مقالاتمقالات المنتدى

حقيقة دعوة الرسل من خلال وصية إبراهيم ﷺ لأبنائه

حقيقة دعوة الرسل من خلال وصية إبراهيم ﷺ لأبنائه

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

ذكر الله وصية إبراهيم – عليه السّلام – لأبنائه في سياق الآيات التي تتحدث عن وجوب التمسك بملته، والتي تبين أن من ترك ملته رغبة عنها إلى غيرها فإنما هو جاهل بموضع حظ نفسه فيما ينفعها ويضرها في معادها، كاليهود والنصارى الذي انحرفوا عن الطريق الصحيح، فموضوع الوصية في الآية: الحثُّ على التمسك بالإسلام وعدم تركه أبداً.

قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ}:

بدأ وصيته لهم بتذكيرهم بنعمة الله وفضله عليهم بأن اختار لهم هذا الدين الكامل من بين الأديان وفضلهم به، وبعد أن هيأ قلوبهم وأنعامهم، باستشعارهم النعمة – التي فضلهم الله بها واختارها لهم- ولا يموتوا إلا وهم عليهم، بمعنى أن لا يفارقوا هذا الدين أيام حياتهم كلها، وذلك لأنه لا يدري أحد متى تأتيه منيته، وكأنه يقول لهم: اثبتوا على دين الإسلام حتى لا تأتيكم المنية، وأنتم على غيره، فتموتوا وربكم ساخط عليكم فتهلكوا. (تفسير الطبري “جامع البيان في تأويل القرآن”، 1/438)

ويقول ابن كثير في تفسيره موضحاً هذه الوصية: أي أحسنوا في حال الحياة والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه، فإن المرء يموت غالباً على ما كان عليه ويُبعث على ما كان عليه وقد أجرى الله الكريم عادته بأنه من قصد الخير وُفق له وبُسر له ومن نوى صالحاً ثبت عليه. (تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير، 1/280)

ونستنبط من وصية إبراهيم عليه السلام: أن الوصية بعقيدة التوحيد وما تشتمل عليه من سلوك ومكارم أخلاق من أهم ما يوصي به الأب أبناءه في كل أطوار حياتهم حتى يلقوا ربهم وهم عليه وإن الدين المعني به هنا هو الدين الإسلامي الحنيف على حدّ قوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}، و”الــ” في الدين للتعريف على قوله تعالى – هناك – {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} ]آل عمران:19[، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ]آل عمران:85[.

ومن هنا يعلم أن الدين الإسلامي هو الدين ولا دين غيره منذ أن بعث الله الرسل، ومن هذه الأخيرة أن إبراهيم عليه السلام – نفسه – كان قد وُصي من الله عزّ وجل بهذا الدين وهو من بعد أوصى بها أبناءه، فينبغي على الآباء على أن يكونوا في غاية الحرص على أبنائهم بتوجيههم وإرشادهم على اتباع دين الله والتمسك به، فإن هذا خير ما يقدمه الوالد لوالده، إذ به ينقذه من سخط الله وعذابه، ويضعه في محل رضوانه ومحبته عزّ وجل. (القصص القرآني بين الآباء والأبناء، عماد زهير حافظ، ص141)

ومما يذكره الفخر الرازي حول ما يستفاد من هذه الوصية قوله: اعلم أن هذه الحكاية اشتملت على دقائق مرغبة في قبول الدين:

أحدها: إنه تعالى لم يقل: وأمر إبراهيم، بل قال: ووصى، ولفظ الوصية أوكد في الأمر؛ لأنّ الوصية عند الخوف من الموت وفي ذلك الوقت يكون احتياط الإنسان لدينه أشد وأتمّ، فإذا عرف أنه عليه السلام في ذلك الوقت كان مهتماً بهذا الأمر متشدداً فيه كان القول إلى قبوله أقرب.

وثانيها: إنه عليه السلام خصص بنيه بذلك، وذلك لأن شفقة الرجل على أبنائه أكثر من شفقته على غيرهم، فلما خصصهم بذلك في آخر عمره علمنا أن اهتمامه بذلك كان أشد من اهتمامه بغيره.

وثالثها: إنه عمم بهذه الوصية جميع بنيه ولم يخص أحداً منهم، وذلك يدل على شدة الاهتمام.

ورابعها: إنه عليه السلام أطلق هذه الوصية غير مقيدة بزمان معين ومكان معين، ثم زجرهم أبلغ الزجر عن أن يموتوا غير مسلمين، وذلك يدل – أيضاً – على شدة الاهتمام بهذا الأمر.

وخامسها: إنه عليه السلام ما مزج بهذه الوصية وصية غيرها، وهذا يدل على شدة الاهتمام بالأمر، ولما كان إبراهيم عليه السلام هو الرجل المشهود له بالفضل وحسن الطريقة وكمال السيرة، ثم عرف أنه كان في نهاية الاهتمام بهذا الأمر، ثم عرف أنه كان في نهاية الاهتمام بهذا الأمر، عرف حينئذ أن هذا الأمر أولى الأمور بالاهتمام وأحراها بالرعاية والقبول. (التفسير الكبير مفاتيح الغيب، الرازي، 4/77)

إنَّ إبراهيم عليه السلام وصّى بنيه ويعقوب، وكانت الوصية {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ}، إذن فالوصية لم تكن أمراً من عند إبراهيم ولا أمراً من عند يعقوب، ولكن كانت أمراً اختاره الله للناس، فلم يجد إبراهيم ولا يعقوب أن يوصيا أولادهما إلا بما اختاره الله، فكأن إبراهيم ائتمن على نفسه فنفذ التكاليف وائتمنه على أولاده فأراد منهم أن يتمسكوا بما اختاره لهم.

قوله تعالى: {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}:

فالمعنى لا تفارقوا الإسلام لحظة حتى لا يفاجئكم الموت إلا وأنتم مسلمون.

والله سبحانه وتعالى أخفى موعد الموت ومكانه وسببه، ليكون في هذا إعلاماً به ويتوقعه الناس في أي وقت وفي أي مكان وفي أي زمان ولذلك قد نلتمس العافية في أشياء يكون الموت فيها والشاعر يقول:

إِن نامَ عَنكَ فَكُلُّ طِبٍّ نافِعٌ   أَو لَم يَنَم فَالطِبُّ مِن أَذنابِهِ

أي إن لم يكن قد جاء الأجل، فالطب ينفعك ويكون من أسباب الشفاء، وأما إذا جاء الأجل فيكون الطب سبباً في الموت، كأن تذهب لإجراء عملية جراحية فتكون سبب موتك، فالإنسان لا بُدَّ أن يتمسك بالإسلام وبالمنهج، ولا يغفل عنه أبداً، حتى لا يأتيه الموت في غفلته، فيموت غير مسلم والعياذ بالله. (تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي،1/596)

ولقد استجاب أبناء إبراهيم عليه السلام لوصيته وهذا يعقوب عليه السلام يكررها في آخر لحظة من لحظات حياته والتي كانت شغله الشاغل الذي لم يصرفه عنه الموت وسكراته فليسمعها طلاب الحقيقة. (في ظلال القرآن، سيد قطب، 1/116)

_________________________________________________

المراجع:

  • إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء والمرسلين، علي محمد الصلابي، دار ابن كثير.
  • تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، دار أخبار اليوم، القاهرة، 2013م.
  • تفسير الطبري “جامع البيان في تأويل القرآن”، الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1992م.
  • تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، ابن كثير، تحقيق: يوسف علي بديوي، حسن سويدان، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ط1، 1434ه، 2013م.
  • التفسير الكبير مفاتيح الغيب (تفسير الرازي)، فخر الدين الرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط 2، 1417ه- 1997م.
  • في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق للطباعة، القاهرة، ط 32، 2003 م.
  • القصص القرآني بين الآباء والأبناء، عماد زهير حافظ، دار القلم، دمشق، ط1، 1990م، 1410هـ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى