حمزة تكين يكتب: الحساب الفلكي وهلال رمضان.. والرسالة التكنولوجية النبوية
يختلف المسلمون كل عام في مسألة هلال شهر رمضان المبارك، وتحديد بداية ونهاية شهري رمضان وشوال، حيث قد يصل أحيانا الاختلاف والخلاف بينها لعدة أيام، فتعلن دول بداية الشهر الهجري بناء على الحسابات الفلكية، وتعلن أخرى بداية الشهر في يوم ثان بناء على رؤية الهلال، وفي نفس الوقت تعلن دول ثالثة بداية الشهر في يوم ثالث بناء على رؤية الهلال أيضا، ونستطيع أن نقول أيضا أن هذا الخلاف مازال يحصل بين دول العالم الإسلامي ليس فيما يتعلق بشهري رمضان وشوال فحسب، بل هو خلاف يتجدد 12 مرة كل عام.. ومع الأسف يحصل هذا والبشرية تمتلك حجما كبيرا وتطورا ملحوظا بالتكنولوجيا والعلم والمعرفة.
فما المقصود بالحساب الفلكي، وهل هو يخالف سنة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؟! وما هي ضرورته للمسلمين في هذا الزمن.
مما لا شك فيه أن الحسابات الفلكية الرقمية العلمية هي وسيلة قطعية لا شك فيها لإثبات أهلة الأشهر الهجرية، والقطعي أقوى بدلالته من الظني، وهو يجب أن يُقبل من باب قياس الأولى، أي أن سنة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم التي شرّعت لهذه الأمة الأخذ بالأدنى الذي فيه شك واحتمالية (الرؤية بالعين) لا يمكنها أن ترفض الوسيلة الأكمل القطعية لتحقيق الغاية والمقصد (الحساب الفلكي الرقمي العلمي)، خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد العلم والمعرفة والقراءة والبحث والتطور والتقدم.
واستطرادا، فإنه وفي ظل تشتت المسلمين الحالي وتفرقهم وضياع وحدتهم وتبددت كلمتهم الواحدة، عليهم التوجه لما هو قطعي والأخذ به علّ وحدتهم تعود ولو من باب من الأبواب العديدة التي من المفترض أن يتحدوا من خلالها.. يعني على الأقل الأمر القطعي فيما يتعلق بتحديد الأهلة الهجرية يؤمن شيئا من وحدة المسلمين الضائعة اليوم.
والوحدة بين المسلمين هي أعظم أماني ومساعي وأهداف ورجاء النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، النبي الذي ضحى بحياته لأجل وحدة أمته، النبي الذي كانت آخر وصاياه وحدة المسلمين وألا يتفرقوا من بعده.. يعني على الأقل الأمر القطعي فيما يتعلق بتحديد الأهلة الهجرية يؤمّن شيئا من وحدة المسلمين الضائعة اليوم المحزنة لحضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
عن أبي هريرة رضي الله علنه أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال :”صوموا لرؤيته – أي الهلال – وأفطروا لرؤيته، فإن أغبي عليكم فأكملوا عِدّة شعبان ثلاثين”.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ذكر رمضان فقال :”لا تصوموا حتى تروا الهلالَ، ولا تُفطروا حتى تروه، فإن غمَّ عليكم فاقدروا له”.
ومن هذين الحديثين الشريفين نستطيع أن ندرك أن الإسلام شرع للأمة لإثبات أهلة الأشهر الهجرية، وسيلة منطقية سهلة لم يكن هناك أي بديل عنها في ذاك الزمن (الرؤية المباشرة البصرية)، وسهّل على المسلمين الأمر، خاصة وأنهم كانوا في بداية عصر الإسلام لا يعرفون العمل الحسابي ولا يجيدونه، وكذلك البشرية كلها لم تكن قد وصلت لمرحلة علمية تستطيع من خلالها تحديد الثانية بل والجزء من الثانية التي يلد فيها هلال كل شهر هجري.
واستطرادا مرة ثانية، الحديثان الآنف ذكرهما تم تفسيرهما تفسيرات متنوعة مختلفة، خاصة فيما يتعلق بقضية عدد من يرون الهلال ليُعتد بقولهم، وبالتالي هذه نقطة خلافية أخرى.. ولكن!
ولكن! في نهاية كل حديث من هذين الحديثين، نقطة مهمة جدا تفيدنا بموضوعنا الذي نحن بصدده (الحسابات الفلكية العلمية الرقمية وتحديد مواقيت الأهلة)، وهي نقطة انتبه إليها الإمام أبا العباس بن سريج، الذي لم يحمل إحدى الروايتين على الأخرى، حيث نقل عنه ابن العربي أن قوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم “فاقدروا له” هو خطاب لمن خصه الله بالعلم، وقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم “أكملوا العدة” هو خطاب للعامة.
وهنا يمكننا أن نأخذ قوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم “فاقدروا له” على محمل استخدام العلم والتطور والمعرفة التي قد تصل إليها البشرية في يوم من الأيام، وهذا ما حصل فعلا في عصرنا هذا.. ولنتذكر أن من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أنه أوتي جوامع الكلم، من خلال كلمتين من كلماته الصلاة والسلام نستطيع أن نكتشف الكثير الكثير من المعرفة والعلوم والإشارات لأهل الإشارات.
لذلك قيل: إن اختلاف الخطاب باختلاف الأحوال أمر وارد، وهو أساس لتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال.
وهنا نشير لقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم “إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب”، وهو حديث يستشهد به البعض لنفي صحة الاعتماد على الحسابات الفلكية العلمية الرقمية المعنية بتحديد أهلة الأشهر الهجرية وخاصة هلال شهر رمضان المبارك، وهو استشهاد خاطئ.
لماذا خاطئ؟ أولا سياق هذا الحديث أتى في زمن ـ كما ذكرنا في بداية المقال ـ لم يكن فيه المسلمون في مرحلة علمية متقدمة وحتى البشرية كلها، وبالتالي لا يوجد وسيلة لتحديد الأهلة إلا بالرؤية بالعين المجردة، وبالتالي من حكمة الشرع الحنيف أن يعتمد على هذه الوسيلة الوحيدة يومها، وإلا كيف سيحدد المسلمون أهلة الأشهر في تلك الفترة!
البعض قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجّه بالحساب فيما يتعلق بالأهلة، بل وجّه بالرؤية البصرية، وقد أوضحنا أن هذا الأمر أتى نتيجة الوسيلة التي كانت متوفرة، الوسيلة التي يمكن أن تتطور للوصول للهدف نفسه، وأتى نتيجة الواقع الذي كان يعيشه المسلمون الأوائل.
ولو طلبت الشريعة من المسلمين الأوائل تحديد أهلة الأشهر الهجرية بالحسابات العلمية لضاق الأمر كثيرا عليهم وربما لحصلت مشكلة كبرى.. الشريعة الإسلامية حكيمة وليست اعتباطية عشوائية.
هذا الحديث “إنَّا أمةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نكتب ولا نحسب” كان يتحدث عن حقيقة واقع المسلمين الأوائل (وقصص طلب النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من أسرى المشركين ومن المسلمين المتعلمين، تعليم القراءة والكتابة للمسلمين الجدد الأميين خير دليل على هذا الأمر).. وأيضا هذا الحديث لا يعني جهل الأمة الأبدي، لأنه كما ذكرنا كان يصور واقعا لفترة زمنية محددة.
نعم، الحديث لا يعني جهل الأمة الأبدي، والدليل أن قائله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم هو أكثر من عمل وسهر واجتهد وجاهد وقاوم وضحى في سبيل بناء هذه الأمة وتطورها وتقدمها وتعليم أبنائها وإخراجهم من الظلمات إلى النور، والظلمات لا تشمل فقط الكفر بل تشمل أيضا الجهل، والنور لا يشمل فقط الإيمان بالله تعالى بل يشمل العلم والمعرفة والقراءة والتطور أيضا.
وبالتالي، وبالعقل والمنطق، كان النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يدرك أن هذه الأمة سيأتي عليها يوم وتصل لمرحلة متقدمة بالعلم والمعرفة والحساب، وكذلك البشرية، فقال موجها رسالته وإشارته لأهل العلم اللاحقين “فاقدروا له” (كما ذكرنا وشرحنا آنفا).
ولكن هل الحساب الذي نذكره هنا والمتعلق خاصة بقضية الفلك والأهلة هو التنجيم كما يظن البعض عندما يسمع كلمة “الحسابات الفلكية”؟!
فالبعض عندما يسمع كلمة “الحسابات الفلكية” فيما يتعلق بموضوعنا، يظن أنها كفر وخروج عن قول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ويظن أنها تعني عمليات معقدة من الشعوذة وإشعال البخور وإحراق بعض أوراق الأشجار في غرفة مظلمة مع شيء من مواقد النار في زوايا الغرفة، مع جلوس أحد المشعوذين وسط كل هذا وهو مغطى الرأس ينتظر أن يرى تاريخ ولحظة ولادة هلال رمضان أو شوال أو ذي الحجة، بناء لهذه العملية المعقدة من “الحسابات الفلكية”!
والبعض الآخر عندما يسمع كلمة “الحسابات الفلكية” فيما يتعلق بموضوعنا، يظن أنها جلوس على رأس قمة جبل في ظل جو صاف لترقب النجوم في السماء وعدها وحسابها لمعرفة أوقات ولادة الأهلة الهجرية.
وجزء ثالث عندما يسمع كلمة “الحسابات الفلكية” فيما يتعلق بموضوعنا، يظن أنها عملية تنجيم يقوم بها أحد المنجمين وهو يجلس على كرسيه الكبير وسد أشياء متنوعة غريبة، ليعرف أوقات ولادة أهلة الأشهر الهجرية.
ولكن الحقيقة تقول إن “الحسابات الفلكية” فيما يتعلق بموضوعنا، تعني العلم والمعرفة والتكنولوجيا والتطور العقلي الفكري الذي أوصل الإنسان لما وصل إليه اليوم من معارف وعلوم خاصة فيما يتعلق بأمور الفضاء، لا التنجيم والشعوذة والحسابات النجومية التي ذمها الإسلام.
كلنا نعلم اليوم ـ حتى الذين لا يتمتعون بمستوى علمي متقدم ـ أن البشرية وصلت لمرحلة علمية متقدمة نسبة الخطأ فيها فيما يتعلق بالحسابات الفلكية العلمية الرقمية التكنولوجية أقل من واحد بالمليون في الثانية الواحدة، وبالتالي نصدق كل هذا العلم عندما يأتينا بأخبار عن حركة الكواكب والنيازك والشمس والنجوم والطقس والغيوم والحرارة والأعاصير ونسلم له ولمعلوماته الدقيقة بأجزاء من أجزاء الثانية، ثم عندما يأتينا بأخبار عن ولادة الأشهر الهجرية (وهي أخبار صحيحة بنفس صحة أخبار ما ذكرته آنفا) نرفضه ولا نقبله، بحجة حديث نبوي شريف يمكن تأويله تأويلات علمية كما أشرنا قبل قليل.
تأويلات علمية تقول إن الرؤية قد تكون علمية حسابية معتمدة على تطور علم البشرية، وخاصة عندما فرّق النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بقوليه الاثنين: “فاقدروا له” و”أكملوا العدة”، وكأن قوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم “فاقدروا” رسالة وإشارة تكنولوجية نبوية من سيد العلوم البشرية صاحب دعوة العلم والتطور والتقدم والحضارة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
يقول أبو العباس بن سريج أحد كبار أئمة الشافعية إن :”الرجل الذي يعرف الحساب، ومنازل القمر، إذا عرف بالحساب أن غدا من رمضان فإن الصوم يلزمه؛ لأنه عرف الشهر بدليل، فأشْبَهَ ما إذا عرف بالبيّنة”.
وللإشارة هنا، فإن رفض الشافعية وبقية الفقهاء المتأخرين والمتقدمين لـ”علم النجوم” و”التنجيم”، مقصود به رفض ادعاء معرفة الغيب وتحقيق الأماني وادعاء القدرة، وليس المقصود به رفض العلم والمعرفة القائمة على الحقائق والأرقام العلمية العملية والتطور التكنولوجي.
يعني، نقبل التطور التكنولوجي ونتفاخر به ونصدقه دون أدنى شك بالأمور التي ذكرناها قبل قليل، وكذلك بالسيارات والهواتف الذكية والكاميرات المتطورة وأجهزة الصوتيات والآلات التي تخدم الإنسان والروبوتات والطائرات والحواسيب.. ثم نرفض هذا التطور إذا تعلق الأمر بتحديد الثانية التي يلد فيها هلال شهر رمضان وهلال كل شهر هجري!
يعني، نصدق ونؤمن ونقبل أن الإنسان وصل للعديد من الكواكب، بل ونتفاخر بهذه الأخبار عندما تنتشر، ولا نصدّق أن نفس الإنسان هذا يستطيع أن يحدد بالثانية لحظة ولادة أهلة الأشهر الهجرية!
إذن المرفوض هو التنجيم والسحر والشعوذة وعلم النجوم الخرافي، لا التطور العلمي والتكنولوجي الذي ليس فيه تعارض مع الإسلام واهتمامات النبي صلى الله عليه وآله وصحبه.
لذلك نقول إن علم الفلك الحديث القائم على التكنولوجيا والمعرفة الدقيقة بالثواني لحركات الأقمار والنجوم والكواكب، والقائم على الحقائق العلمية التي نراها بأم العين، والقائم على الحسابات الرياضية القطعية، هو باب يُحتج به وبنتائجه لمعرفة الثانية التي يلد فيها هلال كل شهر هجري، وهو باب لا يتعارض مع الرؤية البصرية، لأن كل ما يقوله هذا العلم يمكن رؤيته بالعين، وكل ما يقوله هذا العلم يتوافق مع إشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الاختصاص بقوله :”فاقدروا له” أي احسبوا.
الحساب العلمي القائم على قواعد علمية هو وسيلة جديدة وصلت إليها البشرية، نستطيع من خلالها الوصول للهدف الثابت الذي نريد الوصول إليه.. أي بمعنى آخر، هذه الحسابات هي وسيلة متطورة للوسيلة السابقة (الرؤية البصرية)، وكِلا الوسيلتين تحققان الهدف الذي هو معرفة ولادة الأهلة وتحديد مواقيت الأشهر الهجرية.
كثير من الفقهاء والعلماء قالوا إن الحديث النبوي “صوموا لرؤيته (الهلال) وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له”، وفي رواية أخرى “فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين”، أشار إلى هدف محدد ووضع وسيلة الوصول إليه.
الهدف: صيام رمضان كاملا بدون أي نقصان، ومعرفة بداية الشهر ونهايته.
الوسيلة: الرؤية بالعين خلال النظر نحو السماء، لأن هذه الوسيلة لم يكن هناك غيرها في تلك المرحلة الزمنية (أوضحنا ذلك قبل قليل)، وهي الوسيلة التي لا تكلف الرعيل الأول من المسلمين أي حرج وعناء، وأي وسيلة أخرى (كالحساب الفلكي مثلا) كانت ستتسبب بمشكلة بكل تأكيد في تلك المرحلة لأنها وسيلة لم تكن متوفرة… وكلنا نعلم حديثه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :” يسِّروا ولا تعسِّروا”.
وهنا النقطة المهمة، أنه إن وجدت وتوفر وسيلة أخرى أقدر على تحقيق الهدف، يمكن اللجوء إليها خاصة إذا كانت لا تتعارض مع التشريع الإسلامي، وأصلا هذه قاعدة حياتية يومية بين البشر جميعا، فكلٌ منّا يلجأ للوسيلة الأسهل الأحدث الأقدر الأنجح لتحقيق هدف ما يسعى إليه في حياته، سواء في العمل أو البيت أو الشراء أو البيع أو الزواج أو التجارة أو الصناعة أو العسكر أو السياسة.
وفيما يتعلق بموضوعنا، نحن اليوم نمتلك وسيلة علمية متطورة تكنولوجية لا تخالف الشرع بل تتوافق معه (عرضنا الدليل قبل قليل)، وهي الحسابات الفلكية الرقمية التكنولوجية، وبالتالي نستطيع أن نستخدمها للوصول للهدف النبوي والذي هو تحديد الأهلة والدخول لشهر رمضان والخروج منه، وكذلك لبقية الأشهر الهجرية.
خاصة إذا علمنا أن بعض الفقهاء قالوا إن ثبوت دخول الشهر يحصل بمجرد خبر الشخص الواحد الذي رأى الهلال (فقط شخص واحد)، وفقهاء آخرون قالوا يحصل بمجرد خبر شخصين اثنين رأيا الهلال (فقط شخصين اثنين)، وبالتالي نحن نأخذ بهذا القول أو ذاك القول، الذي قد يكون فيه خطأ وأحيانا قد يكون فيه كذب، ونرفض الأخذ بقول التكنولوجيا والعلم والمعرفة التي ترى الهلال بمشاركة آلاف العلماء والخبراء والمختصين، بل ترى الهلال بأول ثانية لولادته دون خطأ أو كذب.. في أول ثانية!
نحن لا نذم الصورة الأولى ولا ننتقص منها ـ حاشا ـ ولكن نحن نقول: اليوم تطورت الأمور وتغيرت الوسيلة بما لا يعارض هدف النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
نحن أمة علم!
أحد المشايخ المعاصرين ادعى زورا أن الحديث الذي ذكرناه في بداية هذا المقال “إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب” أسقط الحساب (والحساب هو من العلم) من اهتمامات المسلمين، ونفاه!
نقول لهذا الشيخ! لو كان قولك صحيحا لسقطت الكتابة أيضا (وهي من العلم أيضا).. لماذا أسقطتَ الحساب فقط وقبلت الكتابة، وهما في نفس الحديث بل في نفس السطر!
أيها الشيخ! الحديث كما أوضحنا سابقا، كان يصف حالا معينا للمسلمين في فترة محددة، وهو لا يعني أن يبقى المسلمون جهلة بلا كتابة وبلا علم وبلا حساب وبلا تطور وبلا تكنولوجيا.. أيها الشيخ الحاسوب الذي كتبتَ فيه هذا القول تم اختراعه بناء للحساب، المايك الذي استخدمته لقول هذا القول تم اختراعه بناء للحساب، الكاميرا التي استخدمتها لتصوير نفسك وأنت تقول هذا القول تم صنعها بناء للحساب! ثم تأتي وتسقط الحساب وتتهم الأمة بالجهل!
أيها الشيخ! فلتعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ورغم توصيفه لواقع محدد في هذا الحديث، هو نفسه الذي عمل واجتهد من أجل تعليم المسلمين الأوائل الكتابة! وهي رسالة واضحة منه عليه الصلاة والسلام أنه كما تتعلمون الكتابة تعلموا أيضا الحساب أي العلوم التي ستأتي لاحقا!
وهذا ما فعله المسلمون خلال القرون الماضية فسادوا العالم بعلومهم المتطورة، ولم يقولوا نحن لا نريد تعلم العلوم والكتابة والحساب مستشهدين بهذا الحديث!
وما تكنولوجيا اليوم التي تحدد بالثانية لحظة ولادة أهلة الأشهر الهجرية إلا هي تطور طبيعي مع الزمن لعلوم المسلمين ولقواعدهم العلمية التي وضعوها على مدى قرون خلت.
دعوة هذا الشيخ هي دعوة جهل.. بل دعوة عمالة ليبقى المسلمون في نهاية قائمة الأمم المتقدمة.. فلنحذر أمثاله.
نختم، بالتشديد أن الحسابات الفلكية التي شرحناها في هذا المقال لا تتعارض ـ وفق وجهة نظرنا ـ مع سنة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، بل تتوافق معها تماما، وتحقق في عصرنا هدفا ساميا يحبه النبي عليه الصلاة والسلام وهو أن يصوم كل المسلمون مع بعضهم البعض ويفطرون مع بعضهم البعض (خاصة أولئك الذين يعيشون في نفس المنطقة الجغرافية ويتناحرون ويتشتتون ويصومون في يومين مختلفين!!!!)، وبالتالي على الأقل نكون قد حققنا شيئا من الوحدة الكبرى بين مسلمي العالم، في ظل غياب الوحدة الأعظم بينهم في كل نواحي الحياة.
هذا المقال شيء بسيط جدا في هذا الموضوع البحر.. وهو بمثابة دعوة لمزيد من البحث والتعمق في هذه القضية من قبل أهل الاختصاص والقرار، بهدف تخليص المسلمين من جزء بسيط من تشتتهم وتناحرهم.. والله تعالى أعلم.
(المصدر: وكالة أنباء تركيا)