حينما تتبرقع الباطنيّة بشعارات التجديد (1-3)
بقلم د. محمد عياش الكبيسي
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق حقاً ولا تبطل باطلاً، مثل قول بعضهم: إن الجنابة التي أمرنا الله بالتطهّر منها إنما هي التقرب من الأغيار، وإن الصوم المفروض علينا إنما هو كتم الأسرار، وإن الزكاة المفروضة علينا في القرآن إنما هي محبّة سلمان الفارسي -رضي الله تعالى عنه-! وقول آخرين: إن إبليس قد نجح في اختبار التوحيد، إذ رفض أن يسجد لغير الله! ورأيت بعضهم يؤوّل قوله تعالى: «مرج البحرين يلتقيان» أنهما علي وفاطمة، و»يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان»، قال: الحسن والحسين -رضي الله تعالى عنهم أجمعين-! وفي قوله تعالى: «فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه» قال: الكلمات هي ولاية علي وأبنائه!
لقد استند الباطنيون فيما يهدفون إليه -ومنذ القدم- إلى ثلاث ركائز ينبغي الوقوف عندها، لأنها عدّتهم في كل زمان، وإن اختلفت أسماؤهم وعناوينهم، وهذه الركائز هي:
أولاً: إبطال السنّة النبويّة، والتشكيك في مصادرها ورواتها تشكيكاً عاماً وشاملاً وبطريقة فوضوية ومزاجية، لا تستند إلى قاعدة ولا إلى معيار، فالحديث الذي يعارض أمزجتهم حكموا عليه بالوضع، ولو كان في البخاري ومسلم، والحديث الموضوع ينقلب إلى حجة ودليل قاطع إذا وافق أمزجتهم، بل رأيت منهم من ينكر البخاري، ثم لا يلبث أن يستشهد برواية تاريخية مبتورة ليس لها سند ولا راوٍ أصلاً.
ثانياً: الطعن في سلف الأمة الصحابة والتابعين وتابعي التابعين -رضي الله تعالى عنهم- وهذه ركيزة متصلة بما قبلها، لأن الذي روى لنا السنّة إنما هم هؤلاء، فالطعن في الراوي يعني بالضرورة الطعن في الرواية، ومن هنا تجدهم يصوّبون سهامهم نحو أبرز نقلة السنة من الرجال أبي هريرة، وأبرز نقلة السنّة من النساء عائشة أم المؤمنين، وليس المقصود أبا هريرة ولا عائشة -رضي الله تعالى عنهما- وإنما المقصود الدين الذي نقلوه والعلم الذي حملوه.
ثالثاً: إبطال اللغة العربية، وهذه الحلقة المكملة، وهي ثالثة الأثافي -كما يقال- فمن المعلوم بالضرورة أن القرآن إنما نزل بلغة العرب، والتفسير اللغوي يعدّ من أقوى المناهج التفسيرية، وهو يتكامل مع التفسير بالسنّة والمأثور، إذ الصحابة والتابعون هم أهل اللغة الفصحى، كما أنهم أهل الرواية، وإنما فشا اللحن وضعف اللسان العربي بعدهم، ومن ثم كان الطعن في اللغة متمماً للطعن في السنة ورواتها.
لقد تصدّى علماء الإسلام لهذه النزعة الفوضوية المشبوهة حتى أدخلوها في جحرها الذي خرجت منه، وعشّها الذي فرّخت فيه، وكان من أشهر من تصدّى لها حجة الإسلام الغزالي في كتابه «فضائح الباطنية»، وشيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «منهاج السنّة» حتى صار الباطنيون يخجلون من أنفسهم، ويستترون من معايبهم بثوب التقية أحياناً، وبكتم كتبهم وتحريم تداولها أحياناً أخرى، لكنها بدأت تعود هذه الأيام بثوب آخر وبشعارات أخرى، وصرنا نواجه تحدياً يضاف إلى أخطر التحديات التي نواجهها في هذا العصر.
(المصدر: صحيفة العرب الالكترونية)