حل الدولتين وهم يسوقه الحكام العرب
بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)
لم يسأم الحكام العرب ولا من يروجون لهم ممن يسمون بالمفكرين والخبراء والمثففين بعد من الحديث عن حل الدولتين باعتباره الحل الأمثل للقضية الفلسطينية الذي تسعى له الولايات المتحدة الأمريكية صديقتهم الوفية كما نقرأ ونسمع من تصريحات قبل وبعد الإيقاف المؤقت للحرب الإبادية على غزة بعد وقف إطلاق النار الأخير الذي تمت توقيعه منذ بضعة أيام.
وهذا الحل الذي ظل الحكام العرب يروجون له عقودا طويلة مذ هزيمة السابع من يونيو سنة 1967م وحتى اليوم بكل ما أوتوا من قوة بالاشتراك مع الأمريكان والأوروبيين وقادة الكيان الصهيوني حتى تم للعدو الصهيوني ورعاته الأمريكان والأوروبيين من تحقيق هدفهم العزيز على أنفسهم المذل لأمتنا ومفرق شملها وجمعها على عداوته والمتمثل في التطبيع السافر معه. هذا الحل لم يعد موجودا اليوم بشكل سافر وصريح بعد أن استسلم هؤلاء الحكام لكل شروط التتبيع المسمى تطبيعا بالكامل ودخلوا في شراكة مع العدو الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية.
لذلك فإن أي حديث اليوم عن حل الدولتين وتصديره للشعوب العربية هو محض خداع فاضح يقوم به هؤلاء الحكام يجب أن يتنبه له كل عربي ومسلم وينبه غيره إليه لأنه فخ جديد ومخدر فاقد للمفعول يراد به تسكين الشعوب حتى يفاجئوها بالتهجير القسري لسكان غزة أو غالبيتهم إلى مصر والاردن إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
فالإدارة الأمريكية الحالية بكل اركانها في البيت الابيض ووزارتي الخارجية والدفاع والمخابرات والكونجرس بمجلسيه مجموعون على انتهاء صلاحية حل الدولتين. وترامب هذا التاجر الصفيق الذي لا يؤمن إلا بالصفقات ولن ينفذ إلا برنامجه الذي انتخبه على أساسه جمهوره الانتخابي من اليمين المسيحي المتطرف والصهاينة. وهو البرنامج الذي يرفض حل الدولتين.
وترامب في كل تصريحاته يتبنى هذا البرنامج الذي جاء به رئيسا ويسعى لتنفيذه واقعا، ويطرح حلا جديدا للقضية يتمثل في تصفيتها. وبكلماته هو: “هناك أفكار أخرى غير الدولتين، لكنني أؤيد كل ما هو ضروري لتحقيق السلام الدائم وليس السلام فقط. لا يمكن أن يستمر الأمر حيث ينتهي بك الأمر كل خمس سنوات إلى مأساة. هناك بدائل أخرى” هكذا قال لمجلة التايمز.
وإدارة ترامب؛ وهي من أسوأ الادارات: انظر لسفيره في الكيان وسفيرته في الأمم المتحدة ووزيرا دفاعه وخارجيته ومدير مخابراته ومستشاروه ديفيد فريدمان وبومبيو وباقي فريقه مجموعة من المرضى النفسيين واغلبيته في مجلسي الكونجرس. هذه الإدارة ترفض حل الدولتين تماما، وستركز جهودها الفترة القادمة على قطاع غزة كمختبر لباقي الخطة التي يتم التمهيد لها لتطبق فيما بعد في الضفة الغربية لإعلان الدولة اليهودية الموحدة الخالية من الفلسطينيين تماما أو التي يعيش فيها من يتبقى منهم كفرد لا تاريخ له ولا أرض ولا حقوق سوى حقوق الأكل والشرب وغيرها من الاحتياجات الدنيا للإنسان.
إن التسريبات الخارجة عن هذه الخطة ثنائية الحزبية التي توافق عليها الحزبان الجمهوري والديموقراطي، والتي تم تحديدها كسيناريو لما بعد الحرب لقطاع غزة، وذلك بعد تطويرها في حوار الشرق الأوسط الأمريكي (القمة السنوية لتعزيز حوار الشرق الأوسط وأمريكا، 7-8 سبتمبر 2024). فقد جمع هذا المؤتمر الذي عقد خلف الأبواب المغلقة لاعبين إقليميين رئيسيين – بما في ذلك المسؤولون الإسرائيليون وزعماء المعارضة، وأعضاء الكونجرس الأمريكي من الحزبين، وممثلو الدول العربية الكبرى – مع استبعاد الفلسطينيين.
وقد خرجت تلك القمة بخطة تتصور تشكيل تحالف قوي مع دول الخليج لإعادة بناء غزة وتحويلها إلى “إمارة فلسطينية“، خاضعة لسيطرة مشددة من قبل طبقة قيادية جديدة كبديل للسلطة الفلسطينية. والهدف من ذلك هو منع حماس أو أي قوة أخرى متحالفة مع محور المقاومة من استعادة السيطرة على القطاع.
وهو ما سنرى ملامحه الصادمة يوم الثلاثاء عندما يجتمع مع صديقه المجرم الصهيوني . ومن ثم فإن الحديث عن حل الدولتين والتعاون مع ترامب صديق هؤلاء الحكام ليس سوى مجرد تضييع واستهلاك للوقت للوقت وتهدئة ثائرة الشعوب العربية الرافضة لهكذا حل يصفي القضية الفلسطينية ويعرض الأمن القومي العربي لأكبر المخاطر على مدى تاريخه حيث يرهن مقدرات الأمة وقرارها للعدو الصهيوني ليقود قارتنا العربية وليكون حامي هذه الأنظمة من شعوبها إن اعترضت والراعي لها ولتوفير العلف لها إن استكانت لهذا المخطط الشرير وتخلت عن عقيدتها ودينها وقيمها وتاريخها وأرضها ودماء أبنائها.
لذلك فإن لحظتنا الراهنة لا تحتاج للكلام الموارب أو الدبلوماسي أو غير الصريح، فنحن جميعا نحتاج أن نتحدث بعلو الصوت كما يفعل ترامب والمجرم صديقه وغيرهم من حكام المنطقة لنقول ما يجب أن يقال حتى تتضح المواقف فلا وقت ولا مجال إلا للأفعال الحقيقية التي توقف سيل الخراب العرم للأمة إن سكتنا.
وبخصوص مصر على وجه الخصوص، فإن ما تحتاج أن تقوله وتفعله تحديدا دون غيرها هو البدء في تعمير غزة دون انتظار لترامب أو غيره وتدعو من يريد حقيقة من عرب الخليج ممن يهدرون مليارات الدولارات في اللاشيء للمساهمة في إعمار غزة وإسنادها وتحقيق مصالحة فلسطينية حقيقية تمكن أهل فلسطين من حكم غزة والضفة بشكل لا لبس فيه.
والأهم طبعا بالتوازي مع ذلك إعمار مصر بالإصلاح السياسي الحقيقي وبوقف كل الانفاق السفهي وغلق بحار الفساد وكف أيدي الأمن عن الناس ووزير المالية عن جيوبهم ليعملوا ويزرعوا ويصنعوا لتكون لمصر استقلالها الحقيقي الذي لا يتأتى إلا من استقلالها في توفير احتياجات شعبها. وأن يعلم ترامب وغيره أن بمصر نظاما ينتمي لشعبها ويأتي من انتخابهم الحر النزيه ويأتمر بأمرهم.
دون ذلك فأي اقتراحات مهما تحلت بالعلم وامتازت بالإبداع لن تجد لها مكانا لدى ترامب أو غيره. وسنجد أنفسنا نبرر ما يريده ترامب بكافة التبريرات وسيحدث مثلما حدث في ملف النيل وتيران وصنافير وما جرى في صفقة الساحل الشمالي وما يجري من صفقات على ما تبقى من أراضي وموارد البلاد وساعتها لن يكون لنا مكان سوى عمال في منتجعات بني صهيون ممن يسمون بن مش عارف ايه وآل مدراش ايه كما يخططون لمن يتبقى من أهل غزة ليكونوا عمالا في منتجعات غزة بيتش لصاحبها ومديرها ملك الكازينوهات ومسرح الجميلات ترامب وتابعوه القفف من حملة الألقاب الكاذبة في قارتنا العربية.
ترامب يريد سنغافورة جديدة فندق كبير يلهو فيه أهل اللهو من أصحاب المليارات ويخدم فيه أهل البلاد. والقوادون ومديرو صالات القمار والقتلة لا ينفع معهم سوى الحوار المسلح بسلاح الشرعية والجهاد المتترس بالشعوب الحرة الأبية.