بقلم د. سلطان العميري.
من أهم ما يجب على طالب العلم الجاد في بنائه المعرفي أن يتعرف على مذاهب المخالفين له كما هي عند أصحابها من غير زيادة فيها ولا نقصان .
فهذا النوع من التعرف يزيد من تبصره في التعامل مع الأقوال المخالفة له، ويعمق نقضه لها ويقوي من تماسك موقفه الصحيح .
ومن أشد النواقص التي يصاب بها طلبة العلم أن يكون تصورهم لمذاهب المخالفين ضعيفا سطحيا، فترى الواحد منهم يسهل من استدلالات المخالفين ويقل من قوتها وتماسكها .
وكثيرا ما يقع عدد من الشراح لكتب العقائد في هذه الإشكالية، فتراه في أثناء شرحه لا يصور أقوال المخالفين له في مسائل الإيمان والقدر والصفات وغيرها كما هي عند أصحابها، وإنما يعرضها بصورة غير الصورة التي هي عليها .
وهذا الخلل له أثر كبير على تأصيل الدارسين لعلم العقيدة وعلى تماسمهم العلمي، فإن يربون على ذلك التصوير، ثم يفاجؤون أثناء بحثهم أو حوارهم مع المخالفين بأن أقوالهم ليست كما صورت لهم في الدروس العلمية التي تربوا عليها .
ومن صور الاستستهال لمذاهب المخالفين: أن ترى بعض طلبة الدراسات العليا يقدم على نقض مذاهب فلسفية كبيرة وتيارات فكرية ضخمة، وهو لم يقرأ فيها شيئا ولا يعرف كثيرا من أصولها ومستنداتها .
فهذا الإقدام خطأ منهجي ضخم أوقعت الدارسات العلمية فيه كثيرا من الشباب المتوجه لطب العلم الشرعي .
كما أنه يجب على طلبة العلم أن يجتهدوا كثيرا في فهم حقيقة الحق وبراهينه وأدلته، فإنه يجب عليهم أيضا أن يجتهدوا في فهم حقيقة الخطأ وبراهينه وأدلته عند أصحابه، فكلاهما واجب لا يصح التفريط فيهما .
وليس المقصود من الكلام السابق الحكم باستحالة نقض المذاهب الباطلة ولا الإعلاء من شأنها، وإنما الغرض الأساسي منه الكشف عن الواجب المنهجي في التعامل معها وبيان شيء من شروط نقضها .