داعش في نسختها الفرنسية
بقلم د. محمد الصغير (خاص بالمنتدى)
عرضت هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية (TRT) فيلماً وثائقياً من جزءين بعنوان “المصنع” يكشف العلاقة الوثيقة بين المخابرات الفرنسية وتنظيم “داعش” المتطرف!
استغرق إنتاج الفيلم عامين كاملين لفحص قرابة نصف مليون وثيقة ومستند، وكشف “الوثائقي” عن طبيعة العلاقة بين مخابرات فرنسا وتنظيم داعش، حيث استخدمت باريس الشركة الفرنسية لصناعة الإسمنت (لافارج) كواجهة لدعم التنظيم الإرهابي في سوريا، وكانت الشركة قد حلت مكان أوراسكوم المملوكة للمستثمر المصري نجيب ساويرس.
وفي 7 سبتمبر/أيلول الماضي، أدانت محكمة النقض الفرنسية شركة (لافارج) الفرنسية بتهمة التواطؤ مع تنظيم (داعش)، وحسب محاضر القضاء الفرنسي فإن التنظيم اشترى كميات كبيرة من الإسمنت من شركة (لافارج)، واستخدمها في بناء تحصيناته الدفاعية.
ونشرت وكالة الأناضول التركية مراسلات ومستندات لمؤسسات فرنسية، تظهر اطلاع باريس على العلاقة القائمة بين شركة (لافارج) النشطة في سوريا، وصلتها المباشرة مع تنظيم ”داعش” الذي يقوم بجرائم ضد الإنسانية، وضلوع الشركة الفرنسية وشراكتها في ذلك، حيث تواجه الشركة اتهاما بدفعها 13 مليون يورو لجماعات مسلحة في مقدمتها تنظيم (داعش) في عامي 2013 و2014، لضمان استمرار عمل مصانعها في سوريا، وتم توجيه هذا الاتهام رسميا لشركة (لافارج) في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 ونُظر أمام محكمة الاستئناف الفرنسية، لكنها رفضت مبدئيا اتهام الشركة بالضلوع في الجرائم ضد الإنسانية ضمن نشاطها في سوريا.
وهذه التقارير الموثقة تؤكد أن تنظيم داعش تخطى مرحلة الاختراق إلى العمل المباشر مع أجهزة الاستخبارات، وأن أيدي هذه الأجهزة ليست بعيدة عن تكوينه وتمويله، وأنه بخلاف ما يُصدره من صورة منفرة، وتطرف فج يجمع بين التفجير والتكفير، فإنه يؤدي خدمات لأجهزة الاستخبارات التي تعبث في بلاد المسلمين، وأن التنظيم والمخابرات الفرنسية لعبا دورا تكامليا على الأرض السورية المستباحة عالميا، وأن العالم بأسره غض الطرف عن الشركة الفرنسية واستثماراتها الداعشية، في الوقت الذي كان المجتمع الدولي يمنع فيه الاستثمار في سوريا، وإذا كان هذا هو حجم التعاون بين فرنسا وداعش، فإن الذي بينها وبين النظام الإيراني أكبر وأقدم.
ونظرا لأن النظام الفرنسي يرى لنفسه ولاية على مستعمراته السابقة، وما جاورها من البلاد التي تدور في فلك الفرنكوفونية، أو التي تحبو على مدرج اللائكية الماكرونية، وقد ظهر ذلك بجلاء بعد تخلي المذيع جورج قرداحي عن حقيبة وزارة الإعلام اللبنانية، بعد الأزمة التي فجرتها تصريحاته السابقة عن دول خليجية، وظلت الأزمة عالقة ومتفاقمة حتى تدخلت فرنسا مباشرة بطلب استقالة قرداحي، قبيل جولة ماكرون في الجزيرة العربية، والتي أكد خلالها على موقفه الرافض لما أسماه “الإسلام الراديكالي ” والحقيقة أن تصريحات ماكرون السابقة عن الإسلام كانت واضحة وبلا مواربة حيث قال: “الإسلام في أزمة” واعتمد هذا العموم بعيدا عن الوسطية أو الراديكالية، وأكد ذلك بجملة قرارات اتخذت ضد المسلمين في فرنسا وأماكن عبادتهم، بل ومراكزهم الثقافية والعلمية التي أٌنشئت وفق القانون الفرنسي!
كيف يُمرر كلام ماكرون عن الراديكالية وفضيحة حكومته في دعم داعش -أكثر التنظيمات إرهابا وبطشا- تزكم الأنوف، وتحركاته الأخيرة لمحاولة فرض وجود الجنرال المتمرد خليفة حفتر في انتخابات ليبيا تؤكد أنه مع أي داعش وفاحش؟!
ومع كل هذا الجلد الفرنسي في دعم المشاريع المناوئة للإسلام والسلام، لا نملك إلا أن نقذف بالحق لتعرية الباطل، ونعلن أننا ضد فكرة داعش في صورتها العربية أو في نسختها الفرنسية، لأنها أصبحت عابرة للقارات والثقافات، وأن خيار مقاطعة المنتجات الفرنسية هو خيار الشعوب بعيدا عن سياسة الحكومات، وبعد مرور 400 يوم على المقاطعة، وما حققته من نجاحات، لابد من الاستمرار وإكمال المضمار، ويكفي أنها تجعلك على ثغر من تغور الرباط، وباب من أبواب الحسنات، وتحت راية حسان بن ثابت الذي قال له النبيﷺ :”إن روح القدس لا يزال يؤيديك، ما نافحت عن الله ورسوله “.