حول مواقف شيخ الأزهر أحمد الطيب من الانقلاب وغيره
بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد
حضور شيخ الأزهر أحمد الطيب مشهد الانقلاب لا يمحو أثرَه ولا يغسل عارَه شيءٌ ولا موقفٌ، إنما تمحوه التوبة النصوح، وتصحيح الموقف بموقف مماثل، يضع الأمور في نصابها، ويعتذر عن موقفه في حضوره مشهد الانقلاب، ويبين حكم الشرع الشريف فيما جرى ويجري بكل إنصاف وتجرد.
ولا يُعتذر عن شيخ الأزهر – وهو أكبر عمة في مصر والعالم الإسلامي – أنه قد غُرر به أو قُدِّمتْ له معلومات غير صحيحة فتم تضليلُه! ومن ثم أخذ بقاعدة أخف الضررين!!
دعونا نسير معه حسب قوله: فأين الضرران، وأين أخفهما؟
الضرر الأول: هو الانقلاب على رئيس مسلم منتخب جاء بعد ثورة سالت لها الدماء وأزهقت فيها الأرواح، وقدمت لها أثمان، وإهدار إرادة الشعب كاملا .. وهو ضرر محقق ومتيقن ..
والضرر الثاني: هو إنقاذ مصر – كما زعموا – من حرب أهلية، وهو ضرر محتمل إن لم يكن متوهَّما…
فقواعد الفقه تقضي بأن ندفع الضرر المؤكد المتيقن، ومن ثم كان الواجب على شيخ الأزهر أن يرفض هذا الانقلاب شرعًا اتباعًا للقاعدة التي استخدمها خطأ وطبقها خطأ، وشوَّهها في عقول الناس!. لا أن يحضر مشهد الانقلاب ويشارك فيه بشكل مباشر ويترتب على ذلك دماء وأرواح وعذابات سيسأله الله عنها، وستسأله الأجيال القادمة، وكذلك التاريخ!
سنفترض أن شيخ الأزهر قد تم تضليله والتغرير به، أفلم يتبين له الحق من الباطل بعد ذلك؟ ألم يرَ سفك الدماء، وانتهاك الأعراض لبنات مصر ونسائها، بل في قلب جامعة الأزهر نفسها التي سيُسأل عنها أمام الله؟!
ألم يتابع هذا الظلم والخراب وبيع مصر والتفريط في أراضيها وحصصها من نيلها؟!
ألم ير كل هذه الجرائم في العقيدة والشريعة والاقتصاد والسياسة وتجريف مصر من ذلك كله؟!
ألم يتابع الاعتقالات العشوائية، وانتهاك حرمات البيوت، والقتل بالبطيء داخل المعتقلات؟!
ألم يتابع القصور التي بنيت من مال الشعب والشعب يتضور جوعا؟!
لا شك أنه تابع ذلك كله، كما يتابعه العالم، لكنه لم يصحح موقفه، ولم ينكر هذا المنكر الواجب إنكاره شرعًا بالطريقة الواجبة والصراحة المطلوبة..
ثم ماذا فعل شيخ الأزهر حين علم بمذبحة القرن – مذبحة رابعة – ذهب ليعتكف في قريته كما يعتكف بابا الكنيسة في أديرتهم!!
هل دينُنا دين اعتكاف عند انتهاك الحرمات وارتكاب الكبائر؟!
إن ديننا دين مقاومة ورفض للقهر وكبح للظالمين وأخذ على أيديهم…
إنه دين حياة وقوة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر .. وكان الواجب على شيخ الأزهر أن يعلن بكل جلاء ووضوح أن ما فعله السيسي وعصابته هو منكر شرعًا يجب على الشعب مقاومته ورفضه، وأن يسعى الشعب – وهو معه وفي مقدمته – لاسترداد إرادته وحريته بكل السبل المشروعة، ولا يعتزل كما يعتزل بابا النصارى، فهذا لا نعرفه في ديننا الحنيف! ولا أن يصرح بأنه بريء من الدماء، أو أن الأزهر لن يجر لصراع سياسي، أو أننا نشجب ونستنكر، أو نشعر بالقلق، كما تقول المؤسسات الحقوقية العالمية المتآمرة على المسلمين … الأزهر يُفصح عن حكم الله شرعًا فيما جرى ويجري، فهو مؤسسة شرعية وليست حقوقية!!
ساعتها كان شيخ الأزهر سيتسق مع تاريخ هذا الصرح العظيم قديما، ويسجل اسمه بحروف من نور في سجلات العلماء الأحرار الشرفاء على مر التاريخ!
إذا كان لشيخ الأزهر مواقف إيجابية مثل مواقفه نحو فلسطين، وبعض قضايا المسلمين في العالم، فهذا لا يعني أن تجري له عملية (غسيل سمعة) لمشاركته النكراء في مشهد الانقلاب، الذي سيظل عارًا في جبين الأزهر وتاريخه، ولن يُمحى هذا العار إلا بمواقف شجاعة جريئة تبين للناس أن المشاركة في مشهد الانقلاب كانت خطيئة يتوب الأزهر إلى الله منها، وأن ما جرى في مصر بسبب الانقلاب جرائم شرعية متراكمة ومركبة لن تسقط بالتقادم، وأن هذا الانقلاب المشئوم جر على مصر ويلاتٍ ومصائبَ لن ترفع إلا بقيام الأزهر مع الشعب بواجبه جامعا وجامعة كما قام من قبل أيام الحملة الفرنسية وغيرها؛ لاسترداد إرادة الشعب، ومحاكمة السفاكين والسفاحين على كل صعيد!.
(المصدر: رسالة بوست)