مقالاتمقالات مختارة

خروج بني إسرائيل من مصر بين تحريف التوراة وعصمة القرآن

خروج بني إسرائيل من مصر بين تحريف التوراة وعصمة القرآن

بقلم فيصل بن علي الكاملي

ثمة رأيان مشهوران لعلماء أهل الكتاب في تحديد تاريخ خروج بني إسرائيل من مصر. فالرأي التقليدي يذهب إلى أن الخروج من مصر كان في منتصف القرن الخامس عشر قبل الميلاد؛ عمدتهم في هذا المذهب ما جاء في سفر الملوك الأول (6: 1): «وَكَانَ فِي سَنَةِ الأَرْبَعِ مِئَةٍ وَالثَّمَانِينَ لِخُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلْكِ سُلَيْمَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ…»، فإذا كان ابتداء ملك سليمان – عليه السلام – عام 970 ق.م. كما هو الراجح عند علماء أهل الكتاب، فإن خروج بني إسرائيل من مصر كان في سنة 1446 ق.م. تقريباً[1] وعليه فإن فرعون موسى – عليه السلام – عند القائلين بهذا الرأي هو «تحتمس الثالث» الذي حكم بين 1479-1425 ق.م.

وهذا القول لا يخلو من أغلاط، منها:

أولاً: زعْمُ النص المسوري العبراني أن السنة الرابعة من ملك سليمان عليه السلام توافق «سنة الأربع مائة والثمانين» (480) لخروج بني إسرائيل يعارض ما جاء في النسخة السبعينية اليونانية الأقدم من أنها توافق «سنة الأربع مائة والأربعين» (440)، مما يدل على اضطراب النص.

ثانياً: إذا قمنا بحساب السنين من خروج بني إسرائيل إلى السنة الرابعة من ملك سليمان عليه السلام على وجه التفصيل فإننا نخلص إلى تقديرات بعيدة عن التقديرين المذكورين في النصين العبراني واليوناني، 480 و440 عاماً على التوالي، كما بيَّن ذلك «أ. س. جيدن» في مدخل «سفر القضاة» الذي كتبه للموسوعة الكتابية الشهيرة (International Standard Bible Encyclopedia)[2].

كما نقرأ في «قاموس آنكور الكتابي»:

«إن حلّ الكَسول ببساطة هو أن تجعل الـ480 عاماً المصرح بها في سفر الملوك الأول (6: 1) بين الخروج [من مصر] وبين السنة الرابعة من ملك سليمان (تقريباً 966 ق.م.)، فيكون الخروج في عام 1446 ق.م. لكن هذا الحل الساذج يستبعده زخم المعلومات الكتابية الأخرى مضافاً إليها معلومات مستقاة من خارج النص. فالزمن الفارق بين الخروج [والسنة الرابعة من ملك سليمان عليه السلام] ليس 480 عاماً، بل يربو على 553 عاماً… إذا ما تَجشمْنا عناء الدراسة المفصلة لشخصيات تلك الحقبة»[3].

أخيراً، هذا القول مع اضطراب نصه الذي يعوِّل عليه يخالف ما توصل إليه علماء الآثار والتاريخ من حقائق حول تاريخ المصريين والكنعانيين تستبعد حصول الخروج في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. وقد أقرت بهذه الحقيقة «الموسوعة اليهودية» إذ قالت:

«يتفق أكثر العلماء على أن القرن الخامس عشر قبل الميلاد تاريخ متقدم جداً على الخروج [من مصر] ولا يتفق مع المعلومات الأخرى حول التواريخ الإسرائيلية والكنعانية والمصرية»[4].

أما الرأي الآخر في المسألة فيجعل خروج بني إسرائيل في منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد. لكن الخلاف بين القائلين به يكمن في تحديد «فرعون الخروج»، هل كان «رعمسيس الثاني» أم ابنه «مرنبتاح»؟ وهذا الرأي في عمومه أرجح من سابقه لأسباب منها:

أولاً: جاء في سفر الخروج (1: 11) عند الحديث عن استعباد فرعون لبني إسرائيل: «فَعَهِدُوا بِهِمْ إِلَى مُشْرِفِينَ عُتَاةٍ لِيُسَخِّرُوهُمْ بِالأَعْمَالِ الشَّاقَةِ. فَبَنَوْا مَدِينَتَيْ فِيثُومَ وَرَعَمْسِيسَ لِتَكُونَا مَخَازِنَ لِفِرْعَوْنَ». و«رعمسيس» هذه مدينة على الدلتا الشرقية بناها «رعمسيس الثاني» فسميت باسمه؛ وهي التي كان منها خروج بني إسرائيل بنص سفر الخروج (12: 37). و«رعمسيس الثاني» حكم بين 1279-1213 ق.م. تقريباً وعليه فلا يمكن أن يكون الخروج من مصر سابقاً لبداية حكم رعمسيس الثاني، أعني 1279 قبل الميلاد.

ثانياً: باستعراض مدد حكم الفراعنة كما تُقدِّمها الدراسات التاريخية/ الأثرية يتبين لنا طول مدة حكم «رعمسيس الثاني» وهو ما لم يتأتَّ لابنه «مرنبتاح» الذي حكم عشر سنين فقط؛ وهذا يستفاد من قول الله عز وجل على لسان فرعون وهو يمتن على موسى عليه السلام برعايته مذ كان وليداً: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ #^٨١^#) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ #^٩١^#) قَالَ فَعَلْتُهَا إذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ #^٠٢^#) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَـمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْـمُرْسَلِينَ #^١٢^#) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إسْرَائِيلَ} [الشعراء: ٨١ – ٢٢]. ففيه إشارة إلى أن فرعون الذي تربى موسى عليه السلام في بلاطه هو فرعون الذي استعبد بني إسرائيل وهو فرعون الذي استحق العقاب بالغرق؛ خلافاً للعهد القديم الذي يجعلهما فرعونين اثنين؛ علماً بأن جل علماء أهل الكتاب القائلين بتأخر تاريخ الخروج من مصر يرون أن فرعون الاستعباد هو «رعمسيس الثاني».

ثالثاً: عُرف «رعمسيس الثاني» من بين فراعنة مصر بكثرة بناء الصروح والمعالم والتماثيل، حتى وصفه «كليتون» بقوله: «يقف رعمسيس الثاني علَماً من بين فراعنة مصر كبَنَّاء للمَعالم والنُّصُب»[5]. تؤكد هذا الموسوعة البريطانية بقولها: «يعرف بمشاريعه المعمارية الواسعة»[6]. وهذا أيضاً يستفاد من قوله تعالى على لسان فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} [غافر: ٦٣]؛ وقوله جل شأنه: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 137].

أخيراً، نجد «قاموس آنكور الكتابي» يختم بحثه في تاريخ خروج بني إسرائيل من مصر بقوله: «باختصار، فإن أرجح تاريخ لخروج العبرانيين [بني إسرائيل] من مصر يقع في منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد»[7].

وإذا علمنا أن «رعمسيس الثاني» حكم بين 1279-1213 ق.م. أمكننا القول بكل ثقة بأن فرعون هو «رعمسيس الثاني» إذ لم يشاركه حكم مصر أحدٌ في منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وهذا ما نص عليه تفسير الكتاب المقدس المعروف باسم (The NIV Study Bible) من أن فرعون الخروج هو «رعمسيس الثاني»[8].

 


[1] (480 + 966 [السنة الرابعة من حكم سليمان عليه السلام] = 1446).

 [2] International Standard Bible Encyclopedia, CD version (BibleWorks, LLC, 2003), “Judges, Book of“.

 [3] The Anchor Bible Dictionary, (New York: Doubleday, 1992), “Exodus”, vol. II, p. 702.

 [4] Encyclopedia Judaica, (CD-ROM Edition), “Exodus”.

 [5] P. A. ClaytonChronicle of the Pharaohs (London: Thames and Hudson Ltd., 1994), pp. 153.

 [6] Encyclopaedia Britannica, “Ramses II”.

 [7] The Anchor Bible Dictionary, “Exodus”.

 [8] The NIV Study Bible (Grand Rapids: Zondervan Publishing House, 1995), p. 287.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى