دخول الإسلام مصر وحصن “بابليون”
بقلم أبو بكر أبو المجد
حصن بابليون.. هو حصن تاريخي قديم يقع في مدينة القاهرة.. تحديدًا في منطقة القاهرة القديمة بجانب المتحف القِبطي، وبالقرب من أهرامات الجيزة.
ويُعدّ الحصن من أعظم الحصون الشاهدة على الحضارة الرومانية التي قامت في مصر، وهو من أعظم القلاع التي بَنَتْها الإمبراطورية، كما يُعدّ المركز الذي بُنِيَت عليه مدينة الفسطاط، ولاحقًا مدينة القاهرة.
وفي العهد المسيحي القبطي لمصر لعِبَ الحصن دورًا مركزيًا هامًا قبل قدوم الإسلام، كما كان الحصن ذو أهمّية بالغة في العهد الإسلامي أثناء فتح عمرو بن العاص لمصر، لتمتعه بموقع استراتيجي هامّ في قلب مصر.
ولنحو 7 عقود حتى الفتح الإسلامي، ظلت مصر مستعمرة رومانية، حتى قيل إنها كانت سلة غذاء روما.
وعانى أهلها اضطهادًا دينيًا، فاحتضنوا الفاتحين، وأيدوهم ودخل أغلبهم الإسلام، وفق روايات تاريخية متطابقة.
سبب بنائه
يعود تاريخ بناء حصن بابليون إلى النصف الثاني من القرن السادس قبل الميلاد، عندما احتلّ الملك البابلي نبوخذ نصّر مصر وحَكَمها.
وبعد احتلال الإمبراطورية الرومانيّة لمصر في القرن الأول قبل الميلاد خلال عهد القيصر أغسطس، استُخدِمَت بابل وحصنها لحماية الطُرُق الجنوبية لدلتا النيل ومدينة الإسكندرية الكبرى، وفي بداية القرن الثاني بعد الميلاد قرّر الإمبراطور الروماني تراجان بناء حصن جديد وضَخم في المنطقة تصل مساحته إلى 60 فداناً؛ مُستغلّاً بذلك الأهميّة الاستراتيجية والعسكرية للمنطقة، حيث استُخدِمَ الحصن في السنوات اللاحقة من الحُكم الروماني كقاعدة رئيسيّة لانتشار الإمبراطورية، ومدّ نفوذها في المنطقة التي تقع أسفل نهر النيل.
أمّآ الروايات الأُخرى حول سبب بناء حصن بابليون فتعود إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد؛ حيث قام الفرعون سنوسرت -وهو من سلالة ملوك الأسرة الفرعونية الاثنتي عشر- بهزيمة البابليين بعد معركة دامية جداً، وقام بعدها بأخذ السجناء إلى مصر بهدف استعبادِهم؛ لكنّ السجناء تمرّدوا وقاموا ببناء حصن منيع للدفاع عن أنفسهم في المنطقة التي كانوا يُقيمون بها، ومنذ ذلك الحين سُمّيت ببابل.
حصار “بابليون”
بعد أن فتح المسلمون الشام وفلسطين، عرض عمرو بن العاص فكرة فتح مصر، على الخليفة عمر بن الخطاب، لدواعي استقرار الدولة وتأمين الجيوش الفاتحة بخلاف نشر الإسلام.
ودقت ساعة الصفر، حين خرج ابن العاص من الشام على رأس جيشه عام 639 ميلادية، مخترقًا صحراء سيناء (شمال شرق)، فاتحًا كل ما يقابله دون مقاومة، ليصبح الطريق ممهدًا نحو “حصن بابليون”.
تلقى الروم ضربات عنيفة من المسلمين في مواقع عدة، تقهقهروا على إثرها خلف الحصن.
حاصر المسلمون، بابليون، لنحو سبعة أشهر، وبعد أقل من شهر على الحصار، طلب حاكم مصر “المقوقس” الصلح والتفاوض، وبعد مباحثات رفض إمبراطور الروم “هرقل” الأمر وطالب باستمرار القتال.
وإثر فشل الصلح، استأنف المسلمون قتالهم وشددوا من الحصار، لتأتي أخبار وفاة هرقل، لتزيدهم تثبيتًا، وتزيد الروم يأسًا.
وعشية سقوط “بابليون” ارتجف الجمع بتكبيرات القائد المسلم الزبير بن العوام، تهز سكون الليل، بعد أن تسلل إلى الحصن، ومن خلفه جموع المسلمين.
كانت التكبيرات أشد فتكًا من الرماح والسيوف في أفئدة الجنود الرومان؛ لتشرق شمس 16 أبريل 641 (18 ربيع أول 20 هجرية)، إيذانًا بـ”مصر الإسلامية”، حين عرض قائد الحصن الصلح والمغادرة.
تهاوت بعد بابليون باقي الحصون الرومانية في دلتا النيل وصعيد مصر، حتى أسقط المسلمون آخر معاقلهم بالإسكندرية.
الحصن
يعرف حصن بابليون بـ”قصر الشموع” أو “قلعة بابليون”، ومساحته نحو نصف كم مربع، كما استعملت في بنائه، أحجار أخذت من معابد فرعونية وأكمل بالطوب الأحمر.
وتعددت الروايات حول تاريخ بناء الحصن وسبب تسميته.غير أن النص التأسيسي بمدخل ما تبقى منه حاليا يشير إلى أنه بُني سنة 300 ميلادية لحماية ميناء القاهرة القديمة، الذي كان يربط نهر النيل بالبحر الأحمر عبر قناة مائية قديما.
واستخدم الرومان هذا الحصن ليكون خط الدفاع الأول لدولتهم لتوسطه بين الوجهين الشمالي والجنوبي لمصر.
ومن أهم الآثار الباقية بالحصن، بوابة ضخمة لا تزال على هيئتها كما كانت أيام الفتح الإسلامي، ويقال إنها هي البوابة نفسها التي اخترق من خلالها المسلمون الحصن.
وهي مقامة على الطراز الروماني بين برجين كبيرين من أبراج الحصن، يصعد إليها عبر درجات حجرية، غير أنها انخفضت بصورة ملحوظة حاليا؛ لأسباب تعود في الغالب لتراكم رصف الطرق.
الآثار المُحيطة به
يقع حصن بابليون في منطقة مصر القديمة، التي تُعدّ من أبرز المناطق التاريخية والحضارية في مصر، ولأهمّيتها أُدرِجَت في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1979م، ويُحيط به العديد من الآثار الهامّة، ومن أبرزها:
أطلال مدينة الفسطاط: بناها عمرو بن العاص عام 21هـ، وتُعدّ من أقدم المدن الإسلامية في مصر، وكانت عاصمة مصر الحضارية حتى عام 1169م، وتقع هذه الأطلال إلى الشمال من حصن بابليون، وخلف جامع عمرو بن العاص.
قباب السبع بنات: هي أقدم الأضرحة الفاطمية في مصر، وتقع في جنوب الفسطاط، وترجع لعام 1010م. سُميّت بقباب السبع بنات؛ لأنها تعود لبنات أبى سعيد المغربي أحد وزراء الخليفة الحاكم الذي انتقم منه من خلال قتله لعائلته في مذبحة حدثت في ذلك العام.
جامع عمرو بن العاص: هو أوّل جامع بُنِيَ في مصر وأفريقيا على يد عمرو بن العاص عام 21هـ، وتُحيط به خطط الفسطاط من ثلاثة جهات، ويُطلّ على نهر النيل، ويُشبِه في بنائه مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حيثُ يتكوّن من مستطيل مكشوف ويُحيط به أروقة من 4 جهات.
مسجد محمد الصغير: يرجِع هذا المسجد إلى محمد بن أبى بكر الصديق رضي الله عنهما، وهو من المساجد المُعلّقة التي يُصعَد إليها بِدَرَج، ويقع مدخله الرئيسي في الجهة الجنوبية الغربية.
كنائس دير مار جرجس: وتُسمّى بالكنيسة المُعلّقة، وهي أهمّ كنائس مصر، وترجِع إلى القرن التاسع الميلادي إلى ما بعد الفتح الإسلامي لمصر، وسُمّيت بهذا الاسم لبنائها على بُرجين من أبراج الحصن الروماني بابليون.
كنيسة دير أبى سيفين: تقع شمال حصن بابليون، وتمّ هدم الكنيسة في القرن الثامن الميلادي، وتبقّى كنيسة صغيرة باسم القديسين يوحنا المعمدان ويعقوب، وفي زمن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي تم تجديد الكنيسة، ثم أُحرِقَت في عام 1868م.
كنيسة الست بربارة: يرجِع تاريخ هذه الكنسية إلى القرنين الرابع والخامس الميلادي، وتقع داخل دير مار جرجس،، وتُنسَب هذه الكنيسة إلى القدّيسة بربارة التي قُتِلَت على يدّ ابنها بعد اعتناقها للدّين المسيحي.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)