حوار البروفيسور أليف الدين الترابي نائب أمير الجماعة الإسلامية بكشمير
قضية كشمير من القضايا التي أولتها مجلة “المجتمع” اهتماماً خاصاً؛ وذلك لأنها تُعد من الأسباب الرئيسة للصراع الهندي- الباكستاني، وقد تزامنت هذه القضية -كما هو معروف- مع قضية فلسطين عام 1948م بعد أن قامت الهند بالضم الإجباري لولاية جامو وكشمير المسلمة، وهذا حوار مع البروفيسور أليف الدين الترابي حول مشكلة كشمير ومآلاتها في ظل التعنت الهندي، نُشر هذا الحوار في العدد (1305) بتاريخ 23/ 6/ 1998، وتعيد “المجتمع” نشره للتذكير بهذه القضية التي يجب ألا ينساها المسلمون.
قال البروفيسور أليف الدين الترابي لـ«المجتمع»: الجيش الهندوسي في كشمير يعاني الانهيار والإدمان والتفكك لا يخفى على من يهتم بالقضايا الإسلامية أن قضية كشمير تعد من أكبرها، كما تُعد من الأسباب الرئيسة للصراع الهندي- الباكستاني، وقد تزامنت هذه القضية -كما هو معروف- مع قضية فلسطين عام 1948م بعد أن قامت الهند بالضم الإجباري لولاية جامو وكشمير المسلمة مخالفة بذلك قرار تقسيم شبه قارة جنوب آسيا الذي كان ينص على انضمام هذه الولاية إلى باكستان، والمعلوم أن هذا القرار صدر عام 1947م بالاتفاق بين الاستعمار البريطاني وحزب رابطة المسلمين الذي كان يرأسه محمد علي جناح والمؤتمر القومي الهندي الذي كان يرأسه جواهر لال نهرو.
وقد نص ذلك القرار على ضم المناطق والولايات ذات الأغلبية المسلمة إلى باكستان، بينما تضم المناطق ذات الأغلبية الهندوسية إلى الهند التي خالفت ذلك القرار وقامت بالضم الإجباري لولاية «جامبو وكشمير»..
ولم يقبل الشعب الكشميري ذلك القرار المتعسف، ورفع راية الجهاد لتحرير الولاية، وقد تمكن بالفعل من تحرير ثلثها. ثم بادرت الهند برفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي الذي أصدر عدداً من القرارات كان أهمها قراره في 5/ 1/ 1949م بإجراء استفتاء بين الشعب لتقرير مصير الولاية والاختيار بين الضم إلى الهند أو باكستان، وقد وافقت الهند على هذا القرار في البداية لكنها منذ عام 1957م ترفض تنفيذه حتى اليوم، ولم يتخذ المجتمع الدولي بصفة عامة والدول الداعية لحماية ميثاق الأمم المتحدة أية إجراءات لإجبار الهند على تنفيذه وهو ما يؤكد ازدواجية التعامل الدولي مع القضايا.. وهو ما جعل الشعب الكشميري يصر على مواصلة الجهاد.
بهذه الخلفية التاريخية بدأ البروفيسور أليف الدين الترابي، نائب أمير الجماعة الإسلامية بكشمير الحرة، وأمين عام هيئة الإغاثة لمسلمي كشمير، حواره مع “المجتمع” وقال: وفي فبراير ومارس من هذا العام (1998م) حاولت الحكومة الهندية تنظيم مسرحية انتخابية لإيهام الرأي العام العالمي بأن الأوضاع في كشمير قد عادت إلى طبيعتها وأن الهند دولة ديمقراطية وتقوم بحل القضية بأسلوب حضاري، لكن هذه المسرحية فشلت فشلاً ذريعاً بعد أن تحالف ضدها جميع الأحزاب الكشميرية (الممثل الوحيد للشعب الكشميري) وناشدت الشعب مقاطعة هذه الانتخابات مقاطعة تامة وبالفعل استجاب الشعب ولم تتعد نسبة التصويت 5% رغم الجهود الكبيرة والتهديدات التي شنتها القوات الهندية (800 ألف عسكري) لإرغام الناس على المشاركة.
لكننا سمعنا عن ممارسات هندية لتفتيت جبهتكم الداخلية في كشمير.. فما أثر هذه الممارسات؟
– بالعكس فقد أسفرت هذه الممارسات الهندية عن زيادة تماسك الجبهة الداخلية وزيادة تماسك الأحزاب الكشميرية وقد أثمر ذلك تحالفاً قوياً بين هذه الأحزاب في صورة اتحاد عام برئاسة الشيخ علي الجيلاني زعيم حركة المقاومة الإسلامية الكشميرية.
وماذا عن الجهاد الكشميري.. الملاحظ أن عمليات الجهاد في شبه جمود عند المناوشات والعمليات الخاطفة دون تقدم على صعيد تحرير الأرض.. فما حقيقة الوضع بالضبط وهل هناك تطوير في أساليب القتال تواكب تطور السلاح الهندي وكثافة القوات الهندية في كشمير؟
– الحركة الجهادية التي بدأت عام 1990م دخلت عامها التاسع وهي بفضل الله تزداد قوة وانتشاراً ولازالت تحقق الانتصار تلو الانتصار ومن أهم الإنجازات في هذا الميدان:
أولا: تمكن المجاهدون خلال هذه الفترة من قتل أكثر من 25 ألفاً من الجنود الهندوس بينهم 4 جنرالات وعدد كبير من الضباط، كما تمكنوا من تدمير عشرات الآلاف من المعدات العسكرية.
ثانيا: منذ حوالي عامين بدأ المجاهدون في استخدام أجهزة التحكم عن بعد في الأسلحة وهو ما يمثل تطوراً نوعياً في سلاح المعركة.
ثالثاً: امتداد نطاق الجهاد من إقليم كشمير إلى إقليم جامو حيث أصبحت المحافظات ذات الكثافة السكانية الإسلامية مراكز رئيسة للمقاومة.
هذه كلها تعد تطورات مهمة في الحركة الجهادية ورغم الضغوط والحصار الهندي إلا أن خسائر القوات الهندية تتزايد يوماً بعد يوم.. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن المعارك التي دارت بين الجانبين في الفترة الأخيرة تؤكد تقدم عمليات الجهاد، ففي معركة «سرن كرت» بمحافظة بونش بإقليم جامو والتي دارت في 12/ 2/ 1998م تم قتل 117 جندياً هندوسياً بينما سقط سبعة من الشهداء، وقبل ذلك وقعت معركة أخرى في نفس المنطقة كان طرفها 1013 هندوسياً و20 من المجاهدين استمرت لمدة أسبوع وأدت إلى مقتل 113 من قوات العدو بينما أصيب مجاهد واحد وفي منطقة «تهنا مندي» بإقليم جامو تمكن خلالها المجاهدون من قتل مائتين من الهندوس وأسروا عشرين بينهم ضابط برتبة عقيد كما غنم المجاهدون كمية كبيرة من السلاح والذخيرة.
وفي 15/ 4/ 1998م تمكن المجاهدون من قتل 61 هندوسياً بينهم ضابط برتبة لواء واستشهد 7 من المجاهدين، هذه المعارك كلها أسوقها كمثال على تواصل وتطور عمليات الجهاد وإن كان العدو المحتل ما زال هو الأقوى والأكثر عدة وعتاداً.
وهناك جانب مهم أحب أن ألفت الانتباه إليه وهو أن طول أمد الاحتلال لا يزيد المجاهدين إلا إصراراً على تحرير بلادهم، بينما هناك انهيار في معنويات الجنود الهندوس يتزايد يوماً بعد يوم، كما أن الرعب يدب في قلوبهم حتى أن عدداً كبيراً منهم، لفقده الأمل في انتهاء هذه الحرب بدأ يدمن المخدرات والمسكنات، كما أن عدداً كبيراً منهم تقدم بطلبات للتقاعد المبكر.
وقد صرح وزير الدولة السابق لشؤون الهجرة (لاجيش بايلوت) أن أكثر من 13 ألف جندي وضابط هندوسي تقدموا للتقاعد المبكر خلال عام واحد.
وقد رصد الجنرال الهندوسي “إيم إين راي” في كتابه بعنوان «نفسية المقاومة الكشميرية» والذي صدر حديثاً رصد أن 70% من الجنود الهندوس يعانون انهياراً نفسياً.
قد يكون ذلك الانهيار النفسي نتيجة تردي الوضع الاجتماعي والمادي أو بسبب مشاكل أخرى لا علاقة لها بالحرب؟
– لا.. الحرب هي السبب المباشر في هذا الانهيار واعترافات قادة الجيش العلنية والصريحة بذلك موجودة وتم نشرها في وسائل الإعلام الهندية نفسها.. ففي 18/ 4/ 1998م نشرت صحيفة «تايمز الهندية» تصريحاً لرئيس أركان الجيش الهندي الجنرال فيدبركاش أعرب فيه عن قلقه مما أصاب قواته من انهيار في المعنويات بسبب استخدام هذه القوات في مواجهة حركة المقاومة الكشميرية بصفة خاصة. وفي 29/ 9/ 1997م اعترف الفريق كريشنال بال لجريدة «تايمز أوف انديا» وجريدة «انديان إكسبريس» في 8/ 3/ 1998م بعدم قدرة الجيش على سحق المقاومة الكشميرية وأكد على ضرورة سعي الهند لحل القضية بأسلوب سياسي مؤكدين «ليس بإمكاننا التخلص من المقاومة».
وخلال زيارة وزير الداخلية الهندي السابق اندرجيت غبتا لكشمير المحتلة في سبتمبر الماضي قام مدير عام القوات شبه العسكرية (بي.إس.إف) الفريق راميسن كوهلي بتقديم استقالته احتجاجاً على زج هذه القوات واستخدامها كبش فداء للقوات النظامية، وذكر أنه خسر بسبب هذه السياسة أكثر من عشرة آلاف من جنوده في السنوات الثماني الماضية وخسر مثل هذا العدد بسبب اليأس والخوف.
على نفس الصعيد أكد قائد الجيش الهندي السابق شنكر تشودري أنه لا يمكن القضاء على المقاومة الكشميرية ولو بنسبة 1%. والأكثر من ذلك فإن الجنود الهنود بدأوا يقتلون بعضهم بعضاً من شدة اليأس وهذا ما حذر منه المحلل العسكري الهندوسي م.دبالاجي لصحيفة «صعودي جازيت» السعودية الصادرة باللغة الإنجليزية والذي أشار فيه إلى مقتل اثنين من الضباط أحدهما برتبة عقيد والآخر برتبة نقيب على أيدي أحد الجنود الذي دخل عليهما المكتب وأرداهما قتيلين وخرج ليقتل اثنين آخرين من زملائه.
هذه الأوضاع المتردية داخل الجيش الهندي دعت قيادة الجيش إلى تشكيل ثلاث لجان لدراستها، وقد أكدت هذه اللجان أنه من خلال الأبحاث والدراسات التي أجريت على الجنود تبين أنهم يعانون من ضغط نفسي كبير وأوصت بتقديم حوافز وتشجيعات حتى يتفادوا هذه الضغوط. من ناحية أخرى فإنه لا شك أن الحالة الاقتصادية العامة المتردية في البلاد تلقي بظلالها على القوات المتواجدة في كشمير فقد نشرت صحيفة «هندسمارشار» الهندوسية في 15/ 4/ 1998م أن هناك أكثر من 350 مليون نسمة تحت خط الفقر (عدد السكان أكثر من 850 مليوناً) وأن 200 مليون يأكلون وجبة واحدة خلال 24 ساعة وأن عدد المتسولين في الهند وصل إلى أكثر من 100 مليون علاوة على عشرات الملايين من النساء اللاتي يمارسن البغاء بسبب ضغط الحاجة.
هذا على الصعيد الجهادي.. ماذا عن الوضع على الصعيد المدني وما تقوم به القوات الهندية من أعمال وحشية نسمع بها ضد المدنيين؟
– الفشل الذريع الذي أصيبت به القوات الهندية للقضاء على المقاومة الإسلامية جعلها تنتقم من المدنيين الأبرياء فسمحت لقواتها هناك بممارسات عشوائية ضدهم بإطلاق النار العشوائي والزج بهم في مراكز التفتيش وزنازين التعذيب وبإحراق منازلهم ومتاجرهم بالبارود والبنزين والاغتصاب الجماعي للنساء المسلمات بدعوى تأييدهم للمجاهدين، وقد أسفرت هذه الممارسات الإجرامية عن سقوط 60 ألف شهيد و75 ألف جريح ومعوق و75 ألف معتقل وإحراق 30 ألف منزل ومتجر وعشرات الآلاف من المغتصبات.
وقد أحدثت هذه الممارسات الوحشية ردود فعل عنيفة لدى المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حتى المنظمات الهندية نفسها استنكرتها.. بل إن الجنرال كريشناراو الحاكم العسكري الهندوسي للولاية أعلن في 22 مارس 1998م أن القوات الهندية في الولاية قامت بمختلف عمليات القتل والانتهاكات لحقوق الإنسان حتى وصل عدد القتلى من المدنيين من مارس 1993م حتى مارس 1998م إلى أكثر من أربعين ألف قتيل. وتقول الصحفية الهندوسية (سكماني سيبخ) في تقرير لها بصحيفة «ألستريتد وتيلي أف انديا» أن أفراد الجيش الهندي الذين يرسلون إلى كشمير لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها منذ يناير عام 1990م والذين يعتبرون المحافظين على النظام وحراساً للشعب من الإرهاب هم في أعين الشعب الكشميري ليسوا إلا قتلة وسارقين وبربريين يعذبون الأبرياء لمجرد الشك والظن.
وهل هذه الممارسات مازالت متواصلة مع الحكومة الجديدة ولم يتغير من الأمر شيء، وإلى أين وصلت القضية على الصعيد الدبلوماسي ومفاوضات تقرير المصير؟
– لا جديد في مفاوضات تقرير المصير.. لكن على الصعيد الدبلوماسي اعترفت منظمة المؤتمر الإسلامي بتحالف الأحزاب الكشميرية الجديد كممثل شرعي ووحيد للشعب الكشميري وتم توجيه الدعوة لقادة التحالف لحضور القمة الإسلامية في طهران ومؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية بالدوحة لكن الهند لم تمكنهم من المشاركة فشارك ممثلون من الخارج نيابة عنهم.
هل هناك جديد في التعاون الهندوسي الصهيوني بخصوص كشمير؟
– الجديد هو استمرار التعاون بين الطرفين ضد مصلحة الشعب الكشميري والمعلوم أن التعاون بين الجانبين يتجه منذ القدم ضد مصلحة الشعوب الإسلامية كلها، فهناك عدد كبير من الكوماندوز الصهاينة يساعدون قوات الاحتلال الهندوسي في قتل المسلمين، ومنذ اليوم الأول لنشوء الأزمة الهندية الباكستانية يقوم الاستعمار الصهيوني بمساعدة الاستعمار الهندوسي بشتى الطرق. والمعروف أيضاً أن الهند قد اعترفت بهذا بالكيان فقد أعلن رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو في تصريح رسمي عام 1950 اعتراف الهند رسميا بحكومة إسرائيل.
بين الحين والآخر تظهر في الأدبيات الهندية وكتب التاريخ وخطابات الساسة ما يمكن أن نسميه بالمطامع الهندية في العالم الإسلامي.. فما حقيقة ذلك؟
– هناك اعتقاد هندوسي مبني على أساطير هندية قديمة تقول: إن الهند كانت دولة عظمى تمتد حدودها من سنغافورة إلى قناة السويس، وبناء على هذه الأساطير تقوم المساعي الهندية على إقامة هذه الدولة الأسطورية.. ويقول جواهر لال نهرو في كتابه «اكتشاف الهند»: إن الهند كما صنعتها الطبيعة لا يمكن لها أن تلعب في شؤون العالم دوراً من الدرجة الثانية، فهي إما أن تكون من القوى العظمى وإما ألا يكون لها وجود».
ويقول الدبلوماسي الهندوسي د.آيس ـ آر ـ باتيل الذي يعد من المؤسسين للسياسة الخارجية الهندية في كتابه «السياسة الخارجية للهند» شارحاً ما قاله نهرو: إن المؤثرات الجغرافية لها الحكم النهائي في الموضوع، ومن أجل ذلك فإن مصالح الهند الخارجية تتركز على المناطق القريبة منها، ولهذا فإن نيبال وباكستان وأفغانستان وبورما وإندونيسيا مهمة جداً لتحقيق مصالح الهند.. ومن الضروري جداً بالنسبة للهند أن تسيطر على سنغافورة والسويس اللذين يمثلان للهند البوابة وإذا سيطرت عليها (سنغافورة والسويس) قوة معادية فستعرض استقلال الهندي للتهديد.. وهكذا بقيت أفغانستان لمدة طويلة جزءاً من الهند، وأن إيران مهمة جداً للهند نظرا لحاجتها إلى البترول في العهد الحاضر. ويضيف الدبلوماسي الهندوسي قائلاً: «يسود فراغ سياسي هائل في المنطقة بعد مغادرة الإنجليز ويجب سده، وبما أن للهند قوة بحرية عظيمة فمن الضروري أن يتحول المحيط الهندي من سنغافورة إلى السويس خليجاً تملكه الهند».
وما هو أكثر من ذلك فإن كثيراً من القادة الهندوس يزعمون أن الجزيرة العربية كانت في يوم من الأيام جزءاً من الدولة الهندوسية العظمى، والكعبة المشرفة كانت معبداً لآلهة الهندوس (راما) ويزعمون أن الذي بناه هو الملك الهندوسي فيكرا مادنيا في عام 58 ق.م، لأنه على حد زعمهم كان يحكم الجزيرة العربية، ثم جاء النبي محمد ص بدينه الجديد وقام بتحويل ذلك المعبد إلى الكعبة المشرفة، ومن هنا ينبغي على الهندوس استعادتها من المسلمين. إن هذا الكلام الخطير مثبت في كتاب «بعض الأخطاء في تحقيق التاريخ الهندي» للفيلسوف الهندوسي الكبير بـي إيـي أول، وهذا الكلام أيضا لا يردده فقط المتطرفون الهندوس وإنما يعتقده قادتهم ومفكروهم ودبلوماسيوهم. فالمطامع الهندوسية ليست في كشمير وحدها وإنما تمتد لمناطق هامة تاريخياً ودينياً واستراتيجياً في العالم الإسلامي.
(المصدر: مجلة المجتمع)