حكم قتل المؤمن متعمداً
بقلم د. محمد عبد الكريم الشيخ (خاص بالمنتدى)
﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء ٩٣]
? هذهِ الآيةُ الكريمةُ؛ من أشَدِّ آيات الوعيدِ الواردةِ في القرآن؛ وهي تطالُ بوعيدها كُلَّ من تعمَّدَ قتلَ نفسٍ مسلمةٍ بغير حقٍّ.
? ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ ﴾: (مَنْ) : من صيَغِ العمومِ؛ فهي تعُمِّ في حكمها كُلَّ (قاتل) سواءً كان هذا القاتلُ مسلماً أو كافراً ؛ برّاً كان قبل إقدامه على ذلك القتل الآثمِ أمْ فاجراً .
ويدخلُ فيهِ من تسبَّبَ في القتْلِ بتحريضٍ أو فتوى باطلةٍ يُعلَمُ بُطْلانُها؛ ومن يَزجُّ بالمسلمِ في مهلكةٍ بغيرِ حقٍّ؛ ليُقتلَ فيها؛ وكذا مَنْ يُسَرُّ بقتلِ مسلمٍ بغير حقٍّ؛ وأقبحُ منهُ من يَفْرحُ بالدِّماءِ البريئةِ ليتكسَّبَ بها .
? ﴿ مُؤْمِنًا ﴾(القتيلُ أي المقتولُ) والمرادُ به كُلُّ مسلمٍ؛ مِمّن لديه أدنى الإيمان؛ سواءً كان محسناً أمْ مسيئاً؛ طائعاً لله تعالى أمْ عاصياً .
بلْ إنَّ من عظمةِ الشريعة الإسلامية أنّها حرمتْ دماء غير المسلمين من المعاهدين والذميين والمسـتأمنين؛ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قتل مُعاهَداً -وفي روايةٍ ذمِّيّاً-لم يَرِحْ رائحةَ الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً(رَوَاهُ البخاريُّ).
? ﴿ مُتَعَمِّدًا ﴾ أي قاصداً قتله؛ ويدخلُ فيه رميهُ بما يُقتَلُ به غالباً؛ كإطلاق الرصاصِ عليهِ . عن ابن سيرين قال سمعت أبا هريرة ، يقول : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : ” من أشار إلى أخيه بحديدة ، فإن الملائكة تلعنه ، حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه “(رواهُ مُسْلمٌ)؛ ويدخلُ في الآيةِ؛ القاصدون لقتلهِ من غير مباشرة؛ كالذين يغرِرُون به؛ في فعلٍ غير مشروعٍ ليقتلَ .
?? هذا؛ وقد بيَّنَ اللهُ تعالى؛ عقوبات القاتل للمسلم بغير حقٍّ في خمسةٍ :
? أوّلُها : ﴿ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ يحترقُ فيها جَسَدُ القتلةِ بالنارِ؛ التي تعدلُ سبعيناً ضعفاً من نار الدنيا .
? ثانياً : ﴿ خَالِدًا فِيهَا﴾ فيمكثُ فيها زمناً طويلاً ؛ ﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [النساء: ٥٦].
? ثالثاً :﴿ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ وهذه أشَدُّ مما سبق؛ لأنَّ من غضب الله عليهِ؛ فقد هلكَ؛ عياذاً بالله من ذلك .
? رابعاً : ﴿ وَلَعَنَهُ﴾ أيْ طَرَدَهُ من رحمته .
? خامساً : ﴿ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ وَهَيَّأَ وَرَتَّبَ له؛؛ من صنوف التعذيب شَيْئاً مهولاً؛ لا يُمكنُ لمخلوقٍ كائناً ما كانت قوتُهُ أنْ يُطيقهُ؛ فهو يتعذب عذاباً عظيماً؛ كأنَّما قتَلَ جميعَ النّاسِ؛ قالَ مجاهدٌ رحمه الله: ” من قتل نفساً مُحرّمةً يَصْلى النارَ بقتلها كما يصلاها لو قتل الناس جميعاً؛ ومن أحياها أي من سلم من قتلها فكأنما سلم من قتل الناس جميعاً “.
? ? واللهِ إنَّها (وَرْطةُ العُمُرِ ) كما قال عبد الله بن عمر : ” إن من ورطات الأمور ، التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها ، سفك الدم الحرام بغير حله “(رواه البخاريُّ).
وعنه أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ، ما لم يصب دما حراما “(روَاهُ البخاريُّ).
وعن البراء بن عازبٍ ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ” (رواهُ ابن ماجهْ بسندٍ صحيح).
? ? فَحَذارِ أخا الإيمانِ؛ أنْ تتورّطَ في قتل نفسٍ مسلمةٍ بغير حقٍّ؛ فإنَّكَ لا تزالُ في عافيةٍ؛ ما دُمْتَ بعيداً عن هذه الجريمةِ الشنيعةِ التي عرفت عاقبتها .
اللّهم أنّا نبرأُ إليكَ من كُلِّ دمٍ سُفكَ في الأرض بغيرِ حقٍّ.