أجرى الحوار: عبد الإله بالقاري – باحث دكتوراه في الفقه وأصوله بجامعة سيدي محمد بن عبد الله – فاس
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
تكريما للأستاذ الدكتور أحمد الريسوني نظم مختبر “الدراسات الإسلامية والتنمية البشرية” ندوة علمية في موضوع: “البحث المقاصدي بين أصالة المنهج ومستجدات الواقع” وذلك يومي 28 و29 نونبر 2017م برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة الجديدة – المغرب، وبرعاية شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات.
وقد اغتنمت شبكة ضياء هذه الفرصة المتميزة لإجراء حوار علمي ـ تم تسجيله ـ مع فضيلته حفظه الله.
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، يشرّف شبكة ضياء أن تضيف الدكتور أحمد الريسوني شيخ المقاصد في العالم العربي والإسلامي.
س ـ بداية نودّ منك سيدي أن تعرّف لنا نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي؟
ج ـ بسم الله والحمد لله، نظرية المقاصد هي مبثوتة في التراث الإسلامي قبل الشاطبي بلا شك، وتبدو جلية أكثر ما تبدو في أصول المذهب المالكي أولا، لأن المذهب المالكي وهو الأوسع أصولا كان من أصوله أصل المصلحة المرسلة، وهذا دليل في الحقيقة هو تعبير عن مقاصد الشريعة وما انتهى إليه العلماء من أن الشريعة إنما جاءت لجلب مصالح العباد في العاجل والآجل كما قال الشاطبي، ثم المذهب المالكي في سد الذرائع وهو تعبير آخر عن دفع المفاسد وعمدة نظرية المقاصد جلب المصالح ودرء المفاسد، وكذلك تضمن المذهب المالكي الاعتماد على العرف، والاستحسان وهو أيضا وجه آخر من وجوه مراعاة المصلحة ودفع الحرج، واهتم المذهب المالكي اهتماما بارزا ومتميزا ومعترفا به لدى الدارسين بمقاصد المكلفين، وهو ما افرد له الشاطبي قسما واضحا وبارزا فالعناية ليست بمقاصد الشارع لكي تكتمل الأمور لابد من الالتفات إلى مقاصد المكلف وضبطها وفق مقاصد الشارع، فهذه الأصول المالكية هي أول تعبير وأبرز تعبير عن نظرية المقاصد، ثم تتابع العلماء كما قلت من مالكية وشافعية وحنفية وحنابلة على إبرازها إلى أن جاء الشاطبي فجمّع ونسّق هذه النظرية، وتفعيلُها وتشغيلُها بشكل واضح اليوم ربما أكثر من أي وقت مضى.
س ـ أستاذي الكريم هناك من لا يعدّ المقاصد علما مستقلا، كيف نجيب على هذا الإشكال؟
ج ـ مستقل أو غير مستقل الآن الواقع يجيب؛ لأن استقلال العلوم بعضها عن بعض سواء العلوم الإسلامية أو العلوم بصفة عامة هذا يصنعه الواقع ليس قرارا من جهة تتخذه وتقرّره وتعطي الاعتراف. فالواقع حينما ظهر أصول الفقه ظهر شيئا فشيئا واستقل عن الفقه، ولم يحتاج إلى قرار من أحد، لما ظهرت مؤلفات خاصة وأصبحت هذه المؤلفات لها مباحث متعارف عليها، أصبح الناس بعد ذلك وليس قبله يتحدثون عن علم أصول الفقه، فالشافعي أول من ألف في أصول الفقه لم يكن يعرف هذا المصطلح ولم يكن يدر أنه يؤسس علم أصول الفقه كما قيل عنه لاحقا، هو ألّف، فالآن المؤلفات توالت؛ المؤلفات الخاصة بمقاصد الشريعة، توالت منذ الشاطبي والآن مقاصد الشريعة مادة دراسية، ويقال هذا متخصص في المقاصد وهذا أستاذ المقاصد، فهذا الاستقلال الآن تحقق بشكل كبير لا يحتاج إلى اعتراف أحد.
س ـ سيدي هناك من يصحح أو يضعف الأحاديث بناء على المقاصد، كيف نجيب على هذا الإشكال الذي يقع فيه البعض؟
ج ـ تصحيح الأحاديث وتضعيفها له منهجه أولا عند المحدثين، فالمحدثون أدرجوا ضمن معايير التصحيح والتضعيف والرد على الأحاديث معايير تتعلق بالمتن، فإذن هذا من جهة لا جديد فيه، فإذا وجدنا حديثا يتنافى تنافيا كليا ولا يمكن فيه الجمع والتوفيق، يتنافى مع مقاصد الشريعة حينئذ لا نكون قد تجاوزنا المحدثين الذين قالوا النظر في المتن، فالمتن إذا كان فيه شذوذ وكان فيه غرابة ونكارة فالمحدثون يردونه من قديم، فنحن لا نقول ترد الأحاديث أو تصحح أو تضعف بالمقاصد وإنما نقول النظر في المتن، في متن الحديث وليس فقط في سنده هذا منهج قديم ولا جديد فيه، ولذلك يعني هذا وجه من وجوه ما قرره المحدثون، فالتصحيح بالمقاصد أيضا وهو المقابل للتضعيف بالمقاصد، يعني نحن لا نصحح أي شيء صحيح، لا نعتبره حديثا لمجرد أن معناه صحيحا أو موافقا لمقاصد الشريعة، لا، نقول هذا المعنى صحيح ولكنه ليس حديثا.
س ـ كلمة أخيرة حول هاته الشبكة ـ شبكة ضياء ـ التي تعد جسرا للتواصل بين الباحثين والمؤسسات العلمية الأكاديمية:
ج ـ حقيقة لا أخفيك، ولا أخفي الزوار والقراء أني معجب بهذه المبادرة ومرارا عبّرت عن كونها مبادرة نوعية وإضافة نوعية للعمل العلمي في المغرب وفي غير المغرب؛ لأن اليوم العمل على شبكة الأنترنيت ليس له حدود وليس له جنسية، والباحثون في المشرق وفي العالم الإسلامي يهتمون بما يجري في المغرب، ويجدون الآن وسيجدون تباعا بغيتهم في هذا الموقع وفي هذه الشبكة، فهي إضافة نوعية وخدمة نوعية للبحث العلمي في الدراسات الإسلامية بصفة خاصة.
(المصدر: شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات)