مقالاتمقالات المنتدى

حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

بقلم أ. د. كامل صبحي صلاح “أستاذ الفقه وأصوله” (خاص بالمنتدى)

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فإنّ قراءة سورة الكهف يوم الجمعة سنّة مستحبّة مشروعة، وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يترتّب عليها الأجر والثواب، ولا ريب أنّ المداومة على ذلك أمر مرغّب فيه؛ لكونه من الأمور المشروعة، والتي هي داخلة فيما يُسنّ فعله يوم الجمعة والمداومة عليه. ولا شكّ أنّ لقراءة القرآن الكريم وتدبّره عظيم الفضل والمنزلة والثواب والأجر، حيث أخبر النَّبيُّ ﷺ أنَّ الذي يَقرأُ القرآنَ الكريم وهو ماهرٌ حاذِقٌ، لا يَتوقَّفُ ولا تَشُقُّ عليه القِراءةُ؛ نظراً لحفظه وإتقانه؛ أنَّ مكانته ومنزلته مع السَّفَرةِ الكرام البَرَرةِ، ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ. [وفي رواية]: والذي يَقْرَأُ وهو يَشْتَدُّ عليه له أجْرانِ..». «أخرجه البخاري (٤٩٣٧)، ومسلم (٧٩٨) واللفظ له».

وفي الحديث كذلك عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ وهو يَتَعاهَدُهُ، وهو عليه شَدِيدٌ؛ فَلَهُ أجْرانِ». «أخرجه البخاري(٤٩٣٧)».

ومن المعلوم أنّ كلام الله تبارك وتعالى له تأثيرٌ في باطن  الإنسان وظاهره، وإنَّ العِبادَ مُتفاوِتون في ذلك؛ فمنهم مَن له النصيبُ الأوفَرُ من ذلك التأثيرِ، وهو المؤمِنُ القارئُ، ومنهم مَن لا نصيبَ له ألبتَّةَ، وهو المنافِقُ الحقيقيُّ، ومنهم مَن تأثَّر ظاهِرُه دون باطِنِه، وهو المرائي، أو بالعَكسِ، وهو المؤمِنُ الذي لا يَقَرُؤه، ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَثَلُ المُؤْمِنِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ، رِيحُها طَيِّبٌ وطَعْمُها طَيِّبٌ، ومَثَلُ المُؤْمِنِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، لا رِيحَ لها وطَعْمُها حُلْوٌ، ومَثَلُ المُنافِقِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحانَةِ، رِيحُها طَيِّبٌ وطَعْمُها مُرٌّ، ومَثَلُ المُنافِقِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، ليسَ لها رِيحٌ وطَعْمُها مُرٌّ..» «أخرجه البخاري (٥٤٢٧)، ومسلم (٧٩٧)».

ولقد ورد في صحيح الأحاديث أنّ للهِ سُبحانَه وتعالى مَلائكةً يَطوفونَ في الأرضِ يَلتَمِسونَ قِراءةَ القُرآن الكريم ليَستَمِعوها، ومن قبيل ذلك ما ورد من أحاديث صحيحة في فضل سورة الكهف وفضل قراءتها يوم الجمعة، ففي الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:«كانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، وإلى جانِبِهِ حِصانٌ مَرْبُوطٌ بشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وتَدْنُو وجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمّا أصْبَحَ أتى النبيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذلكَ له فقالَ: تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بالقُرْآنِ..»  «أخرجه البخاري (٥٠١١) واللفظ له، ومسلم (٧٩٥)».

ولقد أورد الامام البخاري في صحيحه: «باب فضل سورة الكهف»، ثم أورد بسنده هذا الحديث عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه.

-وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «قَرَأَ رَجُلٌ الكَهْفَ وفي الدّارِ الدّابَّةُ، فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَسَلَّمَ، فَإِذا ضَبابَةٌ -أوْ سَحابَةٌ- غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَهُ للنَّبيِّ ﷺ، فَقالَ: اقْرَأْ فُلانُ؛ فإنَّها السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ. أوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ» «أخرجه البخاري (٣٦١٤)، ومسلم (٧٩٥)».

وفي هذا الحَديثِ يَرْوي البَراءُ بنُ عازبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَجلًا مِن أصْحابِ النَّبيِّ ﷺ -وهو أُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ رَضيَ اللهُ عنه كما بيَّنَت رِوايةٌ أُخْرى للبُخاريِّ- كان يَقْرَأُ سُورةَ الكَهفِ، وفي دارِه دابَّةٌ، فجعَلَت تَنفِرُ، أي: تَضطَرِبُ وتَتحرَّكُ، فسَلَّمَ أُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ، أي: دَعا بالسَّلامةِ؛ لِما رَآهُ مِن نُفورِ دابَّتِه، فإذا بسَحابةٍ أحاطَتْ به، فلمّا ذكَرَ ذلك للنَّبيِّ ﷺ قال له: «اقْرأْ فُلانُ»، مَعْناه: كان يَنبَغي أنْ تَستمِرَّ على القُرآنِ، وتَغتَنِمَ ما حصَلَ لكَ مِن نُزولِ السَّكينةِ والمَلائكةِ، وتَستَكثِرَ مِن القِراءةِ الَّتي هي سَببُ بَقائِهما؛ «فإنَّها السَّكينةُ نَزَلَتْ للقُرآنِ»، أي: إنَّ هذه السَّحابةَ كان فيها المَلائكةُ وعليهمُ السَّكينةُ نزَلوا يَستَمِعونَ للقُرْآنِ؛ وقيلَ: إنَّ السَّكينةَ شَيءٌ مِن مَخْلوقاتِ اللهِ تعالى فيه طُمأْنينةٌ، ورَحمةٌ، ومعَه مَلائكةٌ يَستَمِعونَ القُرآنَ؛ ولذلك نفَرَتِ الدّابَّةُ لمّا رَأتْهم، وهذا فيه فَضلُ قِراءةِ القُرآنِ الكريم، وأنَّها سَببُ نُزولِ الرَّحمةِ، وحُضورِ المَلائكةِ.

ولقد خَصَّ اللهُ تبارك وتعالى بعض السُّور والآياتِ بمزيد  فضلٍ، وخاصَّةً إذا قُرئتْ في وقت محدد مُعيَّنٍ، كحال إذا قُرِئتْ سُورةُ الكهف يوم الجُمُعة، حيث يُضاء لقارئها من النور ما بين الجمُعتَين، ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ، أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ». «كشاف القناع، البهوتي(٢‏/٤٣)،إسناده حسن، صحيح الجامع(٦٤٧٠)، الألباني، صحيح».

وفي هذا الحديث يُخبر النَّبيُّ ﷺ:أنّ«مَن قَرَأَ سُورةَ الكَهفِ في يَومِ الجُمُعةِ»، وتُقرَأُ السُّورةُ في لَيلةِ الجُمُعةِ أو في يَومِها، وتَبدَأُ لَيلةُ الجُمُعةِ مِن غُروبِ شَمسِ يَومِ الخَميسِ، ويَنتَهي يَومُ الجُمُعةِ بغُروبِ الشَّمسِ، «أضاءَ له مِنَ النُّورِ ما بَينَ الجُمُعتَيْن»، وهذا النُّورُ يَقذِفُه اللهُ في قَلبِ القارِئِ، أو في بَصَرِه، أو بَصيرَتِه، أو في كُلِّ أحوالِه، أو هو نُورٌ يَصعَدُ له مع أعمالِه إلى السَّماءِ، أو تُشاهِدُه المَلائِكةُ، أو يَسطَعُ له في الآخِرةِ نُورٌ، زيادةً على غَيرِه يَومَ القيامةِ، ويَظَلُّ هذا النُّورُ بهذا المَعنى طُوالَ الأُسبوعِ مِنَ الجُمُعةِ إلى الجُمُعةِ، ويشير الحديث إلى التَّرغيب والحثّ على قِراءةِ سُورةِ الكَهفِ يَومَ الجُمُعةِ.

# الترجيح:

فإنّه وبعد ما تمّ ايراده من أدلة ونصوص وأحاديث صحيحة صريحة، فإنّ القول الراجح هو: أنّ قراءة سورة الكهف يوم الجمعة سنّة مستحبّة مشروعة، حيث تُعدّ قراءتها من جملة الأعمال الصالحة التي يتّرتب عليها الأجر والثواب، ولا ريب أنّ المداومة على قراءة سورة الكهف أمرٌ مرغّب فيه؛ لكونه من الأعمال الفاضلة المشروعة، والتي هي داخلة فيما يُسنّ ويُستحبّ فعله يوم الجمعة. والله تعالى أعلى وأعلم.

# وإنّ من الفضائل والمسائل المتعلّقة بقراءة سورة الكهف يوم الجمعة، ما يلي:

-إنّ من فضائل سورة الكهف، أنَّ مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِها، عصَمَه اللهُ عزَّ وجلَّ، وحَفِظَه، ووَقاهُ مِن فِتنةِ الدَّجّالِ الَّذي يَخرُجُ آخِرَ الزَّمان، ففي الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَن حَفِظ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سورةِ الكهفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجّالِ. وفي رِوايةٍ: مِن آخِرِ سورةِ الكهفِ..» «أخرجه مسلم (٨٠٩). والرواية أخرجها مسلم (٨٠٩)، والنسائي في «السنن الكبرى» (١٠٧٨٦)، وأحمد (٢٧٥١٦) باختلاف يسير، والألباني، تحقيق رياض الصالحين (١٠٢٨)، الرواية الأخرى شاذة والمحفوظ الرواية الأولى ولها شاهد: «فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف».

-وفي الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَن قرَأ عَشْرَ آياتٍ مِن سورةِ الكهفِ عُصِم مِن فتنةِ الدَّجّالِ». «شعيب الأرنؤوط، تخريج صحيح ابن حبان (٧٨٥)، إسناده صحيح».

-وفي الحديث كذلك عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجّالِ».  «أخرجه مسلم (٨٠٩)».

وفي هذا الحديث يُخبِرُ النَّبيُّ ﷺ أنَّ مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورةِ الكَهفِ، عصَمَه اللهُ عزَّ وجلَّ، وحَفِظَه، ووَقاهُ مِن فِتنةِ الدَّجّالِ الَّذي يَخرُجُ آخِرَ الزَّمانِ ويَدَّعي الأُلوهيَّةَ، والدَّجّالُ في الأصلِ هو الذي يُكثِرُ مِن الكذبِ والتَّلْبِيسِ؛ وهو مِن العَلاماتِ الكُبرى ليومِ القِيامةِ، وفِتنتُه أعظَمُ فِتنةٍ تكونُ على الأرضِ منذُ خُلِقَ آدمُ إلى قِيامِ السّاعةِ؛ لِما أمْكَنَه اللهُ عزَّ وجلَّ مِن بعضِ المُعجِزاتِ الَّتي يَفتِنُ بها مَن تَبِعَه، وإنَّما كانَ حِفظُ هذه الآياتِ سَببًا للعِصمةِ مِن الدَّجّالِ؛ قيل: لِما في هذه الآياتِ مِنَ العَجائبِ والمُعجِزاتِ؛ فمَن عَلِمَهما لا يَستغرِبُ أمْرَ الدَّجالِ، ولا يُفتَتنُ به، ويَسهُلُ عليه الصَّبْرُ على فِتَنِ الدَّجّالِ بما يَظْهَرُ مِن نَعيمِه وعَذابِه، أو تكونُ العِصمةُ مِن الدجّالِ مِن خَصائصِ اللهِ تبارك وتعالى لِمَن حَفِظ هذه الآياتِ.

وإنّ مِن سُبلِ الوقايةِ مِن فِتنَةِ الدَّجّالِ أيضًا، والتي لمْ تُذكَرْ في هذا الحديثِ، وقدْ ثبَتَت عن رسولِ اللهِ ﷺ في أحاديثَ أُخرى: مَعرفةُ أسماءِ اللهِ وصِفاتِه؛ فيَعلَمُ أنَّ الدَّجّالَ بَشَرٌ يَأْكلُ ويَشرَبُ، واللهُ جلّ وعلا مُنَزَّهٌ عن ذلك، وأنَّ الدَّجّالَ أَعْوَرُ، واللهُ سُبحانَه وتعالى ليس بأعْوَرَ، وأنَّه لا يَرى أحَدٌ رَبَّه سبحانه وتعالى حتّى يَموتَ، والدَّجّالُ يَراهُ النّاسُ عندَ خُروجِه؛ مُؤمنُهم وكافرُهم. ومنها: التَّعَوُّذُ مِن فِتنَةِ الدَّجّالِ، خاصَّةً في الصَّلاةِ، كما في حَديثِ أم المؤمنين عائشةَ رَضِي اللهُ عنها في الصَّحيحينِ، أنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ يَدعو في الصَّلاةِ:«اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن عَذابِ القبرِ، وأعوذُ بك مِن فِتنَةِ المسيحِ الدَّجّالِ»، ومنها: الفِرارُ مِنَ الدَّجّالِ لمَن عاصَرَهُ، والابتِعادُ عنهُ؛ وذلك لِما معه مِنَ الشُّبُهاتِ والخوارقِ العظيمةِ الَّتي قدْ يَفْتَتِنُ بها المرءُ.

وفي الحَديثِ: فَضلُ العَشرِ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورةِ الكَهفِ.

وفيه: بيانُ شِدَّةِ فِتنةِ المسيحِ الدَّجّالِ، حتّى إنَّه يُحتاجُ لِما يُحصِنُ منه.

-وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ، أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ».

«كشاف القناع، البهوتي(٢‏/٤٣)، إسناده حسن، صحيح الجامع(٦٤٧٠)، الألباني، صحيح».

-وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَن قرأَ سورةَ الكَهْفِ ليلةَ الجمعةِ، أضاءَ لَهُ منَ النُّورِ فيما بينَهُ وبينَ البَيتِ العَتيقِ».

«ابن الملقن، تحفة المحتاج(١‏/٥٢٢)، صحيح أو حسن [كما اشترط على نفسه في المقدمة]، والشوكاني، تحفة الذاكرين(٤٣٥)، موقوف ورجاله ثقات».

-وفي الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَن قرأَ سورةَ الكَهْفِ في يومِ الجمعةِ، سَطعَ لَهُ نورٌ مِن تحتِ قدمِهِ إلى عَنانِ السَّماءِ، يضيءُ لَهُ يومَ القيامةِ، وغُفِرَ لَهُ ما بينَ الجمعتينِ».

«المنذري، الترغيب والترهيب (١‏/٣٥٤)، إسناده لا بأس به، أخرجه ابن مردويه في «التفسير» كما في «الترغيب والترهيب» للمنذري (١/٢٩٨)، وابن كثير، تفسير القرآن (٥‏/١٣١)، إسناده غريب وفي رفعه نظر، وأحسن أحواله الوقف، وأخرجه ابن مردويه في «التفسير» كما في «الترغيب والترهيب» للمنذري (١/٢٩٨)».

-لقد استحَبَّ جمهور الفقهاء: من الحَنَفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، قراءةَ سورة الكهف يومَ الجُمُعة واختاره ابنُ الحاج من المالِكيَّة. «حاشية الطحطاوي، (ص:324)، حاشية ابن عابدين، (2/164)، والمجموع، للنووي (4/548)، وروضة الطالبين، للنووي، (2/46)، والفروع، لابن مفلح (3/160)، وكشاف القناع، للبهوتي(2/43)، والمدخل، لابن الحاج (2/281)».

-سورة الكهف سورة مكيّة في قول جميع المفسرين.

قال الإمام القرطبي في تفسيره: وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ. رُوِيَ عَنْ فِرْقَةٍ أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ إِلَى قَوْلِهِ: “جُرُزاً”، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

وقال الإمام ابن كثير في تفسيره:وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.

وقال الإمام ابن الجوزي في تفسيره: رَوى أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ سُورَةَ (الكَهْفِ) مَكِّيَّةٌ، وكَذَلِكَ قالَ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ. وهَذا إجْماعُ المُفَسِّرِينَ مِن غَيْرِ خِلافٍ نَعْلَمُهُ.

وقال الإمام الماوردي في تفسيره: سُورَةُ الكَهْفِ مَكِّيَّةٌ كُلُّها في قَوْلِ الحَسَنِ وعِكْرِمَةَ وعَطاءٍ وجابِرٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ: إلّا آيَةً واحِدَةً ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ﴾[الكَهْفِ:٢٨].

-وقت قراءة سورة الكهف: تُقرأ سورة الكهف في ليلة الجمعة أو في يومها، وتبدأ ليلة الجمعة من غروب شمس يوم الخميس، وينتهي يوم الجمعة بغروب الشمس، وعليه: فيكون وقت قراءتها من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة.

-قال المناوي: قال الحافظ ابن حجر في” أماليه”: كذا وقع في روايات “يوم الجمعة”، وفي روايات “ليلة الجمعة”، ويُجمع بينهما بأنّ المراد اليوم بليلته والليلة بيومها. «فيض القدير، المناوي،(6/199)».

-وقال المناوي: فيُندب قراءتها يوم الجمعة وكذا ليلتها كما نصّ عليه الشافعي رضي اللّه عنه. «فيض القدير، المناوي،(6/198)».

-وقيل:أنه يبتدأ وقت قراءة سورة الكهف من ابتداء اليوم الشرعي من دخول صبح يوم الجمعة إلى غروب الشمس ولا يشرع قراءتها من ليلة الجمعة، لأنّ رواية ليلة الجمعة شاذّة لا تثبت. وتفرّد بها أبو النعمان عن هشيم ورواية الجماعة هي المحفوظة عن هشيم فعلى هذا من قرأها ليلاً قبل الوقت أو أخرها إلى بعد الغروب لم يوافق فضلها، لأنّ الحديث علّق وقتها بيوم الجمعة دون ليلتها.

وإنّ قوله عليه الصلاة والسلام:«يوم الجمعة»، يشمل ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لأنّ هذا هو اليوم المعروف في الاصطلاح الشرعي.

-قال الإمام العيني في شرح صحيح الإمام البخاري: اليوم الكامل في اللغة: عبارة عن طلوع الشمس إلى غروبها. وفي الشرع: من طلوع الفجر الصادق.

-وسُئل العلامة ابن عثيمين عمّن قرأ سورة الكهف في ليلة الجمعة فهل يحصل له فضل قراءة سورة الكهف؟.

فأجاب: لا، قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، وأحسن ما يكون أن تكون بعد طلوع الشمس، لك من طلوع الشمس إلى غروب الشمس، إذا قرأتها في أيّ ساعة ما بين الطلوع والغروب فقد أجزأ» «فتاوى اللقاء المفتوح، لابن عثيمين».

-لقد أَثْنَى اللَّهُ تبارك وتعالى على نفسه سبحانه في بداية سورة الكهف، بِإِنعامه على خَلقهِ وَخَصَّ رَسُولَهُ ﷺ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ الكريم عَلَيْهِ كَانَ نِعْمَةً عَلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ، قال الله تعالى:﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾[الكهف:١].

قال الإمام ابن جُزَيّ في تفسيره: العبد هنا هو النبي ﷺ، ووصفه بالعبودية تشريفاً له، وإعلاماً باختصاصه وقربه.

-لا تختصّ قراءة سورة الكهف بوقت محدد معيّن يوم الجمعة كوقت العصر مثلاً، قال الإمام ابن تيمية:(قراءة سورة الكهف يوم الجمعة فيها آثار ذكرها أهل الحديث والفقه، لكن هي مطلقة يوم الجمعة ما سمعت أنها مختصّة بعد العصر).

-لقد ذهب بعض أهل العلم إلى استحباب قراءتها قبل صلاة الجمعة، وأنّ من قرأ سورة الكهف في الصلاة ينال الثواب الموعود به إضافة إلى ثواب القراءة العامّة في غير الصلاة.

-إنّ السنّة أن يقرأ المسلم سورة الكهف منفرداً ولا يُشرع قراءتها جماعةً، وكذلك لا يشرع تفريق القراءة على عدة أشخاص بحيث يقرأ كل شخص بضع آيات من السورة ثم يقرأ الآخر ما بعدها حتى تتم قراءة سورة الكهف، فهذا الفعل غير مشروع، ولا يترتب عليه الأجر والثواب، وهو مخالف لهدي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

-تجزئ قراءة سورة الكهف عن ظهر قلب أو من المصحف أو من أجهزة التقنية الحديثة المعاصرة أو من أي وسيلة تحصل بها القراءة كاملة تامّة، على الراجح من أقوال أهل العلم، والأفضل والأولى أن تكون من المصحف. وأن تكون القراءة بتدبّر وفهم لمعاني الآيات، وما تحتويه من فوائد عظيمات، ولو قرأها القارئ قراءة حدر أجزأه ذلك، وصحّت قراءته وتلاوته.

-يُسنّ ويُستحب وتُشرع قراءة سورة الكهف للرجل والمرأة والصغير والكبير والمسافر والمقيم؛ لعموم الخبر الوارد في فضلها.

-يجوز للمرأة الحائض قراءة سورة الكهف على الراجح من أقوال أهل العلم عن ظهر قلب أو من المصحف مع وجود حائل، ولا يحلّ لها أن تمسّ المصحف مباشرة بيدها.

-إنّ الفضل والأجر يثبت بقراءة سورة الكهف كاملةً تامّةً، بخلاف من قرأ بعض آياتها وصفحاتها، فلا يثبت له الفضل المترتّب عليها، فعلى هذا ينبغي للمسلم أن يقرأ جميع سورة الكهف من أولها إلى آخرها؛ لئلا يُحرم الأجر والثواب المترتّب على قراءتها.

هذا ما تيسر ايراده، نسأل اللهَ العلي الأعلى أن ينفع بما كُتب، وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، وأن يكون لوجهه الكريم خالصاً، والحمد لله ربّ العالمين على الفضل والتمام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى