مقالات

حكم قتل الرحمة وتيسير الموت بإيقاف العلاج وأجهزة الإنعاش.. فتوى للقرضاوي

حكم قتل الرحمة وتيسير الموت بإيقاف العلاج وأجهزة الإنعاش.. فتوى للقرضاوي

 

أفتى الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بحرمة قتل الرحمة الذي يتدخل فيه الطبيب بإعطاء المريض دواء يعجل بموته وقال أنه غير جائز بحال من الأحوال؛ لأن فيه عملا إيجابيًا من الطبيب بقصد قتل المريض، والتعجيل بموته، بإعطائه تلك الجرعة العالية من الدواء المتسبب في الموت، فهو “قتل على أي حال”.

وقال الشيخ القرضاوي: “سواء كان القتل بهذه الوسيلة أم بإعطاء مادة سمية سريعة التأثير، أم بصعقة كهربائية أم بآلة حادة، كله قتل، وهو محرم، بل هو من الكبائر الموبقة، ولا يزيل عنه صفة القتل أن دافعه هو الرحمة بالمريض، وتخفيف المعاناة عنه. فليس الطبيب أرحم به ممن خلقه. وليترك أمره إلى الله تعالى، فهو الذي وهب الحياة للإنسان وهو الذي يسلبها في أجلها المسمى عنده”.

تيسير الموت المنفعل (بإيقاف العلاج)

وحول مسألة تيسير الموت المنفعل بايقاف العلاج، أكد الشيخ القرضاوي، انها تدور كلها على “إيقاف العلاج” عن المريض، والامتناع عن إعطائه الدواء، الذي يوقن الطبيب أنه لا جدوى منه، ولا رجاء فيه للمريض، وفق سنن الله تعالى، وقانون الأسباب والمسببات.

وقال مفصلاً في فتواه:

من المعروف لدى علماء الشرع: أن العلاج أو التداوي من الأمراض ليس بواجب عند جماهير الفقهاء، وأئمة المذاهب. بل هو في دائرة المباح عندهم. وإنما أوجبه طائفة قليلة، كما قاله بعض أصحاب الشافعي وأحمد. كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية. وبعضهم استحبه.

بل قد تنازع العلماء: أيهما أفضل: التداوي أم الصبر؟ فمنهم من قال الصبر أفضل، لحديث ابن عباس في الصحيح عن الجارية التي كانت تصرع – يصيبها الصرع – وسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو لها، فقال: “إن أحببت أن تصبري ولك الجنة، وإن أحببت دعوت الله أن يشفيك” فقالت: بل اصبر، ولكنى أتكشف، فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها ألا تتكشف. (متفق عليه. رواه البخاري في كتاب المرضى ومسلم في البر والصلة 2265).

ولأن خلقًا من الصحابة والتابعين لم يكونوا يتداوون، بل فيهم من اختار المرض، كأبي ابن كعب، وأبي ذر – رضي الله عنهما – ومع هذا فلم ينكر عليهم ترك التداوي.

وقد عقد الإمام أبو حامد الغزالي في “كتاب التوكل” من “الإحياء” بابًا في الرد على من قال ترك التداوي أفضل بكل حال.

هذا هو رأي فقهاء الأمة في العلاج أو التداوي للمريض. فأكثرهم يجعلونه من قسم المباح، وأقلهم يجعلونه من المستحب، والأقل منهم يجعلونه واجبًا.

وأنا مع الذين يوجبون العلاج في حالة ما إذا كان الألم شديدًا، والدواء ناجحًا، والشفاء مرجوًا منه وفق سنة الله تعالى.

وهو الموافق لهَدْي النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي تداوى وأمر أصحابه بالتداوي، كما ذكر ذلك الإمام ابن القيم في هديه -صلى الله عليه وسلم- في “زاد المعاد” وأدنى ما يدل عليه ذلك هو السنية والاستحباب.

ومن هنا يكون العلاج أو التداوي حيث يرجى للمريض الشفاء مستحبًا أو واجبًا، أما إذا لم يكن يرجى له الشفاء، وفق سنن الله في الأسباب والمسببات التي يعرفها أهلها وخبراؤها من أرباب الطب والاختصاص، فلا يقول أحد باستحباب ذلك فضلاً عن وجوبه.

وإذا كان تعريض المريض للعلاج بأي صورة كانت – شربًا أو حقنًا أو تغذية بالجلوكوز ونحوه، أو توصيلاً بأجهزة التنفس والإنعاش الصناعي، أو غير ذلك مما وصل إليه الطب الحديث، ومما قد يصل إليه بعد – يطيل عليه مدة المرض، ويبقى عليه الآلام زمنا أطول، فمن باب أولى ألا يكون ذلك واجبًا ولا مستحبًا، بل لعل عكسه هو الواجب أو المستحب.

فهذا النوع من تيسير الموت – إن صحت التسمية – لا ينبغي أن يدخل في مسمى “قتل الرحمة”، لعدم وجود فعل إيجابي من قبل الطبيب، إنما هو ترك لأمر ليس بواجب ولا مندوب، حتى يكون مؤاخذًا على تركه، بحسب فتوى الشيخ القرضاوي.

تيسير الموت بإيقاف أجهزة الإنعاش

وحول مسألة تيسير الموت بالطرق الفعالة لا المنفعلة، فصل الشيخ القرضاوي قائلاً:

بقي الجواب عن المثال الثاني في النوع الأول، الذي اعتبره السؤال من تيسير الموت بالطرق الفعالة لا المنفعلة. وهو يقوم على إيقاف المنفسة الصناعية أو ما يسمونه “أجهزة الإنعاش الصناعي” عن المريض، الذي يعتبر في نظر الطب “ميتًا” أو “في حكم الميت” وذلك لتلف جذع الدماغ، أو المخ، الذي به يحيًا الإنسان ويحس ويشعر.

وإذا كان عمل الطبيب مجرد إيقاف أجهزة العلاج، فلا يخرج عن كونه تركًا للتداوي شأنه شأن الحالات الأخرى، الذي سماها “الطرق المنفعلة”.

ومن أجل ذلك أرى إخراج هذه الحالة وأمثالها عن دائرة النوع الأول “تيسير الموت بالطرق الفعالة” وإدخالها في النوع الآخر.

وبناءا على ذلك يكون هذا أمرًا مشروعًا ولا حرج فيه أيضًا، وبخاصة أن هذه الأجهزة تبقى عليه هذه الحياة الظاهرية – المتمثلة في التنفس والدورة الدموية – وإن كان المريض ميتًا بالفعل، فهو لا يعي ولا يحس ولا يشعر. نظرًا لتلف مصدر ذلك كله وهو المخ.

وبقاء المريض على هذه الحالة يتكلف نفقات كثيرة دون طائل، ويحجز أجهزة يحتاج إليها غيره، ممن يجدي معه العلاج، وهو – وإن كان لا يحس – فإن أهله وذويه يظلون في قلق وألم ما دام على هذه الحالة، التي قد تطول إلى عشر سنوات أو أكثر!.

وقد ذكرت هذا الرأي منذ سنوات أمام جمع من الفقهاء والأطباء في أحد اجتماعات الندوة التي تقيمها بين الحين والحين “المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية” بالكويت، فلقي قبول الحاضرين من أهل الفقه وأهل الطب، وفقاً للشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

المصدر: موقع “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى