(المصدر: وكالة أنباء أراكان ANA | القدس العربي)
في عدد تموز/يوليو 2013، تصدّرت غلاف مجلة «تايم» الأمريكية صورة لراهب بوذي بملامح مريعة، والجملة التالية: وجه الإرهاب البوذي: كيف يغذي رهبان مسلحون العنف ضدّ المسلمين في آسيا. اليوم، يُعرض في الصالات الفرنسية الوثائقي «دبليو المهيب» للمخرج السويسري باربيه شرويدر، الذي شارك في مهرجان كان الأخير في «عرض خاص»، ويتناول، عمليات التطهير العرقي التي قام بها وحرّض عليها رهبان بوذيون، في ميانمار (بورما)، غرب الصين وتايلاند، بحق المسلمين هناك، وتعبير «التطهير العرقي» استعرته هنا من الوثائقي ذاته. يتزامن عرض الفيلم مع انتهاء العروض الاستعادية التي نظّمها مركز «بومبيدو» في باريس، حيث تم عرض الأفلام الروائية والوثائقية لشرويدر، المعروف بوثائقياته التي تتناول مواضيع قد يتجنب الآخرون تناولها، نذكر هنا «محامي الإرهاب» و«الجنرال عيدي أمين دادا: بورتريه ذاتي»، ويأتي الوثائقي هذه الأيام بعدهما كآخر «ثلاثية الشر» لشرويدر.
«دبليو المهيب» هو بورتريه ذاتي كذلك للراهب البوذي، المحرض الأساسي على قتل المسلمين (الروهنغيا) وحرق بيوتهم، كما أنّه توثيق روائي للأحداث التي شهدتها ميانمار في السنوات التي شهدت عمليات التطهير وهي ما بين 2006 و 2016. و «المهيب» هو لقب الراهب المتطرّف أشين ويراثو، صاحب التأثير الواسع بين البوذيين في ميانمار، وهم يشكلون غالبية ساحقة (90٪)، مقابل أقلية مسلمة متمركزة في غرب البلاد. يظهر الوثائقي سيرة صعود ويراثو إلى قمة هرم التأثير والرهبنة هناك، وإلى تصاعد نبرته العنصرية تجاه المسلمين في البلاد، وصولاً إلى قيادة الرعاع من أتباعه إلى هجمات على المساجد والبيوت هناك وحرقها، والإعدام ميدانياً لمن يلقون القبض عليه، في الطرقات، حرقاً وبالهراوات، مظهراً إمكانية أن يتحوّل الدين، حتى البوذية بما تبدو عليه من سلمية، أفيوناً يسهل استخدامه لعمليات قتل جماعي.
في الوثائقي إشارات إلى الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) المنتشر في أوروبا، مشيراً، مثلاً، بالأرقام إلى أن النسبة الحقيقية للمسلمين في فرنسا، إلى نسبة كل الفرنسيين، هي أقل من نصف الإدراك العام له، منطلقاً في ذلك من الإدراك العام لنسبة المسلمين في ميانمار، وما هي حقيقة، واستخدام خطاب الكذب والكره والعنصرية للتحريض على المسلمين منعاً لـ» فناء عرق البوذيين» بتكاثر المسلمين، وكانت فكرة «فناء العرق» أساسية في التحريض على المسلمين الذين قال عنهم الراهب، وفي المشهد الافتتاحي للوثائقي، بأنهم كالأسماك يتكاثرون، فلا بد من وضع حد لهذا التكاثر.
لـ «دبليو المهيب» قيمة توثيقية، إذ أنّه انتقل بالأحداث زمانياً، مبيّنا بالأرقام والتواريخ والحقائق ما يتعلّق بالأحداث التي بدأت تتصاعد حتى وصلت 2013 حيث قُتل مئات المسلمين وحُرقت الآلاف من بيوتهم والآلاف كذلك هُجّروا. كما يقدّم الوثائقي خلفية تاريخية للكره القديم تجاه الأقلية المسلمة هناك، وشرحاً لحيثيات متزامنة مع الأحداث، سياسياً وحزبياً، تلزم معرفتها لفهم أفضل لما يحصل هناك، منها ما يتعلق بالحكم العسكري في البلاد (اضطهد الحكمُ المسلمين بشدة لسنوات طويلة، الإشارة إلى ذلك في الفيلم أتت سريعة)، سجن ويراثو وبداياته التحريضية، الحركة السياسية التي أسسها وحظرتها الحكومة لاحقاً وسريعاً إثر مناهضة الحركة العنيفة للمسلمين والتنظيم للاعتداءات عليهم، وهي حركة «969»، وقد دخل شرويدر بالكاميرا إلى معابدهم ورافق الراهب في خطبه، معتمداً أولاً على المقابلات التي أجراها المخرج للفيلم، مع الراهب ومع مختصين بحقوق الإنسان وصحافيين ومعنيين بالموضوع، وثانياً على أرشيف واسع، إخباري عام وشخصي مصوّر بهواتف محمولة.
تعرضت الأقلية المسلمة، تاريخياً لاضطهاد وإرهاب من قبل الحكم العسكري، الذي امتد لسنوات في ميانمار، من جهة، ومن قبل الرهبان والرعاع البوذيين من جهة أخرى، ولا يشير الأخيرون إلى المسلمين، في الوثائقي نسمعها مراراً، إلا بـ»كالارس» وهي، كما يوضّح الوثائقي، ككلمة «زنجي» في الولايات المتحدة اليوم، وهذه العدائية تبدأ بمقاطعة المسلمين، فلا يشترون من محالهم ولا يزوّجونهم بناتهم، «حفاظاً على عرقهم»، إلى ما أشرنا إليه أعلاه، ووثقه الفيلم بشمولية وعمق وقرب، بشكل لم نره إلا سريعاً في تقارير إخبارية، إن استثنينا اهتمام قناة الجزيرة بالموضوع، إذ سلطت الضوء عليه في تقارير ووثائقيات.
في مقابلة على قناة آرتي، ردّ شرويدر على سؤال عن إيمانه بأنّه غير مؤمن، لكن لديه ميول للبوذية. هذه الميول هي ما يمكن أن يعطي الوثائقي مصداقيّة، كونه لا يأتي من طرف مخرج ملحد أو كاثوليكي أو صاحب موقف مسبق من البوذية، وشرويدر نفسه، أخيراً، أخرج الوثيقة الفنية/الإخبارية/التاريخية الأهم لعمليات التطهير العرقي التي تعرّض لها مسلمو ميانمار، بعد تاريخ طويل من الاضطهاد، الحكومي والديني.