حماس تأكل الميتة
بقلم د. محمد الصغير (خاص بالمنتدى)
سافر رئيس حركة حماس بالخارج أبو الوليد خالد مشعل إلى لبنان، لمحاولة السيطرة واحتواء الأجواء الملتهبة والدامية بين الفلسطينيين داخل مخيماتها، وظهرت خلال الزيارة قطيعة واضحة بين وفد قيادة حماس وحزب الله اللبناني، الذي استطاع التأثير على قيادات الدولة اللبنانية، وقادها للامتناع عن لقاء أبي الوليد، وذلك نظرًا لموقف مشعل السابق من الثورة السورية، وخروجه من دمشق إلى الدوحة حتى لا يتورط في دعم مجازر بشار الأسد ضد المتظاهرين السوريين، الذين خرجوا للمطالبة بالحرية والعدالة، والحق في حياة كريمة، بعيدًا عن تسلط الطائفية النصيرية.
لا يمكن لمن يمارس السياسة من منطلقاتها الشرعية أن يفصلها عن المبادئ الأساسية، وإن وقع في هذا الشَرَك فقد يربح سياسياً، لكنه سيخرج حتما عن مظلة القيم، وتصبح الميكافيلية مرجعيته السياسية، وليست السياسة الشرعية.
خرجت حركة حماس من دمشق اتساقا مع مبادئها العامة، مضحية بمصالحها الخاصة، وأخذ القائد خالد مشعل قراره بمغادرة الشام التي كان فيها صاحب الكلمة والمقام، حيث لم توفر دولة قط ما وفره نظام الأسد لحركة حماس، حسب شهادات المقربين والمطلعين، بل نافست إيران في ذلك حرصا من النظامين على غسيل السمعة، بالانتساب إلى قدس الأمة، وقضيتها الأولى والمركزية، ومحاولة لإثبات الوجود والتأثير بين المحاور المختلفة، ويقابل هذا الدهاء السياسي والمكر الدبلوماسي غباء وغفلة،م وجهل وانعدام فطنة، من الدول العربية والأنظمة المحسوبة على السنية، حيث تفرغت لحرب ظهيرها الشعبي، وجعلت معركتها مع الإسلام السياسي، بل اتسعت دائرة الحرب لتشمل الجماعات التي تخصصت في الجانب الدعوي والاجتماعي، وخطت لنفسها طريقا بعيدا عن المعترك السياسي!
في المقابل، نجد إيران أحكمت السيطرة على عدة عواصم عربية، من خلال أذرعها ومدارسها المذهبية، ولا أدل على ذلك من وقوع العراق -الكبير تاريخا وجغرافية- تحت النفوذ الإيراني والتسلط الطائفي المباشر، ولا أتعس اليوم من اليمن “السعيد” الذي يعاني من أكبر مجاعة في الوقت الحالي، وبلغ التدهور الصحي حدا لا يوصف، وذلك بعد تسلط عصابة الحوثي الذي يمثل واجهة يمنية للتدخل الإيراني، ثم جاء تدخل التحالف فجعل اليمن بين شقي رحى، أو على أثافي القدر الثلاثة!
وموقف حزب حسن نصر الله من زيارة خالد مشعل يؤكد أنه صاحب الكلمة على الدولة، وأن الإساءة إلى نظام بشار والتخلي عنه تجاوز لا يمكن تجاوزه، فهو طعنة لمشروع إيران في سوريا، المشروع الذي أهلك الحرث والنسل وجعلها مضرب الأمثال.
يعرف الجميع طبيعة علاقة إيران مع حركة حماس، وما تقدمه طهران من وسائل الدعم، لا سيما بعدما باتت بعض الدول العربية بعد موجة التطبيع المجاني تحت لحاف إسرائيل، وأقرب إلى الشراكة مع النظام الصهيوني، وأصبح بينها وبين المقاومة ما صنع الحداد والخشاب، مما جعل الحركة مضطرة لاستكمال مشوارها النضالي واستمرار مشروع المقاومة لأكل الميتة وركوب الصعب، ولكن الشارع الحكيم الذي أجاز للمضطر أن يأكل الميتة عند الفقد والمسغبة، حدد له ألا يشبع من اللحم النتن، ولا يحمل منه أو يستكثر، ويدرك أنها مرحلة مؤقتة تقدر بقدرها، وإيران تعرف أن حماس تتعامل معها من هذا المنطلق، لذا لما واتتها الفرصة، حرشت أذيالها في لبنان لتسجيل موقف لصالح جزار الشام، أملا في الانتقاص من قدر قائد حماس، أو محاولة ذرع الفتنة بين صفوفها، ولا أظن أنهم يستطيعون أو سيفلحون، لأن ذلك استعصى على أساتذتهم الصهاينة ملوك المكر والختل، ودهاقنة الوقيعة والخديعة، أشد الناس عداوة للذين آمنوا..
خرج أبو الوليد من دمشق مجاهدًا كريمًا لم يداهن أو يمالي، وخرج من لبنان عزيزًا أبيًا وإن سخط عليه صبيان الملالي، وأظهرت جماهير المسلمين إكبارًا لمواقفه وإعجابًا بزعامته، من جنس ما حظيت به جماعته، حيث لم تحظ طائفة أو جماعة بتأييد الأمة والوقوف خلفها، مثل ما وقع لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولم تتعلق أنظار الناس بأحد كما تعلقت بشيوخها وقادتها، من ياسين إلى أبي عبيدة، فهم طليعة الأمة، ورمز جهادها وكتيبة تحرير مقدساتها، ويبقى قادتها رموزًا للثبات على الحق والتضحية في سبيله، لذا هتفت جماهير المسلمين “كلنا مشعل”، “ويمثلنا أبو الوليد”، ونبقى وإياهم على العهد لا نقيل ولا نستقيل.