مقالاتمقالات مختارة

دار الإفتاء العسكرية

دار الإفتاء العسكرية

بقلم د. جمال عبد الستار

طالعتنا دار الإفتاء المصرية بفتاوى على صفحاتها لا يمكن أن تنسب لطالب علم مبتدئ، ناهيك عن أن تُنسب لدار إفتاء تربع على رئاستها قديما جهابذة من العلماء لم يخطر ببال أكثرهم تشاؤما أن يأتي على الدار يوم تنشر فيه الأكاذيب باسم الدين، وتنشر الافتراءات باسم الإسلام، وتكذب على الأمة باسم العلم!!

كنت أتوقع أن تُعيد الدار ومن فيها موقفهم لخطورة ما اجترأت عليه، وعظيم ما اقترفته من جريمة المشاركة في سفك دماء الأبرياء في مصر.

وكنت وما زلت أسأل متعجبا: ماذا ستقول الدار لله تعالى حينما يسأل المفتي ومن معه: كيف قمتم بالتوقيع على حكم إعدام صدر من قاض لا يعرف القراءة والكتابة؟!

كيف صدقتم على حكم قاض لا يحسن قراءة آية واحدة من القرآن أو حديثا واحداً من السنة، مع أنكم تدرسون لطلاب العلم في كل مكان أن من أهم شروط القاضي العلم المؤدي إلى الاجتهاد؟!

ماذا ستقولون لله حينما يسألكم: كيف وقّعتم على الحكم وقد علمتم أن الشباب مورست عليهم أشد أنواع التعذيب والتنكيل ليعترفوا بالجريمة، وقد أعلنوا ذلك أمام الكائن الذي كان يجلس على منصة القضاء؟!

ماذا ستقولون لله وأنتم تعرفون أن تقارير أمن الدولة، والتي تعتبر أبرز حيثيات الحكم تصدر من مخبرين أو ضباط يعرف القاصي والداني كذبهم وتلفيقهم وافتراءهم؟!!

ماذا ستقولون لله حينما يسألكم عن شباب تم اتهامهم في القضية، رغم أنه ثبت للجميع أن بعضهم كان داخل الاعتقال قبلها بأشهر، وبعضهم شهد بأنه لم يكن في القاهرة يوم الحادث، وغير ذلك من الدفوعات التي لم يسمح لهم بعرضها ولم يستمع أحد لأصحابها؟!!

وتماديا في باطلكم ومحاولة للتغطية على جرائمكم، ازددتم غيا، فأصدرتم بيانات وفتاوى بأن جماعة الإخوان خوارج العصر!!

وبعيدا عن كذب التهمة، أسألكم أسئلة علمية أتمنى أن أجد عند أحدكم بقية من علم ليجيب عليها:

هل حقيقة أن عقوبة الخوارج هي القتل؟ وهل كان توقيعكم على حكم إعدامهم بسبب أنهم خوارج؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تصدروا الفتوى صريحة بدلاً من المحاكمات الهزلية بوجوب قتل جميع الإخوان في العالم؟!!

وإذا كان تعريف الخوارج كما ذكرتم بأنهم الذين خرجوا على الحاكم بالسلاح، فهل السيسي خرج على الرئيس المنتخب بالأيس كريم؟! ألم يكن الدكتور مرسي هو الرئيس الشرعي للبلاد، وهو من أصدر قرار تعيين مفتي دياركم، فخرج عليه العسكر بالسلاح واختطفوه، فلماذا لا تعلنون أن العسكر خوارج؟

هل تعرفون أين كان مفتيكم عندما خرج العسكر بالسلاح على رئيس البلاد؟ لقد ذهبت مع وفد لسؤاله عن موقف الشرع في ما يحدث في البلاد أول يوم في رمضان، فأخبرونا بأنه ترك مصر وسافر في رحلة إلى بلاد المغرب العربي! لقد ترك البلاد تغلي وذهب يبحث عن رزقه خارج الوطن! هذا هو نفسه المفتي الذي أظهر شجاعة نادرة في التصديق على قتل الأبرياء!!

ثم حينما تصدر دار الإفتاء فتاوى عنترية بالحكم على الآلاف من العلماء والرواد والمفكرين والدعاة والنابهين بأنهم خوارج، دون الاستدلال بآية واحدة، أو حديث واحد، أو قول فقيه، وإنما هي صياغة صحفية أمنية لا علم فيها ولا مرجعية لها، فما الفرق بين أحمد موسى وعكاشة وبين شوقي علام وتلاميذه؟! فماذا تركتم للصحافة السوداء وماذا تركتم لإعلام السفهاء؟

أيها الكذبة: من أين أتيتم بهذه الفتوى؟ ومن هم العلماء الذين أجمعوا على وجوب قتال الجماعات التي تتهمونها بالتطرف زوراً وبهتانا؟ وكيف تنشرون على صفحتكم أن “النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بتتبع جماعات التطرف وأجمع العلماء على وجوب قتالهم”؟!!

فهل هناك افتئات على الشرع كما تفتئتون، وكذب على الفقهاء كما تكذبون؟!!

ومع أن الإخوان كما يعرف القاصي والداني لم يخرجوا على الحاكم الشرعي بالسلاح، وإنما خرج عليهم العسكر بالسلاح، ولم يكفروا الصحابة ولا أحدا من المسلمين، وأعلن مرشدهم من على منصة رابعة أن السلمية أقوى من الرصاص، ومع ذلك قابل العسكر تلك السلمية بالطائرات والدبابات والقناصة، وقتلوا الشباب في صلاة الفجر وهم سجود فشاركتموهم في إثم القتل، وحرقوا المساجد فشاركتموهم في إثم الحرق، واغتصبوا النساء في المعتقلات فشاركتموهم في إثم الاغتصاب، وأعدموا الأبرياء فأبيتم إلا مشاركتهم في إراقة الدماء، واحترفوا إشاعة الكذب فنافستموهم في نشر الأكاذيب، فمتى أفلح أمثالكم؟

ثم أخبروني عن حكم مفتيكم حينما كان يزور الإخوان في ديارهم، ويتشرف بحضور مناسباتهم، فهل كان من الخوارج مثلهم، أم أنكم وشيوخكم كنتم تمارسون التقية والنفاق؟!!

ولكي يعلم الناس كذبكم حتى على الخوارج أنفسهم أسوق لكم بعض أقوال العلماء في الخوارج:

قال الخطابي فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر: “أَجْمَعَ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ ‏الْخَوَارِج مَعَ ضَلَالَتهمْ فِرْقَة مِنْ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَجَازُوا مُنَاكَحَتهمْ وَأَكْل ذَبَائِحهمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ مَا دَامُوا مُتَمَسِّكِينَ بِأَصْلِ الْإِسْلَام“.

وقَالَ اِبْن بَطَّال: “ذَهَبَ جُمْهُور الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ الْخَوَارِج غَيْر خَارِجِينَ عَنْ جُمْلَة الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عَقْد الْإِسْلَام بِيَقِينٍ لَمْ يَخْرُج مِنْهُ إِلَّا بِيَقِينٍ“.

وقال الإمام النووي في شرح مسلم (2/50): “الْمَذْهَب الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ: أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يُكَفَّرُونَ كَسَائِرِ أَهْل الْبِدَعِ“.

وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة (5/247): “فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان؛ لم يكفروهم ولا جعلوهم مرتدين ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل، بل اتقوا الله فيهم وساروا فيهم السيرة العادلة“.

وقال أيضا: “ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج، أنهم كانوا يصلون خلفهم وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة يصلون خلف نجدة الحروري، وكانوا أيضا يحدثونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم، كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل وحديثه في البخاري.

أخيرا: أردت أن يعرف الناس مدى كذبكم وتدليسكم، وأنكم لستم إلا مخبرين بدرجة شيوخ، وعساكر بدرجة مفتين، وجلادين بدرجة دعاة، وأضحت دار الإفتاء العسكرية وليست دار الإفتاء المصرية، وغدا تستعيد مصر وطنها وأرضها وحريتها ودار إفتائها، ويذهب الطغاة وأتباعهم إلى مزبلة التاريخ.

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى