كتاب (أفي السنة شك؟) للباحث الشيخ أحمد السيد يفتتح الغلاف بسؤال تقريري استنكاري، مذيل بعلامتي استفهام وتعجب كواجهة لكتاب وثقافة ووعي ورد فعل لموجةٍ من التشكيك الاعتباطي العشوائي، الذي تبنتْه دهماء من مثقفين وليبراليين دشنوا مشروع إثارة الشبهات توجساً وتربصاً أو تآمراً وتحرشاً بحصون الثقافة الإسلامية، وتسديد ضربات باتجاه العمق والبنية التحتية للشريعة والعقيدة، كأقصر الطرق وأجداها، وبديلاً عن إهدار الوقت والطاقة في مواجهات خاسرة مع الدعاة والعلماء والفروع الخلافية، مع تحفظ من المشككين في النيل المباشر من القاعدة السنية الكبرى، ألا وهي الأحاديث الصحيحة التي تلقاها العلماء والمسلمون بالقبول والاتباع، فكان أن استبدلوا التكتيك بآخر ذي تأثير وصدى على الوعي المباشر للعوام، بوصفهم أرضية التعبير والحراك ضد ما هو شرعي، وهذا ما دفعنا إلى طرح محور بالغ الحساسية حول نجاحهم في خطواتهم الفاعلة في بلوغ العوام وأنصاف المثقفين، ومحور آخر عن مهمة العلماء، وما بذلوه في سبيل صد هذه الهجمة الرعناء الضارية، والنتائج التي أسفر عنها الهجوم وصد الهجوم.
استهداف العوام بالتشكيك تكتيك يتم ممارسته بالقفز، وتجسير الفجوة بين المثقف الليبرالي والجمهور الشعبي، وتقاربٍ أو اقتراب لتفكيك وحدة المسار الديني الاجتماعي. وكثيراً ما راهن هؤلاء على توسيع الثغرات في الخطاب الشعبي، والنفاذ منها. والحق أنهم ينجحون على نطاق ضيقٍ، قابلٍ للاتساع، ولعل هذا الكتاب ببساطته وسهولته وصغر حجمه يقدم حججاً مقنعة لمن وقعوا في حيرة من أمرهم من العوام تجاه السنة.
الكتاب يُعنى بـ(مراحل العناية بالسنة)، وهو عرض تاريخي موجز للجهود الجبارة التي بذلها الصحابة والسلف والعلماء في حفظها، وهذا جعلها آمنة مطمئنة، تسكن إليها نفس المسلم الصالح، ويتبعها دونما قلق أو ريبة، وينقدح في هذا السياق محور نشط لم يتطرق إليه الكتاب، ذو صلة بضلوع تيار السياسيين العلمانيين ومن وراءهم في تشويه السنة في سبيل إرساء العلمانية، فكان منها أن نالت من السنة وحفظها، مشيعة شبهة ضعفها وضعف أسانيدها. وهذا التيار تؤيده سلطات علمانية عربية وأجنبية، وله نفوذ في المنابر الثقافية الإعلامية العربية.
وتوالت الهجمات من السياسي والثقافي والحقوقي والشهواني على كيان السنة، حتى بدتْ وكأنها في موضع الدفاع عن نفسها ونزاهتها وأهليتها، وأوغل خصوم السنة في التشنيع، وعلتْ أصواتهم، وتبوؤوا المواقع الإعلامية، مستأثرين بها، حتى لا نكاد نجد برنامجاً حوارياً يتيح الرأي والرأي الآخر يتناول السنة وبراءتها من التحريف، بل إنهم يتفادون القراءة في الردود عليهم، فكيف يقبلون بالمواجهة الحوارية العلنية؟ لذا يظهرون في قنواتهم وحدهم، كعدنان إبراهيم ومحمد شحرور، ولسان حالهم:
وإذا ما خلا الجبانُ بأرضٍ
طلب الطعنَ وحدَه والنِّزالا
يواصل المؤلف عرض البراهين على حجية السنة بسلاسة واستفاضة؛ لتكون قاطعة لكل شك، ويسكن المطمئنون إلى دين الله إليها حساً وعقلاً، غير أن علامة استفهام تنتصب في الطريق، تثير سؤالاً: (هل قصّر العلماء المتخصصون في بيان شرعية السنة؟ وهل الهجوم الظالم عليها أكثف نوعاً وكماً من الدفاع عنها، وإلى أي مدى بلغت حجة الدفاع المؤيد للسنة والمحايد والخصم في خضم الطوفان الفضائي التشكيكي والشهواني، وأين وقف مشروع التشكيك في السنة)، ويتصل السؤال بعنوان مهم عرض له الباحث حول حديث الآحاد وحجيته، الذي توسّل به الخصوم إلى اتهام مباشر للسنة، مستغلين اختلاف العلماء في هذا العصر حول حديث الآحاد، لضرب السنة برمتها، كما اختلافهم في التصحيح والتضعيف؛ إذ هو اجتهاد لإصابة الحق، يستثمره الخصوم لتوصيف هذا الاجتهاد بالفوضى والارتباك وبطلان صحية السنة.
الكتاب يرصد الإشكالات المثارة حول حجية السنة في نقاط محدودة، ويعالجها تباعاً بردود كاشفة مقنعة، ومن بينها فتنة القرآنيين، الذين ردّوا السنة، واكتفوا بالقرآن اكتفاءَ جهل أو جحود مقصود تبنّاه علمانيون واعتمدوه.
اللافت أن دعاة نبذ العنف من هذا الصنف فتحوا باباً لتبرير العنف بإحداثهم فوضى داخل نصوص محكمة، ضابطة لتفسير القرآن، وتوجيه معانيه، فإلارهابيون لا يعبؤون بالتفسير العلمائي للقرآن والسنة، شأنهم شأن خصوم السنة.
هذا الكتاب الموفق سينشّط قريحة الباحث لتناول محاور مهمة في المستقبل تمس (نبذ السنة فاتحة للإرهاب)، (هل وجد خصوم السنة قبولاً اجتماعياً)، (مدى تعاطفهم مع الملاحدة والكفار)، (استهداف العصر الأُموي تحديداً)، (رفضهم للحوار المباشر)، (محور العقل والنقل)، (عدم ردود خصوم السنة على الكتب تَرُد عليهم)، كما نشير إلى أن الباحث أصدر كتابه (تثبيت حجية السنة) في بحث أكثر توسعاً سيجد القارئ فيه فوائد مترامية، تشبع نهَمَه.
(المصدر: موقع المثقف الجديد)