مقالاتمقالات مختارة

خطة تهويد القدس الكبرى للعام 2020

بقلم د. كمال إبراهيم علاونة

استهلال

مدينة القدس الشريف (بيت المقدس) في الديار الفلسطينية المباركة، تعد من المدن العربية الإسلامية الفلسطينية من تاريخ الجذور والنشأة الجغرافية والعمرانية والسكانية والثقافية بامتياز، حيث تعرضت لعديد من الاحتلالات الأجنبية الغربية والشرقية على السواء، كونها قلب فلسطين المسلمة النابض والحاضرة الاستراتيجية السياسية والحضارية والدينية والثقافية والإعلامية عبر سني التاريخ البشري.

والمدينة المقدسة عامة والمسجد الأقصى المبارك خاصة في بلدتها العتيقة، تتمتع برعاية وأهمية إلهية وبشرية ظاهرة للعيان في العقيدة الإسلامية بالقرآن المجيد والسنة النبوية الشريفة. وتحتدم الصراعات الدينية والإثنية والثقافية والسياسية والعسكرية، على ثرى القدس بين أصحاب الأرض الأصليين، وهم العرب من المسلمين والنصارى، مع الدخلاء الطارئين، الذين يمثلون قوى الاحتلال الباغية عبر التاريخ البشري. وآخر هذه الفئات الضالة الباغية هي الاحتلال الصهيوني الذي احتل الجزء الغربي منها في نكبة فلسطين الكبرى في ربيع عام 1948، وما تلاه من احتلال بقية أجزاء القدس، وهو الجناح الشرقي، في حزيران عام 1967م.

وقد بادرت الإدارة الصهيونية في تل أبيب إلى توحيد شطري القدس الشرقي والغربي في 30 حزيران عام 1967، والادّعاء بأن المدينة المقدسة هي العاصمة الموحدة للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة (إسرائيل)، رغم الرفض الفلسطيني والعربي والإقليمي والقاري والإسلامي والعالمي.

وفي عام 1993 بدأت عملية تهويد واسعة للمدينة المقدسة بخطة القدس الكبرى (المتروبوليتان) كخطة عشرية أولى، ثم تبعتها خطط عشرية أخرى تمتد لعام 2020م، وفقاً للمشروع الصهيوني الكبير في فلسطين العربية الإسلامية الكبرى فيما يطلق عليه يهود فلسطين المحتلة (إسرائيل الكبرى – إسرائيل التوراتية) المزعومة.

أهمية القدس السياسية والدينية لدى المسلمين

تتبوَّأ القدس الشريف، الفلسطينية العربية المسلمة، التي يروج الإعلام الصهيوني والإعلام الغربي المناصر للصهيونية العالمية، بأنها (أورشليم – زوراً وبهتاناً)؛ مكانة رمزية رسمية وشعبية مرموقة ومتميزة بين المدن العالمية؛ لأنها تحتضن المسجد الأقصى المبارك، بالأرض المقدسة أو المباركة بالقرآن المجيد، (وهو الكتاب الإسلامي العزيز الأول لدى الأمتين العربية والإسلامية في جميع أصقاع الكرة الأرضية).

كما تعتبر مدينة بيت المقدس إسلامياً، أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى ومعراج النبي الأمي العربي المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، على ظهر دابة البراق الأبيض، من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى أرض المسجد الأقصى ببيت المقدس، والانطلاق نحو السماوات العلى، وإمامته بجميع الأنبياء والمرسلين في بقعة الأقصى المباركة. فمدينة بيت المقدس المسلمة بوابة الأرض إلى السماء، في ترابط جغرافي متين بين العاصمة الإسلامية المقدسة الأولى في العالم وهي أرض الإسراء والمعراج الجنوبية المتمثلة بالمسجد الحرام في مكة المكرمة بشبه الجزيرة العربية، والشمالية المتمثلة بالمسجد الأقصى في بيت المقدس بفلسطين المباركة في بلاد الشام.

وتنظر الأمتان العربية والإسلامية لمدينة القدس الشريف، كحاضرة وعاصمة منتظرة للخلافة الإسلامية، وفقاً للبشرى النبوية المطهرة التليدة. هذا عدا عن الإيمان الإسلامي الراسخ بأن هذه المدينة المقدسة ستكون في نهاية الحياة الدنيا الفانية، أرض المحشر والمنشر بيوم القيامة.

تعاقب الاحتلال الأجنبي للقدس عبر التاريخ البشري

على العموم، تعرضت فلسطين عموماً، والقدس كمدينة مقدسة خصوصاً، من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والسكانية والدينية والثقافية والفنية، تاريخياً وجغرافياً؛ لهيمنة وتسلط عديد من الاحتلالات الأجنبية القادمة من القارات القديمة الثلاث، وهي: آسيا وأوروبا وإفريقيا؛ فألحقت القدس العربية المسلمة بالدول والإمبراطوريات الإمبريالية عبر التاريخ الإنساني المتجدد: كالاحتلال الروماني واليوناني (الغربي)، والبابلي الفارسي (الشرقي)، والفرعوني المصري (الإفريقي)، والصليبي الأوروبي والبريطاني. وآخر هذه الاحتلالات الأجنبية الاحتلال الصهيوني الحالي بقيادة صهيونية يهودية أوروبية، الذي جاء كمشروع صهيوني استيطاني يهودي إحلالي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وأعلن عن قيام الكيان الصهيوني المصطنع المعاصر، منذ نهاية العقد الرابع من القرن العشرين الميلادي المنصرم، بجوانبه الاستعمارية السياسية والعسكرية والدينية والاقتصادية والثقافية، عبر استقدام خليط بشري يهودي من مختلف أرجاء الكرة الأرضية (102 دولة)، في فسيفساء قومية متباينة.

وقد حررت الجيوش العربية والإسلامية المدينة المقدسة عدة مرات من الغاصبين المحتلين الأجانب. وتنتظر القدس الآن التحرير العربي والإسلامي بمشاركة جهادية فلسطينية، للتخلص من الاحتلال الصهيوني الراهن.

التوزيع الديمغرافي الإثني في القدس المحتلة

سعى الاحتلال الأجنبي الصهيوني، طيلة الـ 65 عاماً الماضية (الممتدة ما بين 1948 – 2013)؛ إلى اتّباع أربع سياسات أجنبية مجتمعة في فلسطين عموماً والقدس الشريف خصوصاً، تتمثل في: التهويد والصهينة والأسرلة والعبرنة.

ورغم هذه السياسة الأجنبية الظالمة المربعة الأضلاع، استمر الوجود السكاني العربي الأصلي في المدينة المقدسة، مشكلاً أسطورة الصمود الوطني الفلسطيني التاريخي الحقيقي في عالم التغيير السلبي الظالم والإفساد اليهودي، إذ تحتضن القدس – بحسب الإحصاء الرسمي العبري لعام 2013 – قرابة 36 % من المسلمين والنصارى بواقع 261 ألف مسلم (34 %)، و15 ألف مسيحي (2%)، من أصل عدد سكان القدس المحتلة الإجمالي المقيمين فيها البالغ أكثر من 774 ألف شخص، منهم 488 ألف مستوطن يهودي يشكلون (63 %)، و1 % من الأجانب الآخرين.

الخطط الرسمية اليهودية للقدس المحتلة

لقد وضعت الحكومة العبرية في تل أبيب، رسمياً وأهلياً وبلدياً ومؤسسياً، العديد من الخطط العمرانية والسكانية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والثقافية والرياضية الإجرائية، للاستيلاء على القدس وتفريغ سكانها العرب الأصليين منها. وتراوحت هذه الخطط التي تبرمجها الأحزاب اليهودية الحاكمة في البلاد، ما بين الخطط القصيرة الأمد والمتوسطة والطويلة الأمد خلال ستة عقود ونصف.

مخطط تهويد القدس الكبرى 2010 – 2020م

هناك خطة عشرية يهودية متوسطة الأجل، تتعلق بالبنية التحتية والاقتصادية والاستيطانية والأمنية، والشؤون الدينية والصحية والتعليمية والسكانية والجغرافية والسياحية والخدمية العامة… وغيرها؛ مرسومة رسمياً بشأن القدس الشريف، بجناحيها الغربي والشرقي، أُعلنت رسمياً في عام 2009، وبدأ تنفيذها فعلياً منذ عام 2010 حتى عام 2020م. وتأتي هذه الخطة اليهودية لتخفيض النسبة السكانية العربية لما بين 10 % – 12 %، وتهجير المواطنين المسلمين والمسيحيين، وتوسيع مساحة القدس إلى أكثر من 10 % من مساحة الضفة الغربية المحتلة (الوسط الشرقي من فلسطين)، أو ما يعادل 600 كم2 تقريباً (مساحة الضفة الغربية في فلسطين 5878 كم2)، ما بين المستوطنة اليهودية بيت شيمش غرباً حتى أريحا والبحر الميت شرقاً، ومن كفار عتصيون جنوباً (شمالي محافظة الخليل) حتى رام الله وسط الضفة الغربية شمالاً؛ بأحزمة استيطانية يهودية متواصلة متسلسلة جغرافياً داخلية وخارجية، مستخدمة طريقتي الترهيب تارة والترغيب تارة أخرى، ضمن خطة صهيونية معاصرة تشرف على تنفيذها الإدارة البلدية اليهودية المتطرفة لمدينة القدس المحتلة.

طرق التثبيت اليهودي لخطة القدس الكبرى 2020 م بمساحة 600 كم2

اتّبعت سلطات الاحتلال الصهيوني عامة وبلدية القدس المحتلة خاصة، المدارة من قيادات يهودية حزبية متطرفة؛ عدة سبل لتنفيذ مخطط تهويد القدس الكبرى، ورصدت أموالاً طائلة بمئات ملايين الدولارات، بتمويل حكومي وتبرع كبير من بعض أثرياء اليهود، وتحويلها من خطة نظرية إلى إنجاز فعلي على أرض الواقع، من أبرزها:

  1. مضاعفة البناء الاستيطاني اليهودي عدة أضعاف، خاصة منطقتي شمال وجنوب القدس المحتلة، وضم تجمعات استعمارية استيطانية يهودية كبيرة، منها: معاليه أدوميم وغبعات زئيف وجبل أبو غنيم (هارحوماه). ووفقاً للخطة العشرية المستقبلية الشاملة لمستوطنة معاليه أدوميم، فسيتم توسيعها لتبلغ مساحتها 53 كم2 بالحد الأدنى (وهي مساحة أكبر من مساحة مستوطنة تل أبيب)، وتمتد ما بين مدينتي القدس وأريحا كجزء من مخطط القدس الكبرى. إضافة إلى خطة ضم مستوطنة كيدار إلى معاليه أدوميم، لتسمين مستوطنة «معاليه أدوميم» بـ 12 ألف دونم جديد عبر ضم مستعمرة «كيدار» الواقعة 3 كم إلى شرقها، وهذا يعني ضم كافة الأراضي التي تفصل بين المستعمرتين اليهوديتين في منطقة وادي أبو هندي الفلسطينية. وكذلك العمل على بناء مستعمرات جديدة قرب مطار قلنديا لاستيعاب 11 ألف مستوطن يهودي، وتشييد مستعمرات يهودية أخرى. وفي المقابل محاصرة الأحياء العربية وعزلها عن بعضها البعض، وجعلها (غيتوهات عربية) محدودة.
  2. تعبيد طرق التفافية وبناء جسور لربط التجمعات الاستيطانية اليهودية مع بعضها البعض، وفصل شمال الضفة الغربية المحتلة عن جنوبها، وشق الطرق والشوارع الالتفافية الإضافية التي تربط بين جناحي القدس الشرقية والغربية، والخطة الأولية يبلغ طولها 64 كم، هذا عدا عن الطرق السابقة التي بلغ طولها 91 كم.
  3. السعي لإسكان مليون يهودي في القدس الكبرى (عدد اليهود في هذه المنطقة الآن 500 ألف تقريباً)، وتشجيع الأزواج اليهودية الشابة على الإقامة في المدينة المقدسة. وعلى النقيض من ذلك تهجير الأزواج الفلسطينية الشابة خاصة والفلسطينيين عامة وسحب الهويات الزرقاء منهم.
  4. عزل وإخراج الأحياء العربية عن مركز القدس، بواسطة الجدار اليهودي الفاصل، فقد استطاع الجدار اليهودي الفاصل عزل قرابة 140 ألف مواطن مقدسي فلسطيني عن القدس الشريف ممن يحملون بطاقة الهوية الزرقاء (الإسرائيلية) في بلدات وقرى: الرام، كفر عقب، بير نبالا، الجيب، الزعيم، الضاحية، عناتا، مخيم شعفاط، حزما، العيزرية، أبو ديس والشيخ سعد، السواحرة، وسواها.
  5. تخصيص أراض للمشاريع التنموية اليهودية، وبناء مدارس وجامعات ومستشفيات وعيادات صحية وفنادق ومراكز سياحية وخلافها، بينما أهملت وتجاهلت الخطة شؤون التطوير الاقتصادي العربي.
  6. حفر أنفاق يهودية أسفل القرى والبلدات الفلسطينية لربط التجمعات الاستيطانية اليهودية، مثل حفر نفق أرضي أسفل قرية كفر عقب الفلسطينية لربط المستعمرة الجديدة، المقامة قرب مطار قلنديا، بتجمع المستعمرات الشرقية (كوخاف يعقوب)، ولتقصير المسافة بين مستوطنة بيت آيل شرقي مدينة البيرة والقدس المحتلة.
  7. مواصلة حفر الأنفاق حول وأسفل المسجد الأقصى المبارك، وبناء المعابد (الكنس) اليهودية، لمحاصرة الأقصى، وتسهيل عمليات اقتحامه حسب الخطط والبرامج الرسمية والحزبية الصهيونية. وكذلك توسيع ساحة حائط البراق (حائط المبكى كما يسمى يهودياً زوراً وبهتاناً)، فهدمت جرافات الاحتلال مسجداً إسلامياً ومناطق أثرية أموية إسلامية لتحقيق هذا الهدف.
  8. افتتاح عشرة معابر خارجية تربط ما بين الضفة الغربية المحتلة ومناطق السلطة الفلسطينية من جهة، والقدس الشريف من جهة أخرى، وهي معابر: بيتونيا وعطاروت وقلنديا والزعيم وجيلو والعيزرية والولجة وعناتا وحزما والمزموريا. وبالتالي تكريس فصل وعزل القدس وأهاليها عن مجتمعهم الفلسطيني.
  9. إنشاء شبكة سكك حديدية وتشغيل قطارات خفيفة لتسهيل تنقّل المستوطنين اليهود في أنحاء القدس الكبرى.
  10. تركيب مصاعد كهربائية بالقرب من الأنفاق الأرضية الأفقية والعمودية المقامة بالقرب من المسجد الأقصى المبارك.
  11. هدم مئات المنازل العربية الفلسطينية في جميع أنحاء المدينة المقدسة وضواحيها، بحجة عدم الترخيص من بلدية الاحتلال، بل إجبار عشرات المواطنين الفلسطينيين المقدسيين على هدم بيوتهم الجديدة التي شيدوها بأموالهم وأيديهم، تلافياً لدفع تكاليف الهدم اليهودية الباهظة.
  12. تهويد وعبرنة أسماء الأحياء والمناطق العربية والإسلامية بالتزوير والتزييف الرسمي والبلدي المتعمّد، إذ جرى تغيير قرابة 90 % من الأسماء العربية، والمسجد الأقصى المبارك نفسه لم يسلم من العبرنة، حيث يطلق عليه يهودياً (جبل الهيكل – زوراً وبهتاناً)، وتم إطلاق أسماء عبرية على بوابات المسجد الأقصى المبارك.

وفيما يلي أبرز معالم وملامح بنود التغيير الأجنبي اليهودي – الصهيوني الجامع الشامل، في القدس المحتلة، للسنوات الثماني المقبلة حتى عام 2020م:

أولاً: التهويد الديني: الاستيلاء على المسجد الأقصى المبارك كاملاً وفق خطة متدحرجة تمتد لعدة مراحل، عبر التقسيم الزماني والمكاني الجزئي، ثم تدمير المسجد الأقصى المبارك الإسلامي بصورة تامة، وبناء ما يسمى (الهيكل اليهودي الثالث) المزعوم على أنقاضه.

ثانياً: التعقيد العمراني وعدم منح تراخيص أبنية جديدة للمواطنين العرب، وتطبّق الإدارة اليهودية لبلدية القدس المحتلة هذه السياسة منذ زمن طويل.

ثالثاً: التقليص السكاني العربي: تقليل نسبة عدد المواطنين العرب (المسلمين والنصارى) للحد الأدنى، عبر طرق خبيثة تتمثل في الأسلوبين الترهيبي والترغيبي، لنسبة تقل عن 10 % من المقيمين في القدس، بتوسيع حدود الرقعة الجغرافية للمدينة وضم تجمعات سكانية يهودية إليها.

رابعاً: نقل السفارات والقنصليات الأجنبية: السعي لنقل أكبر عدد ممكن من السفارات والقنصليات من تل أبيب إلى القدس المحتلة، للدول التي تعترف بالكيان الصهيوني (إسرائيل) وتقيم علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية وثقافية، عبر التشجيع المادي والإعلامي والمعنوي، ومنح الامتيازات ومنح الأراضي المخصصة للسفارات أو توفير عقارات مجانية للسفارات الأجنبية في القدس المحتلة.

خامساً: تشديد الإغلاق والحصار العسكري والأمني الصهيوني على القدس المحتلة، وتنفيذ سياسة العزل الشاملة للمدينة المقدسة.

سادساً: تخفيض نسبة التكاثر الطبيعي بين المواطنين العرب وفق ما يسمى تحاشي (انفجار القنبلة السكانية العربية) في البلاد.

سابعاً: نشر الانحلال الأخلاقي والإفساد الاجتماعي وتوفير المخدرات بكثرة، بين الشباب العربي، والسعي لتفكيك أواصر الأسر العربية.

ثامناً: حرمان العرب من العمل في أجنحة الاقتصاد الصهيوني (الإسرائيلي) في القدس المحتلة، لتهجير الطاقة العاملة إلى خارج المدينة المقدسة.

على أي حال، تعاني المدينة المقدسة، الثالثة في العالم الإسلامي، من النواحي العمرانية الجغرافية والبنى التحتية والاقتصادية والسياسية والأمنية؛ من هجمات تغييرية استعمارية فظيعة متواصلة، وفقاً لمبدأ الاستيطان اليهودي القائم على سياسة (التفريغ والملء)، بمعنى تفريغ القدس المحتلة من أهلها الأصليين واستبدالهم بمستوطنين يهود ممن يسمون (القادمون الجدد) من شتى بقاع العالم. كما عُزلت القدس عن المحيط العربي الفلسطيني، وجعلت عاصمة سياسية وإدارية لمؤسسات الكيان الصهيوني (إسرائيل)، ونقلت إليها مقار الكنيست العبري (البرلمان)، والحكومة العبرية (الإسرائيلية)، والمحكمة العليا (الإسرائيلية).. وبهذا تعرض أهل المدينة الأصليون لموجات متتالية من التهجير والملاحقة المدنية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وسواها، وأخضعت بالقوة المتسلطة للإدارة السياسية العبرية العليا.

وغني عن القول أن مدينة القدس الشريف، العاصمة الفلسطينية المحتلة، تواجه صعوبات جمة وأوضاعاً حياتية تعيسة لمواطنيها العرب (المسلمين والنصارى على السواء)، بسبب طغيان الجاليات اليهودية فيها، وانتشار الفساد والإفساد الناجم عن الإرهاب الصهيوني المتعاقب طيلة العقود الاحتلالية الخالية. فقد جرى ضم القدس الشريف (بشطريها الشرقي والغربي) كعاصمة أبدية موحدة مزعومة للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وما يلحق ذلك من حصار وإغلاق خانق وعزل سياسي خبيث شامل عن بقية أجزاء فلسطين الكبرى المحتلة (بعامي 1948 و1967)، وما تبعها من العزل السياسي العربي الإقليمي والإسلامي والعالمي.

الخلاصة

يقول اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (القرآن المجيد – الإسراء).

وورد في مسند أحمد (ج 45/ ص 281)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».

تمارس سلطات الاحتلال الأجنبي الصهيوني في القدس المحتلة كبقية محافظات فلسطين الكبرى، سياسة استراتيجية رباعية تتمثل في: التهويد والصهينة والأسرلة والعبرنة، للابتلاع السرطاني المخيف.

ولتقليل تأثير هذه السياسة الظالمة ضد العرب الفلسطينيين المقدسيين، لا بد من المواجهة الحتمية الفلسطينية العربية الإسلامية لها بطرق عملية تنفَّذ على أرض الواقع لتعزيز الصمود والمرابطة والثبات العربي والإسلامي، من الجهات الفلسطينية: الحكومية والفصائلية والشعبية، بالتعاون مع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمؤسسات الإنسانية العالمية، على النحو التالي:

أولاً: دعم التكاثر الطبيعي المقدسي، وتقديم الحوافز والامتيازات العمرانية والمالية والتعليمية، وتخصيص منح مالية عالية للمواليد الجدد لأهل القدس العرب.

ثانياً: تقديم المعونات المالية والعينية للأزواج الفلسطينية الشابة.

ثالثاً: دعم التعليم العام والجامعي العربي، والحفاظ على المنهاج الفلسطيني الوطني، بشرياً وثقافياً ومالياً وإعلامياً.

رابعاً: دعم البناء العربي الجديد والمساهمة في ترميم المباني القديمة للمواطنين العرب، وذلك تحت شعار (الإسكان الفلسطيني في مواجهة الاستيطان اليهودي).

خامساً: تفعيل المؤسسات والهيئات والشركات الفلسطينية لتوفير فرص العمل الاستيعابية للمقدسيين العرب.

سادساً: توظيف 1000 حارس عربي للمسجد الأقصى المبارك، ومضاعفة شد الرحال الإسلامي إلى القدس الشريف والمسجد الأقصى في جميع أيام وأسابيع وشهور السنة؛ لحمايته من اعتداءات المستوطنين اليهود في الأعياد والمناسبات الدينية اليهودية التوراتية والتلمودية، وتعزيز مرابطة الآلاف من طلبة مصاطب العلم في الأقصى.

سابعاً: تشجيع الحفاظ على الهوية الزرقاء للمقدسيين، والحيلولة دون خروجهم للسكن والعمل خارج القدس المحتلة.

ثامناً: مواصلة الدعم الإعلامي المطبوع والمسموع والمرئي، لأهل القدس المحتلة في شتى الميادين الحياتية المعاشة.

تاسعاً: تمكين الكفاءات وذوي الخبرات العملية من المقدسيين من الوصول لمراكز حيوية ومهمة في مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني (الحكومي والتشريعي والقضائي).

عاشراً: محاربة الكبائر والرذائل والموبقات والانحلال الأخلاقي الاجتماعي بين أبناء القدس، خاصة طلبة المدارس والجامعات والفئات الشبابية الأخرى.

حادي عشر: الاستمرار في مقاومة جدار الفصل العنصري اليهودي وشنّ حملة عالمية لهدمه وتخليص الفلسطينيين منه، حيث يشكل خطراً حقيقياً داهماً على المقدسيين وغيرهم. ويبلغ طول الجدار العنصري حول القدس نحو 190 كم.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى