مقالاتمقالات المنتدى

حكم صيام يوم عاشوراء إذا وافق يوم الجمعة

حكم صيام يوم عاشوراء إذا وافق يوم الجمعة

 

بقلم أ. د. كامل صبحي صلاح “أستاذ الفقه وأصوله” (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فإنّ من الأزمان الفاضلة، والأيام المباركة، التي يُشرع صيامها يوم عاشوراء، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم عاشوراء، لأهميته، ولعظيم فضله، ومكانته وسببه. ففي الحديث عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: «ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم يومَ عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان». «أخرجه البخاري، (1867)». ومعنى: «يتحرّى» أي: يقصد صومه، لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.

حيث إنّ من عظيم فضل صيام يوم عاشوراء كونه يكفّر ذنوب سنة ماضية، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:«صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله». «رواه مسلم، (1976)». ولا شكّ أنّ هذا من فضل الله تبارك وتعالى العظيم على عباده، أن يُحتسب صيام يوم واحد لتكفير ذنوب سنة كاملة.

ولقد وردت نصوص صحيحة صريحة تدلّ على أنّ أفضل الصيام بعد شهر رمضان المبارك هو شهر الله تعالى المحرّم، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ»

«صحيح مسلم، (١١٦٣)».

وفي الحديث كذلك عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ بَعْدَالمَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضانَ؟فَقالَ:أَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضانَ، صِيامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ » «صحيح مسلم، (١١٦٣)».

وقد يوافق صيام يوم عاشوراء يوم جمعة كهذا العام، فما حكم صوم يوم عاشوراء إن وافق يوم الجمعة؟

فإنه وقبل الحديث عن حكم صيام يوم عاشوراء إن وافق يوم الجمعة لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ صيام يوم الجمعة مكروه لمن قصده بذاته وأفرده بالصوم، وذهب إلى هذا القول جمهور أهل العلم، من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وابن القيم، والشوكاني، وغيرهم. «يُنظر: المجموع، للنووي (6/436)، ومغني المحتاج، للشربيني (1/447)، والفروع، لابن مفلح (5/103)، والمغني، لابن قدامة (3/170)، وإعلام الموقعين، لابن القيم (3/174)، والدراري المضية، للشوكاني (2/178)، وأضواء البيان، للشنقيطي (7/365)».

واستدلّوا على ذلك بما يلي: ففي الحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ» «أخرجه البخاري (1849) ومسلم (1929)».

وفي الحديث كذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» «أخرجه مسلم (1930)».

وفي الحديث عَنْ جُوَيْرِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ لا قَالَ تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ لا قَالَ فَأَفْطِرِي وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ سَمِعَ قَتَادَةَ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَتْهُ فَأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ» «أخرجه البخاري (1850)».

قال الإمام النووي: «قَالَ أَصْحَابُنَا (يعني الشافعية): يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ فَإِنْ وَصَلَهُ بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ شِفَاءِ مَرِيضِهِ, أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ أَبَدًا, فَوَافَقَ الْجُمُعَةَ لَمْ يُكْرَهْ»«المجموع شرح المهذب، للنووي، (6/ 479)».

وقال الإمام ابن قدامة: «يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ , إلا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ , مِثْلُ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَيُوَافِقُ صَوْمُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَمَنْ عَادَتُهُ صَوْمُ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ , أَوْ آخِرِهِ , أَوْ يَوْمِ نِصْفِهِ» «المغني، لابن قدامة، (3/53)».

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: «إنّ السنّة مضت بكراهة إفراد رجب بالصوم، وكراهة إفراد يوم الجمعة». «الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، (6/180)».

لكنّ هذا النهي المذكور ليس على إطلاقه، فقد جاء في النهي عن صوم الجمعة تطوعاً دون أن يُسبق بيوم قبله، أو بعده، ولأنّ النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام مخصوص بمن قصد ذلك، وبالتالي فإذا وافق يوم عاشوراء يوم الجمعة، فلا حرج في إفراده بالصيام ولا يجب صيام يوم قبله، لأنّ نيته صوم يوم عاشوراء، وليس صوم يوم الجمعة.

وبناءً على ذلك فإذا كان من عادة الإنسان أن يصوم يوماً ويفطر يوماً فصادف يوم صومه يوم الجمعة فلا بأس بصومه، وكذلك لو أراد إنسان أن يصوم يوم عاشوراء فصادف يوم عاشوراء يوم الجمعة فإنه لا حرج عليه أن يصوم يوم الجمعة ويقتصر عليه؛ لأنه إنما أفرد هذا اليوم لا من أجل أنه يوم الجمعة، ولكن من أجل أنه يوم عاشوراء، فهو صيام له سببه، كما إذا وافق يوم الجمعة عادةً للصائم؛ كمَنْ يصوم يومًا ويُفطر يومًا، أو صادف هذا اليوم يوم عاشوراء واقتصر عليه، فإنه لا حرج عليه في ذلك، وإن كان الأفضل في صيام يوم عاشوراء أن يصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده.

وإنّ من مما ينبغي الإشارة إليه في هذا المقام، أنّ

لصيام يوم عاشوراء سبباً ومزيّة على سائر الأيام، وله من الأحكام والفضائل العظيمة، ومن ذلك:

– إنّ سبب صيام يوم عاشوراء ورد في حديث عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «لَمّا قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ واليَهُودُ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ، فَسَأَلَهُمْ، فقالوا: هذا اليَوْمُ الذي ظَهَرَ فيه مُوسى على فِرْعَوْنَ، فقالَ النبيُّ ﷺ: نَحْن أوْلى بمُوسى منهمْ فَصُومُوه». «أخرجه البخاري (٤٧٣٧)».

وفي رواية عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:«لَمّا قَدِمَ النبيُّ ﷺ المَدِينَةَ وجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ عاشُوراءَ، فَسُئِلُوا عن ذلكَ، فَقالوا: هذا اليَوْمُ الذي أظْفَرَ اللَّهُ فيه مُوسى، وبَنِي إسْرائِيلَ على فِرْعَوْنَ، ونَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا له، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: نَحْنُ أوْلى بمُوسى مِنكُمْ، ثُمَّ أمَرَ بصَوْمِهِ» «أخرجه البخاري (٣٩٤٣)».

وفي رواية عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:« قَدِمَ رَسولُ اللهِ ﷺ المَدِينَةَ، فَوَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَومَ عاشُوراءَ فَسُئِلُوا عن ذلكَ؟ فَقالوا: هذا اليَوْمُ الذي أَظْهَرَ اللَّهُ فيه مُوسى، وَبَنِي إسْرائِيلَ على فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا له، فَقالَ النبيُّ ﷺ: نَحْنُ أَوْلى بمُوسى مِنكُم فأمَرَ بصَوْمِهِ » «أخرجه مسلم، (١١٣٠)».

وليُعلم جلياً ظاهراً مما تقدم ايراده من الأحاديث أنّ الإسلامُ هو دِينُ الأنبياءِ جَميعًا، ومِن أُصولِ الإسلام: الإيمانُ بجَميعِ الرُّسلِ والأَنبياءِ، ونبيُّنا محمَّدٌ ﷺ هو خاتمُ الأنبياءِ والمُرسَلِين، وهو وأتْباعُه المُسلِمونَ أَوْلى بِمُوسى عليه السَّلامُ وبجَميعِ الأنبياءِ والمُرسَلِين مِن أَقوامِهم الذين حرَّفوا دِينَهم وغيَّروه وبدَّلوه.

ويفهم من الحديث أنَّ الأنبياءَ بَعضُهم أَوْلى ببعضٍ، وأنَّ مَن غيَّر شرائعَ اللهِ تبارك وتعالى المنزّلةَ على الرُّسُلِ، لا يَصحُّ انتسابُه إليهم ولا إلى شَرائِعهم، ولا ينتفع بذلك.

ولَمّا قدِم النبي صلى الله عليه وسلمَ المدينة المنورة، بعدَ أنْ هاجَرَ مِن مكَّةَ، وجَدَ اليَهودَ الذينَ بالمَدينةِ يَصومونَ يومًا يُسمّى عاشُوراءَ، وهوَ اليومُ العاشِرُ مِن شَهرِ الله المحرَّمِ، فَسألَ النبيُّ ﷺ عن سَببِ صِيامِهمْ لهذا اليومِ، فقالوا: هَذا يومٌ عَظيمٌ؛ لأنَّهُ يومٌ نجّى الله تعالى فيه مُوسى عليه السَّلامُ وقَومَهُ بَني إِسرائيلَ مِن عدُوِّهِمْ فِرْعَونَ، وأَغرقَ اللهُ قوم فِرعَونَ، فَصامَ مُوسى عليه السَّلامُ ذلكَ اليومَ شُكرًا للهِ تعالى، فقالَ النبيُّ ﷺ: «أنا أَوْلى بِموسى»، أي: بِمُوافقَتِهِ في شُكرِ الله تعالى، والفَرحةِ بِنجاتِهِ من اليهودِ؛ لأنَّ النبيَّ ﷺ مُوافِقٌ لهُ في أَصلِ الدِّينِ، أمّا اليهودُ فقدْ حرَّفوا وغيَّروا وبدَّلوا، فَصامَهُ ﷺ، وأَمرَ الناسَ بِصيامِهِ.

– لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم عاشوراء، لأهميته، ولعظيم فضله، ولمكانته وسببه.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم يومَ عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان».

«أخرجه البخاري، (1867)».

ومعنى: «يتحرّى» أي: يقصد صومه، لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.

– ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: «شهر الله» من باب إضافة الشّهر إلى الله تعالى إضافة تعظيم لشهر الله تبارك وتعالى المحرم على غيره من الشهور، فهو أفضلها بعد شهر رمضان المبارك.

– وقت يومي عاشوراء وتاسوعاء:

عاشوراء: هو اليوم العاشر من شهر الله المحرّم.

وتاسوعاء: هو اليوم التاسع من شهر الله المحرّم.

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع:«عاشوراءُ وتاسوعاءُ اسمانِ ممدودان، هذا هو المشهور في كتب اللغة. وقال أصحابنا: عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرَّم، وتاسوعاء هو التّاسع منه، وبه قال جُمْهُورُ العلماء، وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة».

– يُستحبّ صيام التاسع والعاشر من شهر الله تعالى المحرّم جميعاً؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع، ففي الحديث عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَئِنْ بَقِيتُ إلى قابِلٍ لَأَصُومَنَّ التّاسِعَ. وفي رِوايَةِ أَبِي بَكْرٍ: قالَ: يَعْنِي يَومَ عاشُوراءَ» «صحيح مسلم، (١١٣٤)».

– إنّ صيام يوم عاشوراء يكفّر ذنوب سنة ماضية، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:«صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله».

«رواه مسلم، (1976)». ولا شكّ أنّ هذا من فضل الله تبارك وتعالى العظيم على عباده، أن يُحتسب صيام يوم واحد لتكفير ذنوب سنة كاملة.

– مراتب صيام عاشوراء:

1ـ أن يصوم عاشوراء ويوماً قبله ويوماً بعده، وهذا أفضل المراتب.

2ـ أن يصوم عاشوراء ويوماً قبله أو يوماً بعده، لمخالفة المشركين.

3ـ أن يصوم يوم عاشوراء وحده.

– يصحّ إفراد يوم عاشوراء بالصيام، دون أن تتقدمه بيوم، أو تلحقه بيوم بعده.

– إنّ تكفير صيام يوم عاشوراء للسيئات لا يشمل الكبائر، لأنها مخصوصة بأدلة أخرى، ولا بدّ للكبائر من توبة خاصة، وإذا كانت الصلاة والتي هي أعظم من صيام يوم عاشوراء تكفر السيئات إذا اجتنبت الكبائر، فصيام عاشوراء أقلّ منزلة من الصلاة المفروضة التي لا تُكفّر فيها كبائر الذنوب، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال:«الصَّلَواتُ الخَمْسُ، والْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضانُ إلى رَمَضانَ، مُكَفِّراتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذا اجْتَنَبَ الكَبائِرَ» «صحيح مسلم، (٢٣٣)».

وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: «يكفّر كلّ الذنوب الصغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلّها إلا الكبائر. ثم قال رحمه الله تعالى: صوم يوم عرفة كفّارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه…كلّ واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفَّره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات، ورفعت له به درجات وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغائر رجونا أن تخفف من الكبائر» «المجموع شرح المهذب، للنووي، (ج:6)، صوم يوم عرفة».

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «وتكفير الطّهارة، والصّلاة، وصيام رمضان، وعرفة، وعاشوراء للصّغائر فقط» «الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، (ج:5)».

– لا يُشرع ما يفعله بعض النّاس في يوم عاشوراء من الاكتحال، والاغتسال، والحنَّاء والمُصافحة، وإظهار السرور، فإنه لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله تعالى عليهم جميعاً،  وكلّ ما روي من أحاديث مثل: «من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، ومن وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر السنّة، وغيرها من الروايات، فكلّها موضوعة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصحّ منها شيء.

– ذبح الذبائح يوم عاشوراء عند الأضرحة والقبور فعل غير مشروع، حيث أنّ ذبح الذبائح عند أضرحة الأولياء سواء كان ذلك في يوم عاشوراء أو غيره من سائر الأيام، فهو شرك وفاعله ملعون‏، لأنه ذبح لغير الله‏ جل وعلا‏، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏«لعن الله من ذبح لغير الله» «أخرجه مسلم (١٩٧٨)».

وعليه فلا يجوز الأكل  من الذبائح التي تُذبح عند قبور الأولياء‏، من الأغنام والأبقار، وسائر المذبوحات.

– إنّ الأعمال الصالحة تتفاضل فيما بينها زماناً ومكاناً، فالصلاة في الحرم المكّي تفضل على الصلاة في الحرم النبوي، والصلاة في الحرم النبوي تفضل على الصلاة في سائر المساجد، وكذلك الصيام في شهر رمضان المبارك، يفضل عنه في باقي الشهور، والصيام في شهر الله تبارك وتعالى المحرّم يفضل عن الصوم في سائر الشهور.

قال العِزُّ بن عبدِ السَّلام رحمه الله تعالى: «وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دُنْيويٌّ، والضرب الثاني: تفضيل ديني راجعٌ إلى أنّ الله تعالى يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء…ففضلها راجعٌ إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها». «قواعد الأحكام، العز بن عبدالسلام، (1/38)».

# خلاصة الحكم:

يُشرع صيام يوم عاشوراء إذا وافق يوم الجمعة أو يوم السبت، ولا يُشترط صيام يومٍ قبله أو بعده مع أفضليته، لأنّ صيام يوم عاشوراء عبادة ذات سبب وسنّة مستقلّة،

ويُستحبّ كذلك صيام التاسع والعاشر من شهر الله تعالى المحرّم جميعاً؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع، ففي الحديث عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَئِنْ بَقِيتُ إلى قابِلٍ لَأَصُومَنَّ التّاسِعَ. وفي رِوايَةِ أَبِي بَكْرٍ: قالَ: يَعْنِي يَومَ عاشُوراءَ» «أخرجه مسلم، (١١٣٤)». لذا ينبغي للعبد أن يستثمر مثل هذه المواسم الطيبة المباركة، فهي مواسم الطاعات والبركات والخيرات، ومغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، حيث إنّ صيام يوم عاشوراء يكفّر ذنوب سنة ماضية، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:«صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله». «أخرجه مسلم، (1976)». ولا شكّ أنّ هذا من فضل الله تبارك وتعالى العظيم على عباده، أن يُحتسب صيام يوم واحد لتكفير ذنوب سنة كاملة، فالموفق من وفّق لصيامه، وأعانه الله تبارك وتعالى على ذلك.

هذا ما تيسر ايراده في حكم صيام يوم عاشوراء إن وافق يوم الجمعة، نسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله ربّ العالمين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى