مقالاتمقالات المنتدى

حقوق المرأة في الإسلام

حقوق المرأة في الإسلام

 

بقلم الشيخ عارف بن أحمد الصبري “عضو هيئة علماء اليمن” (خاص بالمنتدى)

 

لحقوق المرأة في الإسلام مزايا عظيمة وسمات فريدة نابعة من عظمة هذا الدين الرباني، ومنبثقة عن منهجه القويم الذي جاء بالخير والرحمة للبشرية كلها.

إن الإسلام يقرر بصورة قطعية أن المرأة هي أحد شطري النوع الإنساني، قال تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى).

فالمرأة شقيقة الرجل من حيث الأصل والمنشأ والمصير تشترك معه في عمارة الكون، كلٌّ فيما يخصه، بلا فرق بينهما في عموم الدين:
في التوحيد والاعتقاد والثواب والعقاب وفي عموم التشريع وفي الحقوق والواجبات، فكان الأصل هو التساوي بين الجنسين في الحقوق والواجبات.

وأما الاختلاف بينهما في بعض الحقوق والواجبات فهو استثناء يقتضيه الاختلاف بينهما في الخِلقة والتكوين؛ لأن المساواة في وظائف الحياة وطرائقها من المحال.

إن مزية الإسلام أنه دينٌ ونظامٌ واقعي يسوي بين الجنسين حيث تجب التسوية ويفرق بينهما حيث تجب التفرقة، ويحكم في مسألة الرجل والمرأة على طريقته المثالية، والواقعية في آن واحد.

فالحقوق في الإسلام مِنَحٌ إلهية أساسها التكريم الإلهي للإنسان، فلم تكن المرأة المسلمة في حاجةٍ إلى أن تكافح وتناضل وتثور وتعلن الإضرابات من أجل البحث عن حقوق ضائعة، بل هي حقوق قررتها شريعة الله ابتداءً ودعت إليها.

إنها حقوقٌ ربانيةُ المصدر لا تقبل التبديل ولا التغيير قررها الخالق الحكيم تبارك وتعالى فجاءت في منتهى الكمال والعدل والرحمة؛ لأنها شريعة أرحم الراحمين صاحب الكمال المطلق.

وهي كذلك حقوقٌ ربانيةُ الغاية يؤديها المسلم لمستحقها كاملة غير منقوصة طاعة لله تعالى، اختياراً وطواعية، ويفي بها عبادةً لله تعالى، ولو لم يعلم بها صاحبها أو يطلبها.

إنها الحقوق التي تحقق مصلحة الإنسان فتوافق الفطرة ولا تصادمها، ولا يطغى فيها جانبٌ على آخر، ولا يزاحم حق منها حقاً آخر ولا يعارضه، بل تتوازن مع جميع الحقوق الأخرى، ولا تتعارض مع مصلحة المجتمع ولا تتنافى مع القيم الأصيلة ولا تتعارض مع مصلحة الأسرة.

إنها الحقوق الشاملة والمتنوعة التي تضمن للمرأة حقوقها كإنسانٍ، وكأنثى وكمسلمة وزوجة وأم وبنت وأخت وجدة وعمة وخالة، وكأرملة ومطلقة … الخ فهي تتنوع بتنوع الاعتبارات والأحوال.

إنها الحقوق المعلومة التي لا جهالة فيها، ولا غموض يعرفها من وجبت له، ومن وجبت عليه فكانت بمثابة العقد بين بني الإنسان يجب الوفاء بها ديانةً وقضاءً ولا يجد الإنسان مشقةً في الوفاء بها؛ لأنها في وسع الإنسان ومقدوره.

ويُلزم ولي الأمر في بلاد المسلمين بحمايتها والحفاظ عليها وردها إلى مستحقيها متى اُعتديَ عليها، فيأمن الإنسان ويطمئن ويسعد في ظل رحمة الإسلام.

مزايا حقوق المرأة في الإسلام:

لحقوق المرأة في الإسلام مزايا عظيمة وسمات فريدة نابعة من عظمة هذا الدين ومنبثقةٍ عن منهجه القويم الذي جاء بالخير والرحمة للبشرية.
ومن هذه المزايا ما يلي:

أولاً:
حقوق المرأة في الإسلام حقوق ربانية في مصدرها وغايتها، قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً).

فمصدر هذه الحقوق هو الكتاب والسنة فهي من عند الله وغايتها أن يؤديها المسلم كاملة غير منقوصة ابتغاء مرضاة الله، ولأنها ربانية فهي حقوق ثابتة لا تتبدل ولها قداستها وجلالها وعظمتها.

ثانياً:
حقوق المرأة في الإسلام منحةٌ إلهية وهبةٌ ربانية ليست من وضع بشر ولم تحصل عليها المرأة بعد صراعاتٍ مريرة وليست تلك الحقوق منةً أو تفضلاً من الرجال عليها أو تنازلاً لها، ولم تكن المرأة في الإسلام في حاجة إلى أن تكافح وتثور وتنظم المسيرات وتعلن الإضرابات من أجل البحث عن حقوق ضائعةٍ بل هي حقوق دعت إليها وقررتها شريعة الله تعالى.

ثالثاً:
حقوقٌ فطرية واقعية، تتناسب مع فطرة المرأة ودورها في الوجود، وتعينها على القيام بواجباتها على أكمل وجه؛ لأنها نابعة من الإسلام دين الفطرة، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

ولأنها فطرية فهي سهلة يسيرة، وهي مواكبة وملائمة لطبيعة المرأة كإنسان، وطبيعتها كأنثى فتطمئن إليها المرأة وتجد فيها السعادة والسكينة
والأمان.

رابعاً:
حقوق رحيمة عادلة، فهي شرعة أرحم الراحمين التي جاء بها المبعوث رحمة للعالمين ، لذا عاش نساء السلف حياة آمنة مطمئنة هادئة هانئة في واحة الإيمان وفي ظل القرآن الكريم مع الهدي النبوي القويم، موقناتٍ بأن الخير كل الخير وأن البركة كلها في اتباع منهج الله.
روى النسائي في السنن بسنده عن أميمة بنت رفيقة رضي الله عنها قالت: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوةٍ من الأنصار نبايعه فقلنا: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروفٍ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيما استطعتن وأطقتن) قالت: الله ورسوله أرحم بنا هلَّم نبايعك يا رسول الله).

قولهن: “الله ورسوله أرحم بنا” دليلٌ على إيمان المرأة وتسليمها بأن ما قضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في أمرهن فيه الخير والبركة والرحمة، فالمسلمة واثقةٌ بشرع الله تعالى، مطمئنةٌ راضيةٌ بحكمه.

خامساً:
حقوق متوازنة: حقوق المرأة في الإسلام تتوازن مع جميع الحقوق الأخرى، فلا تتعارض مع مصلحة المجتمع ولا تتنافى مع القيم الأصيلة، ولا تتعارض مع مصلحة الأسرة وترابطها؛ فالمرأة هي عماد الأسرة وأساس البيت، وهي المدرسة الأولى لتربية الأجيال، فلا يمكن أن تجنح بها الحقوق بعيداً عن مملكتها أو تخرجها من عالمها وتستدرجها بعيداً عن ميدانها الرحيب، من هنا كان التوازن بين الحقوق والواجبات أساس العلاقة بين النساء والرجال وقاعدة الانطلاق نحو صلاح الفرد والأسرة والمجتمع.

سادساً:
حقوق متنوعة وشاملة:
حقوق المرأة في الإسلام متنوعة وشاملة بتنوع الاعتبارات والأحوال فلها حقوق كإنسانة، وحقوقها كأنثى، وحقوقها كمسلمة، وحقوقها كأم، أو أخت أو بنت أو جدة أو عمة أو خالة، وحقوقها كعاملة، وحقوقها كمطلقة أو أرملة، ولها حقوقها المادية وحقوقها المعنوية والأدبية، ولها حقوقٌ في حياتها وحقوق بعد مماتها، ولها حقوقها العامة والخاصة، وقد تجتمع لها كثير من الحقوق في وقت واحد.

سابعاً:
حقوق عامة:
حقوقٌ تتواكب مع شتى العصور وتتناسب مع كل الأجيال، وهي ليست حكراً على طبقةٍ معينة من النساء أو على طائفة معينة، فهي لهن جميعاً على السواء مهما اختلفت الألوان وتناءت الأوطان ولا فضل لامرأة على أخرى إلا بتقوى الله تعالى.

ثامناً:
حقوق معلومة: الحقوق للمرأة أو للرجل بمثابة العقد بين جميع الأطراف، لذلك لابد أن تكون معلومةً؛ لعدم صحة العقد على مجهول، لذلك فإن معرفة تلك الحقوق مطلب ضروري ومقصد شرعي، فيجب على المرأة أن تعرف حقوقها وواجباتها.

كما يجب على الرجل كذلك معرفة تلك الحقوق للمرأة التي تمثل واجباتٍ عليه، كما أن عليه أيضاً أن يعرف حقوقه.

ورحم الله الصحابيات الجليلات اللاتي حرصن على معرفة ما للرجال عليهن من حق، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً أتى بابنته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج فقال لها (أطيعي أباك) فقالت: لا حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته؟) فهذه الفتاة العاقلة أبت أن تتزوج إلا بعد أن تعرف حق الزوج عليها، وذلك دليل الإيمان والصدق واستشعار المسئولية.

وكما كانت النساء حريصاتٌ على معرفة حق الرجل فلقد حرص الرجال كذلك على معرفة حقوق النساء وفي ذلك دليلٌ على ما كان عليه سلفنا الصالح من علم وعمل وعدل وإنصاف وتكامل.

فعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى