مقالاتمقالات مختارة

خاب المتاجرون بالسياسة على حساب مقام النبوة (1)

بقلم منذر الأسعد

كنا –وما زلنا- نغضب من سفهاء الأمم الأخرى الذين يتطاولون على سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام؛ لكن المفاجئ أن يشاركهم في تلك الجريمة النكراء بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن يزعمون أنهم من أهل الدعوة، فقد أصبح مقام النبوة الجليل عندهم جسراً لخدمة مآرب سياسية بائسة!!

خبث.. تخدمه الغفلة

بدأت الإساءة على يد شيخ أزهري عندما ادعى أن 90% من مواطنيه يعيشون أحسن من معيشة النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم !!

فهذه –من دون شك- منتهى قلة الأدب!! وكان في وسع الدعي أن ينافح عن الساسة الذين يؤيدهم، من دون أن يقحم اسم النبي الخاتم في مهرجان تطبيله.

ولولا أنه مفلس أخلاقياً لعقد المقارنة بين حال الفقراء في بلده بأحوال شعوب أخرى معاصرة، أو بحال الشعب نفسه اليوم قياساً إلى مراحل سابقة.

وجاء الرد بسوء أدب لا يقل عمن أطلق شرارة هذه التجنيات.. والخلفية وراء الرد سياسية كذلك، وليست منافحة عن مقام النبي ومكانته السامقة في قلوب الأمة وعقولها.
زعم الموقف المضاد أن المصط في صلوات ربي وسلامه عليه كان “مليارديراً”!!

وإيحاءات كلمة ملياردير سلبية في الذهنية العامة حتى لدى غير المسلمين.. فكيف وهي افتراء على سيد البشر مثلما سنبين بعد قليل؟ فلو وصفه بأنه كان غنياً لأصبح الموضوع يقبل المناقشة، وخاصة أن الغنى لا يقتصر على كثرة المال.

وفي المناسبة، فإن ادعاء أن النبي الكريم كان غنياً جداً، بدأ على يد الشاعر العراقي الراحل معروف الرصافي في كتاب وقح منسوب إليه؛ وقد ردد هذا الهراء بكثرة سائر الملحدين والزنادقة في مواقعهم المبثوثة على الشبكة.

لكن بعض البلهاء كرروا هذه الدعاوى من دون تمحيص، مثل ذاك الذي أصر في حلقات عدة في فضائية مشبوهة -؟؟- على وصف النبي عليه الصلاة والسلام بأنه مليونير..

ومقصد الخبثاء الطعن في النبوة جملة وتفصيلاً، وأما الساذجون فقد غفلوا عن هذه الغاية السفيهة، ونسوا أن كل واحد نبي كان يقول لقومه ما مفاده:
{قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سورة سبأ / الآية 47].

نُفاةُ فقر النبي

منكرو السنة النبوية ممن يزعمون أنهم “قرآنيون” يحملون لواء التشكيك في أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كان فقيراً..

يقول أحد سفهائهم (سأثبت كلامه بأغلاطه وقبحه من باب الأمانة في النقل!!-:
“كثيرة هي الروايات التي تدعي أن النبي كان فقيرا، كثيرة هي الروايات التي تدعي أن الخلفاء كانوا يعيشون في تقشف، كثيرة هي الفتاوى التي توحي للمسلم البسيط أن يرضى بالفقر، ولا يفكر في الغنى ـ مستسلما لهذه الفتاوى التي نشأت في فترة معينة من تاريخ المسلمين، التي كان الفقهاء يعملون فيها لخدمة السلطان ضد الشعوب..

ـ الحديث عن فقر الرسول ـ رواية البخاري التي يدَّعِـي فيها أن النبي مات ودرعه مرهون عند يهودي ـ قمة الاستهزاء برسول الله ـ وهم يظنون أنهم بذلك يرفعون من شأن النبي لأنه كان فقيرا، ومات مدينا ليهودي، أين هي الرفعة هنا ـ هل أرسل المولى سبحانه وتعالى الرسول ليجعله فقيراً بين أغنياء الجزيرة العربية..؟؟

رواية أخرى للبخاري يدعي أن بيت النبي كان لا يوقد فيه نار طوال أربعين يوماً ـ هل يصدق ذلك يا مسلمين. ؟ ـ فكيف كان يعيش على التمر والماء واللبن كما يدَّعِـي البخاري أيضاً ـ من منا يتحمل اليوم أن يعيش على التمر والماء فقط، ومن منا يرضى أن لا توقد في بيته نارا ليوم واحد ـ إن معظم الناس لا يمتنعون عن أكل الهـُبـَر إلا بتعليمات من الأطباء عند المرض الشديد، ورواية تدعي أن النبي كان يربط على بطنه من شدة الجوع أو كان يضع على بطنه حجر من الجوع ـ هل أرسل الله عز وجل رسوله ليعذبه.؟؟.. هذا تناقض واضح مع كتاب الله عز وجل ـ كل هذه الروايات الكاذبة التي لا يقبلها عقل ـ لا تمثل إلا الإهانة لرسول الله من أشخاص يكرهون رسول الله…، والأهم أنها تناقض ما جاء في كتاب الله..

يقول المولى سبحانه وتعالى لنبيه الكريم: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ـ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ـ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ـ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 8: 11] أليس هذا دليلا على أن النبي كان غنيا بما يجعله عائلا لأسرته وبعض فقراء المسلمين ـ الآية الثامنة من سورة الضحى توضح تحول الرسول من الفقر إلى الغني لأنه أصبح عائلا، الآيتان التاسعة والعاشرة من نفس السورة توضحان سبب هذا الغني هو العطف على الفقير، لا تقهر اليتيم بكسر نفسه أو إذلاله أو استغلال ضعفه، أما بالنسبة للسائل ـ ولا تنهر السائل في ردك عليه سواء أعطيته أم لم تعطيه، يجب أن تعامله برفق وحنان وعطف، وكذلك يضاف إلى المعني إذا ربطنا هاتين الآيتين بالآية قبلهما ـ جعل الله عز وجل نبيه غنيا بعد فقر ليكون مستعدا لإعطاء المحتاجين والفقراء والمساكين، وآخر آية في الصورة هي الاعتراف بنعمة الله عليه، ثم يأتي هؤلاء يكذبون على الرسول، ويتهموه بالفقر، وهو مطالب بأن يحدث بنعمة الله عليه..””!

طبعاً هناك من قال لهذه النطيحة: ماذا يقول في قول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [سورة التوبة: 91-92].
فهل يقول: إنها تعارض قول الله تعالى: {ووجدك عائلاً فأغنى}!!!؟؟
حيث إن آية سورة التوبة صريحة جداً في أن النبي لم يجد ما يحملهم عليه: {قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ}.

وأضاف آخر: وهل من العيب أن يزهد الإنسان في الدنيا ويدخر ما بها للآخرة، أليس الله هو القائل: {وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى}!!؟

وقال ثالث: الفقر ليس عيباً في الإنسان، وليس من العيب أن يكون الرسول فقيرا، الرسول بالفعل كان فقيرا فأغناه الله لأن وضعه اختلف بين قومه بعد الرسالة، ولابد أن يكون على استعداد تام لمساعدة جميع الفقراء، ليس الغنى هنا غنى شخصي، ولكن أغناه الله لحكمة، ولسبب أنه أصبح عائلا، وقدوة للأغنياء في ذات الوقت بمعنى أغناه لينفق على الفقراء والمحتاجين..

وهل النبي قدوة للأغنياء فقط!!

ألا يجب أن يكون قدوة للفقراء أيضاً، لقد أجاب بنفسه على نفسه، فالنبي مر به الفقر ليكون قدوة للفقراء ومر به الغنى ليكون قدوة للأغنياء ثم قدر له أن يموت فقيراً لينال أجر الزهد  في الدنيا.

وقد جاءت أحاديث كثيرة تخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فأعطاه مالاً كثيراً، غنماً تملأ ما بين جبلين فذهب إلى قومه قائلاً لقد جئتكم من عند خير الناس، جئتكم من عند محمد، إنه يعطى عطاء من لا يخشى الفقر، فأسلم هو وقومه جميعاً.

إن الله يؤيد نبيه بالمال وبدون المال وبقلة المال.

(المصدر: موقع المسلم)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى