مقالاتمقالات مختارة

حين يتشدد المتديّن في نقد أخطاء المتديّنين!

بقلم خباب مروان الحمد

تراه يشتدّ ويحتدّ في نقد الملتزمين والمستقيمين على الدين إن حصلت منهم أفهام خاطئة، ولربما عرض ما عندهم من رؤى بلغة الساخر المتهكم.. وإن أخطأت المتبرجة أو الشاب الماجن أو المثقف الزائغ؛ فتراه بكل لطف وحنو يحاول أن يبين لهم ما أخطؤوا فيه؛ لأن الإسلام دين الرحمة والتسامح واللطف، ولهم جميعاً العبارات الهادئة، وأمّا تعامله مع أخطاء الملتزمين أو ممارساتهم لمفاهيم غير صحيحة؛ فالويل والثبور، والتهكم وعظائم الأمور..

ومن هنا فإنّ بعض الصالحين يظنُّ أنّ أخطاء الملتزمين دينياً ينبغي أن تُنتقد بشدّة وسخرية لئلاَّ يُظنّ أنّها من الدين، ولا تتخذ ذريعة للحديث عن عموم المتديّنين. ولا إشكال في النقد والتصويب والتخطئة والتبيين بل المُزعج حقاً وجود التجريح والتهويش والتشويش بأساليب يظهر منها أنّ الشخص يختلف مع هؤلاء نفسياً أو شخصياً.. فهو يعرض نقده بروح السخرية والاستهزاء والاستخذاء.. ومُراده من ذلك المزيد من الإزراء عليهم والتنقص منهم، وربما يزيد ذلك سوءاً بهدف إضحاك من هو أمامه وإظهار خفّة عقول من ينتقدهم..  أحياناً يكون الشخص نفسه كان من أشدّ الناس تشدداً وتزمُّتاً في مرحلة ما؛ فإذا تقدم به العلم والتجربة والحال؛ يُريد أن يُكفّر عمّا سبق بأساليب رخيصة مبتذلة؛ ليظهر من نفسه روح الانفساخ والانزياح عمّا كان عليه سابقاً.

إنّ القيم تسمو، والهمم تعلو حينما تنعطف القلوب على بعضها؛ ولا يكن من يظنّ في نفسه التديّن أنّ الآخر قد ينحرف لسوء نقده؛ بل قد يكون آخر عهده بالتدين حينما يرى فظاظة الآخر في نقده له

وأحياناً يكون للباحث رؤى معيّنة كان يراها دقيقة وصحيحة؛ ثمّ حين يُوفّق لنتيجة اجتهادية، يستطيل على معارضيه ومخالفيه، مع أنّه كان يقول بقولهم نفسه، ولمّا اختلفت رؤيته معهم؛ أساء الأدب مع غيره، فبدلاً من طرح القضيّة بموضوعيّة وأدب، يزيد غلظة وبؤساً في التعامل مع مخالفيه حتى يُعجب برأيه وفكره تِيهاً وإعجاباً، قبالة الاحتقار والتصغير من شأن معارضيه وناقديه.

ماذا على هؤلاء لو اختلفت طريقة تعاملهم فقط؟ ماذا عليهم لو رفقوا مع غيرهم وأعطوا الناس الذي هو خير من الكلام الطيب، والرؤية الهادئة، والكلمة الحازمة، والحجّة الواضحة بتواضع وسكينة. أوليس المرء كان يُحب أن يصبر غيره عليه أثناء توجيهه ونقاشه نحو الاعتدال في التفكير؛ فليكن رفيقاً مع من يريد أن يؤثر عليه، وليدع القسوة والشدّة على من مخالفه، خاصّة إذا كان قد عاش التجربة ذاتها. يظنّ بعضهم أنّ تكفيره عن تفكيره يكون بالإساءة والشتم والردح والقدح والجرح؟! كان الأحرى به أن يكون أكثر الناس قرباً له بإيضاح السبل الصحيحة، لا أن يكفره في وجهه، ويمقته بنظراتك، ويشيح بكشحك عنك!

يا من ابتلي بذلك:
احسب نفسك مثله إذ كنت قديماً؛ فهل كنت تحب أن يتعامل معك الناس كذلك؟؟ ولا تتأوّل لنفسك وتتعذّر لها؛ ثمّ تلقي باللوم على غيرك، فوالله لست بعادل أبداً.. واعلم أنّ أكثر ما يؤثّر على الناس في تغيير أفكارهم ليس مُجرد الفكر الصحيح والمنهج السليم؛ بل اتزّان النفسيّة العاطفية المؤثّرة بمجتمع يفتقد الإحساس بهاته الجوانب.!! وبالأسلوب الأجمل والأمثل يُخاطبك الله فيقول له: (كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم). هل لو كان صاحب هذا الأسلوب قد قُوبِل بالأسلوب الذي يستخدمه الآن بنقد الآخرين وليس مراده إلاّ التنفير منهم أكثر من إصلاح طريقتهم.. هل لو كان مثلهم ومنهم الآن سيقبل النقد؟ وسيُصلح حاله؟ وسيُغيّر طريقته؟ كلاّ والله؛ بل سيركب أمّ رأسه؛ وسيكون مشتدّاً على ما هو عليه؛ فماذا انتفعنا؟!

إنّ التجربة مع الناس تقول: قلّ أن تُغضب أحداً أو تسخر من أحدٍ في نصحك أو نقدك له ثمّ يقبل منك.. والناس لها عقول وتفكر؛ وكلّ واحد يخلو بنفسه ويعرض أقوال الآخرين عليه في لحظة هدوء؛ فحينما يشعر تلك الكلمة الحانية الهادئة الدافئة قد لامست خللاً فيه؛ يُحاول التفكير: كيف أصلح من حالي وشأني؟ أمّا حينما يتذكّر سخرية الآخر به؛ حتّى لو بات شبه مقتنع بخطأ مسلكه؛ فلربّما بقي على ما هو عليه لا لكونه الآن يختلف فكرياً مع من انتقد فكرته؛ بل لأسلوبٍ فجٍّ سلكه الآخر في تطويحه بغيره من الصالحين..

إنّ الحفاظ على مكتسبات الدعوة في تديّن الآخرين، وصلاحهم خاصّة من الشباب الذي ينبغي أن تُعقد الخناصر عليهم؛ وأن يُشدّ من أزرهم؛ في وقت يتعرّضون فيه من كافّة الجهات في عمليات الإهانة والابتذال والسخرية..! إنّ القيم تسمو، والهمم تعلو حينما تنعطف القلوب على بعضها؛ ولا يكن من يظنّ في نفسه التديّن أنّ الآخر قد ينحرف لسوء نقده؛ بل قد يكون آخر عهده بالتدين حينما يرى فظاظة الآخر في نقده له؛ فيقول كما قال أحدهم: تركتُ لكم التديُّن جُملة وتفصيلا.! بل لعمر الله إنّ هذا هو التنفير من الدين وهي الفتنة الحقيقة لأهل الدين حين يدّعي من ينقدهم أنّه ينصحهم وهو في الحقيقة يبتذلهم ويفضحهم ويُعرّيهم..

وما الهدف؟!

قد يكون هدفُه إصلاح خطأهم. ونحن نقول: ما هكذا يا أخي تُورد الإبل؟ بل إنّك كمن تريد أن تُطبّ زكاماً فتُحدِث جُذاماً؛ وتعالجُ الخطأ بالخطأ.!! قد يكون هدفه أن يتفّهم غير المتديّنين أو الليبراليين أو الوسائل الإعلاميّة أنّ هنالك من ينتقد بصوتٍ عالٍ لأفعال أولئك المتديّنين. ونحن لا نُمانع من النقد لهم؛ إن كان ما يقولونه أو يفعلونه يستحق النقد؛ لكن أبهذه الطريقة المُجحفة يحسن التعامل؟! ألا يعلم المنتقد الساخر أنّه كذلك سيُصبّ عليه نار الجحيم من تلك القنوات أو من كثير من الليبراليين في حالة وجدوه قد أخطأ ويُضخّموا الخطا الذي وقع فيه ويجعلوا من الحبّة قبّة ومن النملة فيلاً؛ ويوسعوه شتماً.. فلا يظنّن ظانُّ التزم بدينه وصار له صيت وصوت؛ أنَّ الآخرين لن يُشوّشوا عليه لو زلّ زلّة بل تتبع عثراته سيكون أكثر من غيره.

إنّ كسب قلوب الصالحين أولى من كسب قلوب غيرهم؛ ولنا في قصّة رسول الله صلى الله عليه وسلهم حينما قال الله له: “عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴿1﴾ أَن جَاءهُ الْأَعْمَى ﴿2﴾ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴿3﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى ﴿4﴾ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ﴿5﴾ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ﴿6﴾ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ﴿7﴾ وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى ﴿8﴾ وَهُوَ يَخْشَى ﴿9﴾ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى“، وقال تعالى: “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا“.

تولانا الله وإياكم برحمته، وعاملنا والمسلمين بعفوه..

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى