حوار مع د. جاسم سلطان حول مستقبل “الإسلام السياسي”
إعداد طه العيسوي
تعرضت الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى الحكم في دول عربية، خلال السنوات العشر الماضية، لانكسارات وهزائم بفعل أسباب مختلفة، الأمر الذي أدى إلى إجهاض أو تعثر بعض التجارب الديمقراطية الوليدة في المنطقة، وطرح تساؤلات حول مستقبل ما يعرف بـ”الإسلام السياسي”.
وفي هذا السياق، أجرت “عربي21” مقابلة مع المفكر الإسلامي القطري، جاسم سلطان، للوقوف على أبرز الأخطاء التي وقعت فيها تلك الأحزاب والتيارات، وماهية المراجعات المستحقة في الوقت الراهن.
وأوضح سلطان أن “التنظيمات القديمة ستبقى غالبا كجزء من المشكلة وليست كجزء من الحل ما لم تحدث مراجعات كبرى، ولكن ظهور تنظيمات كبيرة في ظروف القمع والاستبداد أمر صعب جدا، وبالتالي فإن من المقطوع به ظهور أشكال أخرى من العمل؛ فالناس لا تتوقف عن التفكير والإبداع”.
وتاليا نص المقابلة:
كيف ترى واقع التنظيمات الإسلامية بعد مرور أكثر من 10 سنوات على اندلاع الربيع العربي؟ وإلى أي مدى فقدت حواضنها الشعبية؟
من الصعب الحكم العلمي على تراجع قواعدها الشعبية؛ نظرا لعدم حضور الأوضاع الطبيعية التي كانت تعمل بها، ولكن انطباعيا يمكن ملاحظة ظواهر متعلقة بكثرة الانشقاقات، وانتشار تيار ناقد داخلها وحولها، والعجز عن تقديم رواية مقنعة لظاهرة العجز عن إدراك الواقع، والتي برزت في مقولة (لم نكن نعلم) و(أُفشلنا ولم نفشل).
ما أبرز الأخطاء التي وقعت فيها التنظيمات الإسلامية خلال الأعوام العشرة الماضية؟
ربما الاختلالات قديمة، ولكن ظهور نتائجها الكارثية أوضح الآن، وتتمثل في عدم الجاهزية التصورية للعصر وللواقع وتعقيداته، وقدم القيادات وتفكيرها خارج العصر، وعدم وجود آليات مراجعة لعالم الأفكار والعلاقات والمشاريع، وعظمة الشعارات مع فراغ المحتوى، وعدم الاعتبار من دروس الواقع وتكرار ذات الأخطاء.
اقرأ أيضا: تجارب الإسلاميين في مشروع جاسم سلطان الفكري النقدي
لماذا اختلفت وسائل وأساليب الإطاحة بالتنظيمات الإسلامية من الحكم: في مصر بـ”انقلاب دموي”، وفي المغرب عبر الانتخابات، وفي تونس بقرارات أصدرها رئيس الجمهورية؟
الاختلاف ناتج عن موازنات كل بلد واحتياجات متخذ القرار وتصوراته لمصالحه المستقبلية.
هل يمكن القول إن تجربة حكم التنظيمات الإسلامية فشلت أم إنها أُُفشلت؟
كلمة “أُفشلت” تبدو كلمة غريبة في سياق أي صراع؛ فليست وظيفة الفريق الآخر السماح لك بالفوز ابتداء وإلا دخلنا في عالم التناقض. الحكم يحتاج إلى ثلاثة عناصر، هي: العلم، والمال، والقوة الصلبة. والثلاثة مفقودة عند التيارات الإسلامية.
هل كان ينبغي على تلك التنظيمات البقاء في مربع المعارضة بعد الربيع العربي دون التصدي لمسألة الحكم؟
فكرة البقاء في مربع المعارضة تختلف من بلد إلى آخر، وليس لها معيار واحد؛ فهي تقدير ظرفي، ولكن بعض هذه التنظيمات قطعا كان الأفضل لها أن تبقى في مربع المعارضة أو حتى تنصرف للمراجعات الجذرية التي كلما تأخرت كانت الضريبة أكبر.
هل دور الأيديولوجيات في المنطقة بدأ يتراجع بشكل واضح أم لا؟
دور الأيديولوجيات لا شك أنه في تراجع، وخاصة عند المحكات العملية؛ فلقمة العيش والأمن هي ما تعني غالبية الجماهير.
هل انتهى زمن التنظيمات الإسلامية السياسية أم إنه لا يزال لها دور وتأثير؟
التنظيمات القديمة ستبقى غالبا كجزء من المشكلة وليست كجزء من الحل ما لم تحدث مراجعات كبرى، ولكن ظهور تنظيمات كبيرة في ظروف القمع والاستبداد أمر صعب جدا، وبالتالي فإن من المقطوع به ظهور أشكال أخرى من العمل؛ فالناس لا تتوقف عن التفكير والإبداع.
حذّرت في كانون الثاني/ يناير 2013 من أن “تغافل” التيار الإسلامي الذي كان يحكم في عدد من بلدان الربيع العربي عن طاقات الشباب من كافة التيارات “سيؤدي إلى نهاية وجوده في الحكم بعد 4 سنوات”.. فهل يمكن القول إن ما حذّرت منه قد وقع بالفعل؟
لا أذكر أني حددت أرقاما بعينها، ولكن قلتها في مصر أثناء صعود التيار الإسلامي، إن التجربة ستؤول للفشل كحكم موضوعي ينظر لأفكار وقدرات تنظيم ووضع محلي وإقليمي ودولي لا تمتلك التنظيمات الوعي ولا القدرات لعبوره.
ما أبرز المراجعات المستحقة اليوم من قِبل التنظيمات الإسلامية في المنطقة؟
جدوى فكرة التنظيم الموازي للدول، وجدوى فكرة التمكّن من المجتمع في مقابل تمكين المجتمع، والتمييز بين حضور القيم ووجود النظام الإجرائي، وجدوى فكرة احتكار الصواب، وأهمها سؤال آلية الاعتبار وجودا وعدما.
هل يمكن أن يؤدي صعود وسيطرة حركة طالبان على مقاليد الأمور في أفغانستان إلى رفع الروح المعنوية لحركات الإسلام السياسي؟
توقعي أنه سنمر بثلاث مراحل: الفرح، وهو جزء طبيعي بانتصار الأفغان، وجزء كبير منه تعويض عن الحالة العربية، ثم مرحلة التشكيك حين تظهر علامات القصور وتبدأ الصراعات الداخلية المحتملة، وأخيرا مرحلة التبرؤ عند فشل التجربة أو انتكاسها.
أخيرا.. كيف ترى حل إشكالية علاقة الدين بالسياسة؟
محاولة حل إشكالية علاقة الدين بالسياسة ستبقى عالقة لزمن طويل في ظل الجهاز المعرفي الحالي، وهو جهاز إنتاج الأحكام الفقهية الموروث بمقدماته؛ فهي أعقد أزمات الجهاز، ولن تُحل إلا إذا تم تبني جهاز مختلف، وبالتالي فإن إشكالية السياسي والديني ليست مرشحة للحل في ضوء ثبات المعطيات.
المصدر: عربي21