حماس والسعودية.. هل قررت الرياض تصفية العلاقة مع الحركة؟
منذ تأسيسها قبل أكثر من ثلاثة عقود، سعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للحفاظ على علاقة متوازنة مع السعودية، ورغم أن هذه العلاقة مرت بكثير من التقلبات والمنعطفات، فإنها المرة الأولى التي تخرج فيها الحركة عن صمتها وتتحدث في العلن عن أزمة مع الرياض.
وقالت في بيانها الذي عنونته بالآية الكريمة “لا يحبّ الله الجهر بالسوء من القول إلّا من ظُلم”، إنها التزمت الصمت على مدى خمسة شهور ونيّف لإفساح المجال أمام الاتصالات الدبلوماسية ومساعي الوسطاء، لكنها لم تسفر عن أي نتائج حتى الآن.
وأضاف البيان أن الحركة تجد نفسها “مضطرّة للإعلان عن ذلك، مطالبة السلطات السعودية بإطلاق سراح الأخ الخضري ونجله، والمعتقلين الفلسطينيين كافة”.
وفي تعليقه على ذلك، قال رئيس الدائرة الإعلامية لحركة حماس في الخارج رأفت مُرّة إن حركته حريصة على أفضل العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، وهي تعطي السعودية مكانة خاصة، لذلك عملت على تجنب أي توتر في العلاقة ومعالجة الإشكاليات بشكل هادئ.
وأضاف مرة في تصريحات للجزيرة نت أن الحركة بذلت جهودا سياسية ودبلوماسية متواصلة من أجل تطويق قضية اعتقال الدكتور الخضري والاعتقالات الأخرى، وأنها أدخلت جهات إقليمية ودولية وازنة على خط الوساطة ومن أجل المعالجة الهادئة، لكن لم يكن هناك تجاوب مقابل ذلك، وبقيت الجهات السعودية تعتقل الخضري ونجله وعددا من الفلسطينيين.
تصفية العلاقة
وإزاء هذه التطورات، يرى مراقبون أن هناك تحولا حادا في العلاقة بين الرياض وحماس، وأن العهد الذي كانت تحظى فيه المقاومة الفلسطينية بدعم سعودي قد ولّى وحلَّ محله نوع من التوتر في ظل الصعود السريع لولي العهد محمد بن سلمان.
ولم تقتصر الحملة السعودية على حماس في إطار الاعتقالات، وإنما تجاوزتها إلى القضية الفلسطينية برمتها، وفرضت حالة حصار سياسي وقطع شرايين الدعم المالي عنها.
ترافق ذلك مع انفتاح غير مسبوق على إسرائيل وانخراطٍ محموم في ترويج وتسويق خطة السلام الأميركية، وصولا إلى تشويه القضية الفلسطينية وعدالتها في وجدان الإنسان السعودي.
ويقول الكاتب والباحث السياسي من غزة حمزة أبو شنب إن السعودية قررت تصفية العلاقة بصورة نهائية مع حركة حماس، وإن السلوك السعودي جاء مقترنا بالسياسية الأميركية التي تطالب بالانفتاح على إسرائيل وتجفيف منابع الدعم للحركات المقاومة.
وأضاف في مقابلة مع الجزيرة أن الخطوة السعودية هي جزء من الحركة العالمية التي تقاد ضد حركة حماس، وأنها تأتي في السياق السياسي المرتبط بخطة السلام الأميركية في الشرق الأوسط.
وفي محاولة تفسيره للحملة السعودية وإن كان لها ارتباط بالعلاقة مع إيران وزيارة وفد رفيع من حماس مؤخرا إلى طهران، يرى القيادي مُرّة أن هناك أسبابا متعددة لحملة الاعتقالات هذه، “وليست القضية قضية علاقة مع هذه الجهة أو تلك، فالاعتقالات حصلت قبل خمسة أشهر، وزيارة إيران كانت قبل شهرين”.
وأضاف أن حركته تمتلك علاقات مع العديد من الجهات والدول، وأنها توظف تلك العلاقات من أجل فلسطين وليس في “إطار الخلافات الإقليمية أو الصراعات المحلية، والمملكة تدرك بعمق توجهات حماس وفلسفة علاقاتها”.
مد وجزر
وتعود العلاقات بين حماس والسعودية إلى بداية نشأة الحركة نفسها نهاية الثمانينيات، وقد أقام عدد من مؤسسيها والمقربين منها في السعودية، وقدم المجتمع السعودي دعما سخيا للفلسطينيين ومقاومتهم، وكانت تنطلق فيها أكبر حملات التبرع لصالح حماس ومؤسساتها الخيرية.
في عام 2007، وبعد تنفيذ الحركة الحسم العسكري في غزة وذلك عقب توقيع اتفاق مكة، اتهمت السعودية الحركة بالانقلاب على الاتفاق وإفشاله، واعتبرت أنها وجهت لها صفعة، فعمدت إلى تجاهل الحركة وتخفيف علاقاتها معها إلى أقل مستوى.
وحاولت الحركة بعد ذلك استدراك ما يمكن استدراكه في العلاقة مع الرياض، فكانت وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز في يناير/كانون الثاني 2015، قام على إثرها وفد من الحركة برئاسة خالد مشعل بأداء مناسك العمرة في يوليو/ تموز من العام نفسه، وقدم خلالها تهاني العيد لملك السعودية الجديد سلمان عبد العزيز، غير أن الزيارة لم تكتسب زخما سياسيا.
وتلا ذلك تصريحات وزير الخارجية حينها عادل الجبير التي أعلن فيها أن الزيارة كانت ذات طابع ديني ولم يتخللها أي لقاءات رسمية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن السلطات السعودية اعتقلت قبل زيارة مشعل مسؤول الحركة في الخارج ماهر صلاح، وكان مما أسفرت عنه زيارة مشعل ولقاؤه مع مسؤولين أمنيين الإفراج عن صلاح.
وفي مايو/أيار 2017، عقدت القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض، ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب حركة حماس بـ”الإرهابية”.
بعد ذلك وفي 22 فبراير/شباط 2018، وصف الجبير في تصريحات أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي في بروكسل، حركة حماس بأنها “إرهابية”، وهو ما اعتبر سابقة خطيرة في تاريخ العلاقة بين الجانبين.
حملة اعتقالات
ووفق منظمات حقوقية دولية، فقد شهد مطلع العام الحالي تنفيذ حملة اعتقال واسعة في أوساط الفلسطينيين المقيمين في السعودية بتهم جمع التبرعات والأموال لصالح حركة حماس وجهات فلسطينية أخرى، إضافة إلى التعاطف مع المقاومة في حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأفادت منظمة سكاي لاين الحقوقية أن عدد المعتقلين حتى الآن يزيد على ستين فلسطينيا، بعضهم يحمل الجنسية السعودية، بينما تحمل الغالبية الجنسية الأردنية، كما طالت الحملة أيضا مواطنين سعوديين لا ذنب لهم سوى أنهم كفلاء لأولئك الفلسطينيين.
وشملت الإجراءات السعودية تجميد حسابات المعتقلين البنكية وإغلاقَ شركاتهم الخاصة ومصادرَتها أحيانا، وتؤكد مؤسسات حقوقية أن غالبية هؤلاء المعتقلين محرومون من حقوقهم القانونية ولا تعرف ظروف احتجازهم ولا حتى التهمُ الموجهة إليهم، كما لا يسمح لعائلاتهم بزيارتهم أو توكيلِ محامين عنهم.
(المصدر: الجزيرة)