بقلم د. حمدي أبو سعيد
كان -رحمه الله- يسعى إلى إقامة صرح عالمي كبير لخدمة القرآن العظيم، صرح يرفع راية القرآن عالية خفاقة فوق ربوع الدنيا كلها، ينشر رسالة القرآن بين العالمين كافة، ويُدافع عن القرآن العظيم، ويرد غارات الملحدين، ويصد مؤامرات الصليبيين الجُدد والمنافقين المتربصين بكتاب الله العزيز؛ وذلك بإقامة هيئة عالمية للقرآن الكريم، تقوم بهذه المهمة الجليلة؛ فيا لها من همة عالية لا يقوم بها إلا أفذاذ الرجال من أمثال أستاذنا الدكتور المعايرجي؛ رحمه الله.
ولد أستاذنا الدكتور حسن عبد المجيد المعايرجي في يوم الخميس 29 من شهر شعبان عام 1345هـ الموافق 3/3/1927م، بمديرية الشرقية في المملكة المصرية آنذاك، والشرقية قدمت للأمة العديد من الأعلام والمفكرين والقادة الكبار في شتى المجالات، من بينهم الرئيس الأستاذ الدكتور محمد مُرسي -فكَّ الله كربه وإخوانه-.
وقد درس أستاذنا كعادة أبناء مصر -أول ما درس- في كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم التي كانت ولا تزال بفضل الله تعالى مُنتشرة في ربوع مصر المحروسة، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بمدينة الزقازيق، ولرغبته الشديدة في التخصص العلمي الدقيق في دراسة الزراعة، وما يتعلق بها من علوم ومعارف مُهمة؛ فقد التحق بكلية الزراعة، والتي كانت من أشهر الكليات مع كلية الحقوق آنذاك، بجامعة فؤاد الأول -جامعة القاهرة- حاليا، وتخرج منها عام 1949م، ثم واصل دراساته العليا في مصر وخارج مصر حيث حصل الدبلومات العليا المتخصصة في العلوم الزراعية من ألمانيا الغربية سنة 1965م، وحصل على الدكتوراه من ألمانيا الغربية -أيضا- سنة 1967م، وكان عنوان أطروحته العلمية للدكتوراه: (التأثير البيولوجي للمواد المطهرة الكيميائية والفيزيائية في وجود مواد متعددة).
وكان أستاذنا المعايرجي -رحمه الله- يُجيد ثلاثة لغات بطلاقة، هي: (الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية) كتابة وتحدثا وترجمة منها وإليها، وقد عمل في سلك التدريس والبحث العلمي الذي أحبه وأجاده وأتقنه في مصر، وليبيا، والأردن، وقطر التي عاش فيها واستقر بها إلى أن لقي ربه، بعد أن لقي من حكامها وأهلها الكرام كل حفاوة وتقدير واحترام.
للأستاذ الدكتور حسن المعايرجي إسهامات وإنجازات علمية كثيرة من البحوث والدراسات والمطبوعات النافعة والأعمال المتميزة قدمها في حياته التي كانت حافلة بالعطاء والإبداع |
وفي دولة قطر قدم أعمالاً كبيرة وإنجازات كثيرة؛ فقد أسس أول مدرسة ثانوية بالدوحة عام 1956م، وعمل مديرا لمدرسة القصر التي عُرفت بمدرسة (الأنجال) والتي كانت تضم نُخبة من أمهر المعلمين المصريين وغيرهم لتدريس أبناء الأسرة الحاكمة بقطر، وفي هذه المدرسة تخرج بعض أمراء دولة قطر ووزرائها ورجالها الذين تولوا مناصب كبيرة في الدولة، ومع هذا كان يعمل مُستشارا مُقربا من أمراء دولة قطر السابقين؛ وكلهم كان يحترم أستاذنا الدكتور حسن المعايرجي رحمه الله ويُقدره لمكانته المرموقة، وشخصيته الفذة، وعلمه الغزير، وثقافته الموسوعية.
وقد أوكل إليه أمير قطر الأسبق -ثقة فيه- مع أعماله الكثيرة مهمة الإشراف العلمي على تعليم أبناء الأمير والأسرة الحاكمة في المراحل التعليمية المختلفة، وخاصة في جامعات مصر والمملكة المتحدة في الفترة من: (1967- 1978م)، وعندما تأسست جامعة قطر، انتدب للعمل فيها خبيرا عام 1978م، ثم بدا له أن يؤسس كيانا علميا مرموقا، له سمعة ومكانة عالمية، على أفضل ما تكون المعايير العلمية الدولية.
فأسس في عام 1979م (مركز البحوث العلمية والتطبيقية، بجامعة قطر)، وقد تولي أمانة المركز بتاريخ 28/3/1979م، وبذل جهوداً كبيرة في وضع برامج ومشروعات خطة عمل المركز البحثية، وقدم في هذا الإطار أبحاث ودراسات علمية مُحَكَّمَة وفق المعايير العلمية العالمية، وعمل على الإســـــهام ببحوثه ودراساته المتخصصة في العلوم البيولوجية والكيميائية ضمن نشـــاطات مشروعات البحوث التي قدمها المركز، وحتى يستفيد المجتمع من أعمال المركز وإنجازاته في مجال البحوث العلمية والتطبيقية، أسس اللجــــان المشــتركة بين المركز والوزارات والمؤسسات المعنية بالدولة.
وقد سعى أستاذنا المعايرجي -رحمه الله- لوضع المركز ببحوثه وانجازاته العلمية المتميزة على خارطة الساحة العلمية الدولية؛ فراح يُشارك من خلال أنشطة المركز الخاصة في علاقات وشراكات مع العديد من مراكز البحوث والروابط والاتحادات العلمية العربية والدولية؛ مثل: اتحاد مجالس البحث العلمي العربية، والمنظمة العربية للثقافة والتربية والعلـوم، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)؛ وظل أستاذنا -رحمه الله- على رأس المركز، يُدير شؤونه، ويُقدم انجازات علمية مرموقة مع فريق العلماء والباحثين بالمركز، في عطاء علمي مُتواصل حتى تقاعده في عام 1996م.
وللأستاذ الدكتور حسن المعايرجي -رحمه الله- إسهامات وإنجازات علمية كثيرة من البحوث والدراسات والمطبوعات النافعة والأعمال المتميزة قدمها في حياته التي كانت حافلة بالعطاء والإبداع، وكانت له مشاركات علمية في المحاضرات والندوات والمؤتمرات والزيارات الأكاديمية والورش والدروات التدريبية للباحثين وغيرها بجامعة قطر، والجامعة الأردنية، وجامعة بغداد، وعدد من الجامعات العربية والأمريكية والأوروربية، وغيرها من الجامعات ومراكز البحوث العلمية المشهورة في العالم؛ رحمه الله، وجزاه عن الإسلام والقرآن وأهله خير الجزاء ..
وكان عطاء أستاذنا العلامة الدكتور حسن المعايرجي -رحمه الله- ثرياً ومُتنوعاً، فكما كان مُبدعا مُتميزاً في تخصصه العلمي في مجال البحوث والدراسات البيولوجية والكيميائية، كما كان مُبدعا ومُتميزاً في مشروع عُمره الذي ملك عليه حياته، ألا وهو مشروع خدمة القرآن العظيم، من خلال بوابة تبليغ رسالة الإسلام إلى العالمين كافة؛ بواسطة ترجمة تفاسير قُرآنية صحيحة بجميع اللغات العالمية الحية، ونشرها في شتى بقاع الدنيا؛ ولذا كانت رحلته مع القرآن وخدمة الإسلام محطة من أهم محطات حياته المباركة، باعتبارها المجال المهم الذي أولاه جُلَّ اهتمامه، وأعطاه كُلَّ وقته، وبذل من أجله كل غال ونفيس من جهده وماله؛ -رحمه الله-
قام المعايرجي بحركة طباعة ونشر واسعة على نفقته الخاصة في الغالب، وبمساعدة من بعض أهل الخير نادرا؛ للعديد من ترجمات معاني القرآن العظيم بعدد من اللغات العالمية
ومع كثرة أعمال أستاذنا الدكتور حسن المعايرجي -رحمه الله- وانشغالاته، إلا أنه كان مُتَيَّماً بحب الإسلام العظيم وخدمة القرآن الكريم والعمل للإسلام بجهده وقلمه ومحاضراته وأمواله ورحلاته الكثيرة وصحته، وكل ما يملك؛ حيث كانت حياته كلها لهذا الدين العظيم؛ وقد بارك الله له في وقته وصحته وماله حتى استطاع أن يُقدم انجازات كبيرة في هذا المجال مع ما قام به في تخصصه العلمي في العلوم البيولوجية، فقد ساهم في تأسيس (لجنة القرآن الكريم) بجامعة قطر، وتولي أمانة أعمالها، وشارك كذلك في أعمال تأسيس (الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية – بالكويت)، وكانت له جهود ومشاركات علمية وبحثية قيمة وتعاون كبير في خدمة القرآن والإسلام مع مركز أبحاث التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية -أرسيكا-، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، باستانبول التركية، وقد شارك بجهد وافر في إعداد ” البيليوجرافيا العالمية لترجمات معاني القرآن الكريم “، هذا العمل العلمي القرآني الكبير الذي قدمه المركز إلى أمة الإسلام، ولاقى استحسان وثناء المختصين في الدراسات والترجمات القرآنية.
ولما قام بإهداء جزء كبير من كنوز مكتبته ومُقتنياتها القُرآنية الثمينة -التي لا تُقدر بمال، والتي جمعها من شتى بقاع الدنيا- إلى (مجمع المدينة المنورة لطباعة المصحف الشريف)، دعاه القائمون على المجمع؛ للمشاركة في أعمال اللجنة العلمية للمجمع بالمدينة المنورة، على مُنورها سيدي رسول الله -أفضل صلوات الله وسلامه- في دورتي: عام(1414هـ/ 1994م)، وعام: (1415هـ/1995م).
وقد قدم العديد من البحوث والدراسات العلمية المحَكَّمَة حول القرآن العظيم، من خلال (ترجمات معاني وتفسير القرآن العظيم)، وهي إسهامات علمية متميزة في هذا المجال، وعند التقييم العلمي المنصف لها يُمكن تصنيفها -علميا- على أنها اكتشافات علمية لعلوم جديدة تُضاف إلى علوم القرآن العظيم، ومن أهمها كتابه المتميز: (“الهيئة العالمية للقرآن الكريم.. ضرورة للدعوة والتبليغ”)؛ وقد قام بالتواصل مع علماء المسلمين في مناطق واسعة من العالم الإسلامي، وقام بزيارات عديدة إلى هذه البلاد، وجلب معه العديد من التفاسير القرآنية النادرة، وبعضها مكتوب بالحرف القُرآني (العربي الجميل).
وقام -رحمه الله- بحركة طباعة ونشر واسعة على نفقته الخاصة في الغالب، وبمساعدة من بعض أهل الخير نادرا؛ للعديد من ترجمات معاني القرآن العظيم بعدد من اللغات العالمية التي ظهرت -مطبوعة- لأول مرة في تاريخ أمة الإسلام، وقد سبق في جهوده الكثير من الهيئات الإسلامية الكبيرة في عالمنا الإسلامي اليوم كالأزهر الشريف بمجمع بحوثه الإسلامي العريق، وجامعته الإسلامية المباركة التي هي الجامعة -الأم- لكل الجامعات الإسلامية في العالم، وقد سَبق وتفوق بجهده الفردي المبارك على جهود هيئات ومؤسسات كبيرة مُتخصصة في ترجمة معاني القرآن: كالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر و المجالس المماثلة في كثير من بلاد المسلمين، ومجمع المدينة المنورة لطباعة المصحف الشريف (مجمع الملك فهد)، وغيرها من المؤسسات الإسلامية الكبيرة المسؤولة عن تبليغ رسالات الله -جلّ وعلا- ونشر رسالة القرآن العظيم بكافة اللغات العالمية.
(المصدر: مدونات الجزيرة)