بقلم أسامة شحادة
مقتل الحسين -رضي الله عنه- في كربلاء، في يوم عاشوراء، كان من أعظم الفواجع التي أصابت المسلمين عبر تاريخهم، ففي فاجعة كربلاء قُتل سبط النبي صلى الله عليه وسلم وسيّد شباب أهل الجنة على يد الخونة من أهل الكوفة الذين أرسلوا له الرسل والرسائل بنصرته وتأييده، وزعموا محبتهم واتّباعهم لأهل البيت، فلما جاءهم الحسين نكصوا على أعقابهم من أجل المال الذي أغراهم به عُبيد الله بن زياد، والي يزيد بن معاوية.
وقد اعترف بهذا علماءُ الشيعة فقال محسن الأمين: “بايع الحسين عشرون ألفاً من أهل العراق، غدروا به وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم وقتلوه” (أعيان الشيعة 1/34).
وقال كاظم الإحسائي: “إن الجيش الذي خرج لحرب الإمام الحسين -رضي الله عنه- ثلاثون ألفاً، كلهم من أهل الكوفة ليس فيهم: شامي ولا حجازي ولا هندي ولا باكستاني ولا سوداني ولا مصري ولا أفريقي، بل كلهم من أهل اكوفة قد تجمعوا من قبائل شتى” (الإحسائي، عاشوراء،89).
وقال حسين الكورانى: “أهل الكوفة لم يكتفوا بالتفرق عن الإمام الحسين، بل انتقلوا نتيجة تلوّن مواقفهم إلى موقف ثالث، وهو أنهم بدءوا يسارعون بالخروج إلى كربلاء وحرب الإمام الحسين. وفي كربلاء كانوا يتسابقون إلى تسديد المواقف التي ترضي الشيطان وتغضب الرحمن، مثلاً: نجد أن عمر بن الحجاج الذي برز بالأمس في الكوفة وكأنه حامي حمى أهل البيت، والمدافع عنهم، والذي يقود جيشا لإنقاذ العظيم هانئ بن عروة، يبتلع موقفه الظاهري ليتهم الإمام الحسين بالخروج عن الدين!” ( كتابه رحاب كربلاء، 60).
وموقف أهل السنة من قتل الحسين يلخصه شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول: “وأما مقتل الحسين -رضي الله عنه- فلا ريب أنه قتل مظلوماً شهيداً، كما قتل أشباهه من المظلومين الشهداء، وقتل الحسين معصية لله ورسوله ممن قتله أو أعان على قتله أو رضي بذلك، وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله وهو في حقه شهادة له ورفع حجة وعلو منزلة، فإنه وأخاه سبقت لهما من الله السعادة التي لا تنال إلا بنوع من البلاء، ولم يكن لهما من السوابق ما لأهل بيتهما فإنهما تربيا في حجر الإسلام في عز وأمان، فمات هذا مسموما وهذا مقتولا لينالا بذلك منازل السعداء وعيش الشهداء”. (منهاج السنة 4/550).
وقد انتقم الله عز وجل من قتلة الحسين -رضي الله عنه-، كما روي عن الإمام الزهري قوله: “لم يبق ممن قتله إلا من عوقب في الدنيا إما بقتل، أو عمى، أو سواد الوجه، أو زوال الملك في مدة يسيرة”.
لقد كان مقتل الحسين -رضي الله عنه- بسبب دفاعه عن مبادئ الإسلام السامية، فقد كان -رضي الله عنه- مدافعاً عن حق الأمة في تولية الأصلح من خلال الشورى، وهو الاتفاق الذي تم به الصلح بين الحسن ومعاوية -رضي الله عنهما.
ولقد بقي موقف الحسين -رضي الله عنه- قدوة للمخلصين عبر القرون بالصدع بالحق والثبات عليه مع استحضار الحكمة، حيث أنه حين حيل بينه وبين الوصول ليزيد بن معاوية طلب أن يعود إلى مكة أو يواصل طريقه لثغور الجهاد، لكن القتلة المجرمين أصروا على أسره فقاتلهم مضطراً.
وبعد هذه الخيانة من أهل الكوفة للحسين -رضي الله عنه- وقتله، زعموا الندم على ذلك وزعموا حب الحسين وأوحت لهم شياطينهم بإقامة العزاء عليه تكفيراً عن خطيئتهم، وبقيت الشياطين تزين لهم حتى تطور هذا العزاء فأصبح (كرنفالاً) تُقام فيه العروض المسرحية ويحتفلون به في كل عام، وأضيفت له الكثير من الطقوس الوثنية والنصرانية فأصبحنا نرى السجود للقبور والتلطخ بالطين وضرب الرؤوس والأبدان بالسيوف والجنازير حتى مع الأطفال، وهذا كله من المنكرات والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي تشوه صورة الإسلام.
وأصبحت هذه المواسم لا تقتصر على يوم عاشوراء بل تمتد لأكثر من أسبوع تتسابق فيها الهيئات الشيعية على استقدام الوعاظ المؤثرين لتهييج العواطف وشحنها عبر شعارات طائفية مثل: “هيهات مِنّا الذلة” و”كل يوم عاشوراء” و”الموت لقتلة الحسين” و”لبيك يا حسين” وغيرها من الشعارات المستفزة، لكونها موجهة للمعاصرين من السنة وإلا فقتلة الحسين -رضي الله عنه- أصلا هم من الشيعة وهم قد عوقبوا من الله عزوجل قبل أكثر من ألف عام!! فما هو الهدف من هذا الشحن الدموي كل عام؟؟
ونحمد الله أن الفضائيات كشفت حقيقة ما يسمونه “المجالس الحسينية” في موسم عاشوراء، وأنها موسم للمتاجرين من أصحاب العمائم بحب آل البيت -رضي الله عنه-م، والذين لا يهمهم من هذا الحب لآل البيت نصرة مظلوم أو إعانة مكروب، وإنما يكفيهم من ذلك الحب المزعوم لآل البيت بضعة مجالس وعْظية يملؤونها بالخرافات التي تطرب الآذان وتستقطب العواطف، ومن ثم ينكبّون في النهار على جمع “مال الخمس” بالباطل من الجماهير الشيعية المخدوعة – والتي لا تملك من أمرها شيئاً- بالافتراء على الله ورسوله بقولهم “أعطني حق جدي”!! وفي الليل ينكبّون على شهواتهم بفِرية أخرى سموها “المتعة”.
والعجيب أنهم يزعمون أن اهتمامهم بموسم عاشوراء هو بقصد إشاعة وترسيخ مدرسة التضحية والفداء ونصرة المظلوم، ولذلك يقول حسن نصر الله، زعيم حزب الله الشيعي، في شرح معنى شعار “لبيك يا حسين”: “لبيك يا حسين يعني أنك تكون حاضراً في المعركة ولو كنت وحدك ولو تركك الناس واتهمك الناس ولو خذلك الناس، لبيك يا حسين يعني أن تكون أنت ومالك وأهلك وأولادك في هذه المعركة، لبيك يا حسين أن تدفع الأم بولدها ليقاتل فإذا استشهد وقتل واحتز رأسه وألقي به إلى أمه، وضعته في حجرها ومسحت الدم والتراب عن وجهه، وقالت له راضية محتسبة: بيض الله وجهك يا بني كما بيضت وجهي عند فاطمة الزهراء يوم القيامة”.
واليوم لو تفحصنا موقف من يدعون نصرة الحسين -رضي الله عنه- وحب آل البيت، من كربلاء عصرنا في سوريا حيث يُذبح الشعب السوري وهو صائم ومصلٍّ مثل الحسين -رضي الله عنه-، وحيث يقتل الشعب السوري لأنه يطالب بحقه في الحرية والشورى والحكم الصالح كالحسين -رضي الله عنه-، وحيث لا يفرق المجرمون بين الرجال والنساء والأطفال فيقتلون الجميع بوحشية ذكرتنا بما سطرته كتب التاريخ عن فظائع التتار!!
ولو قارنا بين موقف الشعب السوري وبين موقف حسن نصرالله وحزبه لوجدنا أن الشعب السوري هو الذي يطبق اليوم معتى شعار ” لبيك يا حسين “، وأن حسن نصر الله يتاجر به!!
فكيف تقيمون مواسم عاشوراء اليوم وتبكون على ما جرى في كربلاء قبل أكثر من ألف عام، وأنتم مشاركون في كربلاء عصرنا: كربلاء الشام!!
لقد كان من صيحات الحسين -رضي الله عنه- التي تتشدقون بها: “إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما”، وهذا ما اختاره الشعب السوري الأبيّ الذي يسير على خطى الحسين -رضي الله عنه- حقاً، بخلاف ما كشفت عنه الثورة السورية من اصطفاف إيران وحزب الله وإسرائيل صفاً واحداً خلف بشار!!
في زمن الحسين -رضي الله عنه- ادّعوا نصرته وراسلوه ودعوه ثم خانوه وقتلوه، وأحفادهم اليوم زعموا نصرة المستضعفين ثم خانوهم فساروا في ركاب الظالم وقتلوا المظلومين!!
(المصدر: مجلة البيان)