مقدمة:
ما يزال عقد التأمين، سواءٌ على الحياة أو الأموالِ والممتلكاتِ، يُثير الخلاف بين الفقهاء والعلماء المعاصرين، ما بين قائلٍ بالتّحريم وقائلٍ بالإباحة. القائلون بالتحريم تقف خلفهم الأدلة الشرعيّة والفقهيّة. والقائلون بالإباحة تؤازرهم الضرورة الواقعيّة، وفيما بين هذا وذاك تتواصل الجهود الفقهيّة، من أجل إيجاد بديلٍ شرعيٍّ لنظام التأمين التجاريّ، تمثّل فيما سُمّي بنظام التأمين التكافليّ أو التعاونيّ أو التبادليّ.
هاهنا مواقف مختلفة ومتنوّعة من التأمين بنوعيه التجاري والتعاوني، من هيئاتٍ شرعيّةٍ معتبرة، ومن شخصيات علمية موثوقة، نعرضها على النحو التّالي:
التأمين (معاملة مُريبة)
هذا ما قرّره فضيلة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، في ردّه على السؤال التالي:
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله بن إبراهيم الرحيمي … المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي شرحت فيه عن مكاتب “التأمين” على الحياة وغيرها من الأموال، وتسأل عن حكم ذلك.
والجواب:
الحمد لله، التأمين عقدٌ من العقود المستحدثة التي لم تُعرف في البلاد الإسلامية إلا في القرن التاسع، ولا ينطبق على شيء من العقود الشرعية التي ذكرها العلماء وحدُّوها بحدود مضبوطة، وجعلوا لها قيوداً وشروطاً معروفة، ولا يُمكن إلحاقه بتلك العقود.
وحقيقته: التزام التأمين أن تؤدي إلى المستأمن أو نائبه مبلغاً من المال في حالة وقوع حادث أو تحقق خطر يصيب المستأمن مما هو مبين في العقد، وذلك مقابل أقساط مالية يدفعها المستأمن للشركة ـحسبما هو مفهوم من بوالص التأمين ونشرات الشركات وما فيها من شروط-.
وبتكرار دراسته تبين أنه معاملة مريبة تشتمل على مغامرة ومخاطرة وربا وأكل لأموال الناس بالباطل، ولهذا بحثها العلماء ودرسوها من جميع نواحيها، والتمس بعضهم تجويزها بشروط قد لا تتأتى والذي قرره المحققون هو القول بتحريمه، لما يشتمل عليه من أشياء تقضي بتحريمه. وممن قرر تحريمه العلامة محمد بن عابدين الحنفي في حاشيته (در المختار) .
ومما لوحظ فيه من الأمور المحذورة أنه يستلزم المغامرة إذا وقعت حادثة وأخذ بها المستأمن جميع المال المشروط قبل استيفاء أقساط التأمين.
ومنه أن يستلزم الربا إذا أخذ المستأمن المال بفوائده بعد تمام المدة.
ومنه الإضرار بالمستأمن إذا انقطع عن مواصلة دفع الأقساط وأراد فسخ التأمين لعجزه.
المصدر:
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (7/ 35).
قيمة التّأمين لا تُعتبر تركةً تُقسم بين الورثة
هذا ما قررته فتوى لدار الإفتاء المصرية، وفيما يلي المبادئ التي قامت عليها هذه الفتوى، كما وردت في سجلات دار الإفتاء المصريّة:
المبادئ
1 – التأمين على الحياة غير جائز شرعا، ومن ثم فلا تعتبر قيمة التأمين تركة تقسم بين الورثة.
2 – مادفعه المتوفى للشركة يعتبر تركة تقسم بين الورثة بحسب الفريضة الشرعية.
3 – مازاد على مادفعه المتوفى أثناء حياته إن تراضى الطرفان على قسمته بين الورثة شرعا بصرف النظر عن التعاقد قسم بينهم واعتبر كأنه مبلغ متبرع به ابتداء
المفتي: بكرى الصَّدفى.
شعبان 1328 هجرية
المصدر: فتاوى دار الإفتاء المصرية (6/ 116، بترقيم الشاملة آليا)
التأمين لا يجوز مطلقاً لا في بلاد المسلمين ولا في غيرها
هذا هو ما قررته اللجنة الدائمة، في إجابتها عن السؤال أدناه:
السؤال:
إننا نجد بعض الشركات لها مسميات إسلامية، مثل: (شركة التأمين الإسلامية) وغيرها، ونجد هذه الشركات تقدم التأمين على الحياة والجسد والسيارة والممتلكات، نرفق مع هذه الرسالة نسخة من هذه الادعاءات، فهل يجوز لنا أن نسجل في هذه التأمينات أو لا يجوز ذلك؟ وهناك نوع آخر من التأمينات: عندما يكون المسلم في بلاد الكفر ومرض، فإنهم لا يعالجونه مطلقا، وليس لديه تأمين صحي سابق؛ لذلك فإننا نوجه لكم ما يأتي: هل يجوز للمسلم إذا كان في بلاد الكفر أن يؤمن على نفسه ضد المرض ويؤمن ضد خسارة المال والممتلكات؟ ما حكم الإسلام في التأمين في بلاد الإسلام والمسلمين على النفس والجسد والمال والممتلكات والسيارة؟
الجواب:
أ- لا يجوز للمسلم أن يؤمن على نفسه ضد المرض، سواء كان في بلاد إسلامية أم في بلاد الكفار؛ لما في ذلك من الغرر الفاحش والمقامرة.
ب- لا يجوز أن يؤمن المسلم على النفس أو على أعضاء الجسد كلا أو بعضا، أو على المال أو الممتلكات أو السيارة أو نحو ذلك، سواء كان ذلك في بلاد الإسلام أم بلاد الكفار؛ لأن ذلك من أنواع التأمين التجاري، وهو محرم لاشتماله على الغرر الفاحش والمقامرة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
عبد الله بن قعود، عضواً. عبد الله بن غديان، عضواً. عبد الرزاق عفيفي، عضواً.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز، رئيساً.
المصدر: فتاوى اللجنة الدائمة – 1 (15/ 296) الفتوى رقم (7723)
التأمين التجاري محرّم
وهو ما قررته اللجنة الدائمة، في إجابتها عن السّؤال أدناه:
السؤال:
حيث إننا وكلاء لشركة تأمين في المملكة وهذه الشركة تؤمن على الحوادث والحرائق، ويشمل التأمين جميع أنواع التأمين على الحياة وخلافه، وحيث إننا نتعاطى عمولة سنوية من مدخول هذه المؤسسة على وكالتنا لها في المملكة نرجو سماحتكم أن تفتونا مأجورين جزاكم الله خير الجزاء عن هذه المعاملة هل هي حلال أم حرام؟ جعلنا الله وإياكم ممن طال عمره وحسن عمله.
الجواب:
التأمين المذكور من التأمين التجاري وهو محرم، ووكيل الشركة داخل في عموم الحكم، فلا يجوز له العمل فيها، ولا أخذ الأجرة منها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن غديان، عضواً. عبد الرزاق عفيفي، عضواً.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز، رئيساً.
المصدر:
فتاوى اللجنة الدائمة – 1 (15/ 264) الفتوى رقم (10266).
التأمين التعاوني هو الجائز
هذا ما قرّره فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، في جوابه عن السؤال التالي:
السؤال
ما هي صور التأمين الجائز؟
الجواب
لا نعرف في صور التأمين الجائز إلا ما يسمى بالتأمين التعاوني، وهو أن يجتمع جماعة ويتفقوا على أن يدفع واحد منهم شهرياً مبلغاً من المال، وكل شهر يأخذه واحد منهم، فهذا لا بأس به.
أما التأمين على الحياة والتأمين على السيارة، والتأمين على البضاعة والتأمين الصحي فهو من الغرر، والفتوى على أنه محرم؛ لأنه من الغرر ومن أكل المال بالباطل؛ ولأن أحد الشريكين غانم والآخر خاسر، وقد يؤمن على سيارته فتصدم وتكلف أكثر مما دفع، وقد يستخدم سيارته سنين، ويدفع أقساطاً شهرية ولا ينتفع منها بشيء، فما الذي يبيح له أخذ هذه الأموال في إصلاح سيارته بالباطل.
المصدر: فتاوى منوعة – الراجحي (14/ 14، بترقيم الشاملة آليا)
حكم التأمين بأنواعه. (وجهة نظر أخرى):
السؤال
نرجو إفتاءنا ما هو حكم التأمين علي المباني والمعدات والتأمين على العاملين والتأمين الصحي والتأمين على الحياة؟
الجواب
الجواب الأول: إن عقود التأمين على المباني والمعدات يجوز إبرامها تحت الشروط التالية:
1 – أن يكون الغرر خفيفا والغرر هو عدم التأكد من تحقق الخدمة المقدمة مقابل الثمن المدفوع (بوالص التأمين) وهى تغطية الأضرار المحتملة الوقوع ويخفف الغرر الذي يشتمل عليه العقد عن طريق تحديد سقف التعويض بمقدار الضرر الفعلى وليس أكثر منه
2 – أن تكون هناك حاجة إلى التأمين والحاجيات دون الضروريات وفوق التحسينات
3 – أن ينعدم البديل عن التأمين التجاري محليا وهو التأمين التعاوني الشرعي
ثانيا: بالنسبة للتأمين على العاملين من حيث إصابات العمل ونحوها فإن السعي في إيجاد بديل شرعي على الطريقة الشرعية يبقى جد مطلوب ويقترح تأسيس صندوق تعاضدي داخلي يشمل جميع موظفي المجموعة بالمغرب يكون قانونه الداخلي قائما على مبادئ التأمين الشرعي
ثالثا: التأمين الصحي جائز وهو عبارة عن عقد جعالة يحدد فيه المقابل (الاشتراك) دون العمل فيكون مجهولا ولكن يكفى عن تجديده الالتزام بالنتيجة وهى المعالجة لبقاء السلامة الصحية وهذا هو الفرق بين الجعالة والإجارة التي يعلم فيها الأجر والعمل
رابعا: التأمين على الحياة فيه خلاف شديد وهو معروض على المجامع الفقهية وإذا خلا من الربا بعدم استرجاع الأقساط بفوائدها إن عاش بعد السن المؤمن عليها وكانت هناك حاجة ماسة إليه كما في المهن ذات الخطورة وخف الغرر بأن يربط التعويض بعدم مجاوزة الدية فلا يبعد القول بجوازه.
المصدر:
الفتاوى الاقتصادية، عدة مؤلفين، بيت التمويل الكويتي، فتوى رقم (65)
الشُّبهات القائمة بالتأمين التجاريّ قائمةٌ كذلك بالتأمين التعاونيّ
السؤال
هل يجوز للشركة في تعاملاتها الخارجية في بيعها وشرائها واستثماراتها أن تقوم باستخدام التأمين التجاري المتعارف عليه دوليا خاصة وأنه في الخارج لا يمكن أن تتم هذه المعاملات بدون التأمين التجاري؟ نرجو من فضيلتكم إعطاءنا الرأي الشرعي في ذلك علما بأن كثيرا من المعاملات متوقفة على هذا الأمر؟
الجواب
وبعد تداول الهيئة حول هذا الموضوع الذي كثر فيه النقاش واختلاف الآراء بين فقهاء العصر في تكييف عقد التأمين وتحديد طبيعته وتقسيمه إلى تأمين تعاوني لا يقصد منه الربح وتأمين تجاري (وهو ما تمارسه شركات التأمين بقصد الربح) والاختلاف حول جواز عقد التأمين التجاري وعدم جوازه شرعا لما فيه من شبهات مما أثير ونوقش في المجامع الفقهية والندوات وما نشر فيه من كتب وبحوث تبين للهيئة الشرعية بشأن التأمين ما يلي: –
أولا: إن التأمين التعاوني (وهو المسمى تأمينا تبادليا) لا تعلم الهيئة أن أحدا يخالف في جوازه بين علماء العصر
ثانيا: إن التأمين الذي يسمى تجاريا قد اختلفت فيه آراء العلماء المعاصرين اختلافا واسعا فكانت آراؤهم فيه متعاكسة بين المبيحين والمانعين والمتوقفين والمميزين بين بعض أنواعه وبعضها، ولكل فريق حججه وأدلته التي يستند فيها إلى أصول شرعية معتبرة، وقد تبدو الحجج متكافئة ليس من السهل اعتماد حجج أحد الفريقين وطرح الأخرى، ولا سيما في ضوء الحاجة الملحة إلى نظام التأمين وعدم وجود جمعيات أو مؤسسات للتأمين التعاوني في البلاد الإسلامية تستطيع أن تستوعب الحاجة في جميع النواحي والحجوم.
ثالثا: إن معظم الشبهات التي يثيرها المانعون للتأمين التجاري ويردها المجيزون قد يقال إنها واردة أيضا على التأمين التعاوني كما هو موضح فيما كتب ونشر حول ذلك، لهذه الاعتبارات من الحجج المتعارضة في موضوع التأمين التجاري وللحاجة الملحة إليه في جميع المجالات الاقتصادية العامة والوقائية الخاصة لا يظهر للهيئة حتى الآن ما يوجب تحريم التأمين المسئول عنه ومن ثم لم تر ما يوجب الاعتراض على أن تمارس شركة الراجحي إجراء تأمين تجاري في معاملاتها الشرعية التي تحتاج فيها إلى التأمين وغنى عن البيان أن الكلام عن التأمين التجاري هنا لا يشمل التأمين على الحياة وفي الوقت نفسه توصى الهيئةُ الشركة أن تحرص على إيثار إجراء التأمينات التي تحتاج إليها لدى مؤسسات التأمين التعاوني التي أنشأتها بعض المؤسسات المالية الإسلامية كلما كان ذلك ميسورا للشركة ومتسعا لحجم عقودها وحاجاتها نظرا لأن هذا لا خلاف فيه بين علماء العصر كما سلفت الإشارة إليه.
المصدر: الفتاوى الاقتصادية (ص: 296، بترقيم الشاملة آليا) قرار رقم (40)
ماذا إذا كانت الشركة هي التي تدفع أقساط التأمين التجاري؟
يُجيب عن هذه المسألة فضيلة الشيخ الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي، عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء:
السؤال
قامت الشركة التي أعمل بها بالتأمين على الحياة لمستخدميها دون تحميلهم بأي مصروفات نتيجة ذلك، والوثيقة تنقسم إلى شقين:
الأول: حماية، ويتم التعويض بموجبه عن الأضرار الناتجة عن الحوادث والإصابات البدنية.
والثانية: عبارة عن ادخار، بحيث يتم ادخار مبلغ مالي لكل مستخدم خلال مدة معينة، وقامت الشركة بتعديل الوثيقة أخيراً بحيث ألغت شق الادخار مما نتج عنه ترجيع المبلغ المدخر سابقاً، وتم توزيعه على المستخدمين، فهل يجوز أخذ هذا المبلغ المدخر والاستفادة به من قبل الشخص المؤمن عليه؟ وفي حالة عدم جواز الاستفادة منه، هل من الأفضل تركه للشركة أو سحبه وتوزيعه على ذوي الحاجة؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فبما أن الشركة تمنحكم التأمين بدون عوض، فلا حرج عليكم إن شاء الله في قبوله؛ لأن التأمين المحرم ما كان على سبيل المعاوضة بأن تدفع مبلغاً من المال من أجل التأمين، ولا حرج عليك أيضاً في استرداد المبلغ المدخر، ولك الانتفاع به، إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا كنت تعلم أنه يتم استثمار المبلغ المدخر في أنشطة محرمة؛ كشراء السندات، أو شراء أسهم الشركات التي يغلب على نشاطها المحرم؛ كأسهم البنوك الربوية ونحوها، ففي هذه الحال تأخذ أصل المال المدخر لك، وهو المال الذي كانت الشركة قد وضعته في الصندوق الادخاري لك، أما الأرباح الناتجة عن هذه الأنشطة فتأخذها وتتخلص منها في المصالح العامة للمسلمين. والله أعلم.
(الملتقى الفقهي)