مقالاتمقالات المنتدى

خالد بن الوليد رضي الله عنه .. سيفٌ من سيوف الله

خالد بن الوليد رضي الله عنه .. سيفٌ من سيوف الله

د. علي محمد الصلابي

(الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

إنه الصحابي خالد بن الوليد (رضي الله عنه)، أثنى عليه رسول الله ﷺ فقال: (نعمَ عبدُ اللهِ خالدُ بنُ الوليدِ سيفٌ من سيوفِ اللهِ) [الترمذي برقم: 3846]. اشتهر بعبقرية تخطيطه العسكري، وبراعته في قيادة جيوش المسلمين في حروب الردة وفتوح العراق والشام، ويعد (رضي الله عنه) أحد قادة الجيوش القلائل الذين لم يهزموا في معركة طوال حياتهم، فهو لم يهزم في أكثر من مائة معركة خاضها أمام قوات متفوقة عدديًا من الفرس والروم، ولا تزال خططه الحربية مثار إعجاب الشرق والغرب.

كان خالد بن الوليد (رضي الله عنه) قبل إسلامه يقاتل الإسلام والمسلمين، فقاد جيش المشركين يوم أحد، واستطاع أن يحوِّل نصر المسلمين إلى هزيمة بعد أن هاجمهم من الخلف عندما تخلى الرماة عن مواقعهم، وظل خالد (رضي الله عنه) على شركه حتى كان عام الحديبية، فأرسل إليه أخوه الوليد بن الوليد (رضي الله عنه) كتابًا جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فأني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك!! ومثل الإسلام لا يجهله أحد، وقد سألني رسول الله ﷺ عنك فقال: أين خالد؟ فقلت: يأتي الله به، فقال رسول الله ﷺ: ما مِثْلُهُ جهل الإسلام، ولو كان جعل نِكَايَتَهُ وَجِدَّهُ مع المسلمين على المشركين كان خيراً له ولقدمناه على غيره. فاستدرك يا أخي ما فاتك، فقد فاتك مواطن صالحة. (بسام العسلي، قادة فتح بلاد الشام والعراق، ج1، ص 147).

فلما قرأ خالد (رضي الله عنه) كتاب أخيه، انشرح صدره للإسلام، فخرج فلقي عثمان بن طلحة، فحدثه أنه يريد الذهاب إلى المدينة، فشجعه عثمان على ذلك، وخرجا معًا، فقابلهما عمرو بن العاص (رضي الله عنه)، فقال: مرحباً بالقوم.

فقالوا: وبك.

قال: أين سيركم؟

قالوا: ما أخرجك أنت؟

قال: بل ما أخرجكم أنتم؟

قالوا: الدخول في الإسلام واتباع محمد.

قال: وذاك الذي أقدمني.

فاصطحبنا جميعاً حتى قدمنا المدينة؛ وكان ذلك في نهاية السنة السابعة من الهجرة، فلما قدموا على النبي ﷺ رحب بهم، فأعلنوا إسلامهم، فقال ﷺ لخالد (رضي الله عنه): قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير، فقال خالد: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صد عن سبيل الله، فقال ﷺ: إن الإسلام يجب ما كان قبله، اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع منه من صد عن سبيلك (ابن سعد، الطبقات، ج7 ص394). ومنذ ذلك اليوم وخالد يقاتل في صفوف المسلمين ويقودهم، ويجاهد في كل مكان لإعلاء كلمة الحق، فخرج مع جيش المسلمين المتجه إلى مؤتة تحت إمرة زيد بن حارثة (رضي الله عنه)، وكانت وصية الرسول ﷺ أنه: (إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة) [البخاري]، فلما قتل الثلاثة وأصبح الجيش بلا أمير، جعل المسلمون خالدًا (رضي الله عنه) أميرهم، واستطاع خالد أن ينسحب بجيش المسلمين وينجو به  (محمود المصري، أصحاب الرسول، ج2 ص266).

ويوم حنين، كان خالد (رضي الله عنه) في مقدمة جيش المسلمين، وجرح في هذه المعركة، فأتاه رسول الله ﷺ ليطمئن عليه ويعوده، ويقـال: إنـه نـفـث في جرحه فشفي بإذن الله (أخرجه أحمد، ج4 ص 88 351). واستمر خالد (رضي الله عنه) في جهاده وقيادته لجيش المسلمين بعد وفاة الرسول ﷺ، فحارب المرتدين ومانعي الزكاة، ومدعي النبوة، ورفع راية الإسلام ليفتح بها بلاد العراق وبلاد الشام.

ولما اتجه المسلمون إلى فتح فارس؛ كان لخالد (رضي الله عنه) في هذا الميدان ما لم يكن لرجل سواه، فقد لقي الفرس وأنصارهم في خمس عشرة وقعة، لم يهزم في أيّة وقعة منها، ولم يخطئ ولم يخفق، ثم بعد ذلك أمره الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالتوجه إلى الشام لقتال الروم (علي الصلابي، أبو بكر الصديق، ص299-304) فكان لخالد (رضي الله عنه) شرف قيادة جيش المسلمين في وقعة اليرموك، كبرى معارك المسلمين (عبد الرحمن باشا، صور من حياة الصحابة، ج2 ص196).

وعندما تولى الفاروق عمر (رضي الله عنه) الخلافة، عزل خالد بن الوليد من قيادة الجيش، وولَّى قيادة الجيش أبا عبيدة بن الجراح (رضي الله عنه)، فصدع بالأمر، وأسلم القيادة لخلفهِ، وأكمل خالد جهاده تحت راية القائد الجديد فكان جنديًّا مخلصًا مطيعًا لقائده، لا يدخر جهدًا ولا رأيًّا في نصرة الدين والحق (ابن سعد، الطبقات، ج7 ص397).

وظل خالد (رضي الله عنه)  يجاهد في سبيل ربه حتى مرض، ولما احتضر بكى وقال: لقد لقيت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي شبرٌ إلا وفيه ضربة سيف أو طعنةٌ برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء. وتوفي (رضي الله عنه) في مدينة حمص من أرض الشام سنة (21ه).  (خالد محمد ثابت، رجال حول الرسول ﷺ، ص232)

المراجع:

  • أبو بكر الصديق، علي محمد الصلابي، ط2، دار ابن كثير، دمشق، 2009.
  • قادة فتح بلاد الشام والعراق، بسام العسلي، (الطبعة الأولى)، بيروتلبنان: دار النفائس. (2012)
  • الطبقات الكبرى، ابن سعد، دار صادر بيروت، ط1.
  • أصحاب الرسول، جمع وترتيب: محمود المصري، مكتبة أبو بكر الصديق القاهرة، ط1، 1423هـ 2002م.
  • سير أعلام النبلاء، الإمام الذهبي.
  • صور من حياة الصحابة، الدكتور عبد الرحمن رأفت باشا، دار الادب العربي بيروت، ط1.
  • رجال حول الرسول، خالد محمد خالد ثابت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1،  ١٤٢١هـ ٢٠٠٠م.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى