حينما تكون السلطة متطرفة!
بقلم محمود أبو الفتوح
يُقر الدستور المصري بأن الشعب هو المصدر الوحيد للسلطة، وأيضاً يعترف بأحقية مفردة للشعب بممارسة السيادة وحمايتها، ولكن النظام الحاكم له رأي آخر، ويخالف صراحةً ذلك الإقرار والاعتراف الدستوري، ويقابل كل أساليب الاحتجاج بممارسات أمنية متطرفة وممارسات قضائية جائرة بتهم معدة سلفاً؛ لإخضاع الشعب بالقوة، ومنهجه إطاعة الأوامر والانبطاح أمام قرارات الحكومة. فلم يكتفِ النظام الحاكم بالرفض الجماعي لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، ويوجد حتى الآن مصريون داخل السجون مسلوبة حقوقهم وحريتهم على خلفية الاحتجاج ورفض الاتفاقية، وتم توجيه حزمة التهم المعتادة إعلامياً وقضائياً لهم.
ليس هذا فقط، وإنما تواصل الدولة هدم النظام الاجتماعي والسياسي في مصر، بالتعاون مع البرلمان، عبر تمرير حزم من القوانين يتم تمريرها دون اكتمال النصاب القانونى لها، أو حتى دراسة تداعياتها وسلبياتها على المجتمع المصري، وكيف سيتعامل معها المواطن البسيط؛ لأنها تؤثر عليه وعلى حياته بشكل مباشر، وتتسبب في خلق أزمات جديدة كارتفاع في الأسعار وتضييق الإطار المعيشي العام، وهذا يعد سبباً رئيسياً لارتفاع معدلات الجريمة ونمو الاحتقان الدائم بين السلطة والشعب، وتغذية متعمدة لطاقة التصادم السلطوي مع الشعب، وهذا ما يستدعيني الآن لأقول: إنه لو النظام الحاكم في مصر يستهدف التصادم مع الشعب في الشوارع والميادين ما سعى له بكل هذا الجهد وهذه الاحترافية.
ترتكب الدولة تلك الانتهاكات بدعوى العجز الاقتصادي الحاد، وسعيها لخلق موارد تحصيل أموال جديدة للدولة، في حين أنها لم تنظر إطلاقاً لتطبيق نظام الضريبة التصاعدية في مصر التي تستطيع من خلالها تحصيل أموال تُقدَّر بمليارات الجنيهات المصرية سنوياً، دون أن تؤثر على المواطن البسيط ومحدودي الدخل، ولكن الدولة تخشى تطبيقها كي لا تُعادي أنصارها من رؤوس الأموال المصريين وأصحاب الشركات الكبرى الذين حصلوا على مساحات كبيرة من أراضي الدولة في عهد المخلوع حسني مبارك، بسبب التشابك الشديد بينهم وبين النظام الحاكم على المستوى الشخصي والاقتصادي والسياسي، فضلاً عن حالات الشراكة العلنية بين أصحاب مناصب عليا في الدولة وبين هؤلاء الأشخاص، وهذا يتنافى مع مبادئ العدالة الاجتماعية ويفرض حالة إسقاط متعمد للظلم على بعض فئات المجتمع، وأيضاً تستطيع الدولة فرض ضريبة الهدية واستخدامها كمصدر آخر لتحصيل الأموال، وهي نظام ضريبي يُطبق على نقل الملكية من شخص إلى آخر آو مبالغ نقدية، وإذا كانت الهدية عينية يُقدَّر ثمنها الإجمالي من قِبَل الجهة المختصة بتحصيل الضرائب ثم يتم فرض الضريبة طبقاً للنسبة المئوية المفروضة على المبالغ النقدية.
الفساد الاجتماعي لا يتوقف على تكاسل الحكومة عن عملها أو بُطئها في تنفيذ مهامها، وإنما أيضاً يرتبط ارتباطاً شديداً بطرق إدارة الحكومة للدولة، والحفاظ على نسيج المجتمع على النحو الدستوري المبين في الدستور، وما تفعله الحكومة المصرية الآن من تغيير هيكلي للمجتمع المصري وتحوله من فئات يكمل بعضها بعضاً لفئات يخدم بعضها بعضاً من أسفل إلى أعلى بنظرة أرستقراطية شاذة، واحتكار غالبية المصادر الاقتصادية للدولة لصالح مؤسسة بعينها، وهي ليست المؤسسة المختصة للإدارة الاقتصادية للدولة، وإنما هي المؤسسة المنوط بها توفير الحماية الخارجية للوطن وسلامة أراضيه! شيء ليس له علاقة بالدستور ومواده وإنما هو ازدراء للدستور وانتهاك واضح لحقوق الشعب المصري، وتهديد لأمنه واستقراره.
استغلال موارد الدولة لتحقيق مكاسب شخصية للنظام الحاكم وتقديمها قرابين للخارج لتوطيد علاقاته بالمجتمع الخارجي ليتغاضى عن انتهاكاته الداخلية، ويتواصل في دعمه سياسياً، هو تصرف فيما لا يملك وخيانة للأمانة والقَسَم الذي أقسمه، وجريمة بحق الشعب والأجيال القادمة، فهذه الموارد ليست ملكاً لشخص أو لرئيس أو لحكومة، وإنما ملك للشعب وحده وأجياله المتعاقبة، ولا يجوز التصرف فيها تحت أي مسمى أو لتحقيق أي مكاسب مادية أو سياسية، والتصدي للاحتجاج الشعبي على تلك السياسات بزعم الحفاظ على الأمن العام بالأساليب الأمنية العنيفة غير المبررة إطلاقاً ما هو إلا تطرف من جانب السلطة، وتجرد كامل من مفاهيم الحكم الرشيد والوطنية التي يتبناها النظام الحاكم إعلامياً لتسويق إدارته الحكيمة للدولة، وتهيئة سياساته وتصديرها للشعب على أنها الأفضل في تاريخ مصر.
(المصدر: مدونات الجزيرة)