حكم تجسيد الكعبة في ميزان الشرع
بقلم: د. سلمان السعودي أمين ملتقى دعاة فلسطين (خاص بالمنتدى)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبي الهدى محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين … وبعد.
الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع في اﻷرض، وقبلة المسلمين الثانية بعد بيت المقدس، عن أبي ذر الغفاري قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ. قُلتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ المَسْجِدُ الأقْصَى. قُلتُ: كَمْ كانَ بيْنَهُمَا؟ قالَ: أَرْبَعُونَ، ثُمَّ قالَ: حَيْثُما أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، والأرْضُ لكَ مَسْجِدٌ.” البخاري.
وعندما هدمت الكعبة في الطوفان الأول أعاد بنائها نبي الله إبراهيم وساعده ولده اسماعيل عليهما السلام بأمر من الله تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (البقرة: ١٢٧ )
وقال تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ }
وقال تعالى: { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }
فالكعبة المشرفة هي جزء من عقيدة المسلم، وﻻ يجوز المساس بها ماديا أو معنويا.
وقد طهرها النبي صلى الله عليه وسلم من اﻷصنام يوم الفتح بأمر من الله تعالى.
والتوجه في الصلاة إلى عينها لمن حضر أو لجهتها لمن هو بعيد عنها شرط لصحة الصلاة، كما أن الطواف حولها ركن من العمرة والحج، والمساس بها هو مساس بعقيدة اﻹسلام.
وعليه: حين نبين حكم تجسيد الكعبة إلكترونيا أو ماديا، فيجب علينا التفريق بين مسألتين:
المسألة اﻷولى: تجسيد الكعبة من أجل التعليم والتعلم:
ففي هذه الحالة يجوز التجسيد من أجل تعليم الطلاب في المدارس، أو ما تقوم به لجان الحج والعمرة في بعض البلاد سواء كانت لجان تابعة لوزارات اﻷوقاف أو لجان تابعة لشركات السفر المتخصصة بالحج والعمرة، فلا خلاف بأن هذا التجسيد جائز لما فيه من مصلحة لمن أراد الحج والعمرة في ترشيده وتعليمه من أجل أداء هذه العبادة على الوجه اﻷصح، وهو يعتبر من باب اﻷمر بالمعروف، وتعليم الناس أمور دينهم.
المسألة الثانية: تجسيد الكعبة إلكترونيا أو ماديا للنيل من شرفها وقدسيتها، أو صرف أنظار وقلوب المسلمين عن هيبتها:
وهذا ما فعل أبرهة اﻷشرم حين أمر ببناء ( قليس ) شبيه بالكعبة لصرف الناس عنها والحج إلى القليس، فعندما لم ينجح بصرف الناس عن الكعبة عمد إلى هدمها، فجيش الجيوش وجاء بالفيَّلة ولكن كان أمر الله تعالى بإرسال جنوده من طير اﻷبابيل، فقُتل من قُتل، وهرب من هرب، قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }.
وفي هذه القصة إذن من الله تعالى في إعلان الحرب على من أراد الكعبة المشرفة بسوء، واستعجال لغضب الله تعالى وانتقامه كما فعل سبحانه مع أبرهة وجيشه.
وعليه فلا يجوز شرعا تجسيد الكعبة المشرفة إلكترونيا أو ماديا لهذه اﻷغراض التي تنال من قدسيتها كخلفيات للمهرجانات الماجنة والسافرة، أو احتفاﻻت عرض اﻷزياء وغير ذلك من المجون والتشبه بالكفار.
هذا والله أعلى وأعلم
اقرأ ايضا: بيان الحكم الشرعي حول إهانة الكعبة وأنه يعد من كبائر الذنوب