانة العلمية تجعلنا ننظر للظرف الذي قيلت فيه هذه الجملة، أو ما نسميه نحن المسلمين (أسباب النزول) أو (أسباب الورود) وفي إنجيل القوم: «ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْمًا مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْهِيرُودُسِيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلَا تُبَالِي بِأَحَدٍ، لِأَنَّكَ لَا تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ، بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللّهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لَا؟ نُعْطِي أَمْ لَا نُعْطِي؟» فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ اِيتُونِي بِدِينَارٍ لِأَنْظُرَهُ». فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» فَقَالُوا لَهُ: «لِقَيْصَرَ». فَأَجَابَ يَسُوعُ: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ». فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ»(إنجيل مرقس 12: 12-17). ويبدو أن مؤامرة كانت تصنع للمسيح عليه السلام، ويعلق على ذلك محمد عبده في كتابه (الإسلام والنصرانية) فيقول: إن صاحب العملة الذي تتعاملون بها إذا ضرب عليكم أن تدفعوا منها شيئا فادفعوا له، أما قلوبكم وعقولكم وجميع ما هو من الله وعليه طابع صنعه فلا تعطوا منه لقيصر شيئا…. .
وأخيرا: فالفارق الأكبر بين المسلمين واليهود: أن المسلمين مع حفظ دينهم عاجزون الآن عن قيام دولة حقيقية تحمل المشروع الإسلامي ليحقق للناس الشهود الحضاري، ويخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، بينما اليهود وقد تحرف دينهم وتغير، أقاموا لأنفسهم دولة تلعب بالعرب والمسلمين كما يلعب صبياننا الكرة وأكثر!!!.
المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسملين.